السبت 4 مايو 2024

إسرائيل واستراتيجية الإبادة!

سناء السعيد

21-11-2023 | 18:58

بقلـم: سناء السعيد
بات من المؤكد اليوم أن حرب إسرائيل ضد «حماس» لن تنتهى بوقف إطلاق النار لمدة 4 ساعات كهدنة إنسانية وهو الذى كان قد أعلن عنه. ولأنها لن تنتهى فهى لن تجلب أى صورة للنصر. إلا أن إسرائيل تمضى فى غلوائها وعملياتها الوحشية فى الأراضى الفلسطينية. ولا أدل على ذلك من استهدافها للمستشفيات بالقصف، مخالفة بذلك القانون الدولى الذى يحرم الاقتراب منها، فهى محمية بموجبه. وربما سنشاهد قريبا مقاطع فيديو لجنود الجيش الإسرائيلى وهم يقومون بجولات فى داخل أقبية المستشفيات. وربما نرى جثامين لكبار مسئولى حركة «حماس» ومن بينهم زعيم الحركة «يحيى السنوار».. غير أن كل هذه المشاهد المحتملة لن تكون صورة تؤكد لإسرائيل النصر رغم الدعم الأمريكى غير المسبوق لها. وهنا نتساءل: هل قتل الآلاف من الأطفال فى غزة سيريح العقول والأرواح فى الولايات المتحدة التى قدمت الدعم الكبير لإسرائيل وشجعتها على القيام بجرائم الإبادة الجماعية للمدنيين الفلسطينيين؟ عامة لا يمكن تصور النصر فى وجود المسئولين عن هذه المذابح الرهيبة. ولكن وحتى لو كان هناك نصر عسكرى لإسرائيل فى غزة فإنه لا يمكن له فى النهاية أن يؤدى إلى القضاء على «حماس». واليوم نقول: ماذا بعد إمكانية عودة السلطة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة؟، وهل من شأن هذا أن يدمر الاستراتيجية الإسرائيلية التى تعتمد على الانقسام الدائم فى «الضفة الغربية»، «وقطاع غزة» من أجل منع تحقيق التهديد المتمثل فى حل الدولتين. واليوم ومع سطوة عمليات إسرائيل الوحشية نقول إنه لم يعد من المناسب سماع الدول الغربية وتتصدرها أمريكا وهى تحاضر العالم كله حول إسرائيل الديمقراطية التى تراعى حقوق الانسان. إذ إن ما يحدث على أرض الواقع يعارض هذا كلية. ويكفى ما قامت به إسرائيل من جرائم فى حق المدنيين الذين وصلت أعداد قتلاهم إلى ما يربو على إثنى عشر ألفا حتى الآن. نصفهم تقريبا من الأطفال حيث يقتل طفل كل عشر دقائق. وهذه الأرقام لا تشمل الأطفال الذين يموتون ببطء بسبب الجوع والعطش، أو الذين يموتون بسبب شرب مياه الصرف الصحى ومياه البحر.. ولا تشمل أيضا مرضى السرطان الذين لم يتمكنوا من الحصول على أى رعاية طبية بعد أن أجبر الحصار الإسرائيلى مستشفى السرطان الوحيد فى غزة على تعليق خدماته. وإذا انتقلنا إلى المشهد الذى يعيش فيه الرئيس الأمريكى «جو بايدن» وجدناه يشكك فى أرقام القتلى الفلسطينيين رغم أنه يعلم جيدا أن الأرقام الواردة من وزارة الصحة فى غزة قد أثبتت دقتها مرارا وتكرارا.. بل مضى يشكك فى صحة صور الأحياء التى دمرتها إسرائيل وكأنها نوع من التزييف العميق بالذكاء الاصطناعى.. لقد ظهر «بايدن» فى صورة الفاتر فارغ المضمون، فكل ما يهمه هو دعم إسرائيل، ولا يعنيه أن يموت الفلسطينيون ويتم تهجيرهم قسرا. لقد ظهر