إن انتماء مصر لمحيطها الإفريقي يتجاوز الأبعاد الجغرافية والتاريخية التقليدية، حيث يعد هذا الانتماء مكونا رئيسيا من مكونات "الهوية" المصرية على مر العصور، وعنصراً محورياً في تشكيل المعالم الثقافية للشخصية المصرية حيث تمثل أفريقيا مكانة خاصة في منظومة الحضارة المصرية، فالانتماء المصري لقارة أفريقيا يضرب بجذوره في عمق التاريخ، منذ أن حرصت الدولة المصرية على إيفاد رحلات استكشافية لمنابع النيل.
وقد قامت مصر بدور تاريخي على مستوى القارة الأفريقية من أجل تحرير الدول الأفريقية من الاستعمار وتوحيد جهودها لتحقيق نهضة شاملة في مختلف المجالات من خلال تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية، حيث كانت مصر إحدى الدول المؤسسة للمنظمة عام 1963. واستمرت مصر في القيام بهذا الدور المهم منذ الخمسينيات إلا أنه كان هناك تفاوت في حجم هذا الدور من فترة لأخرى صعوداً وهبوطاً تبعاً لمواقف القيادة السياسية.
وقد انعكس اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسي بالشئون الإفريقية على اهتمام الصحافة المصرية والإعلام المصري بشكل عام حيث أن اهتمام الإعلام المصري بالقارة الإفريقية يتواكب صعوداً وهبوطاً مع اهتمام ومواقف القيادة السياسية الحاكمة، إذ يتحدد موقع أفريقيا على أجندة هذه القيادة وصناع القرار التنفيذيين في مصر في ضوء الرؤية الاستراتيجية والتحالفات السياسية والمصالح السياسية والمصالح الاقتصادية الإقليمية والدولية.
وقد سعت مصر في السنوات الأخيرة إلى القيام بدور فاعل ونشط في مختلف آليات العمل الأفريقي المشترك، حيث كان حرص القيادة السياسية على تعظيم الدور المصري في أفريقيا من خلال تنشيط التعاون بين مصر والأشقاء الأفارقة في كافة المجالات، وهو الأمر الذي انعكس في القيام بالعديد من الزيارات واستقبال المسئولين الأفارقة في مصر، وما شهدته تلك الزيارات من توقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية بين مصر والدول الأفريقية بهدف دعم التعاون بينها في مختلف المجالات. كما حرصت مصر أيضاً على تنشيط التعاون الفني مع الدول الأفريقية من خلال الدور المحوري للوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية التابعة لوزارة الخارجية في نقل الخبرات وبناء الكوادر من خلال الدورات التدريبية التي تقدمها للدول الأفريقية، بالإضافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية والمنح للأشقاء الأفارقة.
ويعتبر عام 2019 عاماً فارقاً في العلاقات المصرية الإفريقية حيث تسلمت مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي في العاشر من فبراير عام 2019، وذلك للمرة الرابعة في تاريخها، والأولى لها بالمسمى الجديد "الاتحاد الإفريقي"، حيث تبوأت مصر مقعد القيادة ثلاث مرات من قبل، إذ تعد مصر من الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الأفریقیة.
لذا فقد شهد عام 2019 العديد من التحركات المصرية تجاه إفريقيا على كافة الأصعدة السياسية، الاقتصادية، الصناعية، الاجتماعية، الصحية، الرياضية وغيرها ومنها على سبيل المثال : مؤتمر نواب العموم بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ملتقى الشباب العربي والأفريقي ، الاحتفال بيوم افريقيا، المنتدى الأفريقي الأول لمكافحة الفساد، إطلاق منطقة اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية ، القمة التنسيقية المصغرة الأولى للاتحاد الأفريقي، مشاركة مصرية بنكهة افريقية في اجتماعات قمة G7، اللجنة الفنية المتخصصة لمكافحة المخدرات بالاتحاد الأفريقى، منتدي أسوان للسلام والتنمية المستدامة ، ورشة عمل "صنع فى إفريقيا"، مبادرة علاج مليون إفريقى من فيرس سى وتقديم20 معونة إنسانية وغيرها من الفعاليات.
بما يشير إلى الزخم الكبير الذي شهدته العلاقات المصرية الإفريقية خلال رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي عام 2019 وعودة مصر بشكل قوي لجذورها المتمثلة في القارة الإفريقية بعد أعوام من ترك الساحة الإفريقية فأصبحت إفريقيا تحتل مرتبة متقدمة على أجندة صانع القرار المصري حيث أنه يمكننا القول أن ترؤس مصر للاتحاد الإفريقي يمثل نقطة انطلاقة جديدة للعلاقات المصرية الإفريقية على جميع الأصعدة ؛ واتضح ذلك من خلال المؤشرات التي عرضنا بعضها. وانطلاقاً من انتماء مصر لمحيطها الإفريقي، وإيمانا منها أن استقرار القارة الأفريقية يأتي على قمة أولويات السياسة الخارجية المصرية، جاءت رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى، لتعبر عن تلك الثوابت، التي شكلت السياسة الخارجية المصرية تجاه القارة السمراء، بما يعزز المكانة الكبيرة للقاهرة وسط الأشقاء الأفارقة.
