الثلاثاء 7 مايو 2024

بعد 38 عامًا على رحيل منولوجست الشعب: معهد الفنون الشعبية ينصف «شكوكو»..!

صورة أرشيفية

13-11-2023 | 14:03

بقلم: محمد رمضان
«شارلى شابلن العرب» محمود شكوكو.. مزيج من روح الفكاهة الشعبية والحس الفطرى بالبهجة وخفة الظل لأشهر مواليد مملكة المضحكين فى تاريخ الفن المصرى والعربي.. الذى تصادف ميلاده يوم عيد العمال فى أول مايو عام 1912 مع صياح أحد الديوك الذى كان يربيه جده فوق سطوح منزله فى حى الدرب الأحمر وكأن اسم شهرته ونجوميته وهبه له القدر منذ يومه الأول من وحى أذان الديوك..! تفرد هذا الجد فى اختيار اسم «شكوكو» لحفيده الذى استوحاه من نداء ودعاء أحد الديوك الرومى الذى كان يهوى تربيته لكن ابنه إبراهيم والد «شكوكو» كان يرغب فى أن يطلق عليه اسم محمود وإرضاءً لوالده أطلق على ابنه اسم محمود شكوكو فى شهادة ميلاده. أردت أن أستهل مقالى بهذه الكلمات عن أسطورة فن المونولوج «محمود شكوكو» بعدما حضرت حفل افتتاح مهرجان فنون الأداء الذى تنظمه أكاديمية الفنون برئاسة الدكتورة غادة جبارة ضمن أنشطة المعهد العالى للفنون الشعبية تحت رعاية الدكتورة سمر سعيد عميدة المعهد، وشعرت بأنهما قد حققتا لـ«شكوكو» حلم حياته بتكريم الدولة له بإهدائهما الدورة الثالثة من هذا المهرجان لاسم الراحل «شكوكو» فى إطار حفاظ هذا المعهد على الفلكلور المصرى وتدوينه ضمن مهام تأريخه لكافة فنون المحروسة من اجل الحفاظ على الهوية المصرية. تقدم للاشتراك فى مسابقة هذا المهرجان تسعة عروض مسرحية تناقش الواقع المصرى وتمس الحس الشعبى بكافة مضامينه وهى مسرحيات «الغجرى» إخراج ياسين رضوان، «مهرجان بكين» إخراج حسن على، «عفريت لكل مواطن» إخراج محمد مصطفى، «عطش السواقى» إخراج أحمد أيمن، «إزاى تخنق جارك» إخراج زياد هشام. تستمر فعاليات هذا المهرجان لمدة أسبوع تحت إشراف الدكتورة ولاء محمد رائدة اللجنة الفنية بالمعهد العالى للفنون الشعبية، حيث تعرض هذه العروض المسرحية الستة داخل مسرح الناقدة المسرحية الراحلة الدكتورة نهاد صليحة يوميًا فى السابعة مساءً. غلب على حفل افتتاح هذا المهرجان الطابع «الكرنفالى»، حيث استقبل مجموعة من طلبة المعهد ضيوف المهرجان فى مدخل قاعة سيد درويش بالعزف على آلات النفخ النحاسية وآلات الايقاع إذانًا منهم ببدء فعاليات هذا المهرجان، ثم أعقب ذلك إلقاء العميدة الدكتورة سمر سعيد كلمة ترحيب بالحضور عبرت من خلالها عن ضرورة إقامة هذا المهرجان للحفاظ على تراثنا الفنى والشعبى المتمثل فى كافة فنون الأداء. كما أننى لمست من خلال كلمة الدكتورة غادة جبارة رئيس أكاديمية الفنون حرصها على دعوة الحضور للوقوف دقيقة؛ حدادًا على أرواح شهداء غزة ومدى اكتراثها على تكريم محمود شكوكو كنوع من اعتراف الدولة بتاريخه الفنى، خاصة أنه كان يرغب أثناء حياته بأن تكرمه الدولة، لكن نداءاته كانت دون جدوى، مما