السبت 18 مايو 2024

ما بعد القمة العربية الإسلامية مسارات واتجاهات الحركة المصرية لحل أزمة غزة مواقف إقليمية ودولية مرتبكة.. ومصر

صورة أرشيفية

21-11-2023 | 19:39

بقلـم: د. طارق فهمى
حددت مصر فى القمة العربية الإسلامية أسس التعامل مع أزمة غزة مع استمرار المشهد الراهن فى القطاع، من خلال إدانة استهداف وقتل وترويع جميع المدنيين من الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى وجميع الأعمال المنافية للقانون الدولي، والقانون الدولى الإنسانى مع التأكيد من جديد على أن سياسات العقاب الجماعى التى تقوم بها دولة الاحتلال ضد أهالى غزة، من قتل وحصار وتهجير قسرى غير مقبولة ولا يمكن تبريرها بالدفاع عن النفس ولا بأية دعاوى أخرى، وينبغى وقفها على الفور مع دعوة المجتمع الدولي، ولا سيما مجلس الأمن بتحمل مسئولية مباشرة للعمل الجاد والحازم لتحقيق الوقف الفورى والمستدام لإطلاق النار فى القطاع بلا قيد أو شرط، ووقف كل الممارسات التى تستهدف التهجير القسرى للفلسطينيين إلى أى مكان داخل أو خارج أرضهم. واضطلاع المجتمع الدولى بمسئوليته لضمان أمن المدنيين الأبرياء من الشعب الفلسطيني. وضمان النفاذ الآمن والسريع، والمستدام، للمساعدات الإنسانية وتحمل إسرائيل مسئوليتها الدولية، باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال والتوصل إلى صيغة لتسوية الصراع، بناء على حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967. وعاصمتها «القدس الشرقية»، وإجراء تحقيق دولى، فى كل ما تم ارتكابه من انتهاكات ضد القانون الدولى. رسالة مصر واضحة تماما وتم التعبير عنها فى القمة العربية الإسلامية على لسان الرئيس السيسى وفى ظل ما يجرى من تطورات دراماتيكية وفى الوقت الذى لا تزال الحكومة الإسرائيلية مصممة على استمرار المواجهات العسكرية، والإعلان عن استمرار مخططها فى قطاع غزة ونشر الخطط الاستراتيجية على الهواء مباشرة على لسان رئيس الأركان وزير الدفاع الإسرائيلى وقادة الحرب وخاصة من المسئولين فى الحكومة العسكرية، وأغلبهم دخل من قبل فى مواجهات غزة ولديه خبرة كبيرة فى إدارة الملف، وإن كان الأمر مختلفا فى هذه المرة فى ظل ما يجرى من تطورات مفصلية فى تاريخ المواجهة، حيث يلاحظ ومنذ بدء المواجهات للوقت الراهن أن مجلس الأمن قد فشل فى استصدار قرار بوقف إطلاق النار نتيجة للصراع الراهن بين الصين وروسيا من جانب والولايات المتحدة وبريطانيا من جانب ثان، والتحركات الفرنسية العربية التى تعمل فى اتجاه مختلف من جانب ثالث، واتجهت المجموعة العربية فى مجملها إلى الجمعية العامة وليس إلى مجلس الأمن فقط (وبالفعل صدر القرار الخاص بالجمعية العامة للأمم المتحدة وفقا لمشروع القرار العربى بشأن وقف العنف فى قطاع غزة، ويدعو القرار إلى «هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تفضى إلى وقف الأعمال العدائية»، ويطالب جميع الأطراف بالامتثال الفورى والكامل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، وتمكين وتسهيل الوصول الإنسانى للإمدادات والخدمات الأساسية إلى جميع المدنيين المحتاجين فى قطاع غزة، كما لم تنجح الجامعة العربية فى تحريك الموقف على مستوى دول الإقليم فقط، الأمر الذى دفع الرئيس محمود عباس إلى الدعوة لقمة عربية عاجلة، واستمرت الاتصالات الأمريكية العربية والتى من أهمها التنسيق فى ملف تحرير الأسرى والرهائن إضافة لتكثيف الاتصالات الدبلوماسية بين مصر والعديد من الدول والقوى الدولية وفى مقدمتها الولايات المتحدة حيث جرت الإتصالات على المستوى الرئاسى، بين الرئيس السيسى و جو بايدن، كما دخلت بعض الأطراف مثل فرنسا التى دعت لعقد مؤتمر