الثلاثاء 30 ابريل 2024

«المصور».. معارك تاريخية.. ومواقف وطنية.. وحملات مهنية

صورة أرشيفية

12-11-2023 | 14:47

تقرير يكتبه: أشرف التعلبى
سنوات طويلة ومازالت «المصور» تُحافظ على خطتها وغايتها وأسلوبها، محتفظة بشعارها «رب صورة خير من مقالات كبيرة».. وهو شعار عظيم جعلنا نرى الأحداث بأعيننا، لتوحى بأشياء كثيرة وأحداث توالت فى أثرها، ولو تتبعنا كلا منها لرأينا كيف تسجل «المصور»الأحداث واحدا بعد آخر، لتبقى هذه الصور تعبيرا عن صفحات من التاريخ، نقرأ منها الماضى والحاضر ونستشرف المستقبل،وبالتالى يمكننا أن نقف أمام العالم لنعرف ونفهم كيف كان وكيف أصبح. منذ البداية و«المصور» على عهدها، فقد حملت الأعداد العشرة الأولى من أغلفة وموضوعات داخلية، الكثير من المشاهد المعبرة عن الاحتلال البريطانى لمصر، وصورا كثيرة لتحركات سعد باشا زغلول فى الدفاع عن قضيتنا وحريتنا.. لتكمل «المصور» دورها فى خدمة المجتمع بعرض ومناقشة كل ما يخص الأسرة، فالمسألة ليست مقتصرة على السياسة وحدها، بل هى مجلة الجميع.. ففى العدد «12» الصادر يوم الجمعة 9 يناير 1925، بدأت حملاتها الاجتماعية، بالدعوة لمقاومة تفشى الكوكايين فى البلاد، ونشرت على غلافها رسماً يمثل الموت وهو يعانق شابا من مدمنى هذا المخدر، وأسفلها عنوان كبير «الموت يعانقه.. ولكنه لا يشعر ولا يحس».. كذلك يبين هذا العدد اهتمام مصر - فى ذلك الحين - بشئون الدول العربية الشقيقة فقد ضم صورا عن الدولة السورية الجديدة، التى كانت فرنسا تسعى لإنشائها لفصل «بلاد العلويين» عن جسد الدولة السورية. وفى العدد «13» بدأ الأستاذ فكرى أباظة - يخوض معركة الانتخابات النيابية، وكتب مقالا بعنوان معركة الانتخابات قال فيه: «هنيئا لكنّ هذا الحرمان، آنساتى وسيداتی».. وهو يحسد الجنس اللطيف على حرمانه من حق الانتخاب والترشيح، وفى العدد التالى مباشرة تطالع صورة شاب أنيق وجيه مصقول الشعر.. كان هو صاحب المقالات الرشيقة التى حازت إعجاب قراء المصور إنه فكرى أباظة، وهو فى عمر الخامسة والثلاثين. وحمل فكرى بك أباظة فى العدد 15 على ما حملته البرقيات من أنباء عن تأليف شركة إنجليزية لاستغلال «هليوبوليس بالاس هوتيل» كناد للقمار ينافس «مونت كارلو» وقال منذرا: «لئن شيد النادى الخطير فى «هليوبوليس» أو «حلوان»، فاعلموا أيها المصريون أن «بناءه» العتيد أخطر على مستقبل أبنائكم وأحفادكم من قشلاقات قصر النيل والعباسية ومن معسكرات الإسماعيلية والقنطرة وأبى صوير...». وكان لفكرى بك فى العدد 17 حملة أخرى، على الاحتلال الاقتصادى، عالج فيها مشكلة اجتماعية خطيرة، تمثلت فى استدانة الملاك المصريين من المصارف والشركات الأجنبية، لمجرد التظاهر بالعظمة والثراء وقضاء الصيف فى أوربا، ثم يعجزون عن سداد ديونهم فتضيع ثرواتهم. على أن العدد 18 كان عروس أعداد المصور، فقد حملت فى صدرها أول صورة نشرت لصاحبى السمو الملكى الأمير فاروق والأميرة فوزية.. ولم يكن العدد الـ «20» أقل منه فخرا، فقد ظهرت على غلافه صورة الفاروق فى حداثته وقد استقل سيارة صغيرة يتجول بها فى حدائق القصر الملكى، وهنا يمكننا أن نتوقف قليلا عند عبارة كتبت تحت هذه الصورة «إن المصور لتفخر بأن تكون واسطة تعرف الأمة بأميرها المحبوب» ... وقد استطاعت المصور، أن تقوم بهذه المهمة خير قيام، وظلت تطالع الشعب المتعلق بالعرش بصور ولى عهده أولا بأول، حتى خرج إلى الحياة العامة الرسمية يوم أنابه والده، فى حفلة مهرجان الطيران المنشورة فى العدد 384، ثم توالى بعد ذلك ظهوره فى المناسبات الرسمية حتى تولى العرش، فكانت «المصور» دائما سباقة إلى تتبع حركاته وصوره، وإصدار أعداد خاصة للمناسبات الملكية السعيدة. وبعد عامين من صدور المجلة وبالتحديد فى العدد 106 الصادر بتاريخ 22 أكتوبر 1926 نوهت إدارة الهلال على أن مجلة «المصور» سوف تصدر كل خميس بدلا من صدورها كل جمعة، إلى أن أصبحنا الآن نصدر صباح كل أربعاء. ثم سجل العدد 23 الصادر فى ۲۷ مارس سنة 1925 حادثا تاريخيا فى حياة البلاد النيابية، وهو عدد حافل بصور أعضاء البرلمان الذى أثبت أن لسعد زغلول ولحزبه الأغلبية، مما حدا بوزارة زيور باشا إلى حله، ولما تنقض على حياته ثلاث ساعات ونصف الساعة.. ومن الطرائف التى حواها العدد صورة لخفير بقسم الجمرك بالإسكندرية يدعى « خميس محمد العربى» بلغ السابعة والتسعين من عمره، وتزوج 27 مرة، وأنجب أولادا كان يجهل عددهم، ويرجح أنهم يزيدون عن «50» و كان أكبرهم كهلا فى السبعين، وأصغرهم طفلة فی الثالثة. وحوى العدد 24 أول صور عن الجامعة المصرية الرسمية، وكتب أسفل الصورة «..بعد أن تحقق رجاء الأمة بإنشاء الجامعة الأميرية وأسندت رئاستها إلى رجل العلم الأستاذ أحمد لطفى السيد بك مدير دار الكتب، ولما كان الجمهور يتوق إلى رؤية الأساتذة الذين تتكون منهم نواة الجامعة فقد زينا هذا العدد بهيئتهم الكاملة...»، وتابعت المجلة باهتمام أخبار الجامعة والنهضة العلمية والدراسية فى البلاد، وصارت من تقاليدها أن تفرد لها صفحات فى أعدادها المتوالية أنها أفردت لهم فى المدة بين سنة ۱۹۳۲ وسنة 1935 صفحة خاصة. أكثر المجلات انتشاراً ثم خطت «المصور» خطوة جديدة فى العدد «۲۷» إذ زادت حجم صفحاتها، فأصبحت۲۳ سنتيمترا طولا و 24 عرضا وقد جاء فى افتتاحيتها: «إن المصور لتفخر حقا بكونها قد حازت إقبالا لم يُعرف له مثيل فى عالم الدورية، فإنها اليوم - وهي لا تزال فى بدء عمرها - قد أصبحت أكثر المجلات العربية انتشارا .. وهى لا تزال - بحمد الله محتفظة بهذه المكانة حتى اليوم. وكانت الأعداد من 31 إلى 40 سجلات لأحداث مصر المهمة منها محاكمة المتهمين بمقتل السردار، واستقالة اللورد اللنبى، ومسألة الحدود المصرية الليبية، والتحقيق فى قضايا اغتيالات الإنجليز، التى كان بين متهميها أحمد ماهر باشا، ومحمود فهمى النقراشى باشا، إضافة إلى المتهمين فى قضية الشيوعية. ولم تكتفِ «المصور» بنشر الأخبار والأحداث، بل كانت تعرض قضايا فكرية بهدف تنوير الأمة.. فالعدد 43 حمل غلافه صورتين، إحداهما للشيخ على عبد الرازق، وكان آنذاك قاضى محكمة المنصورة الشرعية، وقد أفضى به الاجتهاد إلى وضع كتاب عن الإسلام وأصول الحكم.. أعلن فيه بجرأة استقلال الحكم عن الدين، وأن الخلافةلیست ركنا من أركان الدين، فثار العلماء واعتبروا نظريته هذه بدعة وكل بدعة ضلالة.. وطالبوا بمحاكمته وكانت ضجة كبيرة سببت أول أزمة وزارية من نوعها فى مصر، إذ لم يلبث الأعضاء المنتمون إلى حزب الأحرار الدستوريين، أن استقالوا فى تضامن فذ، احتجاجا على ما أريد اتخاذه ضد صاحب الكتاب وقد أثيرت هذه المسألة مرة أخرى، عندما رشح «على عبدالرازق» لوزارة الأوقاف.. والصورة الثانية التى حملها غلاف العدد، لعالم جامعى أمريكى يدعى «سكوب»، جاهر فى محاضرته بنظرية «داروين» عن تسلسل الإنسان والقرد من أصل واحد. طريقة الطبع ومع بداية العام الثانى للمجلة نجد فيها تقدما محسوسا، سواء فى الطبع أو فى المادة وقد ضم العدد «53» الصادر سنة 1952، 49 صورة ورسمين فكاهيين.. كما حوت وصفا لطريقة طبع «المصور»، وهى طريقة تتعاون فيها العلوم الفوتوغرافية والكيماوية، حيث تمر فيها الصورة قبل ظهورها على الورق بعدة مراحل منها: التصوير وهى آلة ضخمة طولها 4 أمتار ومساحة زجاجتها 60 فى 60 سنتيمتراً، والغرض منها نقل أى صورة وحفرها على زجاجة سلبية، ثم إعادة نقل الزجاجة السلبية إلى زجاجة إيجابية، فالصور التى يشاهدها القارئ فى العدد الواحد من المصور قد نقلت إليه مرتين بواسطة هذه الآلة، والمرحلة الثانية هى ترتيب الصور فبعد الحصول على زجاجات إيجابية لجميع الصور التى يراد حفرها توضع على لوح مسطح كبير من البلور وترتب الترتيب الذى يراد ظهوره فى المصور، ويوضع الكلام حول الصور مطبوعًا على ورق شفاف ليحفر مع الصور، ثم المرحلة الثالثة وهى الحفر حيث يؤخذ هذا الورق الذى انطبع عليه العدد ويبال بالكحول ويلف حول الاسطوانة النحاسية التى يراد حفر الاكليشهات عليها ثم يعالج بمواد كيماوية حتى إذا ذاب يبدأ الحفر من خلاله على النحاس حتى تحفر الصور كلها على الاسطوانة النحاسية.. لتأتى المرحلة الأخيرة وهى الطبع وفيها يتم تركيب النحاسة الاسطوانية إلى النحاسة المحفورة فى مكنة الطبع وهى مكنة من نوع المسكنات الروتاتيف من حيث إن الورق يضغط عند الطبع بين اسطوانتين إحداهما هى التى مجملة وتعرف بلغة المطابع بالطنبور والأخرى هى الاسطوانة النحاسية المحفور عليها، وهكذا يطبع العدد وتظهر الصور بهذا الرونق الجميل الذى لا يميزها عن الصور الفوتوغرافية. وفى العدد 55 نشرت «المصور» بابا جديدا، أطلق عليه «أمالى أسبوعية» يتضمن تعليقات على أهم الحوادث المحلية، ونشر فيه صورة المعتمد البريطانى «الأونرابل جورج لويد» عند وصوله إلى مصر، لقد كان مندوب بريطانيا آنذاك وحظى باستقبال رسمی ضخم، كأنه صاحب السلطة الشرعية فى البلاد، ولقد لعب اللورد لويد، كما صار - دورا كبيرا فى حياة مصر السياسية فيما بين سنتى 1926 و۱۹۲۹، حتى إذا وليت حكم بريطانيا وزارة العمال الأولى.. أقيل، وطالما سمعنا صوته بعد ذلك يندد بمصر، ويحمل عليها.. ونشرت»المصور» نبأ الإقالة وصورة اللورد فى العدد 251. كما حمل العدد 57 تجديدات أخرى، تدل على دأب «المصور» على التقدم، فأضيفت إليه «صفحة نسائية» كانت تستعرض أهم مظاهر وتطورات الحركة النسائية فى الغرب، وباب «طبيب العائلة»، الذى كان مخصصا للإرشادات الطبية، ويمكن أن نعتبر ذلك أنه النواة الأولى التى خرج من رحمها فيما بعد مجلة