الجمعة 10 مايو 2024

عجز وتخاريف

سحر رشيد

13-11-2023 | 13:42

بقلـم: سحر رشيد
نهايات محسومة.. رهانات غالبا خاسرة.. حياة أشبه بالحلم القصير.. فبين ليلة وضحاها يمسى كل شىء.. ولم يتبق شىء.. نعتزل.. نشتبك.. قاتل ومقتول.. نؤلم ونتألم.. عجز يدفعنا أن نعاهد أنفسنا أن نترك ما نعانى.. نزهد فى متع الحياة.. نحيا صورا مصطنعة.. تغمرنا الحيل التائهة ونخطئ العنوان.. تحاصرنا جروح لا تغلق.. وأرواح تشقى.. يدفعنا الحلم لواقع من تخاريف تؤنسنا.. ولسان حالنا: أيها العالم نحن البلهاء الحمقى مازلنا نحيا.. نتنفس.. نتألم ونشكو بشعور مختلف وكلمات فى حيرة أوصمت فى عجز فى مواجهة عجز. شاسعة هى المسافة بيينا وبين أنفسنا.. مرهقة طويلة تلك الرحلة التى نقطعها إليها.. تشتد صعوبة مع طول الغياب.. ربما نضل وربما ننسى العنوان بعدما أرهقنا الفرار.. تشترط علينا أن نترك ما نعانى.. ربما تملكنا اليأس ما بين عودة غير مجدية وراحة فى غربة حتى ولو كانت وهما.. ترهقنا الصراعات معها ومع غيرنا.. نحاكى تناقضات الحياة مع كل يسعى للغلبة بلا قوانين أو نزاهة.. تفنى أنفسنا فى رحلة العدم والتلاشى ونحن مازلنا على قيد الحياة.. فصرنا صورا غير مماثلة من هول الضغوط والتعب والتضحيات.. ملأت نفوسنا بفجوات ووهن ومعه نقبل ونرضى أو حتى نثور لأتفه الأسباب. وسط معارك وصراعات شعورية ولا شعورية تأخذ منا الكثير.. قد نكسبها وقد نخسرها.. مهما كانت تستحق أو لا تستحق.. فخ وشرك يدفعنا لخوض معارك التفاهة.. ننجرف بكل قوة فتضيع منا القوة ونصير خاوين من كل شىء.. قد نبحث عن الاستسلام حتى ولو كان جبرا.. ننجرف لصور الحياة الزائفة.. نعمل بكل الطرق.. نجاهد ونستمر حتى لو هزمنا.. نبحث عن طاقة تجنبنا مخالب الزمن.. مهددين طوال الوقت بالغامض المجهول.. عابثين بين الحيل لمواجهة ما هو قادم.. نشقى، ويزداد سوء الظن وتحتل نفوسنا الريبة والخوف من المرض والفقد والفقر.. لكننا نتهيأ لقدوم الأصعب.. وقد يدفعنا العجز لحلول مستحيلة لا ندرك عواقبها.. فنمتلئ بكل ما لا نريد أو نحب.. فاليأس يدفعنا لتمنى المعجزة.. فتحلم بالأمل وأنت فى قمة اليأس.. تحلم بتغير الأحوال والمقادير.. فلم يعد بيدك غير الحلم المكبوت ورسائل الكتمان.. ربما تعوضك عما كسرته الأقدار داخلك.. تعاندك الحياة فى مواجهة شدة تعلقك بأشياء طالما تمنيتها.. تعجز عن إيقافها وإنكارها.. مقيد تعلم أنه ليس شرطا أن ينتهى بك المطاف لجزاء أو إثابة على صبرك.. أقدار لا يعلم أحد أين يكمن الخير؟!.. قد يراودك فى يأس فكرة أن تضحى بالأمل وتتركه وتتنازل عنه، سواء كان معنويا أو ماديا.. أيا كان فنحن نحيا المفاجآت بتغير الواقع حتى ولو كان مجرد تخاريف.. فتملئ أنفسنا دون إرادة.. دون عمل حقيقى أن يصير ما داخلنا واقعا.. فمعظمنا إن لم يكن كلنا حينما تزداد مرات الفشل داخله، خاصة إذا كانت مصحوبة بفرضية النجاح من عمل وموهبة ومهارة فى وقت تأتى النتائج عكسية.. تجد نفسك تضع أملها فى تخاريف تصب من ورائها هدفا لم يتحقق بالعمل.. فتبدأ نفسك فى التعامل معها كمنتج وحيد فريد.. وبمعنى آخر ما تحصل عليه بضربة حظ سيرتبط بك اسميا.. وإن فشل ينضم لسلاسل الفشل