جعلنى أستشعر أن إطلاق اسمه على هذه الدورة من مهرجان فنون الأداء بالمعهد العالى للفنون الشعبية كان بمثابة تحقيق أمنية وحلم شكوكو فى أن يكرم من قبل الدولة، علمًا بأنه قد اكتفى فى حياته بتكريم وحفاوة الشعب العربى له بأكمله. استعرضت جبارة تاريخ شكوكو وتطرقت بحكم تخصصها فى السينما تفسيرها لأجمل أفلامه «شمشون ولبلب أو عنتر ولبلب» بأن به إسقاطًا سياسيًا على صراع قوى الاستعمار، وكيفية تصدى أبناء البلد لها ممثلين فى شخصية «لبلب» أو شكوكو. ثم تلى ذلك تكريم بعض أساتذة الأكاديمية وبعض المشاركين فى هذا المهرجان خلال الدورة السابقة والحالية، ثم أعقب ذلك تقديم استعراض رائع جدًا لطلبة المعهد العالى للفنون الشعبية بعنوان «حبيبى شغل كايرو 2023» فكرة وإخراج الطالب عمرو محروس. حيث قدم من خلاله الطالب زياد عبدالعليم شخصية شكوكو باقتدار بحواره الباسم مع الأراجوز مازحًا معه تخليه عنه وتغنى بمنولوجين «ورد عليك فل عليك» و»حبيبى شغل كايرو» بصياغة موسيقية للمايسترو الكبير الدكتور هشام نبوى. من ثم يتجلى المغزى الحقيقى لحرص معهد الفنون الشعبية لإهداء هذه الدورة من مهرجانه لاسم أشهر منولوجست فى تاريخ الوطن العربى «محمود شكوكو». بلا شك أن عبقرية المكان لعبت دورًا كبيرًا فى تشكيل شخصية «شكوكو» الفنية، حيث أثرت نشأته داخل حى الدرب الأحمر فى توهج حسه الفنى حيث يعد هذا الحى شاهد عيان على تاريخ مصر، والذى يعتبر بمثابة قلب القاهرة على مر العصور، والذى افتخر بأنه مسقط رأسى، حيث يعايش أهالى هذه البقعة التاريخية العديد من الموالد الدينية لما تزخر به من مساجد وأضرحة تاريخية للكثيرين من أولياء الله الصالحين، ويصاحب هذه الموالد عدة احتفالات شعبية تعج بالمزيد من فنون تتوافق طبيعتها مع ميول هذه الطبقات الشعبية ومنها فنون الأراجوز وخيال الظل والحاواه، وغيرها من فنون استمدت وجودها من خيال ووجدان الحس الشعبى، مما جعل شكوكو مهووسًا بالفن، حيث أخرجه والده من الكتاب لما سببه له بشقاوته من مشاكل وعلمه مهنة النجارة إلى أن تشرب هذه الحرفة التى كانت بمثابة أحد روافد شغفه الفنى، والتى لا تخلو هى الأخرى من الفن من وجود تناغم ما بين إيقاع دقات الشاكوش وتهذيب الفأرة وتنعيمها للخشب. المتأمل لحى الدرب الأحمر سيجد أنه حى ذو طبيعة خاصة تميزه أصوله الشعبية عن بقية أحياء القاهرة الأخرى، والتى يغلب طابعها على كل مناحى ومظاهر الحياة داخله، حيث يجد زائره كأنه يتجول ما بين ضفتى كتاب تاريخ تسطره أنشطته الحرفية والتجارية المتنوعة، مثل النجارة وتجارة الأقمشة والمفروشات والعطارة، لأنه درة قاهرة المعز.. فالعابر داخل حوارى هذا الحى سيجد أن من أشهر الحرف الموجودة به هى حرفة النجارة ويبدو أن السبب وراء ذلك هو وجود مركز تجارة الأخشاب المتمثل فى منطقة «درب سعادة»، التى تمتد من المنطقة الواقعة خلف مسجد المؤيد شيخ ومديرية أمن