الجمعة 10 مايو 2024

لجنة الفتوى بالأزهر الشريف.. هـــنا «تطــمئن قـــلوب الســــائلين»

صورة أرشيفية

21-11-2023 | 18:25

تحقيق: أميرة - صلاح عدسة: إبراهيم بشير
صباحًا.. تقف حسنية محمد، 60 عامًا، فى انتظار سيارة تُقلّها من محافظة البحيرة (مسقط رأسها) إلى القاهرة، وتحديدًا مقر لجنة الفتوى التابعة لمشيخة الأزهر الشريف، بعدما تفاقمت مشكلة الميراث التى تواجهها منذ فترة، و«كل الردود التى تلقتها زادتها حيرة، فما كان منها إلا أن ولّت وجهها شطر الأزهر الشريف، طلبًا للمشورة والرأى الصحيح من لجنة الفتوى». فى رحلتها إلى القاهرة، اصطحبت «الحاجة حسنية» ابنتها «سهام»، طلبًا لـ«الونس» وتخفيف أعباء السفر عليها، ومعاونتها فى فهم ما يستعصى عليه فهمها، فـ«سهام» وبقية أشقائها يعانون من مشكلة فى ميراثهم قالت عنها والدتهم: «سألت كتير، ولا إجابة ريحت قلبى.. جيت للشيوخ لأنهم هما إللى هيريحوا قلبى، وأكيد ردهم هيكون بما يرضى الله، خوفى من أنى أظلم حد من عيالى خلانى آجى من آخر الدنيا». «الميراث وأزماته» لم يكن حاضرًا فى حديث ممدوح عبدالعليم ومنى غريب، مع أعضاء «فتوى الأزهر»، لكن المشكلات الزوجية هى التى دفعتهما لـ«اللوذ باللجنة» بعدما زادت حدة خلافاتهما، وشعرا بأنهما بحاجة لمساعدة ممن لديه الرؤية الشرعية للتهدئة بينهما؛ خوفا من حدوث الطلاق. «ليست المرة الأولى التى يلجأ فيها ممدوح للجنة الفتوى، فكما يقول زادت صعوبة الحياة أتيت - أنا وزوجتى - للسؤال والفتوى حول المشكلات الموجودة فى حياتنا، والحمد لله فى كل مرة تهدأ الأمور ونصل إلى حل لمشكلتنا». «نأتى لمسجد الأزهر لأن به علماء من أهل العلم والوسطية وعلى دراية بتعاليم الدين الإسلامى والسنُّة النبوية، لذلك نجد أن لجنة الفتوى هى الملجأ الآمن وسط فوضى الفتاوى». محمود إسماعيل، سائق، يؤكد أن «القدوم لمسجد الأزهر الشريف أمر متوارث لدى عائلته، فمنذ عقود كان يأتى والده للحصول على الفتوى فى مشكلات الطلاق ورد اليمين». «إسماعيل» قال: «اليوم جئنا أنا وأخى لنستشيرهم فى أمور خاصة بالعائلة، جئنا ولدينا يقين أنهم قادرون على حل هذه المشكلات وفقاً لرؤيتهم الشرعية». التكنولوجيا وأزماتها، هى الأخرى كانت حاضرة بين الذين وقفوا على أعتاب لجنة الفتوى. فالشاب، حمادة إبراهيم، الذى لم يتخط العشرين من عمره قدم إلى اللجنة، مدفوعًا بخوفه من أن يقدم على فعل ما يغضب الله (سبحانه وتعالى)، ليسأل إن كان «عمل الفيديوهات على برامج التواصل الاجتماعى التيك توك والفيس بوك.. حرام أم حلال؟». «الحرمانية»، كانت أيضا سبب لجوء «هبة السيد» إلى «الأزهر الشريف»، فهى تفكر فى إجراء عملية جراحية، لكنها لا تدرى حكمها فى الدين، فجاءت إلى لجنة الفتوى لثقتها أن «الأزهر هو رمز الاعتدال والوسطية والعلم، وتقول عندما فكرت فى إجراء عملية جيت للتأكد من إنها بعيدة عن الحرمانية». سمية حسن، موظفة، تكشف أنه «كلما زادت صعوبة الحياة زادت الهموم وأحيانا اختلفت فى كيفية حل هذه المشكلات لذلك تحتاج لمَن يقدم لك يد العون ويستمع لك ويرشدك للطريق الصحيح، وهذا ما تقدمه لنا لجنة الفتوى حيث يستمعون لنا حتى ننتهى من كافة التفاصيل ثم يبدأ فى حل مشكلة تلو الأخرى، وتخرج من هناك صافى العقل والقلب». «التحديث والتطوير»، أمران لم يكونا بعيدين عن «لجنة الفتوى»، فاللجنة شهدت - وفقًا للدكتور على