حواء ومجلة طبيبك الخاص. وبمناسبة رصدنا للـ25 سنة الأولى من عمر «المصور» يمكن اعتبار العدد 59 من الأعداد التاريخية، فقد حوى صور الاجتماع الفذ الذى جمع أعضاء مجلس النواب والشيوخ - على اختلاف انتماءاتهم الحزبية - فى فندق الكونتننتال، للاحتجاج على تعطيل الوزارة الزيورية للبرلمان. وجاء العدد 60 بحدث جليل آخر.. حيث نشرت المجلة صورا وأنباء عن اجتماع أمراء الأمة ليشاركوا الشعب فى محنته، ويساهموا معه فى المطالبة بإعادة الحياة النيابية، وكان على رأسهم صاحب السمو الملكى الأمير محمد على وسمو الأمير عمر طوسون وأولاده.. والعددان ۷۱ و ۷۲ يبعثان فى القلوب أمنية طال اشتياقها إلى الظهور إلى ميدان الحقيقة وهى أمنية ائتلاف الزعماء فى سبيل الوطن.. ولفكرى بك فى العدد 72، رؤية صادمة.. تعليقاً على تبرع المليونير الأمريكى روكفلر بمليونى جنيه تنفق فى مصر خدمة للعلم والفن، فكتب فكرى بك عن ذلك وقال .. «هل يطيل الله فى عمرى لأرى بين أغنياء المصريين من يقوم - لخير بلاده لا لخير العالم- بحركة كحركة روكفلر.. والله إنى أشك حتى ولو كتب الله لى الخلود». كذلك يسجل العدد 73 المعرض الزراعى الصناعى، الذى افتتحه جلالة المغفور له الملك فؤاد فى أول مارس سنة 1926، ثم جاء بالعدد 76 أن إدارة المعرض تذيع الموسيقى والأغانى والإعلانات بالميكروفون، كما دأبت على إذاعة أذان المغرب ابتداء من أول رمضان، وبذلك أصبح ميكروفون المعرض أول بوق ردد الأذان فى العالم. نقابة الصحفيين وقال كاتب «أمالى الأسبوع» فى العدد 81 الصادر أول مايو 1926 عن تأليف نقابة الصحفيين.. «صارت لنا نقابة أقول لنا» أى «للصحفيين» فقد صرنا.. بنی آدم، الصدف السعيدة أن هذه المحاولة الأولى تكللت بالنجاح - رغم بطء تطورها - فما لبثت نقابة الصحفيين، أن صارت أول نقابة تؤلف بمرسوم ملكى .. وفى ۳۱ مارس سنة 1949، افتتح مندوب جلالة الملك دارها الفخمة الجديدة.. ولقد كان للمصور ورئيس تحريره جولات وحملات فى سبيل حرية الصحافة عندما أريد تقييدها فى وزارات صدقى باشا وعبدالفتاح يحيى باشا ونسيم باشا. بينما اشتمل العدد 87 على تطور تاریخی خطیر وهو نبأ إعلان الجمهورية اللبنانية، وانتخاب أول رئيس لها، الشيخ شارل دباس، كما جاء بالعدد ۸۹ صور أول وزارة لبنانية، وكان الشيخ بشارة الخورى رئيس الجمهورية فيما بعد - يتبوأ منصب وزير الداخلية فيها. وفى العدد ۹۱ ثورة طريفة، تزعمها الأستاذ محمود عزمى، الصحفى المعروف إذ خلع الطربوش، واتخذ القبعة لباسا للرأس، وقام بحملة واسعة النطاق للتخلص من الشعار، الذى لم تلبث الأيام أن ردته اليه. أما فى العدد 104 الصادر فى ۸أكتوبر سنة 1926مقالا للأستاذ فكرى أباظة، عن الرقص فى «كازينو استیفانو»، قال فيه: «لم لا يأخذ فضيلة الشيخ أبو «العيون» أجازة يمضيها بسان استفانو ليستطيع تطبيق أحكام الشرع الحنيف على الرقص والراقصين؟».. وبهذا العدد أيضاً صورة الاحتفال برفع العلم المصرى على أحدث باخرة اشتريت لمراقبة السواحل المصرية .. وأطلق عليها اسم «الأمير فاروق». وفى العدد التالى مباشرة أعلنت «المصور» عن بدء السنة الثالثة على صدورها، ثم وضعت سؤالا: أتعرف لمن هذه الصورة التى نشرت فى العدد ۱۰۹ وكتب تحتها الرجل الذى يهابه الموت... إنها «لموسولينى» ما أشنع الميتة التى لقيها بعد ذلك بثمانى عشرة سنة.. وقد ازداد عدد صفحات «المصور» ابتداء من هذا العدد إلى 20 صفحة.. ثم قفز مرة أخرى ابتداء من العدد ۱۱۳ فصار 24 صفحة، تضم فى المتوسط 50 صورة. وحوى العدد ۱۱5 إحصائية طريفة بمناسبة افتتاح أول محطة للتليفون الأوتوماتيكى فى مصر.. كان عدد المشتركين آنذاك ۲۰۰۰، وكانت المصلحة تنتظر أن يزداد هذا العدد إلى ۲۸۰۰، وتعتبر ذلك عبئا ثقيلا، أما اليوم فلا يكاد هذا العدد يوازى عدد الاشتراكات فى شارع واحد. لم تكن مادة «المصور» كلها حوادث وسياسة.. لكنها اهتمت بالجنس اللطيف، وخير دليل الصورة المنشورة فى العدد 131،إنها نورماشيرر، أجمل ممثلات متروجولدوين.. التى ظلت محتفظة بفتنتها ومكانتها لسنوات طويلة والصورة فى العدد ۱۳۳ إنها ملكة بريطانيا - مارى تحمل حفيدتها «اليزابيث»، التى بلغت العام الأول من عمرها. ويطالعنا العدد ۱۳۹ بصورة افتتاح المبنى الجديد لبنك مصر، الحجر الأساسى فى نهضتنا الاقتصادية.. وهنا تجد صورا للبوارج البريطانية التى أرسلتها بريطانيا لتهدد مصر، بسبب الأزمة التى نشأت حين رغبت مصر فى زيادة جيشها، ففرضت بريطانيا قائدا عاما لهذا الجيش. كانت «المصور» دائما فى طليعة العاملات على إعلاء شأن الصحافة المصرية.. ففى العدد 139، قامت بحملة صحفية نظرا لما تعمد إليه بعض الوزارات والمصالح من إيثار الصحفيين الأجانب فى مصر بالأنباء، وحملة أخرى متزنة - على قلم المطبوعات لإسرافه