القاهرة القديمة بميدان باب الخلق، وحتى جامع البنات بشارع بورسعيد وتقاطعه مع شارع الأزهر، إلا أن هذا التراث التجارى سطا عليه الآن تجارة الأدوات المنزلية ورحلت عنه تجارة الأخشاب..! من يتجول بين حوارى هذا الحى العتيق يستمع للنغمات التى تهمس بها آلات النجارة على الخشب وصوت الست أم كلثوم وأصوات المطربين القدامى، فيجد نفسه يمضى بين سطور الإبداع الشعبى ممثلة فى أهالى الدرب الأحمر ذلك الحى الذى ينحدر منه فناننا الكبير محمود شكوكو، حيث كان يقطن فى شارع اليكنية ويعمل فى ورشة نجارة فى منطقة الكحكيين التى شهدت ميلاد وزير الثقافة الأسبق الأديب يوسف السباعى. أتقن شكوكو النجارة حتى أصبح «صنايعى ماهر»، ووصل أجره فيها إلى خمسة وعشرين صاغًا يوميًا، فى حين أنه حصل على قرشين صاغ كأول أجر عندما ترك النجارة وعمل بالفن..! استجاب شكوكو لنداهة الفن التى كانت تطارده، فقرر أن يغنى بمصاحبة أطفال منطقته، وكان يعطى أجره لمجموعة من الموسيقيين لكى يحفظون هؤلاء الأطفال الأغانى لكى يغنوها معه ثم ترك العمل مع والده. لعب القدر دورًا هامًا فى دخول «شكوكو» الإذاعة المصرية بعد أن جاب كل نجوع وقرى المحروسة بالغناء فى الأفراح، حيث تقابل بالمصادفة أثناء غنائه فى عيد ميلاد أحد أصدقائه مع كروان الإذاعة المصرية الإذاعى الراحل محمد فتحى رئيس الإذاعة الذى أثنى على صوته وطلب منه أن يذهب إليه فى اليوم التالى إلى مكتبه بالإذاعة. كانت أولى أغانى شكوكو فى الإذاعة أغنيتين «ورد عليك فل عليك وأغنية» و»على سلم التروماى» كان يغنى مرتديًا فى ذاك الوقت بدلة زرقاء بوصفه ممثلًا لطبقة العمال التى كان يفخر بانتمائه إليها إلى أن أراد أن يطور نفسه بارتدائه للجلباب داخل أحد مسارح روض الفرج عندما غنى فيه مونولوج «ورد عليك فل عليك» ثم أضاف إلى ظهوره على المسرح العصا عندما غنى منولوج «الواد يهبنى واللى خلقك» لأنه جسد من خلاله شخصية فتوة وأثناء سيره فى أحد الشوارع رأى أحد الفلاحين يرتدى فوق رأسه طاقيته المميزة فاشتراها منه لكى يضيفها إلى ملامح شخصيته الفنية التى تفرد بها عن غيره إلى الآن. كان لشكوكو دور فى مقاومة الاحتلال الإنجليزى عندما نحت له أحد الفنانين تمثالًا من الجبس وكان يستبدلونه الباعة بزجاجة فينادون فى الشوارع «شكوكو بإزازة» لجمع هذه الزجاجات لتصنيع قنابل الملوتوف لكى تلقيها المقاومة الشعبية على جنود الإنجليز. بالإضافة إلى ذلك لحن موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب لشكوكو وليلى مراد الأوبريت الغنائى «الحبيب المجهول» كما لحن له منولوج «يا جارحه قلبى بإزازه لماذا الظلم ولماذا».. ظل شكوكو يتربع على عرش فن المونولوج لدرجة أن البعض لقبه بمنولوجست الشعب وربما العرب، وكان له العديد من الأفلام السينمائية وبعض المسرحيات إلى أن رحل فى عام 1985 تاركًا لنا كنزًا من الفكاهة الذى لم ينبغ لأحد من بعده.