السبت 11 مايو 2024

جميع الحقوق وليس بعضها

الكاتب الصحفي حلمى النمنم

21-11-2023 | 19:43

بقلم: حلمى النمنم
العالم بحاجة إلى أن يسمع ويجب أن ينصت جيدًا لهذه الجملة جميع الحقوق وليس بعضها، العالم المتحضر يتعامل مع القضية الفلسطينية منذ ثمانية عقود، وفق قاعدة بعض الحقوق وليس جميعها، لا يمكننا أن نقول بدقة بعض الحقوق، لكنه كان يتعامل مع حق واحد. يتعلق بقضية اللاجئين حينا أو حق سكان المخيمات فى ماء نظيف وغذاء يتوفر، فتتدخل المنظمات الدولية بمعونات غذائية حينا أو إقامة مدرسة هنا أو هناك وربما مستشفى أو مستوصف وهكذا.. باختصار بعض المسكنات لضرورة الحياة للأفراد، لكن الحق فى وطن آمن ودولة مستقلة ذات سيادة لم يكن واردا ولا حتى على مستوى التصريحات الرسمية العابرة، تلك القضية لم تكن موجودة فى الذهن والتفكير، الحق فى الكرامة الإنسانية وحرية الحركة.. كل هذه الحقوق البسيطة والبديهية لكل إنسان لم تكن واردة لدى صناع القرار فى الغرب. أهمية كلمة مصر فى قمة السبت، والموقف المصرى كله منذ يوم 7 أكتوبر 2023، هو أن الولايات المتحدة وإسرائيل أرادتا أن تحاصرا الوعى العالمى فى قضية جزئية، هى الإفراج عن المواطنين الأمريكيين تحديدًا المختطفين لدى حماس. ولا شك فى أهمية تلك القضية لكنها مجرد تفصيلة فى قضية أكبر، أم القضايا هى أن فلسطين بلد يخضع للاحتلال العسكرى الإسرائيلى منذ سنة 1967، ولا أمل فى جلاء هذا الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، أى شعب يخضع للاحتلال يقاوم، ويقدم التضحيات، الشعب المصرى قاوم الاحتلال البريطانى لمدة 73 عامًا حتى تم الجلاء التام سنة 1956، جنوب إفريقيا قاومت التفرقة العنصرية، حتى تحقق للشعب ما أراده على يدى نيلسون مانديلا وديكليرك، الشعب الفلسطينى لا يختلف عن بقية الشعوب، لذا يناضل.. منذ منظمة فتح، ثم بانتفاضة الحجارة، ولما لم يجد ذلك كله، كانت المقاومة المسلحة ومن ثم ظهرت حماس والجهاد وبقية الفصائل، الأصل ليس حماس ولكن الاحتلال، ولدت حماس سنة 1987، لكن قبلها كانت هناك مقاومة مستمرة منذ أحداث البراق أو ثورة البراق سنة 1929 ثم الثورة الفلسطينية الكبرى سنة 1936، وهكذا إلى يومنا هذا. وفى سنة 1994 توصلت منظمة التحرير إلى اتفاق سلام مع إسرائيل، أطلق عليه اتفاق أوسلو، لكن لم ينفذ وتم تجميده، لأن إسرائيل لا تريد إنهاء الاحتلال لفلسطين، ثم راحت تلتهم الأراضى الفلسطينية باسم المستوطنات. ومنذ يوم 7 أكتوبر الماضى تعاملت مصر والرئيس عبدالفتاح السيسى مع الأزمة فى جذورها وإطارها الأوسع وهو استعادة جميع الحقوق، وليس حقا واحدا، الحلول الجزئية لا تنهى مشكلة، فقط تؤجل الانفجار وتسكن الأزمة والألم، لكن العلاج الجذرى، تلخص كلمة مصر وكلماتها منذ يوم 7 أكتوبر. حمل الرئيس فى القمة برنامجا من ست نقاط أو بنود، كفيلة بإنهاء الأزمة من جذورها، وليس كما يحدث الآن، إسرائيل ومعها الولايات المتحدة تتبنى فقط قضية استعادة الرهائن ثم إيصال المساعدات وبعدها بحث وقف إطلاق النار، وهذا إن تحقق يعنى انتظار مزيد من المعارك والتدمير