الأربعاء 22 مايو 2024

السينما صناعة ثقيلة تستحق الاهتمام

الكاتب الصحفي أشرف غريب

20-11-2023 | 20:55

بقلـم: أشرف غريب
غدا السادس عشر من نوفمبر تكون السينما الروائية الطويلة فى مصر قد أتمت عامها السادس والتسعين منذ أن عرضت الممثلة والمنتجة عزيزة أمير فيلم «ليلى» الصامت بدار سينما مترو بول بالقاهرة فى حضور لفيف من كبار رجال المجتمع المصرى وعلى رأسهم الاقتصادى الأشهر طلعت حرب وأمير الشعراء أحمد شوقى، يومها قال لها صاحب بنك مصر الذى أنشأ لاحقا صرحه العظيم «استوديو مصر»: لقد أتيت يا سيدتى بما لم يستطعه الرجال، وهنأها أمير الشعراء، قائلا: أتمنى أن يصير الهلال بدرا، وها هى السينما المصرية توشك أن تكمل عامها المائة بعد أن أصبحت واحدة من صناعاتنا الثقيلة رغم أنها إحدى أدوات قوتنا الناعمة، لقد صار الهلال بدرا بالفعل كما تمنى أمير الشعراء، عشرات السنين وقرابة الخمسة آلاف فيلم، مئات النجوم وأسماء كبيرة فى عالم الكتابة والإخراج وبقية عناصر الفيلم السينمائى، استوديوهات ومعامل ودور عرض وبنية أساسية راسخة، وآلاف الأيدى التى تقتات من هذه المهنة، ركيزة اقتصادية قوية كانت ذات يوم من أهم مصادر الدخل القومى فى مصر. السينما إذن ليست شريط «سيلولويد» أو ممثلين يتحركون فى فراغ تغمره الأضواء وتتابعهم عدسات الكاميرات، السينما عالم آسر من السحر والجاذبية والمتعة، يحكمه ويتحكم فيه هؤلاء السحرة الذين يصنعون تلك المتعة، إنها إذن سطوة السينما وسحرها.. وعبقرية هؤلاء السحرة الذين حكموا عقولنا ومشاعرنا عشرات السنين، وسلمنا لهم بحسن الحيلة والدهاء.. هؤلاء السحرة جعلوا فى الحنين إلى الماضى متعة مضافة، إنها ليست فقط ذكرياتنا التى نستعيدها فى كل مرة نعيد فيها مشاهدة أفلام هؤلاء، ولا هى فقط الحياة التى كنا نود أن نستمر فيها وبدّلتها برودة الأيام وقسوتها، ولا هى حتى مشاعر الحب الدافئة التى كانت تشعّ من أعين العاشقين، ونشوة الإحساس بالنصر فى قبضة يد الأبطال الخارقين، وصوت الضحكة الذى يعلو فى نفوسنا مع خفة ظل المضحكين.. إنها كل هذه المتع معا، وقبلها متعة الخيال الذى لا يحده حد، والوصال الذى لا يصده صد، والجمال الذى لا يقابله ضد، فالعلاقة بين المشاهد وشاشة العرض لا نهاية لها، ولا حواجز بها، ولا قبح فيها، إنها علاقة بلا إجبار أو إرغام أو مساومة، ومع ذلك فنحن نختار بمحض إرادتنا أن نكون فى الأسر.. أسر الحاكم للمحكوم والساحر للمسحور. ولهذا كله فهى سلعة رائجة تملك مقومات نجاحها وحتمية ربحها، صناعة مكتملة المقومات والأركان قامت على أكتاف أجيال متلاحقة أعطتها الوقت والجهد والمال حتى أضحت الصناعة الأم فى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا كلها، السينما هى المنتج الصناعى الوحيد الذى يمكن تصديره بالكامل آلاف المرات دون هدر أو تسريب، منتج صناعى ربحيته متجددة بلا نهاية وغير قابلة للبلى أو التلف، منتج صناعى يمكن تسويقه عبر آليات مختلفة قديمها وحديثها، من أول صالة العرض السينمائى، ومرورا بالعرض التليفزيونى والفضائى، وصولا إلى الوسائط الإلكترونية المستحدثة التى لا نهاية لها ولا يعلم أحد ما يمكن أن يستجد بشأنها فى قادم الأيام. أضف إلى هذا كله قوة التأثير التى يملكها الفيلم السينمائى وقدرته على توجيه الرأى العام ليس فقط فى الداخل وإنما فى حدود نطاقنا الجغرافى، وكم من مواقف مصرية رسمية فى محيطها العربى كان للسينما دورها فى التأكيد عليها من أول أفلام القضية الفلسطينية، مثل: قلبى وسيفى، شادية الوادى، فتاة من فلسطين، أرض السلام، الظلال على الجانب الآخر، مرورا بأفلام مثل «جميلة» الذى أُنتج لنصرة شعب الجزائر، أو «ثورة اليمن» الذى ساند – كما هو واضح من عنوانه – ثورة الشعب اليمنى ضد تخلف وجمود حكم الأئمة، وصولا إلى فيلم مثل «العاصفة» الذى أدان الاقتتال بين الأشقاء فى العراق والكويت بداية عقد التسعينيات من القرن الماضى. هل تريدون أن أحدثكم عن الأثر الذى أحدثته السينما مجتمعيا داخل مصر؟ حسنا. هاكم مثلا فيلم «لاشين» سنة 1938 الذى كان أحد أشكال التعبير عن الكبت السياسى فى تلك الحقبة، كذلك فيلم «جعلونى مجرما» سنة 1954 الذى عجل بصدور قانون الأحداث فى العام نفسه، وفيلم «كلمة شرف» سنة 1972 الذى نجح فى تبسيط النظم المعمول بها داخل السجون، وفيلم «أريد حلا» الذى لفت الانتباه إلى نواقص قانون الأحوال الشخصية ودفع أولى التشريع إلى سرعة تعديلها.. والقائمة تطول وتطول. هل أحدثكم عن الدور الترويجى الذى تلعبه السينما لصالح المنتج المصرى؟ أذكر أن قريبًا لى كان يعمل فى إحدى الدول العربية حدثنى عن صديق له فى تلك الدولة كان يأتى إلى مصر كل عام لشراء السجادة التى ظهرت فى فيلم شادية أو فاتن حمامة، والنجفة التى كانت تقف تحتها هند رستم والتليفون الذى كانت تتحدث فيه ليلى مراد، وبدلة كمال الشناوى ورشدى أباظة، فضلا عن مئات السيدات العربيات اللائى كن يبحثن فى مصر عن أزياء سعاد حسنى ونادية لطفى، وسعى هؤلاء وهؤلاء للسياحة والتنزه عند صخرة ليلى مراد فى فيلم «شاطئ الغرام» و«بيرجولا» نور الشريف وسعاد حسنى عند القلعة فى فيلم «الكرنك» وبرج القاهرة والأهرامات وكورنيش النيل وبحر الإسكندرية، وغير ذلك من الأماكن التى صورت فيها عشرات الأفلام المصرية. من أجل ذلك كله، من أجل السينما التى تقترب من عامها المائة فنًا وصناعة واقتصادًا وتأثيرًا، فإننى أدعو كل الجهات المعنية أن تنتهزها فرصة وتعطى اهتمامًا أكبر لتلك الصناعة كى تقيلها من عثراتها التى تحول دون القيام بدورها على الوجه الأكمل. بالتأكيد هناك خطوات مهمة تمت خلال الفترة الماضية عبر الشركة المتحدة، وهى خطوات مقدرة ومهمة، لكن مازال المشوار يحتاج المزيد.