فى إطار قمة آسيا والمحيط الهادي للتعاون الاقتصادي التى انعقدت بالولايات المتحدة، التقى الرئيس الصيني بنظيره الأمريكي بمدينة سان فرانسيسكو فى أول زيارة للولايات المتحدة يقوم بها الزعيم الصينى منذ عام 2017 وإن كان الزعيمان قد التقيا منذ عام فى قمة العشرين. وكما قالت صحيفة بوليتيكو لم يتوقع أحد أن تحدث طفرة فى العلاقات بين البلدين والحديث بين الرئيسين لن يكون سهلاً، خاصة مع وجود عدد كبير من القضايا العالقة بين البلدين فى الفترة الأخيرة، لعل أهمها الملف التايوانى والذى تتدخل فيه الولايات المتحدة بشكل فج أحياناً خاصة بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكى السابقة نانسى بيلوسى لتايوان دون رغبة صينية، ولعل الملف الأوكرانى سيكون حاضراً وبقوة فى هذه المباحثات، ومن غير المستبعد التطرق للعلاقات الصينية ـ الإيرانية فى إطار دعم إيران لروسيا وتزويدها بالمسيرات، ومحاولة الطلب من بكين التأثير على طهران بوقف دعمها لحركة حماس وحزب الله، خاصة وأن الصين أكبر مستورد للنفط الإيرانى، وبالطبع هناك ملفات منها بعض العقوبات وفتح قنوات اتصال بين واشنطن وبكين، لتبادل الآراء فيما يتعلق بأى أزمات قد تحدث فى العالم.
وكنوع من رغبة الطرفين فى تهدئة الأجواء بين البلدين، تخلت الصحافة الصينية عن خطابها المعادى للولايات المتحدة، بينما تحدث الدبلوماسيون الصينيون عن التقارب بين البلدين. وتذكر الجانبان دبلوماسية "الباندا" حيث قررت الصين إعادة الدببة من فصيلة "الباندا" للولايات المتحدة، وهو نوع من الدببة تحتكره الصين تقريباً وتؤجره لحدائق الحيوان فى العالم لفترات محددة، كانت الولايات المتحدة تؤجر ثلاثة من هذه الدببة وأعادتها للصين بدعوة أن الأطفال غير مقبلين على مشاهدتها، لكنها ستعود الآن وهو ما يؤشر إلى حلحلة فى اتجاه تحسن العلاقات.
استغرق لقاء الزعيمين حوالى أربع ساعات، بعد اللقاء تحدث الرئيس الأمريكى للصحفيين وقال إن هذا اللقاء يعتبر "أكثر اللقاء يعتبر من أكثر النقاشات البناءة والمثمرة التى جرت بيننا" وأضاف جو بايدن أنه "سيبقى على خطوط الاتصال مفتوحة مع نظيره الصينى" و أن "الرئيس سى سيكون مستعداً لرفع سماعة التليفون للحديث معه"، لكن ما كان الرئيس بايدن ليمرر الأجواء الودية دون تعكير صفوها وذلك عندما اختتم كلامه أنه "كما فى السابق يعتبر الرئيس سى "ديكتاتور"" فى رده على سؤال لأحد الصحفيين.
وبعيداً عن الكلام الدبلوماسى وسقطة بايدن التى وصف فيها الرئيس الصينى "بالديكتاتور"، فقد اتفق الطرفان على استئناف قنوات الاتصال المباشر بين العسكريين فى البلدين، والتى كانت الصين قد قطعتها فى عام 2022، بعد زيارة رئيسة مجلس النواب السابقة بيلوسى لتايوان، وقال الرئيس بايدن "إننا نعود إلى الحديث الصريح الواضح المباشر بين البلدين"، كما اتفق الرئيسان على مكافحة نوع من المخدرات المصنعة يسمى "فينتانيل" يتم تهريبه للولايات المتحدة ومنتشر بين الشباب.
