الأحد 5 مايو 2024

د. أيمن سمير خبير العلاقات الدولية: من حق الشعب الفلسطينى محاكمة «إسرائيل» دوليًا.. والمقاطعة الشعبية الأكثر

الدكتور أيمن سمير أستاذ القانون الدولى

21-11-2023 | 19:15

حوار يكتبه: محمود أيوب
من حق كل فلسطينى أن يقاضى إسرائيل وقادتها من مرتكبى جرائم الحرب أمام المحكمة الجنائية الدولية، هذا ما يؤكد عليه الدكتور أيمن سمير أستاذ القانون الدولى، الذى يرى أن محاكمة إسرائيل عن جرائمها واجب على المجتمع الدولى والتخاذل فيه مخالفة صريحة، بل فضيحة للمجتمع الدولى أمام الرأى العام العالمى، «سمير» يؤكد أن كل أركان جريمة الحرب ثابتة فى حق إسرائيل والوثيقة التى تم إعدادها بتوقيع مليون مواطن حول العالم دليل مهم لا يمكن أن تتجاهله المحكمة الجنائية، الأخطر هو ما يكشفه «سمير» عن أن المحكمة الجنائية الدولية تحركت ضد بوتين لمجرد نقل 30 طفلاً من مدن أوكرانية، فكيف يمكن أن تصمت على قتل أكثر من 4 آلاف طفل وتشريد مئات الآلاف وإجبار نحو مليونى مواطن على النزوح القسرى، «سمير» يضيف أن مطالبة الرئيس السيسى بإجراء تحقيق دولى فى كل ما ارتكب من انتهاكات للقانون الدولى هو بمثابة وضع للمجتمع والمؤسسات الدولية المعنية أمام مسئولياتها. كيف يمكن محاسبة الاحتلال الإسرائيلى على جرائمه فى حق الفلسطينيين؟ من الناحية السياسية يصعب محاسبة الاحتلال الإسرائيلى على جرائمه، ورغم أن بعض الدول تتخذ مواقف ضد إسرائيل لكنها لا ترقى إلى مرحلة الإضرار بالمصالح الإسرائيلية، فلم نجد مثلاً دولاً تلغى صفقات تجارية أو عسكرية مع إسرائيل باعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية تقدم دعمًا كاملاً وغير مشروط لإسرائيل، ولكن فى تقديرى العقاب لإسرائيل على جرائمها يأتى شعبيًا أكثر منه رسميًا، صورة إسرائيل فى العالم تضررت بشكل كبير جدًا، لم تعد صورة الدولة التى كانت تدعى فى السابق أنها واحة الديمقراطية فى الشرق الأوسط أو أنها الدولة الأقوى فى المنطقة العربية، والشرق أوسطية أو الدولة القوية عسكريًا، أو القاعدة المتقدمة للنظام الغربى القائم على النظام وعلى القواعد وغيرها من المسميات التى كانت تصف بها إسرائيل نفسها، فكان يوصف جيش الاحتلال الإسرائيلى بأنه الأقوى وأنه الجيش المحترف، وذو معايير عالية هذا الأمر اختلف تماما ولم يعد موجودا فى الوقت الحالى بعدما كشفت عملية طوفان الأقصى حقيقتها. ومحاسبة الاحتلال الإسرائيلى شعبيًا تأتى أيضًا من خلال المقاطعة التى نراها فى الكثير من الدول العربية، لكن أيضًا فى الغرب وتحديدًا فى أوربا وفى الولايات المتحدة الأمريكية، المظاهرات التى تندلع فى كل مكان هى بمثابة عقاب شعبى كبير جدا بالنسبة لإسرائيل، ولأن صورة إسرائيل لدى الشعوب تضررت بشكل كبير جدًا باعتبارها دولة لا تحترم القانون ولا القانون الدولى الإنسانى، فهى تقتل الأطفال والنساء، وبالتالى تحولت من صورة الدولة الديمقراطية التى تحترم القانون إلى دولة قاتلة ترتكب جرائم حرب ضد الإنسانية، فعندما تمنع الماء والكهرباء عن نحو 2.5 مليون فلسطينى فى قطاع غزة هذا