من طرف خفى؟!
سحر رشيد
نقف هنا وأعيننا هناك .. خوف وخلسة.. مأوى وملجأ. عين تمتد لما متع به غيرها .. فصام وعجز وفضول مسميات ابتدعناها .. عادة محرمة سرا متعة ولذة .. تفاصيل تحتل تفاصيل لا تدرك ولا تبقى .. مبتورة بفعل الزمن فى قصص تتوه معها الأنا .. عقل ينعقد بين لماذا وليت ؟! .. صرنا أهدافا لغيرنا وغيرنا أهدافا لنا .. قرابين لبعضنا البعض .. عملة مفلسة نتداولها .. خيبات مكنونة وتمثيلا لدور العاقل الرزين .. ازدواجية وتعددية تواءمنا عليها ليصير الكل وليمة لغيره فى تلصص وعتاب .
نواقص تدفعنا وكمال يشقينا .. نرقب خوارجنا وننسى ما حملته أنفسنا فى عوالم الغياب .. انتقاد وانتظار .. نختزل معانى ونلهث خلف أخرى نستنبطها.. نخطئ ويستغرقنا الوقت وتلهينا.. مفاضلات ومقارنات .. استخلاصات مهترئة .. نزكى أنفسنا أو لا نعطيها حقها فنطمسها ..صور تزاحمنا من غير داع منتظرين مفاجأة تأخذ بأيدينا ..سرق شعورى لذوات وسط متاهات لغيرها.. ربما نجد الحياة وربما حاولنا رسم وجود مفقود ..وكأن الوضوح يكمن خارجنا .. فى صراعات وأفعال ومنطوقات .. إحساس وسكون..أطياف نلتمس بها الطريق .. مطاردات خفية تتحرج منها النفس نحو هتك ستر حياة آخرين لا ذنب لهم فيما نبحث عنه.
نرسم صورا ونستمد حكايات .. الحجة فيها أنها تعيننا على فهم الحياة .. بل قد تكون الخطأ والخطيئة الذى تدمنه أنفسنا .. مع أحجية الزيف لما نريده ونصبو إليه .. وكأن لا عيب فى الفضول هكذا أسميناه تجملا .. نهتك حجاب غيرنا ..يحركنا سوار الشك والخوف والريبة وكأننا نحيا بالسلب فى الخفاء !! ..عين العقل ومراس تجارب غيرنا نلتهمه .. دروس وعبر والقليل من يعتبر .. تشغلنا الفرجة ويأخذنا المشهد.. فى انتقال مسل غير ممل .. محاولين خلق هدف لتوافق يرضينا..أو ربما كانت هواجس تمزقنا!!.. هنا وهناك تصارع ما لايعنينا صار بالداخل يرضينا.. إنزال نفسى لأشياء وأقوال وأفعال تكتمل بها نظرتنا لواقع يعذبنا.. حمقى نرتدى قناع الحيلة يغطينا .
رغم أننا عابرى سبيل إلا أننا صرنا نهتم بكل كائن .. نعيد تشكيله فهماً وتأويلاً .. تقليد أو حتى انتقاد ..وما الانتقاد إلا أول طريق التقليد لمن عجز وغار وحسد .. وكلما زاد فشله زاد فى الانتقاد سبيلا ..قريب أو بعيد يحكم المقارنات ومن ورائها دونية ونقص ..منتهى الغرابة فكلنا يحوى داخله صغائر .. فكل صغار طامع فى كبار.. وكبار طامع فى صغار .. علتنا كشف الخفى من الأشياء رافضين السطحية، فتطير عقولنا بين تمحيص وتحليل بسبب وبدون سبب!! .
فى الخفاء كل تخرج حقيقته بكل تشوهاتها القابعة من طرف خفى .. ثابت يراقب واقعاً متحركاً .. يخشى المراقبة ومتى تأكد من عدم مراقبته تبدأ نفسه بنفوذ ماكر تحصل على أهدافها .. تسلل خفى مدروس تعتاد عليه النفس .. تلصص وتربص كل حسب نقائه أوتلوثه ..مناورات خفية .. تصوب النظرات والآذان وتستحضر كل الحواس لأعلى فائدة .. طرق رغم تعرجها بها الراحة تنتهى معها المقارنة لكشف النقاب عن عورات غيرنا .