فى اللجوء إلى سياسة التعطيل. وتكمل فى العدد ۱۷۷ بأنها وصفت المأدبة الأولى من سلسلة المآدب الشهرية التى اتفق رجال الصحافة على إقامتها - آنذاك - تعزيزا لرابطتهم .. ومن أطرف ما ورد فى هذا الوصف.. كلمات قالها الأستاذ «إدجار جلاد» رئيس تحرير «البورص» لمحرر المصور، إذ زعم أنه كان «عبيطا» يوم احترف الصحافة، وأنه يتمنى لو يكون ابن جروبى! إلى صديقى الأستاذ جلاد بك هل لا يزال على هذه الأمنية بعد ما أصابه من توفيق وثراء؟. وما أروع هذه الصورة المنشورة فى العدد 178 الصادر بتاريخ 10 مارس 1928 إنها لفتاة تخطب الطلبة المتظاهرين ضد مشروع معاهدة ثروت - تشمبرلين، الذى رفضته الأمة. كأس “المصور” للسباحة حمل العدد 186 مفاجأة طيبة من ”المصور” التى أرادت أن تساهم فى دعم السباحة، فقدمت كأسا فضية لتشجيع السباحين الطلبة على التفوق، ووكل إلى وزارة المعارف مهمة تنظيم المباريات التى تدور حولها. وإذا نظرنا إلى العدد ۲۰۰ الصادر فى ۱۰ أغسطس سنة 1928 نرى صورة لرئيس الوفد، دولة النحاس باشا يخطب فى سرادق بمحلج محمد سليمان الوكيل باشا بدمنهور، خلال إحدى الرحلات التى نظمها الوفد فى الأقاليم.. ترى هل كان يخطر ببال رفعتهأنه سيتزوج بعد ثمانى سنوات ابنة مضيفه.. وهل كان يخطر ببال القائمين على “المصور” آنذاك، أنهم سينشرون صور هذا الزواج فى العدد 506. أما العدد 204 فقد حمل بشرى أول شرقى يفوز باجتياز المانش سباحة.. وهو السباح المصرى إسحق حلمى، الذى قطع عرض المانش فى 23 ساعة و51 دقيقة .. ومن الطريف أن سباحا مصريا آخر هو سيد عبدالرحيم قطع المسافة فى سنة 1948 فى حوالى نصف الزمن. وذكرت ”المصور” فى العدد ۲۰۷ أن الحكومة قررت وضع فرقة رمسيس التى كان قد أنشأها يوسف بك وهبى تحت رعايتها.. ومن المفارقات أن الحكومة لجأت إلى يوسف بك منذ عامين كى يدير فرقتها الحكومية. مجلة لكل الأسرة فى العدد ۲۱۳ قفزت ”المصور” قفزة جديدة، فبلغت صفحاتها الأربعين، لتصبح مجلة متكاملة من سياسة واقتصاد ومجتمع وفن ورياضة وغيرها لتلبية رغبات كل أفراد الأسرة المتطلعين لمعرفة كل الأخبار... ثم أطلقت المجلة فى العدد ۲۱۸ حملة وجهتها إزاء الفقراء والمشردين وأبناء السبيل، بمناسبة انعقاد المؤتمر الطبى بالقاهرة، كما حفل العدد التالى بمناظرة ظهر فيها الأساتذة المصريون - لأول مرة فى المؤتمرات الدولية - بزيهم الجامعى.. وتابعت “المصور” هذه الحملة فى العدد ۲۲۰، الذى نشرت فيه صورة الاحتفال الذى أقيم فى أول أيام المؤتمر المذكور، لتقليد الدكتور على بك إبراهيم، لقب “زميل” الذى منحته إياه جمعية الجراحين الملكية بلندن تقديرا لمكانته العلمية.. وقد تضمن هذا العدد، حملة مصورة، ضد انتشار المخدرات فى الأحياء الشعبية بالقاهرة، كما اشتمل على شكوى من بعض مجلات قاهرية أخذت تنقل عن ”المصور” دون إشارة إليها.. وعلى “المصور” أن تفخر بأنها قادت الدعوة إلى إنشاء شركات ملاحة مصرية تحمل الحجاج على سفنها إلى الأراضى المقدسة.. وذلك فى العدد ۲۳۸. كما تتبعت عدسة “المصور”جلالة الملك فؤاد فى رحلته الثانية إلى أوربا - حيث زار سويسرا وألمانيا- فسجلت صور هذه الرحلة ابتداء من العدد 243 إلى 255 ومن طريف ما يذكر عن الملك فؤاد، أنه وجه سؤالا إلى المسئولين فى مصانع ”هال” عندما كان يزورها، فراوغوا فى الإجابة لدقة الموضوع، فما كان من جلالته إلا أن قال لهم: ”إننى لم أجىء لمجرد النزهة. وإنما جئت لأتعلم وأستفيد، عسى أن أخدم بلادى بما أكون قد جمعته واستوعبته من معلومات إبان زیارتی”. ثم تنشر المجلة فى العدد 256 صورا عن الاضطرابات التى قامت فى القدس بين العرب واليهود فى سنة 1929، وكانت “المصور” دائما متابعة لأحداث فلسطين، فنقلت صور الصراع بين العرب وكل من اليهود والإنجليز - فى جميع أطواره ومراحله - والدعوة إلى الاهتمام بفلسطين ومساعدة عربها على إنقاذها من المصير الذى كانت مسوقة إليه.. ومازالت المجلة حتى يومنا هذا تدعم الفلسطينيين ضد المحتل الغاشم. إلا أن العدد 262 حمل قصة شجاعة حدثت أثناء مفاوضات عدلى وكيرزون، وأن الأخير تحامل على الجيش المصرى حتی استاء حسین رشدی باشا، وضاق، فصاح به: “لا تنس یا جناب اللورد أن الجندى المصرى تحت قيادة أجدادى رمى بجنودكم إلى البحر”. لكن كيرزون ظل فى إثارته، حتى اشتد برشدى الغضب، فصاح: إنكم لن تعرفوا قيمتنا إلا فى الحرب القادمة، عندما نهب لقتالكم عندئذ نخوض الميدان نتنازلكم، وقد أكون هرما آنذاك لا أقوى على السير، فأقول لمواطنى احملونى لكى أحاربهم.. كلا لن أقول احملوني، حتى لا أؤخرهم عن السير إلى محاربتكم، بل سأزحف على أربع إلى أن أصل إلى صفوفكم وأشترك فى قتالكم”. ريبورتاجات مصورة بدأت “المصور” فى العدد ۲۷۳ عهدا جديدا، بحجم جديد 25 سنتيمترا عرضا