الإثنين 29 ابريل 2024

ساكنو الوهم وأصحاب الضمادة السوداء

مقالات19-11-2023 | 13:15

يحلو للبعض التقام ما تلفظه مواقع التواصل ثم يؤسس عليه قناعات هلامية بينما هو في الحقيقة يضع ضمادة سوداء على عينيه فيفقد الرؤية وبالتالي ينبني على كل ما يصدره من أحكام على باطل ويعيش كما تعيش الريشة ي الهواء بلا وجهة محددة أو مصير معروف.

هكذا كان تعامل السوشيال ميديا مع زيارة رئيسة الاتحاد الأوروبي إلى مصر ولقائها الرئيس السيسي فقد اتجهت كل الرؤى إلى أن الاتحاد الأوروبي جاء ليشتري مصر وقرارها ويدفعها للقبول بالمخططات الإسرائيلية الرامية إلى تهجير الفلسطينيين استغلالا لأزمة تمويل تعيشها مصر لتأسس روايات وروايات ما أنزل الله بها من سلطان وتجاهل كثيرون مجموعة مهمة من رسائل الزيارة وأولها أن مصر انتزعت على لسان رئيسة الاتحاد الأوروبي تأييدها قرارات مصر في رفض تهجير الفلسطينيين وتوطينهم في سيناء.

وكما أعربت هي ايضا عن رفض الاتحاد الأوروبي لاحتلال إسرائيل لغزة واستطرد مطاريد ثورة 30 يونيو في رواية مجموعة من الصعبانيات بلغة السينمائيين بأن الاتحاد الأوروبي جاء بحزمة مساعدات قدرها 10 مليارات دولار تضامنا مع مصر في أزمة السيولة ولممارسة ضغط على القرار المصري لتمرير مخطط التهجير.

والحقيقة أن رئيسة الاتحاد الأوروبي لا تعرف التعاطف ولم تكترث يوما للقضية الفلسطينية أو تسعى لحلها وأجندة الزيارة مصلحة أوروبية خالصة يمكن إذ عدنا إلى الوراء قليلا أن نفهمها أو نتصور ما جاءت به رئيسة أوروبا إلى مصر لطلبه في أغسطس الماضي عقد الاتحاد الأوروبي جلسة مهمة لمناقشة الاستعداد للشتاء وكيف سيوفر الاتحاد ما يحتاجه من إمدادات وما السبيل لوقف المأساة التي لحقت بالصناعة الشتاء الماضي في وقت قررت فيه ألمانيا التوجه نحو مصر لتبدأ رئيسة الاتحاد الأوروبي التواصل مع القيادة المصرية لبدء الاستثمارات في مصر و بدأ تفاوض مع وزيرة التعاون الدولي و وزراء المجموعة الاقتصادية المصرية لاختيار المجالات التي يحتاجها الاتحاد الأوروبي كمجالات النقل والطاقة والزراعة اختاروا وبالطبع إن إيقاف الحرب في غزة ضرورة لسرعة التعامل مع حقول الغاز في شمال قطاع غزة الذي يجري تفريغه من أهله لهذه المهم المستقبلية ومن بين احتياجات الاتحاد الأوروبي أيضا استيراد الطاقة الخضراء من مصر وهي اللازمة لتشغيل المصانع إذن كل المعطيات تشير أن مؤشر البوصلة في مصر وأنها البلد الوحيد الذي يمكن تمويل مشروعات زراعية فيه يمكن أن تعوض جزءا من النقص نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا ونتيجة لانهيار سلة غذاء أوروبا وهي أوكرانيا ولا ننسى أن ألمانيا بدأت في الاعتماد على مصر وبدأت باستيراد الحافلات الصديقة للبيئة من مصر لأن صناعة النقل تحتاج إلى طاقة وهي أزمة ضاغطة الآن في أوروبا ولي هناك دولة في المنطقة اليوم أكثر استقرارا وأمانا على ضخ استثمارات قوية فيها أكثر من مصر.

