«خيال المآتة» هو تمثال بدائى بسيط، يتشكل من قطعتين على شكل صليب، ويغطى بقماش يوحى لك من بعيد أنه رجل يقف فى منتصف الحقل.. ابتكره أهلونا المزارعون والفلاحون، ليطرد الطيور حتى لا تأكل حبوبهم، ويحميها من اللصوص أحياناً. يُقال إن أول من ابتكر خيال المآتة هم الفراعنة، ولكل أمة من أمم الأرض خيالاتها المقاتيه المختلفة، وتغطى بملابس وتشبه ملابسهم وتأخذ أسماء تشبه أسماءهم. الخيال الشعبى استطاع أن يحوّل «خيال المآتة» من تمثال إلى حكاية شعبية تُروى للصغار لتفزعهم وتمنعهم من مخالفة أوامر الكبار.. عودوا بالذاكرة لكل حكايات الطفولة التى شكّلتنا، ستجدونها مليئة بـ«خيال المآتة» وغرفه الفئران والوحوش المرعبة! السياسى يستطيع وبمهارة أن يصنع كل يوم «خيال مآتة» جديدا، ينصبه فى كل زوايا الحقل، يمنحه حجماً أكبر من الحجم المعتاد، يجعله عبر الإعلام يرتدى الملابس المخيفة، بعد فترة تنظر إليه برعب وهو ليس سوى قطعة قماش معلقة فى عصا تم نصبه فى عقلك! فمثلا الرئيس الأمريكى جورج بوش الابن استطاع عبر «خيال مآتة» «الإرهاب» أن يُربك العالم ويشعل حربين ويحتل بلدين، ولقوة أمريكا وإعلامها وجيوشها المدججة بالأسلحة والأقلام والأفلام ومراكز الدراسات تحوّل «الإرهاب» خلال عقد إلى «خيال مآتة» عالمى!! فى رأس كل منا «خيال مآتة» له شكل مختلف.. ‏هذا «خيال مآتة» نصبه السياسي، وذلك خيال المآتة صنعته الثقافة، وخيال مآتة ثالث توارثناه من أجدادنا.. كما حكايات الجدات المرعبة! العقل العربى مشكلته الأزلية تتمحور حول محاكاة عواطفه والطنطنة الزائفة والشعارات الرنانة، مما جعل أغلب شعوب المنطقة تجهل حجم الدعم الحقيقى والمساندة التى تقدمها دولهم بصمت إزاء كافة قضايا الأمة، لا يعجبهم إلا «خيال المآتة» يُخيف من بعيد لكنه لن يدافع عنهم إذا لزم الأمر . ‏فمهمة كل «خيال مآتة» طرد طيور الأفكار الحرة من حقل رأسك. أهل الحقول يقولون حتى العصافير، بعد فترة، تبدأ بالتعوّد على «خيال المآتة» ويبدأ خوفها منه بالتلاشى تدريجياً، تكتشف بطريقة ما أنه وهم وليس سوى شيء فارغ، تدور حوله وتغنى على إحدى يدى «خيال المآتة» وتأكل الحَب فوق رأسها! بالوعى فقط يمكنك أن تطرد كل «خيال مآتة» نُصب لك على أطراف حقلك، أو عقلك.. مهما كان حجمه، ومهما كانت قوة منْ صنعه ليُرعبك. ‏فى فترة مثل الفترة التى نعيشها ونحن نرى الاضطراب والتوتر القوى حولنا يجب أن نضع فى أذهاننا أن الشائعات ستكثر وسيكثر المحللون وستكثر التسريبات من هنا وهناك، لذلك يجب أن نتحلى بالوعى وألا نسلم عقولنا لأى شخص يتحدث هنا أو هناك وأن نأخذ المعلومة فقط من الجهات الرسمية والقنوات الإعلامية الموثوقة. بالوعى فقط يمكنك أن تطرد كل «خيال مآتة» نُصب لك على أطراف حقلك، أو عقلك.. مهما كان حجمه، ومهما كانت قوة منْ صنعه ليُرعبك