لحظات من توتر ووهم بأنها قد تخلق فرص من النجاح أو منفذا لنكون أفضل .. قد نكتفى ونعود وقد نسقط فى متاهة المقارنات .. والغريب أننا من نخلق الصلة بيننا وبين حالات التلصص على اعتبار أنها جزء من عالمنا المحيط بكل ما يحمل من تجارب وقصص مثيرة أو حتى تافهة تدفعنا إليها مشاعرنا المكبوتة .. نتابع قصصا تنبض بالحياة .. نحتفظ بها أو نرويها بكل ما يخدم مصالحنا ..وقد تدفعنا شدة التصاقنا بها للتوحد مع من نختاره يتشابه مع آلامنا أو بطلا منتصرا حقق ماعجزنا عنه .. قصص ملهمة ومتناقضة تعكس داخلنا المتشوق لواقع يؤنسنا أو نهرب منه وإليه.. نتقمص أدواراً فى قصص غيرنا .. نرتدى أقنعتهم ونعود ونشكو من التيه .. وقد لا نستطيع العودة كما كنا .. ورغم ذلك نختار لأنفسنا اللباس الذى يريحها حتى ولو كان غير مناسب .
دعنا نتفق أن المراقبة أو التربص أمر مرهق حتى ولو استمتع بهذه اللحظات .. قد ينظر من بعيد دون شغف وقد يستمد الشغف فى عمليات التحسر التى قد تدفعه للحسد أو التشفى .. ولا نعلم لماذا تدفعنا عقولنا ومشاعرنا للتلصص وما النتيجة إذن؟! .. الواقع يؤكد أننا نحمل الحقيقة داخلنا وما نود أن نكون عليه ولا يتأتى ذلك إلا بالمقارنة والحلم بأن نحققه بدون مجهود ، يزكيه شعورنا بالاستحقاق وسط غبن الواقع .. فنحبس خلف قضبان ولا نكف عن هذه العادة مهما أخذنا الضجيج بعيدا الذى لا يلبث أن نستيقظ معه فى إحباط ، والقليل من يخرج بنظرة إيجابية لكنه طرح موجود .
وقد نظن أننا نبحث عن الحقائق لكن الواقع أن الوهم يغرقنا جميعا وإلا لماذا ننتفض ونفضل الوحدة وإشاعة مساحات الفراغ حولنا.. شيء من الضباب نتخفى خلفه .. يعيق اختراقنا من غيرنا الذين لديهم نفس الغرض والهواية .. نركض وراء الخيبة رغم اللذة .. فجعلنا من أنفسنا لا شيء .. محاولين عبور إشارات التعجب مدفوعين بالخوف وسط فوضى اعتادت عليها الناس ربما هربا من رتابة النظام !! .. عموما نحن نعانى من عدم التكيف مع موجات من الإجبار على المرور بشروط الواقع .. قسوة لاتسمح لنا حتى بالصراخ مع واقع يرفض الشكوى والتذمر رغم أنه دافع بكل قوة للجنون الذى يصير السمة الرئيسية للجموع مع اختلاف الدرجة وطريقة التعبير .. فالبعض يعلن فى انفجار والآخر مازال يحاول الاختباء لأن لديه القدرة على التحكم فى نفسه فيمضى رغم التعب والتعثر وربما القهر .. فالقهر السمة الرئيسية لحياة الجموع.. فلا أحد يحيا بأريحية مهما كانت لديه من إمكانيات .. ربما رغبته فى الحفاظ عليها سبب قهره !! .. فإما نصرخ بصوت عال لايلتفت إليه أحد أو نحتفظ بالصراخ المكتوم ودموع تنتهز الفرصة للظهور لتنساب على وجوهنا .. طرق تجبرك أن تسير فيها حاملا ركامك.. تتعثر فى آخرين يحملون نفس البقايا .. يدفع الطمع أن يلتهم بعضنا البعض .. ونصير فى واقع لا يتمتع أحد معه بالهدوء إلا من اختار اللامبالاة طريقا .. متمتعا بهدوء مفتعل رغم الامتلاء بالعجز المكبوت .. نتردد معها فى الانفجار الذى لايصل إليه إلا من سقط عقله وأصبح بلا شعور .. نصارع محاولات الهدوء أو تمثيل الهدوء فى ثلاثة قوالب تحتل نفوسنا.. أحدهم يحمل حقيقتنا التى تعذبنا والثاني الذى نخرج به للعالم وثالث مبهم غامض قد نجهله ونخشى الاقتراب منه ، وربما يطاردنا فى كوابيس .. و قد نحاول ترويض أنفسنا بإسقاط حمولنا على غيرنا أو التجاهل أو الهروب .
