د. منال زكريا تنتصر لكبرياء المرأة.. انتحار «كليوباترا» فوق عرش مصر..!
البالية الرائع كليوباترا
- تحقيق يكتبه: محمد رمضان - عدسة: إبراهيم بشير
«بين الحب والقدر والمجهول تعيش الأساطير».. كانت هذه المقولة هى خلاصة تجربتى بعد مشاهدتى لعرض البالية الرائع «كليوباترا» الذى كان يضم مجموعة من منوعات الباليهات الكلاسيكية «حلم ليلة صيف»، «بحيرة البجع» «لابايادير» لطالبات فصل باليه الدكتورة منال زكريا ضمن عروض الباليه لمركز تنمية المواهب بدار الأوبرا المصرية.
يتصف أداء الباليرينات المتقن داخل هذا العرض بالاحترافية، مما جعل الجمهور يشعر بعالميته وكأنه لفرقة كبرى نجحت فى خطف أنظار الإعجاب من المشاهدين، بالإضافة إلى أن تكنيك حركة الباليرينات على المسرح الكبير بدار الأوبرا استقطب الحضور إلى عوالم من المتعة والإثارة والانبهار، وكأن هذا العرض بمثابة دعوة لمعايشة هذا الجمهور الرومانسية والخيال الحالم وهمسات خطى باليريناته على خشبة المسرح وما بين التزاوج الذى أحدثته الدكتورة منال زكريا ممثلاً فى كلاسيكية العروض الثلاثة وكليوباترا الذى يعتمد على روح البالية المعاصر.
اعتمد باليه «كليوباترا» على نسج حالة من الشغف حيث أيقظ تناول الدكتورة منال زكريا لباليه «كليوباترا» بهذا الشكل الأسطورى لدي الرغبة فى إعادة هذا العرض مرة أخرى، وهو ما أطالب به الدكتور خالد داغر رئيس دار الأوبرا بإتاحة الفرصة بإعادة عرضه مرة أخرى لأنه لا ينبغى أن يتم إهدار مجهود كافة المشاركين فيه من خلال ليلة عرض واحدة..!
كما أن هذا العرض يتناول أسطورة مصرية من واقع التاريخ المصرى القديم، فلما لا يتم عرضه تحت سفح الأهرامات بدعم من وزارة السياحة بدافع تنشيط السياحة؟!
نستعرض خلال السطور القادمة حكايات بنات «طالبات» منال زكريا داخل مركز تنمية المواهب مع بطلة الحب والأسطورة كليوباترا».
يبدو أن القدر قد اختار اسم «قسمت شاهين» بطلة عرض كليوباترا، حيث تقول استوحت والدتى اسم «قسمت» قبل ولادتها لى بسبب إعجابها ببطلة رواية «الآنسة كاف» للكاتب الراحل مصطفى أمين، الأغرب من ذلك أن اسم والدى يتطابق هو الآخر من اسم بطلة هذه الرواية، مما جعلنى أحمل اسمها نفسه «قسمت شاهين» وكأن القدر أراد أن يهبنى هذا الاسم من الروايات، وهذا ما قد يتشابه مع القصص التاريخية، التى أحب قراءتها، مما جعلنى أستشعر الرهبة عندما أسندت إلى الدكتورة منال زكريا شخصية البطلة الأسطورية «كليوباترا»، التى دافعت عن حبيبها أنطونيو، لتسطر لنا خلود هذا الحب فى التاريخ المصرى والإنسانى.
وتضيف قسمت شاهين: أسعدنى دور كليوباترا، لأننى فخورة بتاريخ بلدى، وأعتبره تتويجًا لمسيرتى الفنية مع أستاذتى الدكتورة منال زكريا، التى تعلمت منها فن البالية لمدة لا تقل عن ثمانية عشر عامًا، مما جعلنى أستعد له منذ فترة طويلة، حيث بدأنا البروفات خلال شهر فبراير الماضى، وتم تكثيفها مع اقتراب هذا الحفل، وكنت حريصة على التدريب الجاد على الرقصات الفرعونية التى شاهدتها على جدران المعابد من خلال بعض الفيديوهات، واستوقفنى هنا بحكم أننى مهندسة كهرباء مدى تقدم الحضارة المصرية القديمة وبلوغها أدق أسرار العلوم التى مازلنا نكتشفها حتى الآن.