و ۳۸ طولا، وشرع يوفد مندوبيه لعمل “ريبورتاجات مصورة” وأصبحت المجلةتطبع كلها بنظام الروتوغرافور. وكانت سنة 1930 سنة حافلة بزيارات ملوك أوربا لمصر، فأقبل ملك بلجيكا فى العدد ۲۸۳ - والملكة مارى الرومانية وابنتها فى العدد 284 – وملك بلغاريا ثم الملك فيصل الأول فى العدد ۲۹۸. كما نشرت المجلة فى العدد ۳۱۱، الصادر فى 26 سبتمبر سنة 1930، أول صورة لهتلر فى “المصور” بمناسبة الانتخابات الألمانية، وقد وصف آنذاك بأنه الزعيم الفاشيستى الألمانى، وظلت عدسة “المصور” تتبعه حتى أشعل نار الحرب، وقضى على نفسه. وعندما قامت حركة مقاطعة البضائع الإنجليزية فى مصر - فی مارس سنة ۱۹31 - كانت ”المصور” فى طليعة المشجعين لها، فبدأت من العدد 235 بنشر صورها، وتدعو لتفضيل الإنتاج المحلى، وهو نفس ما فعلته”المصور” فى العدد الماضى الصادر 1 نوفمبر 2023، بشأن المنتجات التى تدعم جيش الاحتلال الإسرائيلى ضد الأبرياء فى قطاع غزة، وهذا يؤكد أن مواقف ومبادئ مجلة “المصور” ثابتة منذ صدورها سنة 1924 وهى تدعم القضايا الوطنية والعربية.. ومن الذكريات الطريفة، ما نشر فى العدد 348 عن الحفلة التى أقامها وزير المعارف بلبنان لتكريم إميل بك زيدان، أحد صاحبى “دار الهلال”. بدأت “المصور”سنتها الثامنة من العدد 365 نشاطا محليا عظيما.. ففى العدد 366 نشرت عن توسيع ميناء الإسكندرية، وفى العدد 366 نشرت حملة بسبب أزمة المدارس وعدم وجود أماكن للطلبة، وفى العدد 369 بتحقيق صحفى عن تعلية خزان أسوان، وفى ۳۷۲ بدأت حملتها على سياسة المشروعات الحكومية الارتجالية، التى تفشل أو تتوقف، نتيجة عدم الدراسة أو التحضير كمشروع سكة حديد السويس، وكتصدع دار المحكمة بعد بنائها، وكشراء قاطرات تفوق حاجة الخطوط الحديدية،مما أدى إلى إبقاء ۲۰۰ قاطرة فى مخازن السكك الحديدية –فى سنة 1932- دون استعمال.. وقد أثارت هذه الحملات ضجة، وكانت موضع اهتمام الحكومة وبعض النواب .. على أن أشد حملات “المصور” كانت تلك التى شنتها على الشركات الاحتكارية لاسيما شركة مياه القاهرة.. فقد حذت معظم الصحف فى ذلك الحين حذوها، وتطفلت كثير من المجلات الأسبوعية الصغرى على ما كان تنشرها من معلومات. وعاودت”المصور” حملاتها على التسول والتشرد فى العدد ۳۸۹، فلم يأت العدد ۳۸۹ حتى زف إلى قرائه بشرى اهتمام الحكومة بسن تشريع استجابة للحملة.. ونشر نبأ صدور هذا القانون فى العدد 457. وفى العدد 400 الصادر فى يونيو 1932 كشفت “المصور” عن مساعى السير برسى لورين، المندوب السامى - لعقد مفاوضات مع دولة صدقى باشا - رئيس الوزارة لحل القضية المصرية.. وكان للمجلة الفضل فى إماطة اللثام عنها.. حتى نبهت “المصور”فى العدد “405” المصريين إلى الدعاية التى شرعت إنجلترا تبثها فى السودان، لتوحى إلى أهله بأن مصر لا تبغى من وراء استرداده سوى السيادة عليهم. وكانت المجلة صاحبة الفضل فى الدعوة إلى إصلاح البرامج التعليمية، فنشرت فى العدد 407 تحت عنوان: لماذا تحمّلون الطلبة النتيجة؟.. مقالا عن سوء نتائج الامتحانات، جاء فيه أن العيب فى الأساس، فليقوض الأساس إذا احتاج الأمر إلى ذلك، ليبنى صرح المعارف الجديد على أنقاضه. وفى العدد التالى قامت المجلة بحملة صحفية على البغاء الرسمى.. ومن الطريف أن أمنية “المصور” لم تتحقق إلا فى عهد وزارة دولة إبراهيم باشا عبد الهادي.. ومن الطريف أيضا أن «المصور» كانت أول الداعين إلى تعمير الضفة الغربية لنهر النيل - فى القاهرة - واقترحت إنشاء مدينة تسمى “الفؤادية”... وقد أوشك هذا الاقتراح أن ينفذ بإنشاء مدينة “الأوقاف”، كما وجهت المصور - فى العدد 463 - دعوة إلى إنشاء متحف الخالد سعد زغلول.. ومن حسن الحظ أن أجيبت هذه الدعوة، وصار بيت الأمة، متحفا. ولم تكتف مجلة «المصور» بالسياسة والاقتصاد بل خصصت عدة صفحات للسينما والمسرح ولكنها بمرور الوقت ضاقت عن استيعاب التقدم فى هذا الميدان، فرأى إميل وشكرى زيدان صاحبا دار الهلال تخصيص مجلة تتابع التطور الفنى، فأصدرت الكواكب يوم الإثنين 28 مارس 1932 كملحق فنى للمصور، إلى أن أصبحت مجلة مستقلة فيما بعد. دستور المصور بلغت ”المصور” مرحلة خطيرة من مراحل نموها فى العدد 471 الصادر فى 20 أكتوبر سنة ۱۹۳۳، إذ عهد إلى الأستاذ فكرى أباظة برئاسة تحريره فكتب يقول: ”لا حزبية فى هذه المجلة.. لا عداوة فى هذه المجلة لا مجاملة فى هذه المجلة”. أتروقك هذه الأسطر الغليظة.. اذكرها جيدا واحفرها فى ذهنك حفرا، ثم حاسبنا عليها فى كل وقت الحساب العسير.. كل ما أرجوه من أقاصى نفسى أن أنجح فى أن أجعل هذه المجلة مجلة قومية بكل معنى الكلمة.. إننى فى هذه المجلة لا أمثل حزبا، ولا أميل إلى أى حزب، بل أعمل كجندى فى ميدان الصحافة، أخدم وطنى بما يوحى به ضميرى، والله يعلم