الخميس 2 مايو 2024

من حرب 48 وحتى حرب غزة:ومن كذبة الأسلحةالفاسدة إلى خدعة الحرب الدينية لماذا نجرى دائماً وراء الرواية الغربية؟

صورة أرشيفية

12-11-2023 | 21:37

بقلـم: د. أحمد فاروق
مثّلت قضية فلسطين طول عمرها مجالا خصبا لأصحاب الحناجر القوية وأصحاب الغضب الجامح وفى نفس الوقت لأصحاب العقول الضعيفة، وهى القضية الكلاسيكية فى كمية المزايدات والفرص الضائعة.. ‎ومنذ حوالى شهر تعيش قضية فلسطين محنة متجددة فى ظل عدوان إسرائيلى غاشم لا يراعى قوانين ولا أعرافا دولية، وفلسطين الآن تحتاج أكثر من أى وقت آخر إلى العقول قبل الحناجر، وإلى الأفكار قبل الغضب الجامح، وإلى البحث عن حلول قبل المزايدات المعتادة.. ‎ولنناقش بعض القضايا المتعلقة بما جرى فى فلسطين خلال الشهر الماضى.. بالطبع كلنا فرح جدا - وأنا منهم - بما حدث يوم 7 أكتوبر الماضى، ولكن الحرب ليست يوما واحدا أو يومين، الحروب بنتيجتها النهائية.. ‎ومع أننى من مدرسة تقول إنه لا يجب ولا يليق أن نعطى الفلسطينيين دروسا وهم فى النهاية من يموتون ويتحملون تكاليف الصراع.. ‎إلا أنه فى هذه الجولة تحديداً فإن مصر معرضة لأكبر المخاطر، فالحديث يتم بكل وضوح عن مخطط توطين الأشقاء فى سيناء، وهذا الأمر أصبح يتردد بصورة علنية وبمنتهى البجاحة، على ألسنة مسئولين إسرائيليين ومسئولين غربيين، وتحول الأمر فيه من الكلام إلى محاولة التنفيذ، وفرض الأمر الواقع لولا الموقف المصرى الحاسم الذى قطع الطريق تماماً على المروجين لهذا المشروع الخبيث. ‎وبالتالى فمصر - وحدها تقريبا - فى وجه مشروع لا يبدو أنه مشروع إسرائيلى فقط، بل مشروع أمريكى إسرائيلى غربى!. ‎وإذا نجح هذا المشروع - لا قدر الله - فإن نتيجة ما يحدث الآن على مصر وعلى فلسطين كارثية، وآثاره ليست أقل من ضياع فلسطين تماماً، وتكاليف ومشاكل لا تنتهى لمصر.. ‎وإذا لم ينجح هذا المشروع - بعون الله - فإن كل ما حدث لا يخرج عما حدث فى خمس مرات سابقة تصادمت فيها حماس مع إسرائيل.. ‎حماس تضرب وإسرائيل تنتقم.. ‎ولكن هذه المرة درجة إيلام حماس لإسرائيل كانت أقسى.. ‎ولذلك تحاول إسرائيل أن تزيد الإيلام للفلسطينيين بعقاب جماعى وحشى.. لكن المتغير البارز الذى ظهر خلال ذلك الشهر القاسى على الأشقاء الفلسطينيين الأبرياء فى غزة هو أن فكرة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء أصبحت تطرح علنا كحل لمشكلة الفلسطينيين، من وجهة نظر إسرائيل!. ‎وهو متغير ليس هينا.. وتتعامل معه مصر بمنتهى الحزم والحكمة معا.. وظهر ذلك فى وضوح الخطوط الحمراء المصرية على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسى وعدم السماح بتجاوزها مهما كان الثمن، وفى الوقت نفسه حكمة القيادة السياسية فى التعامل مع القضية والانفتاح على كل الأطراف من أجل إيجاد حل لإيقاف التصعيد وإنقاذ الفلسطينيين. وبجانب مخطط التهجير كان من ضمن الأسئلة التى أثيرت خلال ذلك الصراع سؤال مؤداه: لماذا لا تلجأ الفصائل الفلسطينية إلى