الإثنين 29 ابريل 2024

أبرزها المؤشرات الاقتصادية ومعدل الاحتياطى: لهذه الأسباب.. مصر قادرة على تخطى الأزمات

صورة أرشيفية

12-11-2023 | 15:02

بقلـم: د. وفاء على
فى ظل ما يحدث فى العالم من ترقب وتوتر وقلق بسبب الأزمات المتلاحقة التى جعلت العالم يدور فى رحى أزمات اقتصادية لم تنجُ منها دولة كبيرة أو صغيرة، دولة نامية أو ناشئة وإنما كان واقعها صعباً على الجميع، وآثارها قاسية بسبب تلاحق الجائحة والحرب الروسية الأوكرانية ثم طوفان الأقصى، ولكن لكل دولة أدواتها وآلياتها فى التعاطى مع الأزمات. وفى ظل هذا الوضع العالمى المتأزم إذا نظرنا إلى أحوالنا فسنجد أن الاقتصاد المصرى استطاع توفير قاعدة للحفاظ على معدلات الأداء والاحتياجات فى ظل ظروف استثنائية يشهدها العالم كله، فرضت ضغوطاً هائلة وبالغة الصعوبة والتعقيد على موازنات الدول بما فيها مصر، فكلما زادت الصراعات الجيوسياسية زاد التأثير فى تكاليف مناحى الحياة. ولا شك أنه لا أحد يتظاهر بأن الأمر سهل ولكن دائماً هناك مفتاح لمستقبل مصر مهما كانت الظروف، وأن إعادة توازن الاقتصاد فى أى دولة قد يواجه مقاومة، لكن مصر تعودت على قبول التحديات خصوصاً الأزمات الاقتصادية التى تتعرض لها كأى دولة فى العالم، فالكل جاءته عدوى التضخم وانخفاض سعر العملة على واقع أزمات الجائحة ثم الحرب الروسية الأوكرانية التى لحقتها أزمة طوفان الأقصى، ولقد تعوّدت منطقة الشرق الأوسط على أزمات مألوفة من هذا النوع، ولذلك يرى صانعو السياسات أن الإصلاحات الاقتصادية ستعطى تحولاً فى أسواق مصر واقتصادها وربما فى المجتمع كله، ولكن هذا لا يجعلنا نتسرع بالتنبؤ بموعد انتهاء الأزمة، فالأمر ليس سهلاً، ولكن العملة المصرية أصبحت أكثر مرونة من فترات طويلة سابقة، وإذا كان إنهاء حالة عدم اليقين مرتبطا بالظروف العالمية، لكن على الأقل أصبح لدينا قدرة على التعامل مع الوضع واستخدام الاحتياطيات الدولية والأصول الأجنبية للبنوك لحماية الجنيه. صحيح أن هناك بعض الارتفاعات والانخفاضات للجنيه إلا أنها علاقة تعكس مستوى العرض والطلب بشكل أكثر دقة، كما أن الاستئناف المطرد ولبعض الواردات بعد تسوية التأخير فى الموانئ المصرية من شأنه أن يُظهر تحسنا فى تدفقات النقد الأجنبى وتخفيف الضغط على الجنيه وتغطية الفجوة التمويلية الفورية. إن الدولة المصرية تواجه تحديات الأخطار الجيوسياسية منذ الأزمة فى السودان وقبلها الخطر من الجهة الغربية فى ليبيا، ووسط كل هذا الضجيج العالمى والأحداث الجيوسياسية التى تتسع حول مصر المستهدفة، كان لابد أن يكون هناك تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الاقتصاد بجملته وهو ما يضغط على الكُلفة الاقتصادية للاقتصاد المصرى وتحاول مصر أن تعبر الأزمات بسلام. ولذلك ففى ظل هذا الوضع الملتهب إقليمياً وعالمياً اتخذت مصر سياسة استباقية لمواجهة تداعيات هذه الأزمات بدراسة واعية لتدبير الاحتياجات والسلع الأساسية والسعى إلى ترشيد الإنفاق قدر الإمكان بجانب تقديم تيسيرات فى التراخيص ووضع آليات لتقديم ترخيص مؤقت ودعم المشروعات بجانب تخفيف تكدس البضائع بالموانئ والتيسير على المستوردين من خلال منح تخفيضات مضيئة وإمكانية نقل الحاويات لمخازن خارج الميناء وزيادة مدة فترة السماح بدون رسوم إضافية . لقد بدأت الحكومة بنفسها من مبدأ «كُن أنت التغيير الذى تريده»، وذلك من خلال الموافقة على مشروع قرار بشأن ترشيد الإنفاق العام مع الاهتمام بضبط الإنفاق الحكومى بحيث يشمل كل الجهات، وخصوصاً النفقات الدولية مع وضع بعض التدابير التقشفية الواضحة والحازمة وبها قدر من المركزية وفى مقدمة ذلك ترشيد استخدام الطاقة. ويعد ملف السياحة من الملفات الأكثر تأثرا بالحروب والأزمات، لكن مصر تعلمت كيف تدير الأزمات وبالنظر إلى تراجع مبيعات تذاكر الطيران مثلاً فى مصر والأردن ولبنان منذ بدء عمليات التصعيد فى غزة، إلا أن الأمور فى مصر تسير بشكل معقول طبقاً للمصادر الرسمية التى تؤكد أن نسب الإشغالات فى مختلف المدن المصرية طبيعية حتى الآن، وتصل إلى نحو 90 فى المائة فى الأقصر و80 فى المائة فى الغردقة وتقل إلى نحو 60 فى المائة فى مدينة شرم الشيخ، وهذا أمر طبيعى حتى الآن فقد مرت السياحة بكبوات فى فترة الجائحة وكانت النسبة أقل من ذلك بكثير . بل إن نسب إلغاء الحجوزات منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة ما زالت فى الحدود الطبيعية ولا تتجاوز 10 فى المائة، ومدن جنوب سيناء هى الأكثر تأثراً فى الفترة الحالية لاسيما مع غياب السياحة الإسرائيلية التى كانت تصل إلى 35 ألف سائح شهرياً. وهذا المعدل يؤكد أن خطة مصر التى استهدفت الوصول إلى 15 مليون سائح بنهاية العام الجارى تسير بشكل معقول، وأن استهداف الوصول إلى 30 مليون سائح سنوياً بحلول عام 2028 ليس مستبعدا. ومع كل ما يحدث من حالة حبس الأنفاس العالمية إلا أنه مازالت هناك مساحة من الإيجابية للاقتصاد المصرى خاصة فى ظل سعى الدولة المصرية لاحتواء وتجاوز التداعيات والمتغيرات الناجمة عن تلك الأزمات الخارجية، والتى لم تكن فى الحسبان سواء أزمة كورونا أو الحرب الروسية الأوكرانية أو طوفان الأقصى، عبر تعزيز الدولة المصرية لسياستها المالية والنقدية مع وجود رؤية وخارطة لإفساح المجال للقطاع الخاص لمزيد من المشاركة فى عملية التنمية، بجانب وضع استراتيجية لزيادة حجم الصادرات رغم كل الظروف المحيطة بنا، وفتح آفاق جديدة لزيادة جلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى السوق المصري، بالتوازى مع اتخاذ قرارات تطبيق ترشيد الإنفاق الحكومى، مع توسيع نطاق برامج الحماية الاجتماعية لتخفيف وطأة التداعيات الناجمة عن الأزمة العالمية على كاهل المواطن المصرى خصوصاً الفئات الأشد احتياجاً . بالطبع الأمر ليس بالهين خصوصاً ونحن نرى البعض لا ينظر إلا إلى نصف الكوب الفارغ، ويصر على النظرة التشاؤمية وعدم الرضا والسلبية، وتناسى الجميع أن التصريحات التى نراها هنا وهناك لها خطورتها وتأثيرها الكبير، وقد يترتب عليها اهتزاز الأسواق وفتح الباب للحاقدين ومن يتربصون لمصر فى الظلام. وعندما نستعرض معاً بعض أحوال الاقتصاد المصرى بشكل علمى وموضوعى وبدون تهويل أو تهوين يمكن أن نقول اطمئنوا اقتصادنا بخير، ودليلنا على ذلك المعادلة