أن أسعد يوم عندى، هو اليوم الذى أكون فيه حبيبا إلى جميع الأحزاب، لا من ناحية التحيز لها، وإنما من ناحية كلمة الحق، أرسلها عليها، فتقبلها قوميتها ووطنيتها عن رضا وتسامح”. وكانت هذه العبارات دستورا “للمصور” التزمته بحذافيره حتى اليوم.. فهى لم تتحيز، ولم تتعلق، ولم تداهن .... وكانت سياسته مصرية، قومية، لا حزبية .. وكانت منبرا للرأى الحر.. وهل هناك أدل على ذلك مما جاء فى العدد 628 الصادر فى 23 أكتوبر سنة 1936.. كان الأستاذ فكرى أباظة - آنذاك معارضا للمعاهدة البريطانية المصرية، ولكنه حين أعلن المعارضة، دعا إلى المعارضة النزيهة، والتأييد النزيه فى آنٍ واحد، وقال: هذه المجلة - على تواضع نفوذها - تحاول أن تعطى مثلا حسنا لهذا التقسيم الخلقى النظيف، بين المعارضة والتأييد، فتفتح دفتيها للآراء الحرة. وكان أول هذه الآراء، رأى صاحبى المجلة، فقد كانا مؤيدين للمعاهدة فكتبا يقولان: ”مع تقديرنا للأخ الكريم الأستاذ فكرى أباظة، رئيس التحرير، الذى نعتقد اعتقادا وطيدا بسمو شعوره، وصدق وطنيته، فإننا لا نشاركه فى نظره إلى هذه المعاهدة، التى نرى فى إبرامها خيراً كبيرا لمصر ولأبنائها.. على أننا نود أن نوضح من قد يلتبس عليه الأمر، أن هذا الخلاف فى الرأى المقرون بالاحترام المتبادل، لا يتنافى مع خطة ”المصور” .. فما برحت المصور، منذ إنشائها تحترم حرية الرأى، فأجدر بها اليوم، أمام هذا الحادث الجلل أن يزداد لها احتراما، وأن توسع صدرها لمختلف الآراء.. لا يشترط فى نشرها إلا نزاهة أصحابها وإخلاصهم”. وانبرى الأستاذ شكرى زيدان يرد على معارضى المعاهدة فى الوقت الذى كان ينقدها فيه الأستاذ فكرى أباظة وهو أول تقليد من نوعه حدث فى الصحافة المصرية فى ذاك العهد أن يكون لرئيس التحـرير ولصاحب المجلة رأى آخر، وأن يتعاونا على إظهار الرأيين فى احترام متبادل، وتقدير مشترك. وحملت “المصور” بعد ذلك لواء الأسبقية فى تتبع المفاوضات وملابساتها والتنبيه إلى مواطن الخطر، ومراكز الضعف، ونقاط النقص غير مبالية بما كانت تلاقيه من عنت وتحامل فى ذلك السبيل..وكتب فكرى أباظة فى العدد 614 يقول: “نحن لا نحمل على شيء لا يزال فى طىّالخفاء، وإن كنا نشم رائحته، وإنما نرى من واجبنا الوطنى أن نحذر وأن ننذر وأن نتطرق، ليحسب المتحادثون الحساب للبحر الهائج.. أول ما نلفت إليه النظر،إن الاحتلال القائم هو احتلال من الوجهة الدولية غير شرعی، باطل أصلا وموضوعا، فإن نحن صححناه وقومناه أو نقلناه من القاهرة إلى الإسكندرية، وإلى الحدود، إلى السماء وإلى البحر فهو يصبح احتلالا أقوى، وهو يصبح من الوجهة القانونية احتلالا أزليا. واستمرت مواقف “المصور” المشرفة فى هذا الميدان.. فشنت فى العدد 616 حملة شعواء على المخالفة العسكرية والثكنات، والطرق العسكرية .. فلما لم يُجدِالتحذير، وأًبرمت المعاهدة.. راحت تنبه إلى الخطر الذى ينجم عن المناورات البرلمانية، التى بذلت لتسهيل إقرار البرلمان لها .. وكتب رئيس التحرير فى العدد 624 يقول: لست أدرى لم هذه اللهفة على الإسراع فى: تمرير المعاهدة على البرلمان .. تلك طعنة تصيب كرامتنا وعزتنا فالمعاهدة مهما قيل فيها، لا تستحق الرقص والزمر”. فلما أقرها البرلمان، كتب فى العدد 632 يقول: «لا نملك إزاء هذا الواقع العملى - إقرار المعاهدة - إلا أن ندعو للحكومة وللأمة بالتوفيق فى دورهما القادم .. فخطتنا واضحة فى هذه الجهة، وتنحصر فى أمرين: الأول:أننا لن نتردد فى اقتناص كل فرصة لتحقيق الأمانى القومية الصحيحة، بكل وسيلة، وبكل حماسة، وسنذكر الشباب دائما بأن واجبهم نحو وطنهم لم ينته بعد.. والثاني: أننا سنضع كل قواتنا تحت تصرف الحكومة والشعب فى نواحى الإصلاح التى نجدها متفقة والأمانى القومية. وهكذا ضربت “المصور” المثل للصحافة النزيهة، المخلصة، المبرأة عن أية مصلحة حزبية.. وبدلا من أن تعكف على البكاء والنحيب، تحولت إلى العمل، ودعت فى العدد 631 إلى التطوع للجندية والميدان، وأفردت صفحاتها لآراء المتحمسين للجندية، الداعين إلى نشر التدريب والتطوع لتكوين نواة التجنيد الإجبارى العام، وتعديل قانون القرعة، وأتبعتها بالدعوة إلى التطوع للسلاح الجوى وحملة الطيران بالعدد 635، ثم بالدعوة للاكتتاب للدفاع الوطنى بالعدد 638، فإذا بالدعوات تلقى من الأمة كلها، حتى كتب رئيس التحرير فى العدد 640 يقول: أشعر كرئيس تحرير لهذه المجلة بأن من حق صاحبيها وحق زملائى وحقى أن نفخر جميعا بأننا الذين وضعنا الأساس لتلك العسكرية السارية سريان الكهرباء فى جسم الوطن الجديد.. من حق مجلة المصور أن تقول: أنا التى فتحت أبواب العسكرية والجندية والميدان وأناخلقت، باب السماء، وأنشأت مملكة الجو، وصرخت أول صرخة أدعو فيها الموسرين والأغنياء وشبان سباق الخيل إلى الاكتتاب العام. وفى حفلة وصول الطائرات الثمانى التى كوّنت نواة السلاح الجوى الملكى التقطت عدسة “المصور” فى العدد 749 الصادر سنة 1939 - صورتين للمندوب السامى - سير برمى لورين - وقد جلس واضعا ساقا على ساق، وهو يتحدث إلى صاحب العرش، وكتب تحتهما.. أن المندوب جلس بوضع غريب ولعل فخامته لو تنبه للمصور، لأجرى بعض «الرتوش، فى جلسته بقرب المليك العظيم،!”