الأحد 26 مايو 2024

شركاء تصفية القضية الفلسطينية

الكاتب الصحفي عبدالقادر شهيب

21-11-2023 | 19:18

بقلم: عبد القادر شهيب
يومًا بعد آخر يتضح ما أدركته القاهرة مبكرًا جدًا وأعلنت رفضها له، وهو أن العدوان الوحشى الحالى ضد أهالى غزة هو جزء من خطة كبيرة بدأ تنفيذها، تستهدف تصفية القضية الفلسطينية تمامًا مرة واحدة بدلاً من تصفيتها تدريجيًا، وعلى مهل كما كان حادثًا خلال السنوات الأخيرة. فها هو نتنياهو يجاهر علنًا بأن حكومته تنوى إعادة احتلال غزة مجددًا والسيطرة الكاملة عليها، وتولى ما أسماه مسئولية الأمن فيها، وهو ما يعنى عمليًا استمرار الصراع المسلح فى غزة خلال المدى المنظور، وهو مناخ مشجع على النزوح لأهالى غزة بحثًا عن ملاذ آمن لهم، ليتم تنفيذ خطة تهجيرهم إلى سيناء التى ترى حكومة نتنياهو أن الفرصة مناسبة ومتاحة للتخلص من أهالى غزة بتهجيرهم قسريًا إلى مصر وتوطينهم فى سيناء، وفى ذات الوقت تتزايد الاعتداءات الإسرائيلية على أهالى الضفة الغربية وملاحقتهم واعتقال الكثير من أبنائهم مع تسليح المستوطنين فيها الذين يطالبون الآن علنًا بطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن، وبذلك يصبح كل الفلسطينيين مجموعة من اللاجئين الذين يحلمون بحلم مستحيل هو حلم العودة الذين كان يحلمه أجدادهم منذ النكبة الأولى فى 48 ولم يحققوه، وقد أفصح نتنياهو أيضًا علنًا عن رفضه لحل الدولتين الذى يقوم هو وحكوماته المتتالية على مدى سنوات عديدة مضت على تخريبه، وهو الحل الوحيد المطروح عربيًا ودوليًا والذى يتيح للفلسطينيين إقامة دولة مستقلة قنعوا بعد صراع دامٍ أن تكون على أراضى يونيو 1967، أى الضفة وغزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية، وهذا يفسر لماذا يرفض نتنياهو أن تتولى السلطة الفلسطينية مسئولية إدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، وهو الخيار الذى انتهى الأمريكان إليه، فإن نتنياهو يخطط للإطاحة أساسًا بالسلطة الفلسطينية من الضفة الغربية، بتقليص مساحة الأراضى التى تديرها وبمسارها وخنقها ماليًا، فكيف سيتيح لها أن تتولى إدارة قطاع غزة أساسًا. إذن حرب غزة الوحشية ليست حرب توفير الأمن لإسرائيل من حماس والمنظمات المسلحة الأخرى فيها، وحماية المدن الإسرائيلية مع مستوطنات غلاف غزة من هجماتها على غرار ما حدث فى السابع من أكتوبر، ولكنها بما تشهده هذه الحرب من إفراط فى التدمير والقتل والحصار والتشريد لأهالى غزة صارت تستهدف تصفية القضية الفلسطينية مرة واحدة وليس تدريجيًا كما كان حادثًا من قبل، أى أنها فرصة قرر نتنياهو أن يغتنمها لاختصار وقت تصفية تلك القضية من سنوات إلى أشهر قليلة، وهذا ما كشفته مصر مبكرًا جدًا مع الأيام الأولى لتلك الحرب، وقبل أن يبلغ التدمير هذا المدى المخيف لمنشآت ومبانٍ ومدارس ومستشفيات ومختبر غزة وبنيتها التحتية من مرافق وطرق، ولم تكتف مصر بكشف المخطط الإسرائيلى وإنما أعلنت أنها لن تسمح بتنفيذه حينما أعلنت بوضوح وحسم: لا تصفية للقضية الفلسطينية، ولا لتصفيتها تحديد على حسابنا. صحيح أن نتنياهو شخصيًا لا يضمن بقاءه فى حكم إسرائيل مستقبلاً، وهو معرض للإطاحة به من الحكم قريبًا، خاصة بعد أن يكتشف الإسرائيليون حجم الخسائر التى لحقت بهم بشريًا خلال تلك الحرب، التى رغم أنها حرب إبادة الفلسطينيين فى غزة كانت تكلفتها باعتراف الإسرائيليين أنفسهم باهظة جدًا بالمقارنة لكل الحروب السابقة التى شنتها إسرائيل على أهالى غزة منذ أن انفردت حماس بحكم قطاع غزة والسيطرة عليه، لكن المشكلة الآن لا تتمثل فى نتنياهو وحده وحكومته اليمينية المتطرفة جدًا، وإنما المزاج العام للإسرائيليين للأسف الشديد صار متطرفًا جدًا أيضًا، وهو الذى أفرخ فى نهاية المطاف مثل تلك الحكومة الموغلة فى تطرفها والتى تعتبر الفلسطينيين حيوانات بشرية تستحق السحق والإبادة ولو بقنبلة نووية للتخلص منهم. وقد شجع الدعم الأمريكى والغربى الكبير لإسرائيل فى حربها الوحشية ضد أهالى غزة على أن تمضى بخطى واسعة لتنفيذ خطتها لتصفية القضية الفلسطينية، ولذلك لا تعتد حكومة نتنياهو بالخلاف مع الأمريكان حول مستقبل غزة، ولا تكترث كثيرًا بطلب واشنطن إيضاحات حول تصريحات نتنياهو الأخيرة التى كشف فيها عن التخطيط لإعادة احتلال القوات الإسرائيلية لقطاع غزة وتحملها المسئولية الأمنية فيه، ورفضه تولى السلطة الفلسطينية مسئولية إدارة القطاع بعد انتهاء الحرب ووقف إطلاق النار، ورفضه أيضًا حتى قوات دولية فى القطاع كما اقترحت بعض العواصم الأوربية، وأن عدم اكتراث نتنياهو بانزعاج واشنطن من تصريحاته يعود إلى أنه مجرد انزعاج على الورق فقط ولم يقترن بطلب وقف الحرب، بل على العكس تمامًا ما زال الأمريكان يدعمون استمرار هذه الحرب، رغم المنحى الخطير الذى اتخذته مؤخرًا باستهداف المستشفيات، ولا يطرحون حتى بعد قمة الرياض سوى هدنة إنسانية لبضعة أيام قليلة يتم خلالها تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس تنفيذًا لأول اتفاق يتم التحضير والإعداد له الآن برعاية أمريكية، وهذا يعنى أن أمريكا والغرب شركاء مع إسرائيل فى خطة تصفية القضية الفلسطينية، وإن أنكروا ذلك، ومع ذلك فإن دماء الفلسطينيين المنهمرة الآن على أراضى غزة هى التى ستجهض تنفيذ هذه الخطة. تصفية القضية الفلسطينية هو ما كشفته مصر مبكرًا جدًا مع الأيام الأولى لتلك الحرب، وقبل أن يبلغ التدمير هذا المدى المخيف لمنشآت ومبانٍ ومدارس ومستشفيات غزة، ولم تكتف مصر بكشف المخطط الإسرائيلى وإنما أعلنت أنها لن تسمح بتنفيذه حينما أعلنت بوضوح وحسم: لا تصفية للقضية الفلسطينية، ولا لتصفيتها تحديد على حسابنا