وكأنه يدعو إلى أن نجرد أنفسنا من إنسانيتنا حيال المذابح التى ترتكبها إسرائيل فى غزة. ما قامت به «حماس» فى السابع من أكتوبر الماضى لم يأت من فراغ، فلقد تعرض الفلسطينيون للقتل والتهجير والإذلال والاعتقال بشكل غير قانونى ولعقود من الزمن. وعلى حين تطالب الدول الغربية من الفلسطينيين إدانة العنف، تصرخ بأعلى صوتها بأن إسرائيل تملك الحق فى الدفاع عن نفسها لتتسع مساحة هذا الحق ويتم تجاوزه بارتكاب الكيان الصهيونى مجازر ضد الفلسطينيين، ويتم تمريرها دون إدانة بدعوى أنها دفاع عن النفس. خرج «جاكوب ناجل» مستشار الأمن القومى الإسرائيلى السابق بمقال حول ما يجب على إسرائيل فعله فى غزة بعد اليوم، فينصحها بأن تنتقل إلى معضلة اليوم التالى وتركز على تحقيق نصر حاسم وكامل، وتحقيق جميع أهداف الحرب كما حددها مجلس الوزراء، وهى القضاء التام على «حماس» فى غزة، وتدمير قدراتها العسكرية والحكومية والتنظيمية، وقتل جميع قادتها بغض النظر عن موقعهم الجغرافي، ويعتقد أن النصر المطلق والقاطع ضرورى لاستمرار وجود إسرائيل فى المنطقة كدولة قوية ومستقلة وديمقراطية، إضافة إلى عودة سكان جنوب إسرائيل إلى ديارهم فى أمان تام. لقد طرح مستشار الأمن القومى الإسرائيلى السابق رؤية جديدة يرى أنه لا بد من تطبيقها. وترتكز على: (تغيير جوهرى فى استراتيجية الأمن القومى الإسرائيلى وخاصة ضد ما تطلق عليهم إسرائيل (الجماعات الإرهابية)، ويرى أن مفاهيم الردع والإنذار يجب أن تتغير بشكل جوهرى. كما يرى أن اتفاقيات أوسلو وفك الارتباط والانسحاب من غزة كانت أخطاء جسيمة، ولا ينبغى لإسرائيل الآن أن تكون مهتمة بأى اتفاقيات سلام فى غزة، كما لا ينبغى لغزة أن تكون جزءا من أى حل سياسى.. وستكون إسرائيل «الكيان الوحيد»، الذى يحدد ويسيطر على الترتيبات الأمنية على الأرض لسنوات قادمة.. ويؤكد أن السلطة الفلسطينية لن تدير القطاع، فإسرائيل وبالتعاون مع أصدقائها وفى مقدمتهم أمريكا وأوربا سيناقشون مستقبلا هذه المسألة). كما تتضمن رؤية هذا الصهيوني: (أن تكون غزة منزوعة السلاح بأكمله، وألا تحتوى على أنفاق، وستخضع لرقابة إسرائيلية كاملة، وستكون قوات الأمن الإسرائيلية قادرة على دخول غزة فى أى وقت ومكان من أجل ضمان القضاء على أى تهديد محتمل.. كما سيتم بناء منطقة أمنية جديدة بعرض عدة كيلومترات على طول السياج القديم، ولن يتم تعريف المنطقة الجديدة باعتبارها منطقة منزوعة السلاح بل باعتبارها منطقة «قتل» بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وفى هذه المنطقة التى سيتم تنظيفها وإفراغها بالكامل من الفلسطينيين. بحيث أن أى شخص يتحرك دون تصريح سيكون معرضا للقتل الفورى). ما يطرحه هذا المستشار التعس هو الخيار الذى تؤمن حكومة «بنيامين نتنياهو» به وتسعى إلى تطبيقه حرفيا من أجل استعادة ثقة الصهاينة بالجيش الإسرائيلى وقادته حتى لو أسفر هذا عن إبادة جماعية لكل الفلسطينيين فى قطاع غزة.