أسلحة أخرى مادامت لم تحز حتى الآن أسباب القوة، وغير مسموح لها أصلا بامتلاكها.. ‎خاصة وأن الأسلحة الأخرى والتى يطلق عليها البعض أسلحة الضعف سبق أن حررت دولا من قبضة امبراطوريات عظمى.. ‎ومثال ذلك ما فعله غاندى فى الهند، من استخدام أسلوب العصيان المدنى والمقاومة السلبية للاحتلال البريطانى، وانتهى الأمر بتحرير الهند من احتلال بريطانى استمر 300 سنة تقريبا.. ‎والفكرة الأساسية أن سبل ووسائل المقاومة كثيرة، وتختلف مع مرور الزمن وتطور الحوادث، وليس وسيلة واحدة صالحة لكل الظروف، خصوصا إذا كانت جربت مرات كثيرة بدون فائدة كبيرة.. السؤال الثانى: لماذا ينقسم الفلسطينيون - وأحوالهم كما نرى - على أنفسهم هكذا، ويصبح لهم سلطتان، واحدة فى رام الله والثانية فى غزة؟!. ‎وما الذى يمنع من توحيد الصف الفلسطينى وإجراء انتخابات تأتى بمن يختاره الشعب الفلسطينى، ويكون صوته الذى يمثله أمام العالم كله، ويمتلك قرار الحرب والسلام، بدلا من تركه لقادة كل فصيل يفعلون ما يريدون دون توافق أو اتفاق أو دراسة تبعات كل خطوة، أو تحرك فصائل حسب ما يريد رعاتها فى الإقليم.. ‎فمن الصعب جدا القول إن هناك فصيلا أو تيارا واحدا يمثل الشعب الفلسطينى، وبالتالى فإن احتكار فصيل للقرار الفلسطينى كله ليس شرعيا بصورة كاملة.. ‎لسبب بسيط، وهو أنه ليس هناك تفويض واضح وصريح من الشعب الفلسطينى لفصيل دون الآخر بالتصرف فى حياته ومستقبله كما ترى. ودون حتى استشارة أحد بل واتهام كل منْ لا يسانده بأنه خائن للقضية أو داعم لإسرائيل. وهناك سؤال ثالث وهو.. هل تستطيع الدول العربية تحرير فلسطين؟.. ‎والجواب بالطبع لا. فالدول العربية وخاصة المهمومة بالقضية تفهم جيدا موازين القوى الحقيقية فى العالم، وتتعامل بدون أوهام أو عواطف أو بدون صراخ الفضائيات.. ‎وموازين القوى تقول إن الغرب وعلى رأسه أمريكا أقوى، وأن نتيجة المواجهة المباشرة معها ليست أقل من محاولة انتحار.. ‎إن روسيا - وهى قوى عظمى أقوى من العرب أيضا - لا تستطيع تحدى الولايات المتحدة والغرب.. ‎والصين - وهى قوة عظمى أقوى من العرب أيضا - لا تستطيع تحدى الولايات المتحدة والغرب!!. ‎وكلتا الدولتين - روسيا والصين - تنقل ملعب الصراع مع الغرب إلى الاقتصاد وليس السلاح.. ‎وجزء عزيز وغال من الصين - وهى تايوان - منفصلة عنها، وهى تقريبا تحت الاحتلال والحماية الأمريكية.. ولا تستطيع الصين - وهى دولة نووية ودولة عظمى اقتصاديا - فعل شيء!!. ‎وقبل ذلك تركت الصين جزءا آخر غاليا وعزيزا عليها - وهى هونج كونج - تحت الاحتلال البريطانى لمدة 170 عاما، حتى أعادتها بريطانيا بالمفاوضات - وبشروط قاسية - إلى الصين عام 1997.. إذن ما نراه الآن أن الكفاح الفلسطينى فى مرحلته الحالية تقوده العواطف وليس العقل، وتقوده تيارات سياسية مغامرة وليس تيارات سياسية لديها استراتيجية محددة لإدارة الصراع.. فيها القتال وفيها السياسة.. ‎فيها الفكر والثقافة.. وفيها بناء علاقات مع كل القوى المؤمنة بحق الشعوب