أيضا يلطخ صورة إسرائيل أمام المخدوعين فيها، لذلك بعض الدول مثلاً فى أمريكا اللاتينية (تشيلي) قطعت علاقتها السياسية والدبلوماسية بها وهذا أيضًا نوع من العقاب، وفى نفس الوقت تتعرض إسرائيل لخسائر نتيجة لهذا الأمر، فهناك تقديرات بأن إسرائيل يمكن أن تتكبد خسائر إذا استمرت الحرب بنهاية هذا العام لأكثر من 50 مليار دولار، فضلاً عن توقف الموانى والمطارات وباتت لا تستقبل مواطنين جددًا كهجرة طبيعية، بل بالعكس أصبحت هناك هجرة عكسية من إسرائيل إلى الخارج خوفا من الحرب وتداعياتها وشعور الكثيرين من الإسرائيليين أنهم فى خطر، المواطنون الإسرائيليون حتى فى الخارج بدأت تصل إليهم رسائل من الحكومة الإسرائيلية من خلال وزارة الخارجية بعدم إظهار أى معالم تشير إلى أنهم إسرائيليون لأنهم باتوا منبوذين ومكروهين من كل شعوب العالم، وهذا عقاب شعبى كبير ليس فقط على دولة إسرائيل ولكن أيضا على مواطنيها. أليس من حق المواطنين الفلسطينيين مقاضاة جيش الاحتلال دوليًا؟ بالطبع يحق للشعب الفلسطينى والسلطة الوطنية الفلسطينية أن تحاكم إسرائيل فى المحكمة الجنائية الدولية لأكثر من سبب، الأول أن فلسطين عضو فى المحكمة الجنائية منذ العام الحالى 2023، وإسرائيل تدعى أنها باعتبارها ليست عضوًا إذن لا يوجد ولاية قانونية أو قضائية للمحكمة عليها وهذا غير صحيح، لأن المحكمة الجنائية وفقا لميثاق روما الذى تأسست عليه المحكمة يحق للمدعى العام للمحكمة أن يفتح تحقيقا فى جرائم الحرب والجرائم التى ترتكب ضد الإنسانية فى أى مكان فى العالم حتى لو لم يطلب منها، والدليل على ذلك النزاع الحادث فى الحرب الروسية الأوكرانية حيث تم فتح تحقيق بحق الرئيس الروسى «بوتين» ووزيرة شئون حقوق الأطفال بروسيا لمجرد أن روسيا نقلت نحو 30 طفلًا من منطقة«لوغانست» و«دونيستك» فى شرق أوكرانيا إلى الأراضى الروسية واعتبر أن هذا نوع من التهجير القسرى للأطفال، فالأطفال هناك لم يقتلوا أو يمس أحد منهم ومع ذلك بدأت المحاكمة، لكن فى فلسطين نشاهد العكس فهناك نحو 4 آلاف طفل على الأقل تم قتلهم فى قطاع غزة، وبالتالى من الطبيعى جدًا أن يقوم المدعى العام «كريم خان» للمحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق، كما أن السلطة الفلسطينية قالت إنها ستتقدم بطلب للمحكمة الجنائية كما أن هناك دولا فى العالم مثل الجزائر ستتقدم بطلب، أيضا بعض الدول فى أمريكا اللاتينية سوف يتقدمون بطلب للمحكمة، كما أنه من نتائج اللقمة العربية الإسلامية فى الرياض الاتفاق على أن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية والأمانة العام لمنظمة التعاون الإسلامى سواء كان بشكل فردى أو بشكل جماعى سوف يتقدمون بشكوى للمحكمة الجنائية الدولية بعد توثيق كل الجرائم التى ارتكبتها إسرائيل، كما يمكن للمنظمات الحقوقية الدولية المحترفة والتى تعرف جيدا المعايير الدولية فى تقديم مثل هذه الدعاوى يمكن أيضًا أن يتقدموا بطلبات محاكمة إلى الجنائية الدولية وحتى المواطنين الفلسطينيين المتضررين من حقهم أن يتقدموا بطلب للمحكمة الجنائية. وبالتالى