كما أننى لمست فى شخصية «كليوباترا» قدرًا كبيرًا من القوة والقدرة على التحدى الذى تتصف به المرأة المصرية، وهذا ما انعكس على أدائى لها، حيث طلبت منى الدكتورة منال أثناء البروفات ألا يظهر على ملامح وجهى أية علامات انهزامية وانكسار أثناء لحظات حزنها على فقدانها حبيبها أنطونيو،
بل إننى استشعرت أن هناك وجهًا للشبه بينى وبين كليوباترا من خلال قدرة كلامنا على التحدى، خاصة وأن فترة البروفات كانت صعبة، أضف إلى ذلك طول مدة البروفات والتدريب التى كانت لا تقل عن خمس ساعات فى كل مرة، إلا أن إصرارى على تحدى كل هذه الصعاب جعلنى أتمسك أكثر بأدائى لـ»كليوباترا» رمز صمود المرأة المصرية أمام التحديات التى خلقت بداخلى دافعًا جديدًا.
وما يميز باليه كليوباترا أنه يجمع ما بين الرقص الحديث المعاصر والقصة الأسطورية.
باليه لكل الأعمار..!
تفسر الباليرينا دينا تعلب سر تقديم أكثر من باليه ضمن حفل باليه «كليوباترا» قائلة: إن الدكتورة منال زكريا لديها رغبة كبيرة وملحه فى استغلال كافة طاقات طلبة فصل الباليه الخاص بها داخل مركز تنمية المواهب بدار الأوبرا، فشرعت فى تقديم هذه الباليهات المتنوعة من كافة مدراس هذا الفن الأرستقراطى لكى تلبى احتياجات جمهور الأوبرا من ناحية، ولكى تقدم كافة المواهب التى تعلمت هذا الفن الرفيع تحت إشرافها لإيمانها بتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص بين طالباتها، وهذا ما رأيته خلال فترة تعلمى الباليه على يدها لمدة اقتربت من ربع قرن، حيث إننى التحقت بالمركز منذ بلوغى ست سنوات والآن أعمل طبيبة أسنان.
وتستطرد الدكتورة دينا تعلب قائلة، إن اشتراكى فى ثلاثة باليهات خلال هذا العرض وهى حلم ليلة صيف ولابايادير وكليوباترا، جعلنى أحرص على تقديم كل منها وفقًا لطبيعته، فكنت أركز فى باليه حلم ليلة صيف على التمثيل أكثر من الاعتماد على تكنيك الحركة عكس أدائى لباليه لابايادير، الذى تطلب منى إتقان التعبير الحركى، لأنه باليه كلاسيكى يتطلب ضرورة إتقان الباليرينا الأداء الحركى إلى جانب اشتراكى فى باليه «كليوباترا»، وهو باليه معاصر يجمع ما بين الأداء التمثيلى وتكنيك الحركة المتميز لما به من رقصات فرعونية.
كم أتمنى أن تتم إعادة هذا العرض مرة أخرى داخل جميع مسارح الأوبرا المختلفة بالقاهرة والمحافظات الأخرى لكى يستمتع به الجمهور.
« لايف ستايل»..!
من أبرز الباليرينات المشاركات بعرض «كليوباترا» تيا طارق طالبة بالثانوية العامة والتى ترى أنه من المستحيل أن تبتعد عن ممارسة الباليه قائلة: تعلمت أثناء ممارستى الباليه وإتقانى لهذا الفن على يد أستاذتى الدكتورة منال زكريا منذ ثمانى سنوات، أنه فن يهتم بالنظام، مما أثر على حياتى وجعلنى شخصية تعشق النظام فى كل شيء، ويعد عرض «كليوباترا» رابع عرض أشارك فيه مع الدكتورة منال، حيث سبق لى الاشتراك فى باليهات «دون كيشوت وسيدتى الجميلة ولوحات لفيروز»، ولكن فى هذا العرض «كليوباترا» الأمر اختلف لأننى أديت شخصية ولد لأول مرة ذو مشاعر متباينة ففى باليه «حلم ليلة صيف»، كان رافضاً لحبيبته، وفى باليه «بحيرة البجع» أديت دور شاب يحب البجعة البيضاء، واستطعت أن أتحدى هذا التناقض فى أدائى للدورين من خلال إبراز مشاعرى فى كل منهما بشكل يجعل الجمهور يتوحد مع مصداقية أدائى، وكانت الدكتورة منال توجهنى لأنها لمست أن حركاتى ناعمة، فكانت تطالبنى بأن أكون أكثر خشونة من خلال حدة تعبيرات وجهى، لكى أُظهر القوة التى يتحلى بها هذين الدورين، مما جعل زميلاتى يشدن بأدائى ويلمسن مدى تطوره، وكل ذلك تحقق لى بسبب حبى للباليه وحرصى على حضور البروفات، حتى لو كنت مريضة لدرجة أننى كنت أذهب إلى البروفات أحيانًا بكتبى لكى أذاكر دروسى، ولن أبتعد عن ممارسة الباليه بعد التحاقى بالدراسة الجامعية، لأننى أحلم بأن أنضم لفرقة باليه أوبرا القاهرة.