.. وكانت للصورتين والسطرين ضجة، وكانت «السراى، حازمة، فلما أقيمت حفلة استعراض الجيش بعد ذلك بقليل - لم يعد للمندوب السامى مكان فى المقصورة الملكية، بل جلس مع زملائه من رجال السلك الدبلوماسى. لقد كانت ”المصور” حربا على مظاهر السيادة، التى كان مندوبو إنجلترا ينتحلونها لأنفسهم إزاء السلطة الشرعية فى البلاد .. وكانت حرب “المصور” شعواء لا هوادة فيها، أثارت أزمات كثيرا ما انتهت فى صالح الكرامة المصرية.. كذلك كانت صفحاتها ميادين لحملات موفقة ضد سيطرة الإنجليز على الجيش والطيران والمرافق العامة وضد استغلالهم الاقتصادى للبلاد.. وصد استئثارهم بالمناصب الرئيسية فى الحكومة. كما نشرت فى 22 سبتمبر 1939 على غلافها صورة الملك فاروق ومكتوب أسفلها «القائد الأعلى يتفقد خطوط الدفاع فى مرسى مطروح، وبجواره فى الصورة القائد العام للقوات البريطانية فى مصر»، حيث اضطرت مصر لدخولها مع حليفتها إنجلترا فى الحرب العالمية الثانية، وأصبحت مسرحا للعمليات الحربية بين الألمان والإنجليز، كما أصدرت «المصور» عددا خاصا فى يناير 1941 يتناول كل شيء عن الحرب، إضافة إلى ما نشرته على غلاف عددها 873 الصادر بتاريخ 4 يوليو 1941 عن استقبال دمشق لقوات الحلفاء. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سعى الحلفاء لتحقيق وعد بلفور بإنشاء وطن لليهود فى فلسطين، فنشرت المجلة فى يناير 1948 على غلافها صورة فتاة تحمل سلاحا وتتأهب لخوض معركة فلسطين، ثم راحت «المصور» إلى أرض الميدان تصور وترصد ما يجرى هناك، وحمل غلاف عددها الصادر سنة 1948 صورة القائد الفلسطينى عبدالقادر الحسينى.. ولم تكتف المصور بذلك بل تابعت أخبار المقاومة هناك وظلت تنشر كل ما يخص القضية الفلسطينية. وهذه ليست كل حملات “المصور” ودعواتها، وإنما هى أمثلة بارزة نضربها للتذكير فقط.. والمهم من هذه الأمثلة أن يدرك القارئ إلى أى حد كانت “المصور” عاملا فى خدمة الوطن، وإلى أى حد كانت نشيطة فى أداء رسالتها، وإلى أى حد كانت مثالاً رائعا من أمثلة الصحافة المصرية، والعربية، والعالمية.. هذه هى الصحافة النزيهة المخلصة فى سبيل الصالح العام وفى سبيل الوطن. ثوب جديد وحينما بلغ عمر “المصور” 25 سنة وكان ذلك فى عام 1949 كتب الصحفى حبيب جاماتى، وهو من أوائل الصحفيين اللبنانيين الذين عملوا فى دار الهلال، يقول: ”كان قراء “المصور” فى أول عهده يساهمون فى تحريره مساهمة فعالة واسعة، وكنا نفسح لهم بضع صفحات من المجلة ننشر لهم فيها ما تجود به قرائحهم، بعد غربلة الغث من السمين، وهكذا كانت”المصور”إحدى المدارس العملية التى تمرن فيها لفيف من الأدباء على الكتابة، وبين الأسماء اللامعة اليوم فى ميدان الصحافة، كثير من تلك الأسماء التى كان أصحابها يراسلون ”المصور” ويبعثون إليها بنفثات أقلامهم المترددة المتعثرة، ومن يدرى؟ لو لم تفسح لهم ”المصور” صدرها فى ذلك الوقت لما واصلوا الكتابة ولحرمت الصحافة من نتاجهم اليوم. في 31 مايو 1946 كانت "المصور" على موعد جديد من التطوير والتحديث، فتزين غلافها بالألوان.. وقالت الإدارة في هذا العدد :"بدأنا الخطوة الأولى من هذا التجديد في هذا العدد.. ولا ريب أن القراء قد لمسوا آثارها فى زيادة عدد صفحاته ، كما لمسوها فى تعدد أبوابه، وألوانه، وصوره، وموضوعاته وهذا الذى يرونه اليوم إنما هو خطوة من خطوات لها ما وراءها مما سيحسه القراء بين حين وحين من تجديدات وتطورات ، نرجو أن تقع من نفوسهم موقع الرضا والاستحسان .. ليس في دنيا الصحافة حد للكمال. ولكنا ستحاول أن تبلغ أقصى حدوده الممكنة ، وسنبلغه بإذن الله". ومما يلذ لى ذكره فى هذا الصدد ما حدث لنا بل للصحافة المصرية بعد صدور “المصور” بثلاث سنوات، أى عندما فقدت مصر زعيمها الأكبر سعد زغلول فقد قررنا إصدار عدد خاص يوزع يوم الاحتفال بدفن الفقيد العظيم، ولم يكن أمامنا غير القليل من الوقت، فجلسنا إلى مكاتبنا واشتغلنا 36 ساعة بلا انقطاع لم نذق فيها نوما، ولم نأكل غير السندوتش، وخرج العدد وكان رائعا.. وظلت المطابع تواصل طبعه فى الوقت الذى كان يباع فيه، وزاد ما طبع منه فى ذلك اليوم عن مائة ألف نسخة، ولم يسبق لجريدة من قبل أن طبعت مثل هذا العدد الهائل. وطبقا لدفاتر ومستندات “دار الهلال” فإن توزيع مجلة “المصور” قفز قفزات سريعة فى الربع قرن الأولى