مهدي، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر الشريف، عضو لجنة الفتوى، إدخال النظام الإلكترونى وحدثت طفرة فى لجنة الفتوى، حيث يدخل المستفتى إلى الاستقبال أولًا لإدخال بياناته وسؤاله ثم يُحال للمفتى المختص للمشورة وأخذ الفتوى. «مهدى»، أكد أن «البرنامج الإلكترونى له العديد من الفوائد، أهمها أنه «يحفظ كافة الفتاوى بحيث يتمكن المفتى فى اللجان الفرعية من الرجوع لها والتعرف على الأحكام فى المسائل المتشابهة، فضلا عن الاحتفاظ ببيانات المستفتى». عضو لجنة الفتوى، لفت إلى أن اللجنة تستقبل مئات المستفتين من جميع محافظات الجمهورية، لذلك حرصت الإدارة برئاسة الدكتور عباس شومان على إنشاء العديد من اللجان الفرعية على مستوى جمهورية مصر العربية ووصل عددها إلى 250 فرعًا، لتخفيف أعباء السفر على المواطنين، والسعى للتواجد فى كل مركز وقرية». «د.علي»، عدَّد مزايا النظام الإلكترونى الذى تستخدمه اللجنة، منها أنه «يتيح حفظ بيانات راغبى الفتوى، ليس فقط فى الفرع الرئيسى بجامع الأزهر وإنما فى جميع اللجان الفرعية الموجودة على مستوى المحافظات، حتى إذا طلب المستفتى الفتوى فى أى لجنة فرعية بمجرد إدخال بياناته يظهر للمفتى أسئلته السابقة والحكم الشرعى فيها». للمفتى صفات خاصة، أوضحها عضو لجنة الفتوى، فينبغى أن يكون لديه القدرة والعِلم؛ حتى يَستطيع استنباطَ الأحكام الشرعيَّة من أدلَّتها، وتنزيلها على الواقِع والوقائع والقضايا الحادثة، ويتمكن من النظر للفتوى واستيفاء حقها من الفكر والبحث والتحرى بالدقة، فالمُفتى عليه أنْ يَطَّلِع بعُمق، ويعى الوقائع التى تُشكِّل الفتوى، وتتفاعَل معها، ولذلك حددت لجنة الفتوى ثلاثة تخصصات فقط ممن لديهم الحق الانضمام لها (الفقه – الفقه المقارن – أصول الفقه)، كما سمحت لأساتذة الجامعة الانضمام إليها وخاصة فى الأمور المتخصصة لقدرتهم على الإلمام بكافة المراجع والأحكام، كلٌّ فى تخصصه، وذلك بعدما اقتضت طبيعة المشكلات الواقعية المعاصرة بصعوباتها المتنوعة أن يكون المفتى على وعى كامل بها ومتخصصا فيها. «إلزام الفتوى»، أمر آخر تحدث عنه عضو اللجنة، مؤكداً أن «الفتاوى التى تصدرها اللجنة ليست ملزمة، وللمستفتى أن ينظر ويتأمل، ويستفتى غير مَن استفتاه أولًا إذا لم يطمئن، فعليه أن يتحرى مَن هو أقرب إلى الخير والعلم والفضل وأقرب إلى إصابة الحق حتى يأخذ بفتواه، ويطمئن قلبه». مضيفاً أن «التطور» الذى شهدته اللجنة لم يغفل المرأة التى تحتاج إلى عنصر نسائى على دراية بطبيعة مشكلاتها ومتطلباتها، فاللجنة تضم 20 عضوًا من بينهم عناصر نسائية من أعضاء هيئة التدريس من جامعة الأزهر، واللجنة قادرة على حل كافة الإشكاليات التى تحتاج إلى المتخصص بدقة وليس مجرد الثقافة الشرعية، وهذا يظهر من خلال بعض أنماط الفتاوى فى المعاملات الاقتصادية ومقارنة الأديان والفتاوى العقائدية قد يعرضها المستفتى. مهام لجنة الفتوى،كما أوضح «مهدى» متشعبة ومتعددة، بداية من التواصل المباشر مع راغبى الفتوى، والإجابة على مراسلات المحاكم التى تطلب إبداء الحكم الشرعى فى جميع القضايا الخاصة بالنزاع والميراث والأحوال الشخصية وغيرها، بحيث ترسل الفتوى ويجرى الرد عليها بفتوى مستوفية الأركان وبناء عليه تصدر المحكمة حكمها، كما تجيب اللجنة على الفتاوى الإلكترونية التى ترسل إلى مجمع البحوث الإسلامية عبر موقعه