وهو ما انعكس بدوره على اهتمام الصحافة بالشئون الإفريقية ومتابعة كل ما يتعلق بالعلاقات المصرية الإفريقية في شتى المجالات وعلى مختلف الأصعدة حيث برز دور الإعلام المصري بكافة أنماطه وآلياته المتعددة والمتنوعة كأحد الأدوات الفعالة والمهمة لدعم العلاقات المصرية الأفريقية. ومن هنا جاءت هذه الدراسة لترصد مدى اهتمام الصحف المصرية بالعلاقات المصرية الإفريقية خاصة بعد تولي مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي ومعرفة أهم القضايا التي عالجتها.
وقد حظيت القارة الأفريقية باهتمام خاص من قبل مصر بعد قيام ثورة يونيو 1952، ولكن تراجعت العلاقات مع أفریقیا بعد رحیل الرئیس عبد الناصر، فقد حاول الرئیس الراحل أنور السادات الإبقاء على نوع من التعاون مع دول القارة، لكن حدث تراجع كبیر عقب معاهدة السلام بین مصر وإسرائیل، وازدادت العلاقات سوءً في عهد الرئیس الأسبق محمد حسنى مبارك نظراً لعدم وجود اھتمام واضح منه فى المحافظة على العلاقات بین مصر والدول الأفریقیة، ثم امتناعه فیما بعد عن حضور اجتماعات القمة الأفریقیة وبخاصة عقب محاولة اغتیاله فى أدیس أبابا عام 1995 وما ترتب عليه من تجمید العلاقات المصریة الأفریقیة، فى الوقت الذى بدأت فیه تحركات كثیرة لعدد من الدول لإقامة تواجد لها فى أفریقیا مثل إیران وتركیا والصین، إلى جانب الدور الكبیر للولایات المتحدة فى أفریقیا. وقد انعكس ھذا التراجع فى العلاقات المصرية الأفريقية على الموقف الذى اتخذه الاتحاد الأفریقى بتجمید عضویة مصر بعد ثورة 30 یونیو.
وفي أعقاب ذلك سعت مصر إلى استعادة دورها في أفريقيا كإحدى دوائر الأمن القومي المصري خاصة في ظل العلاقات التاريخية والمصالح الحيوية بين مصر ومحيطها الأفريقي.
وفي إطار هذه التحولات في العلاقات المصرية الأفريقية؛ وفي إطار الاستراتيجية التي تتبناها مصر نحو الانخراط والتعاون مع الدول الأفريقية وللأهمية التي توليها مصر للقارة الأفريقية، جاءت رسالة ماجستير الباحثة إيمان عبدالستار عبدالله عطية مدير إدارة النشر بمركز المعلومات والتوثيق بجامعة القاهرة، والتي تم إعدادها تحت إشرافنا وناقشها مؤخرًا د. نجوى كامل عبدالرحيم أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة ود. شيماء محي الدين أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز البحوث الأفريقية بكلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة، وجاءت الرسالة بعنوان: "أطر معالجة الصحف المصرية للعلاقات المصرية الإفريقية في ظل رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي: دراسة تحليلية مقارنة في الفترة من فبراير 2019 حتى فبراير 2020"، وقد تحددت مشكلة الدراسة في رصد وتحليل وتفسير سمات وخصائص معالجة الصحف المصرية للعلاقات المصرية الأفريقية في ظل رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي خلال الفترة من فبراير 2019 حتى فبراير 2020.
وتكمن أهمية هذه الدراسة فيما يلي:
- أهمية الموضوع الذي تتناوله الدراسة وهو العلاقات المصرية الإفريقية، والتي تمس مصر بشكل مباشر، ولها تأثير كبير على أمنها القومي؛ حيث تمثل أفريقيا عمقاً استراتيجياً لمصر، كما أن مصر تمثل بوابة أفريقيا من جهة الشرق.
- أهمية القارة الإفريقية لمصر حيث تعتبر القارة الأفريقية إحدى الساحات الأساسية للسياسة الخارجية المصرية ولمصالحها سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل.
- أن هذه الدراسة تجمع بين البعدين السياسي والإعلامي وبالتالي يمكن أن تفيد نتائج هذه الدراسة صناع القرار والدوائر المعنية في مصر في معرفة الجوانب الإيجابية لطبيعة العلاقات المصرية الأفريقية وتدعيمها، والتعرف على الجوانب السلبية وتلافيها.
وسعت الدراسة إلى تحقيق هدف رئيس وهو "رصد وتحليل وتفسير خصائص وسمات معالجة الصحف المصرية للعلاقات المصرية الإفريقية في الصحف موضع الدراسة في ظل رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي خلال الفترة من فبراير 2019 حتى فبراير 2020.
وقد تم إجراء مسح شامل على أعداد الصحف محل الدراسة (وهي صحف يومية) في الفترة من 10فبراير 2019 حتى 10 فبراير 2020 (وهي الفترة التي تولت فيها مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي وتمثلت عينة الصحف المدروسة في صحيفة الأهرام (ممثلة للصحف القومية) – صحيفة الوفد (ممثلة للصحف الحزبية) – صحيفة المصري اليوم (ممثلة للصحف الخاصة).
ونبدأ الأسبوع القادم عرض نتائج هذه الدراسة المهمة.
د. شريف درويش اللبان