الإثنين 17 مارس 2025

ثقافة

حكايات على ألسنة الحيوانات «كليلة ودمنة» (17ــ30)| قصة «مكيدة الضبع»

  • 17-3-2025 | 10:56

كليلة ودمنة

طباعة
  • فاطمة الزهراء حمدي

يُعَدُّ كتاب «كليلة ودمنة» من أشهر الكتب العالمية التي تحمل بين طياتها عالماً واسعًا من الحكايات والحكم. يضم الكتاب مجموعة متنوعة من القصص التي ترجمها عبد الله بن المقفع من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية في العصر العباسي، وتحديدًا في القرن الثاني الهجري، مضيفًا إليها أسلوبه الأدبي المميز. ويُجمِع العديد من الباحثين على أن أصل الكتاب يعود إلى التراث الهندي، حيث تُرجم في البداية إلى الفارسية، ثم نقله ابن المقفع إلى العربية بأسلوبٍ راقٍ ومبدع.

يُروى أن سبب تأليف «كليلة ودمنة» يعود إلى رغبة ملك هندي يُدعى دبشليم في تعلم الحكمة بأسلوب مشوّق ومسلٍ، فطلب من حكيمه بيدبا أن يضع له هذا الكتاب، فجاءت الحكايات في قالبٍ أدبي رائع استخدم فيه بيدبا أسلوب الحكايات على لسان الحيوانات، لتقديم دروسٍ أخلاقية وحِكَمٍ إنسانية خالدة.

أصبحت النسخة العربية من «كليلة ودمنة» محطةً هامةً في تاريخ الأدب، حيث أسهمت بشكل كبير في انتشار الكتاب وترجمته إلى العديد من لغات العالم. ويصنّفه النقاد العرب القدامى ضمن الطبقة الأولى من كتب الأدب العربي، ويعدونه واحدًا من أبرز أربعة كتب مميزة. يتألف الكتاب من خمسة فصول تحتوي على خمسة عشر بابًا رئيسيًا، تتناول قصصًا تراثية تعكس تجارب البشر من خلال حواراتٍ شيقة على ألسنة الحيوانات.

تُقدّم بوابة «دار الهلال» لقرائها طوال شهر رمضان المبارك لعام 1446 هـ حكاياتٍ يومية من كتاب «كليلة ودمنة»، في إطار سلسلةٍ مميزة تستعيد من خلالها عبق التراث الأدبي. وتُقدَّم اليوم قصة بعنوان «مكيدة الضبع»، لتستمر الرحلة الممتعة مع عالم الحكايات والحكمة.

وجاء بالقصة: زعموا أنه كان هناك رجلًا غنيًا يعيش في قديم الزمان، يعمل في رعاية قطيع من الإبل والأبقار والأغنام، وكان من ضمن تلك المواشي ثوران قويان، وذات يوم قرر هذا الرجل مغادرة مسكنه وقريته بصحبة قطيعه للإقامة في بلد جديد، وأثناء رحلة السفر وبينما هم في منتصف الطريق، هطلت عليهم الأمطار بشدة لتحول الأرض التي يسيرون عليها الى برك من المياه والوحل.استمر الرجل يسير بقطيعه وسط الوحل إلى أن غاصت أقدام أحد الثيران في الوحل.

قام الرجل بمحاولات عديدة لإخراج ثوره ولكن جميعها فشلت، فقرر ترك الثور وترك معه أحد الخدم لعله يستطيع إخراج الثور واللحاق بهم فيما بعد عندما يجف الوحل، ولكن الخادم لم يكن له من الصبر ما يجعله ينتظر جفاف الوحل فترك الثور وعاد إلى الرجل وقال له أن ثوره قد مات في الوحل، وفي أثناء ذلك أخذ الثور يضرب بأقدامه محاولاً الخروج من مأزقه الذي تُرك فيه وحيداً، حتى نجح الثور في الخروج.

في تلك المنطقة نمت الكثير من الأعشاب فذهب الثور يتجول بين العشب ويأكل منه وهو يُخرج خوراً شديداً، فسمع هذا الصوت أسداً كسولاً كان يعيش في تلك المنطقه، وقد عرفت عنه جميع الحيوانات كسله الشديد فكانوا يقومون على خدمته ومن بينهم أحد الضباع.

عندما سمع الأسد صوت الثور أثاره الخوف، وأرسل الضبع ليستطلع مصدر ذلك الصوت الغريب ويأتيه بالخبر اليقين، ذهب الضبع بالفعل فرأى الثور وهو يأكل من العشب في هدوء ثم اقترب منه عندما تيقن أنه مسالم ، وقال له: كيف لك أن تدخل هذه المنطقة دون أن تأتي لتبلغ ملكنا التحية؟ كيف لك أيضاً أن تتجرأ وتزعجه بتلك الأصوات التي تصدر منك؟ فقال الثور: لم أكن أعلم من قبل أن للحيوانات ملكاً، سأذهب إليه في الحال لأصحح خطأي وأطلب منه السماح، وبالفعل ذهب الثور إلى الأسد وألقى عليه التحيه واعتذر له، وعندما تحدث الأسد إلى الثور أعجب بحكمته ونضج تفكيره، وأخذ يستشيره في العديد من الأمور التي كان الثور يظهر فيها رجاحة عقله وتفكيره.

مع مرور الوقت توطدت علاقة الثور بالأسد ملك الغابة، وأصبح الثور هو الصديق المقرب للأسد في الوقت الذي قام الأسد فيه بإبعاد الضبع عنه شيئاً فشيئاً، شعر الضبع بالضيق والغيرة من ذلك الثور الذي أخذ مكانته لدى الأسد، وقرر في الحال التفكير في خطة للإيقاع بين الثور والأسد، ذهب الضبع إلى الأسد وأخبره بأنه قد سمع الثور وهو يتآمر مع بعض الحيوانات لقتله، أراد الملك أن يتيقن من هذا الكلام فطلب من الضبع الدليل القاطع على ذلك، فقال له الضبع: دليلي هو أنك عندما تدخل على الثور ستجده ذائغ العينين وفي غاية التوتر والقلق ووجهه لونه أصفر وكثير التلفت يميناً ويساراً، وهو ما يؤكد خوفه منك لأنه يخطط لقتلك.

في الحال خرج الضبع من عند الأسد وذهب مسرعاً إلى بيت الثور وقال له إنه سمع الأسد وهو يقول أن الثور قد سمن جداً وأصبح من المحبب أكله، فسأله الثور : وما دليلك على هذا الحديث؟، قال الضبع: إذا دخلت على الأسد ستجده على وضع الاستعداد لقتلك متحفزاً واقفاً على قدميه الأماميتين. وبالفعل دخل الثور على الأسد فوجده على الوضع الذي وصفه له الضبع، فأسرع الثور وانقض على الأسد وأخذا يتصارعان حتى قتل الأسد الثور. فرح الضبع بنجاح خطته وإبعاد الثور عن طريقه، ولكن بعد فترة عرف الأسد معلومات عن أن الضبع هو صاحب تلك المكيده التي انتهت بمقتل الثور المسكين، فأمر جنوده بقتل الضبع جزاءاً له عن فعلته.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة