الثقافة والتنمية أمران لا يمكن لأي مجتمع أن يعيش من دونهم ولا يستطيع أن يحافظ على توازنه دون وجود تناغم بينهم، فحينما تصاب التنمية والاقتصاد بأزمة تضعف من قدرتها أو تتعرض الثقافة لأزمة تعوقها على التطور فإن أوضاع المجتمع تسوء وتتراجع قدرته على التنمية وتحقيق التقدم، فالحديث عن المستقبل وتحديدا مستقبل الخطط التنموية يقتضي معالجة العلاقة بين الثقافة والاقتصاد والتنمية.
الفرضيات الجديدة أصبحت تسلم بأن التنمية لا يمكن أن تتحقق فقط بالمعايير الاقتصادية بل أيضا بإمكانية تطوير وحماية كل المكونات الثقافية المرتبطة بالإنسان بمستوياتها الاجتماعية والاقتصادية والوجدانية والتنموية.
الثقافة أصبحت من المنظور الاقتصادي قطاعا قابلا للمساهمة في إنتاج فائض القيمة من خلال العديد من الأنشطة التسويقية القادرة على الإسهام المباشر وغير المباشر في النمو الاقتصادي والاجتماعي، فهذه التوليفة المعاصرة أظهرت لنا مفهوم الاقتصاد الثقافي والذي يتيح لنا مفهوم الصناعات الثقافية والصناعات الإبداعية ومع استيعاب تعقيد الثقافة وعلاقتها بالنطاق الاقتصادي.
إذن ماذا لو تطلعنا إلى استكشاف دور هذه الصناعات ومعناها في سياقاتها الاقتصادية والثقافية وقمنا بوضع منهج صريح في الاقتصاد الثقافي بوصفها تراثا وابتكارا مع التحول من المستهلكين للثقافة إلى منتجين لها؟ .
ماذا لو قمنا بتبني فكرة التنمية المستدامة ثقافيا والاعتراف بالاعتماد المتبادل والربط بين المتغيرات الاقتصادية والثقافية والمتغيرات الأخرى داخل منظومة شاملة؟.
قيمة الاقتصاد الثقافي تتراوح ما بين 3 و 7% من الناتج القومي، هل نعلم أن هذه القيمة تفوق أحيانا قيمة قطاعات مهمة مثل الزراعة أو الطاقة.. وأن الاقتصاد الثقافى يسهم في إيجاد فرص عمل لما يقرب من 7% من إجمالي العاملين بالدولة؟ طبعا لا.
أيضا من الممكن أن تساهم البنوك في تنمية اقتصاد الثقافة ودعمه، فيمكننا القيام بعمل يجمع بين الثقافة والاقتصاد على أساس أنهما يشكلان قلب كل مجتمع وعقله وجعلهما يسيران في اتجاه واحد باستثمار الفعاليات والمقومات الثقافية التي يمتلكها، فمصر مليئة بالكنوز العلمية والثقافية والحضارية يساعدها فى ذلك أن يتم تغير الخريطة الاقتصادية دون الانحسار على الاقتصاديات القديمة.
ومن دون أي محاباة للثقافة فنحن نتحدث عن 100 مليار جنيه تقريبا سنويا يمكن أن يضيفها قطاع الثقافة.. فبلادنا ثرية ثراء كامنا يمكن تفعيله، فقد أهملنا تراثنا وحرمانها على أولادنا.
ومصر بها أكثر من مائة مليون لكل منهم طموحات وتطلعات، فيمكننا أن نوجه طموحاتهم نحو القمة لوضع رؤية لثقافة العصر الذي يحول هذه الصنعة إلى صناعة بالمفهوم الاقتصادي.