المهمة التى تتحقق الآن ورغم كل الظروف، والتى تتجسد فى معدلات النمو التى تتحقق مع استمرار تراجع معدلات البطالة وارتفاع الاحتياطيات النقدية بعد خصم الأقساط المستحقة على مصر، مع زيادة دخل قناة السويس الذى من المتوقع أن يصل بنهاية عام 2023 إلى 10,3 مليار دولار، بالإضافة إلى زيادة حجم الصادرات المصرية مع اتساع شبكة المشروعات فى محور قناة السويس، وخاصة الاستثمارات فى الطاقة المتجددة، وبالإضافة إلى كل ذلك استمرار شبكة حماية اجتماعية التى تتسع مع كل فترة . فالاقتصاد المصرى وفق كل المعطيات يتميز أن له قدرة مستقبلية على تحسين مؤشراته رغم الأزمة العالمية، وهناك مرونة تدعم هذا الاقتصاد المستقبلى بانخفاض مؤشرات البطالة التى استطاعت الدولة المصرية جبرها إلى 7,2 فى المائة رغم كل التحديات، ولولا جاهزية الدولة المصرية وبرنامج الإصلاح الاقتصادى والآليات التى تم اتخاذها لما استطعنا المواجهة لكل هذه التحديات، وأصبحنا نتحدث عن قدرة الاقتصاد على عبور الأزمات، بل مازال الاقتصاد المصرى يواصل المحافظة على هيكله، كما جاء فى (تقرير الإيكونوميست) والذى أكد أن مصر بالتزامها بالهيكل الذى وضعته لنفسها فى الملف الاقتصادى تستطيع أن تحقق معدلات نموا بالرغم من كل التحديات، وهذه المؤسسات العالمية لا تتجمل فى تصريحاتها وإنما عندما تتحدث عن الاقتصاد المصرى بشكل إيجابى فهى بالتأكيد لديها ما يؤكد ذلك، وعندما تقول إن الاقتصاد المصرى برغم كل الظروف مازال يحتفظ بمواطن قوة وقدرة على تخطى الأزمات ومواصلة النمو مقارنة بدول أخرى، وبمرور الوقت وبعد انتهاء الأزمات العالمية سيعود بقوة وأداء أكثر تميزا، فالمؤكد أن المؤشرات الواضحة هى التى جعلتهم يؤكدون ذلك. بالتأكيد سيظل التضخم هو المشكلة لأن المواطن يواجه حالة تضخم غير مسبوقة، ولذلك يرى الوضع صعبا، لكن عند الحديث عن التضخم لابد من الاعتراف بأن هذا حال العالم كله، فمنطقة اليورو بأكملها أصبح صراخها أعلى من صراخ البنوك المركزية التى ترفع الفائدة، فالعالم يمر بمرحلة لم يعهدها من قبل من ارتفاع معدلات التضخم، والأكثر من ذلك اتجاه العالم إلى التوليفة السامة التى تثير الذعر خصوصاً فى الاقتصادات الكبرى بعد ارتفاع أسعار الطاقة ألا وهى مرحلة الركود التضخمى، والتى تقود العالم إلى الافتقار إلى النمو الاقتصادى، ولكن مصر استطاعت التحوط بخطوات استباقية واستخدام آليات نقدية مختلفة فى محاولة منها لاحتواء التضخم، فقد وضعت الاحتياطى الإلزامى وأداة سعر الفائدة وأدوات السوق المفتوحة والتى فى مجملها تمثل انعكاسا لقوة وسلامة القطاع المصرفى المصرى ودوره المهم سواء فى الفترة الماضية أو الحالية وكذلك الرؤية المستقبلية ولذلك هناك تحسن فى الأرقام . فالاقتصاد المصرى يتميز بالتنوع ولا يعتمد على قطاع واحد أو اثنين فى توليد الدخل فهو اقتصاد أكثر توزيعا، وبالتالى هو أكثر قدرة على الصمود أمام التحديات والأزمات، علاوة على تعوّد الدولة على ابتكارها فى الإجراءات الاحترازية لمواجهة التداعيات السلبية للأزمات العالمية، مما يجعل بيئة الاقتصاد المصرى مهيأة للانطلاق نحو تخفيض معدلات التضخم