من عمر مجلتنا الغراء، وسار توزيع المصور فى الخمسة عشر عاما الأولى سيرا وئيدا، فبلغ فى نهايتها حوالى ثلاثين ألف نسخة تطبع وتوزع من كل عدد بشكل أسبوعى، فلما ثبتت أقدام المجلة واكتمل استعدادها أخذت تقفز قفزات واسعة حتى بلغ توزيعها فى شهر مارس سنة 1948 “100” ألف و306 نسخة، واستمرت القفزات والتزايد حتى اليوم، وهذا يؤكد حرص القراء التام على اقتناء مجلتهم التى تعبر ومازالت عن آمالهم وانكسارتهم. وفى عدد “المصور” الصادر بتاريخ 18 إبريل عام 1949، قال صاحبا دار الهلال إميل وشكرى زيدان:”اعتاد الناس أن يحتفلوا بالعيد الفضى للأعمال النافعة والمنشآت القومية، وأن يغتبطوا ببقائها حقبة من الزمان قائمة بواجبها، مؤدية رسالتها، ونحن نحتفل بمرور ربع قرن من حياة “المصور”، مضت فى خدمة متصلة وجهاد مستمر، فى سبيل مصر والعالم العربى.. وهى مدة ليست باليسيرة إذا نظرنا إلى ما وقع فيها من أحداث جسام، وما صادف الصحافة الحرة خلالها من صعاب وعقبات، تعثر، ونجا فيها من نجا، بفضل ما بُذل من جهود، وما ادُّخر من عزيمة ومثابرة. ولأن “المصور” قد عانت من جراء استقلالية وتقديسها كلمة الحق وحرية الرأى والعقيدة كثيرا من الصعاب، أو مرت بها أجل ذلك ظروف من الضيق أثناء الحرب، وما قبل الحرب، أو بعدها، فإنها لتغتبط اليوم، وقد طوت هذه المدة، بأنها استطاعت أن تحقق أهدافها، وأن تؤدى رسالتها فى خدمة مصر والعروبة، ومناهضة الطغيان، ومحاربة الأعداء الثلاثة: الفقر والجهل والمرض. وقد تدرجت “المصور” فى مراحل النمو والتطور، حتى أصبحت فى كيانها الحاضر مجلة كاملة، وحققت ما كنا نصبو إليه من أن تكون فى مصاف المجلات العالمية تحريريًا وفنًا وطباعة.. وقد حافظت فى جميع أطوارها على استقلالها التام، وكانت – ولا تزال - منبرًا عامًا لمختلف الزعماء والهيئات، وحرصت على أن تكون فى خطتها وأسلوبها وغايتها مجلة الجميع، تخدم مصر والشرق العربى ما وسعتها الخدمة، وما تهيأت لها الأسباب والوسائل، ورائدها النزاهة المطلقة، التى هى دعامة النجاح فى الصحافة، بل فى كل عمل من الأعمال. وكان لنا من مساهمة كبار الساسة والمفكرين فى تحرير هذه المجلة خير عون لنا على النهوض بها ورقيها، فإلى حضراتهم نقدم وافر الشكر، فقد طالما نفحوها بآرائهم القيِّمة، ونشروا فيها من إنتاجهم النفيس ما هيأ لها أن تكون دائما فى الطليعة. أما قراؤنا الكرام، فقد كان لنا من تشجيعهم وإقبالهم منذ صدرت “المصور” حتى الآن، ما بعثنا على مضاعفة العناية بها وتحسينها على الدوام، وسنتخذ من هذا التشجيع عونا لنا وزادا للمستقبل، ولهذا فإننا نودع الماضى ونستقبل العهد الجديد من حياة “المصور” بقلوب مفعمة بالتفاؤل والاطمئنان، فى ظل جلالة الفاروق العظيم. ولا يسعنا إلا أن نشكر جميع معاونينا فى تحرير هذه المجلة، وإدارتها، وإخراجها، وطبعها، وتوزيعها، ونوجه إليهم وافر التقدير لما بذلوا – ويبذلون – من جهد وصدق وإخلاص، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من منزلة رفيعة. واحتفل معهم حضرة صاحب الدولة إبراهيم باشا عبد الهادى، رئيس وزراء مصر من ديسمبر 1948- 25 يوليو 1949، الذى أرسل إلى مجلة “المصور” رسالة بريدية قال فيها: “أهنئ المصور بعيدها الفضي، وأذكر أن الخمسة والعشرين عاما الماضية كانت مرحلة جهاد وكفاح لخير مصر ونهضتها، فى جميع الميادين السياسية والثقافية والاقتصادية.. وقد وُلدت “المصور” مع ميلاد الحياة النيابية فى مصر، والصحافة والبرلمان كلاهما لسان الأمة الصادق وترجمانها الأمين، وهما فى الوقت ذاته صاحبا التوجيه فى ميزانها ومقدراتها، وقد ساهمت «المصور» بنصيبها فى هذا كله، ولا شك عندى أن الصحافة التى تؤدى واجبها بنزاهة وإخلاص تخدم أمتها أجل الخدمات وتبصر أفرادها بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات. إن الصحافة الحديثة تقوم بدور مهم فى حياة الأمم، وقد عظمت واجباتها واشتد خطرها، وأصبح لصحافتنا المصرية بوجه خاص من المكانة ما يضاعف مسئولياتها، ويوجب عليها خدمة مصر خدمة صادقة مخلصة، بتشجيع الأعمال النافعة، والعمل على حشد جميع القوى للخير العام، وتهيئة النفوس للتضامن والتعاون بين جميع الطبقات، ومكافحة قوى الشر وإذاعة كل مفيد يثقف العقول ويقوّم الأخلاق ويُضاعف نشاط الأمة ويحفزها على الكفاح والمثابرة حتى تأخذ مكانها اللائق فى موكب المدينة الحديثة. وفوق هذا كله عليها واجب أخطر وأعظم، هو شحذ قوى الأمة الكامنة، وتحصينها ضد عاديات التطور السريع المتلاحق، بالمحافظة على تقاليدها الدينية والاجتماعية وصيانة تراثها الخلقى والفكرى، وإنى لواثق أن القائمين بتحرير «المصور» والمشرفين عليه يقدرون رسالة الصحافة وواجباتها خير تقدير، ولهذا أتمنى مستقبلاً زاهراً سعيداً.