فى ذلك العالم الواسع.. ‎أى فيها مقاومة إسرائيل بالرصاصة عندما يحين وقت الرصاص، والسياسة عندما يكون الزمن للسياسة، وفى كل الأوقات نضال فى العالم كله على جبهات الفكر والأدب والثقافة والاقتصاد، لبناء جبهة من شعوب العالم وحركاته النشطة لمحاصرة إسرائيل، وفضح جرائمها التى ترتكبها ضد الإنسانية. ‎أى باختصار مطلوب إدارة الصراع مع عدو ذكى - وفى نفس الوقت قوى - بأكبر قدر من الذكاء.. ‎أى بالعقل وليس فقط بالعواطف.. ‎بالتخطيط طويل المدى وليس بالعمل الارتجالى، الذى ربما يحقق لنا غريزة الانتقام من عدو ظالم.. ولكن نتيجته النهائية مشكوك فيها. السؤال الرابع الذى فرضته الأحداث الأخيرة هو كيف تعودنا أن نرقص على أنغام أعدائنا بسذاجة بسبب أن بعضنا مستجدون فى السياسة وفى ممارستها عموما، وتجربتهم محدودة فى معانٍ كالصراع والحرب، وما يلحق بها من الحرب النفسية وحرب الأعصاب والتأثير فى الخصم بدون قتال. ‎ولنأخذ مثالا واحدا.. ‎مثال على قصور فهم بعض العرب والمصريين لمعنى الصراع ومتطلباته.. ‎لقد تبنى كثير من العرب والمصريين نظرة عدوهم بالكامل تقريبا لحروب العرب معه.. ‎وأقصد بعدوهم هنا إسرائيل ومن يقف وراءها من دول الغرب، فإسرائيل فى النهاية مشروع غربى للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط وضبط تفاعلاته، بما يضمن دائما المصالح الغربية، ‎حيث تبنى كثير العرب - بسهولة وسذاجة - الرواية الإسرائيلية والغربية لكل جولات صراعهم مع إسرائيل؟!. كانت الحرب الأولى هى حرب سنة 1948، حيث ‎دخلت الجيوش العربية فلسطين فى مايو 1948 لتحريرها من الإسرائيليين، وأبلت الجيوش العربية فى البداية بلاء حسنا، وتقدمت على عدة محاور.. ‎ثم كان أن طلبت إسرائيل الهدنة، وفرض الغرب الهدنة فرضا، وأثناء ذلك أعيد تسليح إسرائيل وتنظيم قواتها، وانقلبت الأمور بعد استئناف القتال، حيث تقدم الإسرائيليون وتراجع العرب.. ‎ولكن ماذا حدث بعد انتهاء الحرب؟!. ‎لم يدرس العرب تجربة القتال مع إسرائيل، وظروفها السياسية والدبلوماسية، وموقف الدول الكبرى وطبيعة مطالبها من المشروع الإسرائيلى.. بل توصل المصريون إلى أن سبب الهزيمة هو... الأسلحة الفاسدة!. ‎أى أن المشكلة ليست فى خطط الغرب وتلاعبه وخبثه.. بل إن العيب فينا نحن!، رغم أن قصة الأسلحة الفاسدة أكبر كذبة فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى... فلم يكن هناك أسلحة فاسدة أصلا، وقد حقق فى الأمر بعد الحرب مباشرة، ولم يثبت أن الجيش المصرى حارب بأسلحة فاسدة.. ‎وأعيد التحقيق بعد ثورة 23 يوليو 1952 ولم يثبت وجود أى أسلحة فاسدة مع الجيش المصرى عام 1948.. ‎كان الهدف وقتها القول إن الخيانة جاءت من العرب أنفسهم، وأن قيادتهم هى المشكلة.. ‎وأن الغرب برىء مما حدث للعرب بل العيب فى العرب أنفسهم.. ‎وحتى الآن ما زالت خدعة الأسلحة الفاسدة تتكرر، ومعها يتم صرف الأنظار عن ظروف قيام إسرائيل، وماذا ارتكبت من جرائم، وموقف الدول الكبرى من ذلك المشروع المجنون.. ‎وجاءت