ومن أهم طموحاتى الفنية الالتحاق بفرقة رويال أوبرا هاوس الإنجليزية التى أتابع عروضها وقدوتى فى الباليه بعد الدكتورة منال زكريا هى الباليرينا اليابانية «يوكا فوكودا».
المعادلة الصعبة..!
ترى الدكتورة زينب جمال مساعدة مخرجة العرض منال زكريا قائلة أن إستاذتى الدكتورة منال زكريا تتفرد فى كيفية توظيف حركة الباليرينات اللاتى يتدربن تحت إشرافها وفقًا لمستواهن، مما يضفى عليهن الطابع الاحترافى فى أدائهن لأى باليه يقدمنه.. لأنها لا تبخل على طالباتها بمنحهن خبرتها لكى تجعلهن يظهرن وكأنهن محترفات.
استطاعت الدكتورة منال بإجادتها فن تدريس الباليه لهؤلاء الطالبات أن تشعرهن بأنهن محترفات ويمارسن هذا الفن بغرسها فيهن الثقة بأنهن يستطعن أداء أصعب الباليهات بكل سهولة ويسر، مما يضفى على أدائهن إتقانهن لتكنيك الحركة بكل سلاسة ومرونة أمام الجمهور.
فضلًا عن أنها استطاعت غرس مبدأ الالتزام داخل نفوس كافة طالباتها، رغم اختلاف أعمارهن، لأنهن تعلمن منها الجدية والالتزام، إلى جانب تقديمهن فنًا راقيًا ومبهجًا على المسرح بروح المحترفات، فهذا الأمر يُعد بمثابة معادلة صعبة استطاعت تحقيقها، إلى جانب أن هناك معادلة أخرى أصعب تتعلق بمدى حرصها على تقديم منوعات من عروض الباليه الكلاسيكية بشكل مختصر، فعلى مستوى الإخراج والتصميم تفاجئنا دائمًا بأسلوبها المتجدد، ففى العام الماضى قدمت «باليه مستوحى» من أغانى فيروز، وفى العام السابق له قدمت «باليه مستوحى» من فيلم «صغيرة على الحب» لسعاد حسنى ونجحت فى تنفيذ التابلوه الغنائى لها على المسرح، وهذا العام فاجأت الجميع بتقديمها فكرة جريئة جدًا وجديدة من خلال تقديمها مزيجًا من الباليهات الكلاسيكية المشهورة مثل «بحيرة البجع»، «لابايادير»، «حلم ليلة صيف» فى حين أن كل باليه منها عندما يعرض منفرداً على المسرح يستغرق ساعتين أو ثلاث ساعات، لكنها اختصرت كل باليه منها لمدة عشر دقائق دون الإخلال بمحتواه الدرامى، رغم أن هذه مسألة صعبة جدًا، بالإضافة إلى أنها نجحت فى عمل مونتاج للموسيقى المصاحبة لكل باليه من الباليهات الثلاث دون أن تُشعر الجمهور بأنه تم اقتصاصها من الموسيقى الخاصة بكل منها فى مجملها، كما أنها نجحت فى تقديم السيناريو الخاص بكل منها بانسيابية تجعل الجمهور يشعر بأنه يشاهد هذه الباليهات مكتملة، رغم اختصارها، فكل هذا يحسب للدكتورة منال التى تجيد فى كل مرة خوض مغامراتها الفنية بنوع من التحدى لكى تقدم لجمهورها كل ما هو جديد، وهذا له مدلول ألا وهو أنها لا تهوى الاستسهال فى عملها، لأنه كان بمقدورها تقديم باليه واحد بأكمله دون أن تجهد نفسها فى إيجادها هذا التناغم الفنى بين كل هذه الباليهات التى تنتمى لعدة مدارس فنية مختلفة، أضف إلى ذلك حرصها على تقديم وجبة فنية دسمة للمشاهد تجمع فيها ما بين التنوع الحركى والسرد القصصى لكل باليه.
فكل هذا الإبداع وليد خبرة كبيرة وتاريخ وباع طويل للدكتورة منال زكريا، لأنها مخرجة ومصممة تتحدى الصعاب داخل أعمالها، خاصة بعرضها لباليه «كليوباترا» «المودرن» الحديث بعد تقديمها لباليهات كلاسيكية بحالة فنية جعلت الجمهور يتعايش مع سحر الحضارة المصرية القديمة بتوليفة فنية اعتمدت على الإبهار من أداء حركى وموسيقى وملابس واكسسوارات جعلت هذا الجمهور يعيش داخل أحداث العرض ويتوحد معه.