لديك.. فنجاحه بمخرجه النهائى يجعله ينتمى إليك رغم أنك كنت تطمح فى نجاح آخر من صنع يديك.. ويصير قطعة عزيزة عليك تزهو بها، لأن الفشل دائما يجعلنا نتقبل صورا أخرى من النجاح حتى ولو كانت هزلية.. فنفسك تريد ألا تحرم من طعم الإنجاز.. فتسوق مقومات عديدة لإقناع ذاتك بأنها الأفضل مما كان.. عمل مناسب معبرعن مرحلة تحياها مدفوعا بقلة الحيلة فى إصابة الهدف الحقيقى فى وقت تجد المصفقين والمهللين من الذين يتهافتون على من تحتضنهم الأضواء فقد تصيبهم العدوى والمنفعة.. نجم رغم حالة اللامنطق التى دفع بك اليها خلل وتشوه معايير الإجازة.. قد تكون نتيجة الفراغ الذى دفع بك للمقدمة.. وحينها تذق طعم النجاح وكل مقومات الشهرة وما يتبعها من غرور وإشباع لمركبات النقص داخلك وداخل من حولك.. بفضل تفاعلية واقع أفرز حالة باعتيادك عليها أصبحت جزءا منك ترفض التنازل عنه، وخاصة أنك تشعر معها بالمكافأة، قد يزداد هذا الشعور إذا كنت فى نهايات العمر.. وترفض التخلى عنها بل وتحارب من أجلها.. ولا تتعجب فلا أحد يدقق أو يبحث عن أسباب وتفسيرات هذا العطاء ولا أنت نفسك المهم النتيجة والفائدة والاستفادة مهما كان الأمر عبثيا. فالنماذج تتغير والقيم أيضا وماعاد أحد يسأل عن المبادئ، ومن تمسك بها صار حبيس نفسه وحده، بل قد يكون منفرا لمن حوله يشعرهم بعجزهم أمام أنفسهم سواء تخلوا عنها أو كانوا مثله.. الجميع يلجأ للعبث المجدى المستمر فى الشكل والمضمون حتى ولو غاب المضمون.. أشكالا استحواذية تتصارع واستغلال أصحابها لأى طريقة وأداة ليحصل على مكاسب.. أيا كانت مخالفة أو متناغمة مع الفطرة السليمة.. فالمرجعيات المجتمعية تتغير وتتبدل.. وتغيب عن أذهان الكل أشكال النهايات والمآل، بل العكس يدبرون النهايات المبشرة ويروجون أن الأحوال ستظل هكذا ملكا لهم.. ومن يرفض مسايرة الأجواء يصاب بالعزلة والخرس.. وقديصبح مريضا بالاكتئاب وربما يدفعه الوضع للانتحار لأنه لا وجود له وسط الجموع. وعلينا أن نتفق أن الصراع سواء كان داخلك أو خارجك دائما غير متكافئ.. مصارعة للثيران الغلبة دائما للقوة الغاشمة.. غالب ومغلوب وبمعنى آخر قاتل ومقتول.. ولا تحدثنى عن الخسائر التى بسببها قد يتحاشى كل منا الدخول فى الصراع فى وقت لا يملك أحد الحسم لصالحه بدون خسائر، سواء مع نفسه أو مع غيره أو حتى فى مواجهة الحياة.. كل يتحمل مسؤوليته سواء كان غالبا أو مغلوبا.. فلا تعاطف حتى مع الضحية التى غالبا نلقى باللوم عليها ونهدرها كل الحقوق ونسلبها كل الأعذار.. بل على العكس فإننا نستعد للخضوع والمهادنة والنفاق للفائز، مما يتيح له الاستمتاع بالفوز وربما التسلط الذى يتمنى معه الاستدامة.. رغم استحالة فرضيتها.. فالخصوم لايملوا محاولات النجاح والتجريب والتصويب لاعتلاء المشهد.. فالصراع مستمر بمقوماته من زمن وأشخاص وأماكن.. كل يتفاعل ويفرز أشكالا وصورا وشخوصا جديدة، حتى نحن قبل الصراع غير ما كنا قبله. وماذا علينا أن نفعل؟!.. نمضى ونصر ونبتلع إصرارنا.. نحلم بالظفر مهما كنا مهزومين فلا يزال فضاء أنفسنا يتسع ينتظر لحظة توافقه مع واقع يحتضنه.. مهما حوت أنفسنا من أفكار مستكينة تشبهنا أو حتى تعكس صورنا فى