الحرب الثانية.. حرب 1956. ‎كانت مصر تبحث عن بناء نفسها، وتحتاج فى ذلك لكل مواردها، وكان أهم مواردها... قناة السويس. ‎وبعد رفض الغرب تمويل بناء السد العالى لتوليد كهرباء تحتاجها النهضة الصناعية التى كان يفكر فيها قادة مصر الجدد، قرر جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس.. أى إرجاعها إلى الوطن الأم.. ‎وكان أن قررت بريطانيا وفرنسا ضرب مصر على تحدى الإرادة الغربية السامية.. وسحبوا معهما إسرائيل كمشروع غربى فى قلب الشرق، وتحت أمره وتصرفه... ‎ومن الناحية السياسية انتصرت مصر فى هذه الحرب وانسحبت دول العدوان الثلاثى بعد عشرة أيام من الحرب... ‎كانت القضية فى أساسها منع مصر عن بناء نفسها بعد ذل القرون الطويلة... لكن كثيرا من المصريين لم يساندوا بلدهم بل تبنوا الرواية الغربية بالكامل.. وهو أن تهور عبدالناصر ورعونته هى سبب الحرب!!. ‎فما الذى كان يدعوه – طبقا لهذا الرأى - إلى إرجاع قناة السويس بالحرب عام 1956 وهى كانت سترجع بالسلم عام 1968؟!. بالطبع لم تكن بريطانيا تنوى إرجاع القناة لمصر عام 1968، وكانت ستفرض على مصر تجديد عقد الامتياز؛ فقناة بنما فى قبضة أمريكا منذ أكثر من مائة عام، وتفرض تجديد عقدها فرضا دوريا.. ‎وعندما أراد نورييجا - رئيس بنما - عدم تجديد عقد القناة لأمريكا فى الثمانينات اتهمته أمريكا فورا بأنه تاجر مخدرات، وأنه حاكم ديكتاتور.. ثم قررت دخول الحرب ضد بنما عام 1989.. وفى النهاية قبضت أمريكا على نورييجا وسجنته لمدة 17 عاما... حتى مات فيه عام 2017!!. ‎المهم أنه مازال عندنا - حتى اليوم - من لا يتذكر من حرب 1956 سوى كذبة تهور عبدالناصر ورعونته ودماغه الصعيدى.. وينسى ما فعله الغرب وتحكمه فى الشعوب، وعدم ترك الفرصة لتلك الشعوب لبناء نفسها على أسس جديدة، ومحاولة تعويض ما فاتها... ‎ومرة ثانية تبنينا نظرة أعدائنا للمشكلة‎.. وجاءت الحرب الثالثة.. حرب 1967. ‎كانت مصر مستمرة بدأب وشجاعة فى بناء نفسها.. فى الصناعة والعلم والسلاح.. فأقامت قطاعا صناعيا كبيرا ومتقدما.. وساعدت أغلب دول إفريقيا على التحرر من الاستعمار.. وتقدمت لبناء تجربتها فى الاستخدام السلمى للطاقة الذرية.. واستعانت أمريكا بإسرائيل لضرب عبدالناصر وإنهاء تجربته.. وأمدت أمريكا إسرائيل بكل ما تحتاجه من سلاح حديث ومتقدم.. ‎وقادت بنفسها خداع عبدالناصر وتوريطه فى حرب لم يأت أوانها.. وكانت حرب 1967.. ‎كانت القصة واضحة.. تجربة رائدة فى العالم الثالث استخدمت أمريكا إحدى أذرعها لإيقافها.. ولم تدع أمريكا مصر والعالم العربى يفهمون القضية هكذا، بل كان لابد من تقديم أسباب أخرى تجعل سبب الهزيمة هم العرب أنفسهم!!. ‎1 - قال الليبراليون إن سبب الهزيمة هو غياب الديمقراطية!!. ‎2- وزعمت جماعة الإخوان الإرهابية أن سبب الهزيمة هو عدم تطبيق الشريعة الإسلامية!!. ‎3- وقال الماركسيون إن سبب الهزيمة هو حكم البرجوازية الصغيرة والمتوسطة فى مصر، وأن حكم البروليتاريا - أى الطبقة العاملة - كفيل بإرجاع الأمور إلى نصابها!!. ‎4- وقال بعض المفكرين إن سبب الهزيمة هو ترهل مفهوم الدولة العربية الحديثة أو عدم وجودها!!. ‎5- وذكر بعض الشعراء أن سبب الهزيمة هو أننا لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية!!. ‎والمعنى فى كل ذلك أننا كنا نناقش أى سبب لنكسة 67 إلا السبب الرئيسى.. وهو إسرائيل وأمريكا.. وكانت إسرائيل وأمريكا فى منتهى السعادة وهم يرون ذلك، فقد كفاهم العرب أنفسهم مشقة تقديم الأسباب والذرائع.. ‎نسى العرب أمريكا وما تفعله بكل شعوب العالم الناهضة، من فيتنام إلى إندونيسيا، ومن البرازيل إلى كوريا، ونسوا المشروع الإسرائيلى وما يريده ببلادهم، وتذكروا أن المشكلة فيهم أنفسهم، ولا يوجد لوم أصلا على غيرهم!! ومازالت النظرة إلى حرب 1967 هكذا فى أوساط بعض العرب حتى اليوم.. ‎وتكرر نفس الشيء بعد ذلك فى كل الأمور.. فمع نصر أكتوبر العظيم عام 1973 أصبحت قصة الخلاف بين الشاذلى والسادات، ومعها قصة الثغرة هى السائدة كى ينسى العرب انتصارهم.. كان الجدل المقصود.. هل مصر لم تنتصر أم أن الحرب انتهت بالتعادل؟! ‎تبنٍ كامل لكل ما يريد لنا الآخرون تبنيه من القضايا، وكل ما يريدون منا أن نراه.. ‎وفى الصراع الحالى فى غزة، كان مطلب إسرائيل دائما تحويل قضية فلسطين من قضية تحرر وطنى، يمكن أن يتفهمها العالم إلى قضية صراع دينى على مدينة أو مسجد أو معبد.. ‎وإسرائيل فى الأصل دولة دينية، ومن مصلحتها أن يحاربها العرب من موقف دينى، ففى ذلك تسهيل أمور كثيرة على إسرائيل. وهذا هو نفسه ما تريده وتروج له جماعة الإخوان الإرهابية لأنه يحقق مصلحتها، ‎فما دام المنطق الدينى هو ما يحكم طرفى النزاع، فما المشكلة أن تجعل إسرائيل من نفسها دولة يهودية فقط لكل سكانها، وتطرد سكانها غير اليهود أو تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثالثة.. ‎وكان أن عملت إسرائيل منذ السبعينيات على تشجيع جماعة الإخوان فى فلسطين على أن تحل محل منظمة التحرير الفلسطينية والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين لتصبح فعلا المعركة دينية. وبالفعل تم تحويل قضية فلسطين من قضية تحرر وطنى إلى قضية دينية.. ‎القدس فيها أمام أورشليم.. ‎والمسجد الأقصى فيها أمام حائط المبكى.. ‎وأصبح العالم ينظر إلى قضية فلسطين على أنها قضية معركة بين المسلمين واليهود على مدينة ومسجد ومعبد.. ‎وليس لدىّ اعتراض أن يتقدم الاتجاه الإسلامى ليجرب حظه فى قضية فلسطين، ونرى إلى أين سيأخذنا ويأخذ قضية فلسطين معه.. مع أن الشواهد واضحة أمام كل من يرى ومن يستوعب.. ‎ولكن لدىّ إحساسا أن السياسة والحرب بمعناها العلمى والحديث تاهت فى ذلك الصراع ليحل محلها صراع المطلقات.. المطلق الإسلامى والمطلق اليهودى وبما يحقق مصالح المتطرفين على حساب القضية الحقيقية. ‎وحلَّت العواطف والغرائز محل التخطيط والعقل.. ‎... أى أننا مرة خامسة - أو عاشرة - حققنا ما يريده العدو منا بالضبط.. ولم نسع لخوض الصراع بآلياته.