الرسمي، وكذلك تتولى اللجنة مهمة إعداد فتاوى مجلة الأزهر، ليس ذلك فحسب بل تم استحداث لجنة البحوث العلمية، والتى من مهامها إصدار أبحاث فقهية تناسب الواقع المعاصر، وترسلها إلى جهات متعددة. وأضاف: التراث الفقهى ثروة زاخرة بمختلف الآراء والتى تمثل فى مجموعها مقاصد الشرع الحنيف وتناسب كل الأحوال والبيئات، ومنهج الفتوى فى الأزهر الشريف الاختيار من الآراء الفقهية المعتمدة بما يحقق مقاصد الشرع الشريف ويتحقق به صلاح المجتمع تخفيفا وتضييقا ومراعاة للحال، والعبرة بمراعاة الحال مع تحقيق مقاصد الشريعة، و«الترجيح» عملية معقدة حيث تطرح الآراء بحججها بين يدى العلماء المتخصصين ثم نختار الرأى المناسب للفتوى، والذى قد يكون أيسر فى التطبيق أو يكون أوفق لتحقيق مقاصد الشارع». عضو لجنة الفتوى، يكشف أن «معظم الأسئلة التى ترد إليهم تكون فى الأحوال الشخصية من الزواج والطلاق والعبادات والمعاملات المالية كالميراث وغيرها من القضايا التى تشغل المواطنين، وهناك أسئلة مرتبطة بالمناسبات، ففى شهر رمضان - على سبيل المثال - تكثر الأسئلة حول العبادات، وفى عيد الأضحى تكثر الأسئلة حول الأضاحى، وأحيانا يضطر المفتى لتأجيل الفتوى لليوم الثانى، لأن هناك بعض الفتاوى تحتاج لتحويلها إلى لجنة ثلاثية، لذلك يتم تأجيل البتّ فيها لليوم التالى، وخاصة فى مشكلات الخاصة بالطلاق ورد اليمين». «الأسئلة الشاذة»، كما يقول عضو «الفتوى»، موجودة أيضاً، «فقد يرد بعض الأسئلة المختلفة أو الغريبة فمثلا فى قضية الانتحار قد تأتى حالة أو اثنتان فى الشهر، ولكن لا يمر أسبوع واحد دون وجود سؤال يتحدث عن الإلحاد، ومثل هذه الأسئلة تحتاج إلى معاملة خاصة لأنه عادة أن السائل قادم برفقة والديه، لذلك نبدأ بمناقشة الأفكار التى تشغله والمشكلات التى يمر بها، ونبدأ بتفنيدها واحدة تلو الأخرى وبيان مدى خطئها وإرشاده للأفكار الصحيحة، وأحيانا تستغرق هذه الجلسة ساعتين أو أكثر، ولا يتحرك السائل إلا وهو مستبعد للأفكار القديمة تماما، وغالبا ما يكون السائل وقع فريسة لأصدقاء سوء نتيجة وجود مشكلات أسرية سواء انفصالا أو إهمالا من الوالدين». الدين يسر الدكتور عباس شومان رئيس لجنة الفتوى، كشف أن اللجنة تعمل بمنطق التيسير وليس تعقيد حياة الناس، فالدين يسر، وأمور الحياة تتطلب تفهم للظروف وعدم التسرع فى إصدار فتاوى متشددة، بل نبحث فى كل مسألة بعمق حتى نصل إلى الفتوى التى تحقق المصلحة العامة وشرع الله. «شومان» يضيف أن المصريين مهتمون جداً وحريصون على تحرى حكم الدين فى كثير من أمور حياتهم لكن نادراً ما يأتى شخص يسأل بشكل مباشر حول المغالاة واحتكار السلع لأن أحكامها معروفة. فكل تاجر يقوم بذلك يعلم جيدا الحكم الشرعى، ولكن قد يأتى مزارع يسأل حول الحكم الشرعى من عدم بيع المحصول فى موسمه وبيعه بعد ذلك، وتكون الفتوى: «طالما أنت لم تشترِ من السوق فمن حقك بيعه فى أى وقت». كما يأتى للجنة العديد من الأسئلة فى قضايا المرأة، كالأسئلة حول بعض الأخطاء التى قد تقع فيها المرأة، منها حدثت واقعة زنا ونتج عنها حمل فما الحكم الشرعى من إجهاض الطفل؟، وغيرها من الأسئلة التى تخص المرأة سواء فى العبادات أو المعاملات، وهناك أيضا مسائل الزواج والطلاق والزواج غير الموثق والطلاق غير الموثق وهى الأكثر، وهؤلاء ينطبقون أيضاً تحت بند فتاوى الأحوال الشخصية ويُضاف إليهم المواريث.