باريس لسلام الشرق الأوسط، وكذلك الحضور الروسى فى الملف من خلال التواصل مع حركة حماس بصورة مباشرة، كما بدأت الصين سلسلة من التشاورات مع دول الإقليم الرئيسية. تحركات مناوئة اللافت أيضا قيام الحكومة الإسرائيلية بالهجوم على الأمين العام للأمم المتحدة جوتيريش والمطالبة باستقالته، خاصة بعد إلقاء كلمته فى معبر رفح ومطالبته الحكومة الإسرائيلية بوقف الممارسات بحق المدنيين واستهداف المنشآت المدنية والمستشفيات، وأطلقت السلطة الفلسطينية مسارا سياسيا يؤكد أن قطاع غزة ما زال يحظى بدعم وتمويل السلطة منذ أكثر من 30 عاما، مما يشير إلى رغبة السلطة فى لعب دور محتمل فى قطاع غزة فى الفترة المقبلة. ويلاحظ أن سلوك حركة حماس قد ارتبط طوال الفترة الماضية بالتركيز إعلاميا على وقف إطلاق النار مقابل الإفراج عن بعض الأسرى والرهائن الأجانب، دون تحديد للعدد مع العمل على استمرار المفاوضات غير المباشرة مع الجانب الإسرائيلى من خلال التحركات المكثفة من مصر بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة، كما بدأ ظهور متوازن لبعض القيادات السياسية التى كانت مختفية، مثل خالد مشعل ومحمود الزهار ومحمد نزال، بما يشير إلى رغبة المستوى السياسى للحركة فى العودة للمشهد و التواجد وملء الفراغ الناتج عن اختفاء البيانات العسكرية. التوجهات العسكرية انخفض بصورة واضحة خلال الأيام الماضية استخدام الصواريخ واستهداف المناطق المتماسة، سواء فى منطقة غلاف غزة، أو ما يجاورها أو المدن ذات البعد الاستراتيجى أو المناطق الصناعية ما يؤكد على تحسب لافت من حركة حماس، إما للاحتفاظ بالمخزون الاستراتيجى للصواريخ لمواجهات قد تطول فى حال استمرار استهداف القطاع، وعدم توقف إطلاق النار، وإما لقرار داخلى لم يُعلن بعد. إضافة إلى عدم تفعيل غرفة المقاومة المشتركة والتى كانت تتم فى كل المواجهات السابقة بما فيهما المواجهتان الأخيرتان التى لم تشارك فيها حركة حماس، كما توقف إطلاق الصواريخ من الفصائل الفلسطينية الأخرى، ومنها الجهاد الإسلامى والجبهتان الشعبية والديمقراطية وكان ملاحظا أيضا أنه لم يتم التنسيق بين السلطة الفلسطينية وبين حركتى حماس والجهاد الإسلامى طوال الفترة الماضية، وفى ظل تركيز السلطة الفلسطينية ورئيس الوزراء محمد اشتيه على ما تقوم به السلطة الفلسطينية من أدوار شاملة تجاه قطاع غزة. مخطط متكامل وفى المقابل، فإن الوضع داخل الحكومة الإسرائيلية مستمر فى حالة تجاذب عسكرى من خلال تصعيد دور مجلس الحرب على الأولويات التى يمكن العمل عليها (استمرار العمليات العسكرية فى شمال القطاع وتأمينه بإقامة مناطق معقمة – إنشاء منطقة عازلة محددة المساحة – إقامة 55 كانتونا فى القطاع بهدف توفير الأمن لسكان منطقة الغلاف، كما استمرت الخلافات بين المستويين السياسى والعسكرى حول ما يتم من إجراءات واتهام المستوى السياسى بأن مجلس الحرب يعمل بمفرده، ولا يفكر إلا فى الخيارات العسكرية البحتة، وليس لديه رؤية شاملة وتكثف التنسيق العسكرى اللافت بين إسرائيل والولايات المتحدة والذى تجاوز الدعم العسكرى المباشر وإرسال الحاملات الأمريكية تباعا، وإنما التجاوب مع مطالب إسرائيل بطلبات محددة باعتبارها عضوا فاعلا فى القيادة المركزية الأمريكية، مما يتطلب الحصول على مزايا الدولة العضو من خارج الناتو، وأقدمت الحكومة الإسرائيلية على تركيز مجمل حركتها على استمرار الدعم الأمريكى الغربى وحشد أكبر عدد من الدول الداعمة والمؤيدة للموقف الإسرائيلى، سواء بتكثيف الإتصالات أو الضغط الأمريكى أو استخدام الوسائل الإعلامية لدعم موقفها وتوظيف ورقة الرهائن الأجانب للتأكيد على ما تقوم حركة حماس من ممارسات غير أخلاقية