ولذلك فالمرونة لم تأتِ من فراغ. وبالنظر إلى الصورة بشكل موضوعى فإن الوضع الاقتصادى ليس بالقتامة التى يتحدث عنها البعض وإنما هناك مؤشرات واضحة ومطمئنة للسلامة المالية، فمنذ يونيو عام 2022 ورغم كل التحديات العالمية وزيادة وتيرة أسعار الفائدة العالمية لكبح جماح التضخم كان القطاع المصرفى المصرى لديه مستويات عالية من السيولة ملائمة لرأس المال ونسبة منخفضة من القروض المتعثرة، وهناك نمو فى محفظة الودائع المصرفية بزيادة قدرها حوالى 19 فى المائة وتراجع الدين العام. ولقد حرصت الدولة المصرية رغم كل الظروف على تراجع مؤشرات الدين العام بخطى واضحة المعالم كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى ليسجل 88,3 فى المائة فى عام 22/23، ثم إلى 85,5 فى المائة فى عام 23/ 24. ومتوقع أن تنخفض إلى 83,5 فى المائة عام 24/25 ليصل إلى التراجع تدريجيا عام 26/27 إلى 77,9 وكل ذلك من خلال منهجية اتبعتها الحكومة المصرية فى جدولة الدين العام الذى أعلنت عنه من قبل. لكن من الغريب أن بعض المحللين الاقتصاديين لم يتناولوا هذا الأمر الذى لم تستطع فعله دول كبرى بسبب التداعيات الاقتصادية العالمية المتلاصقة. وعندما نتحدث عن الاحتياطى النقدى فلا شك أنه حتى فى ظل الظروف الصعبة التى يمر بها العالم ومصر ليست بمنأى عنه استطاعت مصر أن تحافظ على الاحتياطى النقدى ومستواه الذى يقيس قوة وصلابة أى دولة، ويعطى مساحة من الأمل والتفاؤل فى النشاط المصرفى، فالتوقعات للمؤسسات المالية المحايدة تقول إن الاحتياطيات سجلت عام 22/23- 37,10 مليار دولار فى إطار خطة زيادة تدريجية، وكان يمكن أن يرتفع أكثر من هذا لولا الظروف الصعبة. والمخطط أن يصل الاحتياطى إلى 77,8 مليار دولار عام 26/27 فى حالة انتهاء الأوضاع العالمية الصعبة خلال عامين . بالتأكيد الصدمات المتتالية جعلت الاقتصاد المصرى أكثر قدرة على الصمود والتعافى والقدرة على المواجهة، رغم قسوة التحديات العالمية، حيث اكتسب من الصلابة ما يمكنه من التعامل الإيجابى المرن مع الأزمات الدولية على نحو يدفعنا إلى الاستقرار فى إجراءات الإصلاحات الهيكلية بإرادة سياسية قوية لتوطين الصناعة والإنتاج المحلى مستهدفين المزيد من الاستثمارات التنموية خاصة المشروعات الخضراء بدءاً من الهيدروجين الأخضر من خلال العمل الجاد على تمكين القطاع الخاص المحلى والأجنبى من قيادة قاطرة النمو الاقتصادى المستدام والعمل على توفير مليون فرصة عمل سنوياً لتحسين حياة المواطنين والارتقاء بالخدمات المقدمة إليهم، وتأتى الاستثمارات الأجنبية المباشرة وزيادة تدفقاتها لأعلى مستوى كإحدى الوسائل لتحقيق ذلك، كما تقف قناة السويس صامدة كأهم ممر ملاحى عالمى وتؤكد قدرتها على تحقيق إيرادات رغم كل التحديات. الخلاصة.. اطمئنوا اقتصادنا بخير وحديث الإحباط لا يليق بهذا الوطن الذى لم يألُ جهداً وتحدى كل الظروف التى أفقدت دول كبرى توازنها، إن الوقت يلزمنا بالاصطفاف خلف الدولة المصرية، وهناك فرق بين منْ يخاف على هذا الوطن ومنْ يتربص به.. اطمئنوا فالعالم كله فى أزمة لكننا قادرون على تخطيها ويجب علينا العبور بفضل الله.