إذن ما المشكلة فالأمور تبدو منطقية ومرتبة وتوفر منفعة للجانبين فما الذي يدعو إلى القلق ولكن يدرك الاتحاد الأوروبي أن المشكلة الرئيسية التي تقف في سبيل إنجاح تلك الرؤية هي أزمة السيولة في مصر وأن تلك المشروعات التي توفر لأوروبا مخرجا من أزمتها الضاغطة أن مصر تحتاج إلى الدولار لدوران عجلة تلك المشروعات فكان الحل وهو تخصيص ما يقرب من9.8 مليار دولار من البنك الأوروبي لضخها في مصر لذا فإن تصوير ما عرضه الاتحاد الأوروبي على أنه ابتزاز لقرار مصر واستغلالا لأزمتها هو محض خيال وترديد الإخوانجية وأيتام مرسي والترويج بأن مصر تتسول من الاتحاد الأوروبي ما هو إلا قلة حيلة وطق حنك بلغة المقاهي.. فالحقائق تؤكد أن أوروبا اليوم باتت تحتاج مصر أكثر ما تحتاج مصر إلى أوروبا فنحن نعيش عالما اليوم يقوم على تلبية الحاجة حتى ولو كان على حساب معارك تاريخية كانت قائمة وإن لم تحسن مصر استغلال تلك الفرصة فستبحث أوروبا عن بديل أو حتى تصنعه لكن عامل الوقت في صالحنا ويمل الكفة لترجح .

وقد يرى البعض أن إيجاد مخرج لأوروبا من الورطة التي صنعها بإحكام قادة روسيا قد يغضب بوتين وتحالف بناء العالم الجديد متعدد الأقطاب فهو مخطئ فكما كانت وستكون مصر مدخل لعودة روسيا إلى أفريقيا فإن روسيا لن تغضب أن تدخل مصر إلى أوروبا كما أن السياسة الروسية لا تهدف باي حال من الأحوال إلى تدمير أوروبا أو محوها بل يهدف إلى تحريرها من الاعتماد على الولايات المتحدة أو ربط أجندتها السياسية والاقتصادية مع ما يخدم أمريكا ويوسع نفوذها لكي تكون دول أوروبا بشكل أو آخر تابعة لروسيا وإن لم يكن ذلك بشكل مباشر.

وكل ذلك يتم بتوازن مهم تديره مصر فلاهي  ارتمت في أحضان الأوروبيين ولا هي أدارت ظهرها إلى روسيا وبناة العالم متعدد الأقطاب والشواهد كثيرة ومنها توقيع وزير التجارة البيلاروسي مع مصر اتفاقيات بيلاروسيا يتم من خلالها استيراد مواد خام و منتجات أولية من مصر  تد صناعات تامة  لتعود إلى مصر فتدخل في صناعة تامة لتباع بعد ذلك في منطقة تجارية يجرى إنشاؤها لتدخل السوق الأفريقية ..فالمعادلة متوازنة منطقية تصب في مصلحة الجميع وبالطبع سينعكس ذلك على ميزان المدفوعات كما أنه في حالة زيادة الحصيلة الضريبية من المستثمر الأجنبي يمكن حينها تخفيض الضرائب علي المنتج المحلي لتحقيق تنافسية مع نظيره الأجنبي.

إن الارتكان إلى تلك الرؤى القاصرة التي تروج على مواقع التواصل والتي باتت مع الأسف المصر الرئيس والوحيد للسواد الأعظم من المتابعين للشأن العام جريمة ترتكب بحق هذا الوطن الذي يخوض أشرس معارك في تاريخه في لحظات مفصلية تمر بها المنطقة ولا وقت لنا لمعارك جوفاء يديرها البعض خاصة إن كان من هؤلاء الذين يرتدون الضمادة السوداء حفظ الله مصر وبه وحده تتم الصالحات.

Dr.Randa
Dr.Radwa