الخارجية الصينية وصفت مباحثات بايدن وسى بالصريحة والدافئة من جانب الرئيس الأمريكى. أثناء اللقاء ركز الرئيس الصينى على موقف بلاده المبدئى فيما يتعلق بموقف بلاده من قضية تايوان، ووصف الرئيس سى هذه القضية بأنها الأهم والأكثر حساسية فى العلاقات الأمريكية ـ الصينية، وحث الرئيس الصينى الولايات المتحدة على اتخاذ موقف تؤكد فيه أنها لا تؤيد استقلال تايوانوالامتناع عن إمدادها بالسلاح، وأضاف مسئول الخارجية الصينية إن بلاده "تتوحد مع تايوان وهذا من غير الممكن أيقافه". الرئيس الصينى أكد خلال المباحثات على أن العقوبات الأمريكية من جانب واحد من شأنها أن تضر بالحقوق المشروعة للصين، كما أن منع التكنولوجيا المتقدمة عن بكين يعتبر محاولة لحرمان الشعب الصينى من التطور.
الرئيس الصينى أكد كذلك على أن بلاده تريد أن تتوحد مع تايوان بشكل سلمى، وأشار إلى الظروف التى قد تضطر الصين لاستخدام القوة، وأعتبر هذا أخر ما يمكن أن تفكر فيه بكين، لكن الرئيس الأمريكى أشار إلى أن موقف بلاده ينحصر فى دعم السلام والاستقرار فى المنطقة. فيما يتعلق بأوكرانيا بالإضافة إلى دعوة بايدن للصين بالتوقف عن دعم روسيا، تحدث الرئيس الصينى عن ضرورة الحفاظ على وحدة وسلامة أراضى الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، وهو موقف مبدئى للصين منذ بداية الأزمة الأوكرانية ـ الروسية. أحد المسئولين الصينيين صرح لصحيفة الجارديان أن هذا اللقاء كان به الكثير من التنازلات المتبادلة من الطرفين، والرئيس بايدن لم يوجه أى ضربات لنظيره الصينى، فى نفس الوقت لا تريد بكين اتخاذ موقف حاد ومحدد من الأزمة الروسية ـ الأوكرانية، وتعتبر موقفها الغير محدد ورقة ضغط على الولايات المتحدة حتى لا تتدخل فى تايوان، كما أن روسيا تعتبر أحد روافد الخامات الأساسية للصين وعلى رأسها الغاز وبعض النفط، وإن كانت الأخير لا تريد الاعتماد الكلى على الغاز الروسى ورفضت بناء خط أنابيب غاز "سيبيريان باور ـ 2" خوفاً من تمنع روسيا الغاز فى حال حدوث أزمة كما فعلت مع الاتحاد الأوروبى.
القمة الصينية الأمريكية مرت دون فرقعات ودون قرارات تتعلق بالأزمات الدولية، ربما لأن الولايات المتحدة لا تريد أن تشرك الصين فى ملفات هى اختصت نفسها بها مثل الشرق الأوسط أو حتى الصراع فى اوكرانيا، لكن رأى الصين ومحاولة إثناءها عن دعم روسيا، أو الضغط على أكبر مصدر للنفط للصين وهى إيران بالكف عن دعم حزب الله وحركة حماس كلها قضايا فرضتها الأوضاع الحالية وسخونتها. لكن الذى لا شك فيه أن الولايات المتحدة تسعى مستقبلاً إلى توقيع اتفاقيات مع الصين للحد من السلاح سواء النووي أو التقليدي، خاصة بعد خروج روسيا من جميع الاتفاقيات الموقعة،بهذا الخصوص، مع أوروبا، وهو الأمر الذى يهدد بسباق تسلح جديد فى القارة الأوروبية، ولا تريد واشنطن أن يحدث سباق تسلح فى جنوب شرق آسيا خاصة أن اليابان وكوريا الجنوبية ترغبان فى خوض هكذا سباق على خلفية التجارب الصاروخية والنووية لكوريا الشمالية المجاورة.
على أى حال اللقاء فى حد ذاته خطوة للأمام، ومحاولة لخفض التوتر حول العالم، فالصين قطب مهم ومؤثر، وقد تبين أن الصين لا تستطيع الخوض أو الانغماس فى النزاع الروسى ـ الأوكرانى أكثر مما هى عليه الآن لسبب بسيط أن لديها تايوان والإيجور فى غرب الصين، وأنها لا تستطيع الاعتراف بالأراضى الروسية الجديدة، لنفس السبب، ماذا لو اعترفت أوروبا والولايات المتحدة باستقلال تايوان أو أيدا حكم ذاتى أوسع للإيجور، من هذا المنطلق فإن الصين لا تمل من تكرار الحفاظ على وحدة وسلامة الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.