الأحد 12 مايو 2024

«فإنهم يألمون كما تألمون»

د. رفعت سيد أحمد

12-11-2023 | 15:37

بقلـم: د. رفعت سيد أحمد
رغم المعاناة واستمرار حرب الإبادة فى غزة ضد الأبرياء العزل.. فإن الخسائر التى تكبدتها إسرائيل كبيرة ومؤلمة.. فمن سقوط آلاف القتلى والجرحى فى اليوم الأول للحرب 7 أكتوبر الماضى وفى الأيام التالية إلى تكبيد الاقتصاد الإسرائيلى خسائر بالغة وصلت إلى حد 30 مليار دولار فى الأسابيع الأربعة الأولى للحرب فى كل المجالات من البورصة إلى الأمن والعقارات والسياحة والتجارة العامة وخروج 65 ألف عامل من نطاق العمل لذهابهم للجيش كاحتياطى!.. وهو ما ينطبق عليه نصا وواقعا قوله سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز (وَلَا تَهِنُواْ فِى ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ * إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ * وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ * وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا): الآية 104 سورة النساء. وفى هذه السطور نرصد بعض هذا (الألم) الذى تسبب فيه وخلقه ذلك الإجرام والتطرف الإسرائيلى ضد الأبرياء العزل أصحاب الأرض الأصليين! قبل أيام قالت مجلة ناشونال إنتريست: هذه الحرب أخطر على «إسرائيل» من حرب 1973، لماذا؟ تجيب المجلة لأن حرب 1973 كانت حربا عسكرية فقط، لكن الحال هذه المرة مختلف، فهى حرب سياسية- عسكرية، وتشير الدلائل الأولية إلى أن إسرائيل تخسرها.. والمجازر التى فاق عددها الـ500 مجزرة ضد المدنيين من الفلسطينيين فضلا عن كونها تعبيرا على الفشل، فهى تؤكد وتغذى الخسارة الإسرائيلية الأخلاقية والاستراتيجية.. وها هى الإيكونوميست تقول بعد شهر من الحرب المجرمة والعبثية إن (نتنياهو الرجل الخطأ فى المكان الخطأ فى الوقت الخطأ)؛ هكذا وصفت صحيفة «إيكونوميست» البريطانية رئيس حكومة الكيان الصهيونى بنيامين نتنياهو، وقالت إن معركةً تدور فى «إسرائيل» بشأن إدارة الحرب وتداعياتها ومن يتّخذ القرارات، ووفقًا للصحيفة، يقع نتنياهو فى قلب هذه المعركة، وهو الشخصية المهيمنة فى السياسة الإسرائيلية لأكثر من عقدين. وفى الوقت الحالي، قد يكون «الرجل الخطأ، فى المكان الخطأ، فى الوقت الخطأ». وأشارت إلى أن نتنياهو يُنظر إليه على أنّه فقد ثقة الجمهور الإسرائيلي، فيما يحاول إدارة حكومة حرب. أما فيما يتعلّق بالمستوطنين، أوضحت الصحيفة أن جزءًا كبيرًا من «الإسرائيليين» يحمّل نتنياهو مسؤولية الإخفاقات التى أدت إلى معركة «طوفان الأقصى»، فى الـ7 من أكتوبر الماضى. وقالت: «على الرغم من اللوم الذى يقع على عاتق قادة «الجيش» الإسرائيلى والاستخبارات، فإنّ هؤلاء ما يزالون يتمتّعون بشعبية أكبر من رئيس الوزراء بكثير». ووفقًا لها، أثار هذا الأمر غضب نتنياهو، ما أدى إلى تفاقم مشكلة ثانية وهى الانقسامات داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؛ حيث سادت أجواء «صادمة»، على حدّ وصف المسئولين الحاضرين فى اجتماعاته. وتساءلت الصحيفة: «إلى متى يستطيع نتنياهو البقاء على قيد الحياة؟»، مشيرةً إلى أن الإطاحة به قريبة جدا! ولرصد المزيد من الألم.. والثمن الذى توجّب على الإسرائيليين دفعه بسبب عدوانهم وظلمهم على أهل غزة، نجد مدير صندوق التعويضات الصهيونى (أمير دهان) يسجل أن إجمالى الخسائر التى لحقت بالممتلكات خلال الأيام العشرة الأولى فقط للعدوان زادت على الـ 37 مليار دولار وهى بذلك تزيد عن خسائر الحرب على لبنان سنة 2006 والتى استمرت 34 يوما - فما المتوقع لو استمرت الحرب (وهى ستستمر قطعا) لعدة شهور؟ لقد تراجع معدل النمو الاقتصادى خلال الشهر الأول من الحرب من 3.5 فى المائة إلى 2 فى المائة وبالتالى تراجع قيمة الناتج الإجمالى بحدود 3 فى المائة - وتراجع عمل البورصات الصهيونية وسعر صرف الشيكل الإسرائيلى بحدود 10 فى المائة رغم تخصيص البنك المركزى الصهيونى 40 مليار دولار لدعم الشيكل وتخصيص 15 مليار دولار لتأمين السيولة اللازمة. كما أن خسائر قطاع السياحة زاد عن 4 مليارات دولار من خلال إلغاء الكثير من الحجوزات السياحية والإقامة الفندقية، خسائر فى تصدير الغاز بعد إغلاق حقل (تمار) وتعليق الصادرات الإسرائيلية عبر خط الأنابيب البحرى المتجه للتصدير وبمئات الملايين من الدولارات وبنسبة 20 فى المائة كما أعلنت شركة (شيفرون)، تراجع عمل عشرات المؤسسات الاقتصادية الصهيونية بسبب عدم وجود أيدٍ عاملة متخصصة نتيجة سحب أكثر من 360 ألف إسرائيلى للانضمام إلى جبهات القتال، تراجع التصنيف الائتمانى للاقتصاد الصهيونى، كما عبرت وكالتا (موديز وفيتش) - عن تراجع الاستثمار الأجنبى خلال هذه الفترة بنسبة حوالى 60 فى المائة. هذا وقد تم إغلاق معظم الشركات التكنولوجية مكاتبها وأعمالها فى الكيان الصهيونى بما فيها (مايكرو سوفت وغوغل وألفا بيت وأبل وأوراكل ونستلة)، توقف مشروع تصنيع الرقائق الإلكترونية عن العمل وخصص له 25 مليار دولار، تعطيل عمل الكثير من شركات الطيران من وإلى الكيان - بيع 30 مليار دولار من العملات الأجنبية فى الأسواق الصهيونية وبما يعادل 15 فى المائة من إجمالى الاحتياطيات النقدية البالغة حوالى 200 مليار دولار- تراجع عمل قطاع الأعمال بحد وسطى 40 فى المائة حسب بنك (هيو عليم) الصهيونى - زيادة عجز الموازنة السنوية بأكثر من 2 فى المائة سنويا، وبدأ الكيان عمليا بمراجعة موازنة سنة 2024 - تراجع أسعار السندات الحكومية بنسبة 3 فى المائة وشركة العال الإسرائيلية 16 فى المائة - إلغاء مؤتمرات اقتصادية مثل مؤتمر الذكاء الصناعى الذى كان مقررا عقده خلال الأسبوع الأول- توقيف عمل المؤسسات الدولية بسبب سيطرة (عدم اليقين) من البنك الدولى أوقف عملياته - إصدار سندات خاصة بجمع التمويل من مغتربيها وبما يعادل 12 فى المائة من الدين الحكومى الإسرائيلى (حسب رويترز) - زيادة النفقات التأمينية لشركات التأمين المتعاملة مع الكيان - زيادة الخسائر يوما بعد يوم لأن تكلفة الرد الصهيونى على المقاومة يزيد عن 40 مليون دولار يوميا حسب صحيفة (ذا ماركر) - انهيار القسم الأكبر من الاقتصاد الزراعى الصهيونى وتراجع مبيعات الأسلحة- - نفقات لوجستية بالملايين من الدولارات لتسكين وتأمين المستوطنين المرحلين من جوار غزة - خسارة مليارات الشواكل من صناديق الائتمان فى أيام الحرب، مما اضطر وزير الاقتصاد الصهيونى (نير بركات) ليصدر أمرا (يُلزم بتفعيل قانون العمل فى ساعات الطوارئ وغيره من الموضوعات المهمة) . هذا ولقد تداولت عشرات المصادر الدولية (ولن نذكر العربية حتى لا نتهم بالتهويل والانحياز) أبعاد كلفة العدوان الإسرائيلى المجرم على الاقتصاد الصهيونى، فها هى صحيفة «نيويورك تايمز» تؤكّد أن اقتصاد الكيان الصهيونى فى مأزقٍ غير مسبوق، وها هى مراكز الدراسات الإسرائيلية –ذاتها –تؤكد أن 360 ألف جندى احتياط لوظائفهم من أجل التعبئة العسكريّة. ‏تباطؤ صناعة التكنولوجيا وهى محرّك النمو. وتوقّف الإنتاج فى حقل تمارا النفطى خوفاً من استهدافه (كما سبق وأشرنا). وتخصيص 45 مليار دولار لمنع الشيكل من الانهيار. وتحذير وكالتى «فيتش» و»موديز» من إمكانية خفض تصنيف الكيان. وتوقّف السياحة بشكل كلّى. وتوقّف رحلات شركات الطيران الكبرى، بما فى ذلك رحلات الشحن. وإلغاء شركة «إنفيديا» لقمّة الذكاء الاصطناعى فى تل أبيب. ولأول مرة يسقط لدى العدو أكثر من 2500 قتيل. ولأول مرة فى تاريخ إسرائيل وفى كل حروبها مع العرب يتم أسر أكثر من 250 جنديا وضابطا بينهم رتب كبيرة جدا. ولأول مرة يتم تهجير نصف مليون من المستوطنين. ولأول مرة يتم الحصول على كنز معلومات الموساد كانت موجودة فى مستوطنات غلاف غزة واستولى عليها المقاومون الفلسطينيون، ولا تزال فى أيديهم ويقال إن بها معلومات سرية للغاية عن مفاعل ديمونة وإمكانية التحكم به وإطلاق قنابل منه بعد الحصول على (الأكواد السرية له !!!) ماذا يعنى كل هذا؟ يعنى أن الكيان المعتدى.. يتألم ويعانى.. وإن ادعى غير ذلك.. صحيح معاناة الفلسطينيين.. أشد وأقسى.. ولكنه ثمن الدفاع عن الحق والأرض والشرف العربى وهى سنة التاريخ وقدر المقاومين الشرفاء.. وسينتصرون حتما!