مرضى بأمراض مستعصية على العلاج .. فلا دواء لأمراض النفس البشرية .. تلتصق بنا ورغم ذلك ننصب أنفسنا أطباء معالجين .. نتربص ونتلهف على تشوهات غيرنا وعيوبهم ونحن أول المعيوبين .. تحوى أنفسنا ندبات وعجزاً .. ومعها تمسكاً بما يؤلمنا ونجعله يصول ويجول داخلنا .. فيشتد غضبنا وحنقنا على الحياة والغريب أننا من نستدعيه والأغرب أننا دائما نعجز عن النسيان .. نرفض العلاج ونستعين ببعض المهدئات .. جنون نجد معه اللذة فى أوجاعنا ربما رغبة فى استدامة الشعور بأننا ضحية أو أننا مظلومون .. ملائكة أبرياء لنعطى أنفسنا الحق فى سلوك منحرف .. ألغاز تعشق الحياة بألغاز .. لدينا مبررات وأعذار متى أردنا؟! .. ونصم أذننا ونغلق أعيينا متى أردنا ؟! .. نفوس عقيمة لا تلد الجديد !! .. ورغم ذلك لا نقطع عشمنا فى الزمن ولا فى الآخرين.. انتظار لسراب أمل .. ورغم الاستحالة نتعلق بكلمة عسى وليت وكل أفعال الرجاء والتمنى .. الرحمة .. الخلاص رغم أن لا أحد يرد.. ننسى أن لا أحد يسمعنا فنعود لنقطة البداية .. صراخ مكتوم وحكمة ضالة .. هذيان ومناورات مع أنفس متعبة .
والسؤال هل نحن المجانين أم الحياة ما تفرض علينا جنونا؟!.. أتصور أن قسوة الحياة هى التى تفعل بنا .. ترفعنا .. تسقطنا .. تهدأ .. تثور .. تدفعنا للجنون فى صور وحكايات نصفها بالغريبة والعجيبة لا نملك معها سوى القبول .
وهل نختار النوافذ التى ننظر من خلفها ؟! .. بالفعل عقلنا الباطن يحركنا تجاهها لتشبع نواقصنا وتسد احتياجاتنا حتى ولو وصفها البعض بالتفاهة أو كانت من الرقى والسمو .. حاجة تدفعنا للمضى لفهم كل شىء أو هكذا نتصور .. فنضيع الكثير من الوقت والجهد وتنهكنا الخطى .. فضول يدفعنا نحو شىء ضائع .. قد يكون المغامرة وراء عوالم يحكمها التناقض وتزينها الأقنعة . . محاولين فهم ما لا يفهم وكأننا كتب مفتوحة .. نحاكم غيرنا وننسى أنفسنا .. ربما لأننا فقدنا أنفسنا وسط زحام الحياة الفارغة.. الذى نصر على ملئه بهتك سره ودعاوى المثالية الحمقاء.. رغم أننا تملؤنا العيوب وتزاحمنا التشوهات .. لا عجب فهكذا ننشغل ونشغل أنفسنا باحثين عن جسر لواقعنا .. نتصارع معه بأدوار البطولة الزائفة .. نصور لأنفسنا أن كل ما تمر أعيينا عليه حق لها فى التفحص والتأمل .. نسير ونسير ونتخذ من الآخرين شواهد تلاحقها عيوننا .. فنقترف جرمنا المعهود تجاه بعضنا البعض .. نبحث عن قصص غيرنا حتى ولو كانت مسودات ألقى بها فى طريقنا أو من خلف ظهورهم .. بين أفكار غير معلنة نفتش فى عقول غيرنا .. عن آلية لكبح جماح الواقع وقبله أنفسنا.. فى وقت لا يمتلك أحد شجاعة المواجهة .. ربما ما يفعله يغنيه عن معاناة المواجهة .. لكنه اللعنة التى يضيع العقل بها نفسه دوما .. فلا انتهى من المقارنة ولا ارتضى بالنتيجة ولا وصل للمعنى المفقود .. فالمفقود سيظل مفقودا .. علة الحياة النقص لتحكم قبضتها علينا .. لكننا لا نكف عن تعليل الإخفاق فى سعينا فى محطات الحياة مابين مقاومة ويأس وإقبار .