أتمنى أن يُعاد هذا الباليه مرة أخرى لعدة أيام بتسويق حفلاته للمدارس لكى يعرف النشء الجديد تاريخ بلدنا العظيم، لأنه خسارة أن يضيع كل هذا المجهود باقتصار عرضه على ليلة عرض واحدة بالمسرح الكبير بالأوبرا.
«جسارة ملكة»..!
تكشف الدكتورة منال زكريا أنها اتجهت منذ عامين إلى فكرة اختصار الباليهات الكلاسيكية، لأن مدتها قد تكون طويلة، وربما تصيب المتلقى بالملل، فبدأت أجمع كل العناصر والأحداث الهامة داخل كل باليه وعرضها بشكل فنى مكثف دون المساس بالخط الدرامى لكل منها على سبيل المثال باليه «حلم ليلة قصة صيف» المأخوذ عن قصة عالمية لشكسبير وبه رموز ومعانٍ خفية،
أردت أن أهتم بالصراع الموجود داخل الغابة وعلاقة الأبطال الرئيسيين بعضهم البعض، واستعرضت كل ذلك خلال ثمانى عشرة دقيقة، أما باليه «بحيرة البجع» فهو من الباليهات العالمية التى يعشق الجمهور موسيقاها، فقد اخترت منها الشخصيات الرئيسية، وقدمت فكرة قصة حب الأمير والبجعة البيضاء التى أبلغته أنها مسحورة، وحدث لديه نوع من اللبس بينها وبين البجعة السوداء ابنة الساحر الذى كان يحاول أن يضلل بها الأمير، واختتم هذا الصراع النهائى بأنه يتخلص من السحر وينقذ «أوديت» حبيبته، فكل هذه العناصر مهمة جدًا فى بالية «بحيرة البجع»، إلى جانب تقديمنا لرقصتها الشهيرة بهذا الباليه الذى يظهر مهارات البنات.
أما بالنسبة لباليه «لابايادير» فهو مختلف عما سبقه من باليهات لأنه باليه هندى يقدم قصة هندية تميل إلى أجواء الأساطير، فقدمته كنوع من التنوع والاختلاف، بجانب أننى اخترت تقديم أكبر فصل به لأنه يعتمد على استعراض تكنيك حركة البنات على المسرح لكى أظهر قدراتهم
وتضيف الدكتورة منال زكريا أن السر وراء اختيارى لحياة كليوباترا لأنها ثرية جدًا بالأحداث التاريخية، ولأن القصص التاريخية تستهوينى، فضلًا عن كون كليوباترا بشكل خاص قصة مثيرة جدًا، وهناك الكثيرون الذين تناولوها فى السينما والمسرح ولها خفاياها، وتضيف: أردت أن أقدم النقاط الهامة فى حياتها، ولكننى لم أستعرض قصتها بأكملها من خلال بعض الأدوار الرئيسية التى أسندتها لبعض البنات، فكانت عبارة عن أربعة مشاهد حرصت فى أولها على تعريف الجمهور بأبطال العرض بظهور كليوباترا والقيصر وأنطونيو والثعبان، والمشهد الثانى كان داخل السوق والهدايا التى أتى بها الأحباش الذين تحول مع ظهورهم إيقاع العرض إلى الطابع الشرقى والإفريقى، لكى ينتهى الصراع على الحكم فى النهاية بموت القيصر ثم أنطونيو، مما جعل كليوباترا تتجه للخلاص من حياتها بلجوئها إلى الثعبان لكى يلدغها أثناء جلوسها على العرش، وحرصت أن يكون المغزى من ذلك أن أقول للجمهور إنها ماتت وودعت الحياة وهى ملكة جسورة.
ركزت على الملامح الرئيسية لهذه القصة، ولو كانت مدة العرض اتسعت لأكثر من ذلك،الممكن أن أضيف إليها أحداثًا أخرى. وكنت متخوفة لأن القصص التاريخية بها العديد من الروايات المختلفة لأحداثها.
كما أننى اخترت كل البنات المشاركات فى العرض وفقًا لبعض الأمور الفنية، ومنها اختيار كل بنت منهن وفقًا لمدى توافق شخصيتها مع الدور الذى ستؤديه وتتراوح أعمار هؤلاء البنات ما بين ست سنوات وحتى خمسة وعشرين عامًا، وعددهن خمس وسبعون بنتًا، وأتمنى أن هذه العروض يتم تصويرها وتسويقها سياحياً، لأنها ستبهر الأجانب.
كما أننى حرصت على أن تكون ملابس الباليرينات مبهرة وقدمت خاتمة ضمت كل المشاركات فى العرض بأعمارهن المختلفة.