الخميس 16 مايو 2024

الإرهاب والمتنور العربى

نزار السيسى

27-11-2023 | 20:44

بقلـم: نزار السيسى
مصطلح الإرهاب عليه أن يكفّ على أن يكون مصطلحاً محرماً أو صندوقاً مغلقاً مجرد الخوض فيه يعتبر جريمة، حان أوان تفكيكه سوسيولوجيّاً وفلسفيّاً وسياسيّاً وعسكريّاً والكفّ عن الزجّ به فى خانة عقائدية مغلقة، إذ من المستحيل أن يظلّ مكتوف الأيدى شعبٌ محتلّ ومقتّل ومهجر محاصر على مدى عقود طويلة، محروم من تأسيس دولة معترف بها فى الهيئات الدولية الرسمية، محروم من الغذاء والدواء والشغل والتنقل، تواطأ المطبعون مع الاحتلال من معظم قادة العالم، كى يحرموه من حياة كريمة وآمنة، ليس هذا فحسب بل كى يُقدّم فيما بعد قرباناً للبشرية جمعاء بجريمة جاهزة سلفاً. ادعاءات تُطبخ بالكونجرس بناءً على المصلحة الأميركية فقط، وتفرض على العالم إعلاميا وقانونياً؛ بوش إنساني.. بوتن إرهابى، صدام إرهابى .. أولبرايت إنسانية، ومقولتها الشهيرة قتل مليون طفل عراقى ليس مشكلة وآلاف الأمثلة التى لا حصر لها. يسقط المثقف التنويرى فى نوع من البؤس المنهجى، فبينما يعتقد أنه يسعى لتحريرنا من التطرف والإرهاب الإسلامى لا يستطيع أن يحرر نفسه من جهاز تفكير مستعار من الاستعمار ومن خطاب عملت على ترديده كل أجهزة الاستشراق . ‏اكتشفت أن المتنور العربى يعانى من بؤس مزدوج لأن همه هو البحث عن الفكر المعتدل الذى يوافق الجهاز المفاهيمى الليبرالى الغربي. يظهر هذا ليس فقط فى نكران جزء من الذات وجلْدها بل فى الموقف من الشرق، كل الشرق كالصين و«روسيا» بمعنى كل ما هو مناقض للغرب. ‏وأخيرا هذا البؤس المنهجى قد يسقط فى خلل منطقى حين يردد أن الإرهاب خاصية عربية إسلامية ويستشهد بماضى قطع الرءوس وهذا صحيح، لكن لا تعتقد أن الأقوام الأخرى كانت توزع الورود بينما تتغافل عن المجازر الآنية التى تنفذها آلة الحرب «الغربية» والصهيونية فى حق العرب والمسلمين !! ‏لعله ليس خللا منطقيا فقط من خلال ما سمعته مؤخراً فى إحدى المساحات يظهر لى أنه حالة نفسية قد أسميها التذلل للقوى ومحاولة الإمساك بذيله والانفصال عن المهزوم للتخلص من عار الهزيمة. ‏الإرهاب ليس ظاهرةً تأتينا من الماضى، بل هى ظاهرة ولدت مع الحداثة نفسها، ‏الحداثة بما تمتلكه من ترسانة تكنولوجية، وبقيامها على مجتمعات الاستهلاك فرضت على البشر شكلاً آخر من الحياة، فحوَّلتهم إلى أفراد هشين سلبيّين واستهلاكيّين ونرجسيّين، الأفراد فى ظلّ الإمبريالية العالمية يشعرون بنوعٍ من الهشاشة الوجودية ومعها فى الحالة الإسلامية جرح الكرامة والهوية. ‏ الإرهاب جزء من أجندات عالمية، وليس مجرد عطبٍ فى الذاكرة العربية الإسلامية.. صحيح أن الإرهابى يتعرض لمسخ إنسانيته عبر استغلال خطاب مخدر مستقى من جهل أعمى لكن لا يمكن أن ننسى أن هدم الدول بفعل الاستعمار هو ما سهَّل انتعاش الجماعات الإرهابية،‏ كان أول ما فعلته أمريكا فى العراق هو حل الجيش العراقى وكل المؤسسات لتلتقى أهدافها مع أهداف الإرهاب.. كلامى ليس تبريرا للإرهاب، فلا يمكن إنكار استغلال الصيغة الأشد قتامة للتفسير الدينى والتى استفادت من كل الإرث الاستبدادى لاستعمال الدين كأداة للتجنيد وللتخدير. ‏الإرهاب استراتيجية تشرف عليها وتمولها كيانات عملاقة وتنعشها الهشاشة الدينية، الإرهاب مسئولية الغرب المتجبر والشرق المستبد والتابع، هو النتيجة الأشد فظاعة لبربرية الإمبريالية وهمجية الأصوليات، ومواجهته تقتضى بناء عالم جديد ينتفى فيه الإذلال واللاعدل واللاكرامة .