والدماء.. فضلا عن تجدد اختطاف رهائن وهكذا، حلقة جهنمية لم تتوقف منذ أكثر من سبعة عقود. وقد لا تكون مصادفة أن إسحق رابين الذى وقع فى البيت الأبيض على اتفاقية أوسلو مع الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات وبحضور الرئيس الأمريكى بيل كلينتون تم اغتياله برصاص شاب إسرائيلي، اعتبر الاعتراف بالحق الفلسطينى خيانة، الجناح الذى نفذ اغتيال رابين هو الذى يسيطر على السياسة الإسرائيلية من يومها، إنكار الحق الفلسطينى فى دولة مستقلة والعيش فى سلام، أما الزعيم الفلسطينى ياسر عرفات فقد مات بعدها، وعلى الأغلب مات مسمومًا.. باختصار لا يريدون السلام ولا الدولة الفلسطينية. لم يكن الاغتيال متعلقًا بشخص رابين ولا عرفات، لكن بالمنهج نفسه، سرعان ما استبدلت النظرية التى كانت قائمة منذ سنة 1967 وهى الأرض مقابل السلام، لتصبح السلامة مقابل السلام، وعملت الإدارات الأمريكية المتتابعة على دعم ذلك الاتجاه، خاصة إدارة ترامب ثم الإدارة الحالية، وهذا هو محور الأزمة.. وكل ما نراه تداعيات لها. جيش الدفاع الإسرائيلى، هو الجيش الوحيد بعد الجيش الأمريكى الذى يمتلك طائرات «إف 35»، ولما طلبت تركيا وهى عضو فى حلف الناتو شراء هذه الطائرات ودفعت الثمن رفضت الولايات المتحدة، ولما طلبت الإمارات العربية كذلك شراءها رفض طلبها بدعوى أن ما فيها من تجهيزات وأنظمة تدخل فى باب السرية، حتى على دول حلف الناتو، ومنها تركيا.. لكن الجيش الإسرائيلى يمتلك سربين منها وتعاقد على سربين جديدين أحدث، هو كذلك الجيش الوحيد الذى يمتلك سلاحًا نوويًا فى المنطقة، ومع كل هذا التسليح وتلك القوة فإن حق الفلسطينيين لم يسقط، وحقهم فى مقاومة الاحتلال لم يتراجع، لم تخفهم تلك الأسلحة ولا قوتها النيرانية، الكرامة الإنسانية تتحدى حتى القنبلة النووية.. لكن إسرائيل وكذلك الولايات المتحدة لا يدركان ذلك، ولذا كان الرئيس السيسى محقا ولعلمهم ينتبهون حين طالب فى كلمته أمام القمة بضرورة «معالجة جذور الصراع وإعطاء الحق لأصحابه كسبيل وحيد لتحقيق الأمن لجميع شعوب المنطقة، التى آن لها أن تحيا فى سلام وأمان دون خوف أو ترويع ودون أطفال تقتل أو تيتم ودون أجيال جديدة تولد، فلا تجد حولها إلا الكراهية والعداء». القضية هنا ليست فلسطينية فقط ولا عربية أو إسلامية، لكنها قضية العالم كله إنسانية تماما، خاصة أن بين الرهائن المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية أفرادا من معظم أنحاء العالم، فيهم الروسى والفرنسى والأمريكى والألمانى والإنجليزى وغيرهم هؤلاء جميعا جاءوا من كل فج، إلى فلسطين، وفق قانون إسرائيلى وهو حق العودة، الذى يجيز لأى يهودى فى العالم أن يتجه إلى إسرائيل ويحصل تلقائيا على جنسيتها؛ ثم تدفع به إسرائيل إلى الأراضى المحتلة؛ وهكذا فعليًا وعمليًا يشارك العالم كله فى احتلال فلسطين؛ وهنا كانت كلمة مصر دقيقة جدًا، قال الرئيس فليتحد العالم كله حكومة وشعوبًا لإنفاذ الحل العادل للقضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال. أثبتت الأحداث الأخيرة أن القوة العسكرية المفرطة لا تضمن بقاء الاحتلال ولا دوامه؛ وأن الضعيف مهما بلغ ضعفه قادر على المقاومة واستحداث أساليب للتحرر، حدث ذلك مرارًا فى التاريخ، فيتنام بكل ما كانت فيه من فقر وضعف لم تتردد فى مقاومة الغزو الأمريكى وهزيمته؛ وفى النهاية اضطرت أمريكا للتفاوض للخروج من فيتنام؛ شهرة كيسنجر العالمية جاءت من نجاحه فى مفاوضات للخروج الأمريكى الآمن من المستنقع الفيتنامى؛ ولما تقدم بيل كلينتون لخوض الانتخابات الرئاسية فى أمريكا سنة 1992؛ كان من بين مسوغاته أمام الرأى العام أنه لم يشارك فى حرب فيتنام، وتكرر المشهد بشكل آخر فى أفغانستان منذ سنة 2001 وحتى مجيء الرئيس بايدن إلى الرئاسة وقبلها العراق.. الاحتلال إلى الزوال؛ لم يدم الاحتلال فى أى بلد؛ حتى لو طالت سنواته. إسرائيل تدرك ذلك كله، لذا فإنها تسعى إلى إفناء الشعب الفلسطينى وإلغاء وجوده؛ بتذويبه فى هجرات قسرية جماعية وعمليات إبادة منظمة؛ لذا حاولوا الشهر الماضى طرد أكثر من مليون فلسطينى من غزة إلى سيناء أو إلى داخل مصر؛ والمشكلة أن الولايات المتحدة باركت هذا التفكير، وذلك التخطيط؛ لكن مصر رفضته بقوة؛ وعقد مؤتمر سلام فى القاهرة يوم 21 أكتوبر كان الهدف فى تحويل الرفض المصرى إلى رفض جماعى ودولى. سوف يذكر التاريخ لمصر الدولة والشعب والقيادة، خاصة الرئيس السيسى هذا الموقف، رفض التهجير القسرى للفلسطينيين إلى سيناء والتصدى لغباء وتآمر جماعة «افتحوا المعبر»، شعار ظاهره الانتصار للقضية، لكن الهدف البعيد – سواء بقصد أو عن غير قصد – تنفيذ المشروع لإسرائيل منذ عقود بعيدة، وهو طرد الفلسطينيين من وطنهم، لتحقيق مقولة «أرض بلا شعب». فى سنة 1948 أثارت إسرائيل الذعر بين الأهالى فى فلسطين، فهاجر عشرات الآلاف منهم، قبل مهلة يوم أو يومين على الأكثر، لكن لم يعودوا إلى اليوم، رغم صدور قرار من الأمم المتحدة لهم بحق العودة، لقد بلغ عدد هؤلاء المهاجرين الآن أكثر من 750 ألف مواطن ومواطنة، وتصر إسرائيل على عدم عودتهم، لأن ذلك يهز الديموجرافيا السكانية داخل إسرائيل، كانت الخطوة الجديدة تهجير أهالى غزة وجعلها منطقة خالية، لكن مصر تصدت بقوة وشجاعة. درس الحرب الأخيرة يؤكد المعنى التاريخى؛ وهو أن القوة العسكرية مهما تعاظمت لا تضمن دوام الاحتلال؛ الجيش الإسرائيلى لديه أحدث الأسلحة؛ الولايات المتحدة دفعت قواتها إلى المنطقة؛ جنود المارينز؛ حوالى ألفين منهم تواجدوا، بالإضافة إلى أنظمة الصواريخ الحديثة، وأكبر حاملة طائرات وغواصة نووية لدى الجيش الأمريكي؛ بل إن الرئيس بايدن حضر بنفسه اجتماع مجلس الحرب الإسرائيلى ثم حضره وزير الدفاع الأمريكى وقائد القوات البرية؛ كل ذلك لم ينه المقاومة الفلسطينية؛ وكل هذا لن يجبر شعبا مقهورا على قبول الاحتلال. الإدارة الأمريكية تبحث وتضغط فى سبيل هدنة إنسانية؛ لعدة ساعات فى اليوم بالنسبة لبعض المناطق؛ لكنها لا تضغط لوقف القتال؛ المسألة أكبر من ذلك؛ وهى إنهاء الاحتلال، وبتعبير الرئيس السيسى؛ أن يحصل الشعب الفلسطينى على حقوقه.. جميع الحقوق لا بعضها؛ غير ذلك سوف ينفجر القتال بين لحظة وأخرى.