وإن كان هناك تخوف إسرائيلى من التحول فى بعض مواقف الدول الأوروبية نتيجة للتظاهرات التى شهدتها بعض العواصم الأوروبية بشكل متزايد خلال الأيام الماضية وكلها تطالب بحماية الأبرياء الفلسطينيين وخاصة الأطفال ، والمطالبة بوقف إطلاق النار والإفراج عن المعتقلين وفى ظل وجود تيار إعلامى وشعبى فى إسرائيل يتبناه أسر الرهائن والأسرى الإسرائيليون، والذين يطالبون بالضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف إطلاق النار والدخول فى مفاوضات جدية بهدف الإفراج عن المعتقلين، وهو ما سيمثل ضغطا حقيقيا على الحكومة الإسرائيلية وشخص رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو، حيث ستشكل تيارا داخل مكونات الائتلاف الحكومى الراهن بأن استمرار رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو فى موقعه – وأيا كان ما ستنتهى إليه الأوضاع فى مواجهة غزة الراهنة - سيضر بوضع إسرائيلى كدولة مقبولة فى البيئة الإقليمية الراهنة، وامتد ذلك داخل الى الليكود خاصة مع التوقع بأنه ستجرى تحقيقات رسمية بشأن التقصير الذى جرى داخل أجهزة المعلومات بعدم توقع ما جرى فى 7 أكتوبر الجاري، عملية طوفان الأقصى. سيناريوهات مفتوحة تبقى سيناريوهات عدة مطروحة بعيدا عن التقييمات السياسية والاستراتيجية والمرتبطة بمحاولات نقل الأزمة بكل تفاصيلها إلى أطراف أخرى، ومنها مصر والأردن مع طرح دور إلى السعودية أو قبرص فى إطار مشاهد أخرى، وهو ما برز فى إعلان قبرص أنها تجرى محادثات مع أطراف فى الشرق الأوسط والاتحاد الأوربى بشأن اقتراح لها بإنشاء ممر للمساعدات الإنسانية من الجزيرة إلى غزة ومن خلال تكثيف الاتصالات الدبلوماسية مع دول المنطقة والاتحاد الأوربى والأمم المتحدة حتى يصبح هذا الممر الإنسانى بالغ الأهمية ممكنا وقبرص هى أقرب أعضاء الاتحاد الأوربى إلى غزة، وتبعد حوالى 370 كيلومترا فقط إلى الشمال الغربى من القطاع فى أقرب نقطة. والمعنى أن هناك بدائل أخرى خارج البدائل المتعارف عليها إضافة إلى الدعوة إلى إقامة «ممر آمن» بين الضفة الغربية وقطاع غزة سيمر بين حاجز أبرز فى شمال قطاع غزة ويصل إلى قرية ترقومية جنوب جبل الخليل. وهناك ثلاثة بدائل مطروحة من أجل إقامة «ممر آمن» يضمن أمن الإسرائيليين، من بينها شارع تحت الأرض، أو شارع يمر فى منطقة «كريات غات» تحت الحراسة، أو خط مباشر من غزة إلى الضفة. وإلى حين الاتفاق على ما سيجرى، فإن إسرائيل ستقدم سيناريوهات أهمها إقامة مناطق معقمة فى شمال الضفة – إقامة منطقة عازلة فى وسط إلى الجنوب – تقطيع القطاع إلى كانتونات محددة حسب مسار العمليات العسكرية) والإعلان عن تنفيذ المراحل الثلاث التى تقوم بها إسرائيل رسميا وذلك فى ظل رؤى متداخلة منها وضع القطاع تحت الائتمان الدولي، أو إدخال قوة مراقبة دولية مع تغيير البعد الديمغرافى فى القطاع وزحزحة حضور بعض الفصائل باتجاه مصر واحتلال مساحات من قطاع غزة، عبر استراتيجية إسرائيلية بشطر القطاع وتجزئته. لكن كل هذه السيناريوهات تواجه بموقف واضح من مصر وهو ألا تمس من قريب أو بعيد جوهر القضية الفلسطينية أو تؤدى إلى تصفيتها، أو تهجير أهلها، أو تمس الأمن القومى المصرى لأنه فى كل الحالات لن يكون ذلك مسموحا به، وهذا ما تدركه إسرائيل وكل القوى الدولية وتقر به مثلما تقر بالدور المصرى الرئيسى فى ملف المساعدات وكذلك أنه لا بديل عن القاهرة كطرف أساسى فى الحل عاجلا أو أجلا لأنه لا بديل لها، ولهذا فالقول الفصل إنه مع وجود مواقف إقليمية ودولية مرتبكة وتحركات متناقضة تظل مصر هى الدولة الموجودة فى بؤرة التحركات الراهنة واللاعب الأساسى والتى يراهن عليه الجميع فى أى سيناريوهات للمستقبل.