مرآتنا المشروخة.. ظلال تلاحقنا أو حتى نوقظها.. متحملين قسوتها.. آملين أن نتناسخ معها أو من خلالها.. مهما كانت مرارة ما تلقيه علينا الأيام من حمول وما أغلق فى وجوهنا من أبواب وصدمنا من حوائط قبح.. وألا نستهجن واقع نحياه فنحن لا نعيش فى فضاء مجرد ننسج منه حلية تناسبنا وحدنا.. علينا أن نخترقه لنهدأ ونعوض أنفسنا أى هزيمة.. نستحضر شجاعة نقتحم بها واقعا عصى علينا.. ربما كانت المغامرة محصورة على الشباب ومع تقدم أعمارنا تقل قدراتنا على تحمل الخسائر.. وننتظر أن ياتى إلينا ما نربو إليه من تلقاء نفسه.. وأصبحنا نتوجس أكثر وننتظر أكثر ونتمهل ونتوقع الأسوأ من طبع الأيام.. ورغم ضعفنا وما غلب علينا من خوف إلا أنها هى نفس المغامرة التى تدفعنا لسماع نداء أنفسنا.. فنندفع لتفاصيل فى رحلة غير مأمونة العواقب ليقتحم عليك دون استئذان ما لم تتوقعه.. فالحبيس أفرج عنه بعد طول تقييد.. يقرع أذنك ويحجب رؤيتك طوفان من كل ساكن!!.. أخطاء تلاحق أخرى.. لا عليك أنت الآن فوق كوكب نفسك وعليك أن تخطو بخطوات واثقة لسلامة العودة.. تذهب وتعود مثل الكل.. خطوة لطريق اخترته أو فرض عليك.. وصلت فى موعدك أو متأخرا.. عليك أن تحظى بمستقر.. تلتقط أنفاسك وليس شرطا أن تقدم إحابات على كل الأسئلة.. المهم أن تواجه أخطائك.. فالكل فى ضياع وغضب وقلق.. عليك أن تنتصر لنفسك باللامبالاة مع عبثية المعاناة فى معارك نخوضها ولا نمل من استدعائها كما أننا لا نمل من الوقوع فيها.. ويصير لسان حالنا: أيها العالم نحن البلهاء الحمقى الذين يعجبهم الفخ.. مستسلمين لتبعثر الحياة فى وجوهنا وإصابتنا من فرض شظاياها.. فوضى تحدث فينا صدى أننا على قيدها.. ومهما تبعثرنا وسط فوضى الحياة فإننا لا نستطيع التنحى أو الرجوع. ففى غالب الأحيان فرصة التنحى أو التقهقر غير متاحة مهما تقاذفتنا الحياة.. لكننا مجبرون على الجلد فى مواجهة رهبة الغد، الذى نحلم أن يأتى بالخير.. فكم غلبنا وضاعت من بين أيدينا براءة الحياة.. نحلم بسطوة لأنفسنا بالاندماج العادل.. متوسلين إليها ألا تطيح بنا فى ظلم وقهر كثير ما يصيبنا. سواء كنا من الفاهمين للغز الحياة أو حتى من العاجزين.. فعلينا أن نحيا بلا ترقب أو انتظار.. بزهد وتناسٍ فيما نحلم به، بل التخلى عنه فالحياة ترفض من يعاندها أو يقف فى وجهها.. ولا تنسى أنها حسمت أمرنا جميعا فى نهايات محسومة.. فلا تطلب أو تفرح أو تحزن.. وعليك أن تتنازل أيضا عن كل أشكال التنافس والتهافت.. فلا ديمومة أو استدامة.. حتى لحظات الألم عليك أن تقارن بين أقرانها حتى تحمد ربك على السلامة، سواء أصابتك أو أصابت غيرك.. فنحن عبرة لأنفسنا ولغيرنا.. نستشعر الرضا لنصل للقناعة.. نخلق أكاذيب من رحم الألم والوجع لنقدم فروض الولاء والطاعة لنحيا بسلامة.. فلا يدفعك العجز لتنافس نفسك فى بلوغ شىء فتبلغ معه نهاية رحلتك.. ولا أنكر عليك أن تحلم أن تبلغ الهدوء وربما السعادة بتوافق مكنونات نفسك مع واقع تستحقه.. لكن ربما تخسر سعادتك بتعلق.. فنادرا ما تمنحا الأيام ما نربو إليه فلا معيار ولا حاكم للعطاء مهما بلغت من الاجتهاد.. فقط عليك الرضا والتسليم لمفاجآت ونهايات الأشياء غير المنطقية.