يمكن مقاضاة الاحتلال الإسرائيلى، إما من خلال المحكمة الجنائية الدولية أو من خلال محكمة خاصة تشكل لمجرمى الحرب الإسرائيليين سواء كانوا من الطبقة السياسية أو من الجيش أو من القوات المدنية على غرار محكمة «نورنبيرغ» وهى التى قامت بمحاكمة قادة «النازية والفاشية» فى الحرب العالمية الثانية، والرئيس السيسى عندما طالب فى القمة العربية الإسلامية فى الرياض بإجراء تحقيق دولى فى كل ما تم ارتكابه من انتهاكات للقانون الدولى فهو يتحدث عن حق للشعب الفلسطينى وواجب على المجتمع، وعلى المنظمات الدولية المعنية أن تقوم به وفى مقدمتها مجلس الأمن، فالرئيس يضع كل هؤلاء أمام مسئولياتهم وأى تخاذل عن القيام بهذا الواجب هو مخالفة للقانون الدولى وللقيم الإنسانية التى يتشدقون بها فى الغرب. هل لدى المجتمع الدولى إرادة سياسية لمحاكمة قادة الاحتلال على ما ارتكبوه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية؟ على المستوى الشعبى والعالمى لو تم عمل استفتاء سوف يكون هناك توافق على هذا الأمر، لكن الولايات المتحدة الأمريكية ليست عضوا فى المحكمة الجنائية الدولية ورفضت من قبل محاكمة جنودها الذين ارتكبوا جرائم حرب فى العراق وأفغانستان وهى أيضا ترفض أى محاكمة لقادة إسرائيل أو المساس بهم، وبالتالى يظل أى إجراء من المحكمة الجنائية الدولية يحتاج إلى إرادة تنفيذية للمحكمة لكى يمكنها أن تصدر قرارا لكن للأسف المحكمة ليس لديها الآلية أو الضبطية التى تمكنها من تنفيذ عقوبة على المتهمين وستظل هذه المشكلة مع قادة إسرائيل وغيرهم ممن ارتكبوا جرائم حرب ضد الإنسانية. وهل هناك طرق أخرى لدى الشعب الفلسطينى لفضح جرائم الاحتلال؟ كما قلت يجب على الشعب الفلسطينى أن يتقدم بدعوة قضائية لدى المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل، لأن هناك أكثر من 11 آلاف شهيد منهم 4 آلاف طفل ومنهم حوالى 2500 سيدة والكثير من كبار السن بما فى ذلك قطع المياه والكهرباء والغاز بشكل جماعى وتهجير نحو مليون شخص فلسطينى من شمال القطاع إلى الجنوب، وكل هذه تمثل جرائم حرب بامتياز ويمكن إعداد ملفات موثقة لكل هذه الجرائم وعلى الشعب الفلسطينى أن يرفع دعوة لدى المحكمة الجنائية الدولية، بل ويمكن تقديمها وعرضها أمام العالم فى مجلس الأمن لفضح جرائم الاحتلال والممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى، كما يمكن أن يكون هناك محاكمات شعبية على مستوى الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامى ومنظمة عدم الانحياز والجامعة العربية، وأيضا فى الجامعات المرموقة لدى الغرب، فنحن شاهدنا مظاهرات كبيرة جدًا فى الجامعات الأمريكية والأوربية فيمكن لهذه الجامعات أن تقوم بعمل محاكمات شعبية لرموز وقادة الاحتلال الإسرائيلى المتسببين فى هذه الجرائم، وكل هذا بمثابة تجهيز الملف الأكبر عندما تعرض القضية أمام المحكمة الجنائية الدولية. منظمة العفو الدولية أعدت عريضة وقع عليها أكثر من مليون شخص حول العالم.. ما أهمية هذا فى التصدى لجرائم الاحتلال؟ بالتأكيد توقيع الملايين على عريضة تجرم إسرائيل وتدعوا لمحاكمة إسرائيل لها بعد فى الضغط على المحكمة الجنائية الدولية، بل إنها لا يمكن أن تتغاضى عن كل ذلك، فإذا كانت لم تتغاض عن نقل 30 طفلًا فى أوكرانيا تم نقلهم ولم يقتلوا فكيف لها أن تتغاضى عن كل ما جرى فى قطاع غزة كقتل أكثر من 4 آلاف طفل فلسطينى وبالتالى توقيع الملايين على هذه العريضة والخاصة بمنظمة العفو الدولية يشكل عامل ضغط على المحكمة بل يشكل دليلا أيضا لدى المحكمة بأن المليون شخص الذين وقعوا على هذه العريضة ذهبوا بإرادة خالصة ووقعوا لأنهم شاهدوا بأنفسهم انتهاكات تمس الإنسانية وهو ما دفعهم للتوقيع عليها، وبالتالى هذه العريضة أهم دليل إدانة وإثبات للجرائم التى ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطينى، وسيكون لها ثقل كبير جدا لكن دائما أخشى أن «اللوبى الصهوينى» فى المؤسسات الدولية المتغلغل فى النظم القضائية الغربية وتحديدًا الأمريكى ينجح فى منع تحقيق هذه الأهداف النبيلة ووصول هذه الجهود الضخمة إلى محطتها النهائية وهى أن نرى قادة الاحتلال الإسرائيلى سواء النخبة السياسية أو قادة الجيش وراء القضبان. من وجهة نظرك كيف ترى ما يقوم به «الاحتلال الإسرائيلى» من أعمال إجرامية بحق الشعب الفلسطينى وهل يرتقى هذا إلى الإبادة الجماعية؟ إسرائيل ارتكبت كل أنواع جرائم الحرب المنصوص عليها فى اتفاقيات «جنيف» الرابعة وتعديلاتها لسنة 1977، بل هى جرائم ضد الإنسانية وهذا أمر متفق عليه ليس فقط فى القانون الدولى ولكن حتى فى العرف والأخلاق الدولية، فلا يمكن لأى شخص أن يدعى أن ما تقوم به إسرائيل هو حق الدفاع عن النفس، وهذه نقطة فى غاية الأهمية، لأنه لا يوجد لدى إسرائيل حق الدفاع عن النفس لأنها جيش احتلال، والجيش الذى يقوم بالاحتلال ليس من حقه ولا يتمتع بحق الدفاع عن النفس، فحق الدفاع ورد فى موضعين فقط الأول من خلال المقدمة الخاصة بوثائق الأمم المتحدة والتى تم صياغتها وكتابتها فى «سان فرنسسكو» سنة 1944، والثانية من خلال المادة 51 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لكن على العكس الشعب الفلسطينى هو من وقع عليه الاحتلال وبالتالى من واجبهم أن يقوموا بعمليات المقاومة ضد جيش الاحتلال بكل الوسائل المتاحة حتى ينتهى وباعتبار أن إسرائيل آخر احتلال فى العالم كله، لدى الفلسطينيين الحق الإنسانى والأخلاقى والسياسى من أجل مقاومة هذا الاحتلال، وعلينا أن نتذكر ما قام به الشعب الأمريكى من ثورة ضد الاحتلال البريطانى واليوم ينظرون إلى الرئيس الأمريكى الأول جورج واشنطن بأنه بطل قومى وتحتفل الولايات المتحدة بعيد الاستقلال كل عام وهو استقلال عن الاحتلال، وبالتالى الولايات المتحدة قاومت بكل الوسائل المتاحة حتى طردت التاج البريطانى من أمريكا وهذا كان حق للشعب الأمريكى وهو أيضا حق للشعب الفلسطينى، ولا يمكن إنكار هذا الحق على الفلسطينيين. بالطبع الأمريكان لا يرون أى حقوق لأى شعوب غيرهم، لكن مع الضغط الدولى سوف يتحقق على الأقل الفضح العلنى للتستر الأمريكى على الجرائم الإسرائيلية وحمايتها لمجرمى الحرب وهذا مهم.