الأحد 28 ابريل 2024

عن عبدالحليم وسعاد.. مرة أخرى!

أشرف غريب

27-11-2023 | 20:48

بقلـم: أشرف غريب
دعونا نتأمل معا هذه الحالة، ثم نبحث سويا عن إجابة السؤال الذى يستوقفنى طويلا.. إنها إذن حكاية عبدالحليم حافظ وسعاد حسنى مرة أخرى، ليس هناك من شك فى أن نجاح أى من عبد الحليم حافظ وسعاد حسنى كان من ذلك النوع الاستثنائى الذى ربما لم يعرفه غيرهما على هذا النحو فى تاريخ الفن العربى، ونجوميتهما من تلك الحالات المتفجرة التى جعلتهما من بين الخمسة الكبار فى مسيرة السينما العربية الذين يمكن تسميتهم بـ«نجوم الشباك» وفق المصطلح الهوليوودى المعروف، فباستثناء عثرة البدايات الأولى لعبد الحليم حافظ كمطرب، فإن الجمهور قد أحاطه بكل أمارات الحب والإعجاب منذ ولوجه السينمائى الأول سنة 1955 بطلا لفيلمى «لحن الوفاء» و«أيامنا الحلوة»، بينما منح الجمهور سعاد حسنى صك التفرد والشهرة فور إطلالتها السينمائية الأولى عام 1959 بطلة لفيلم «حسن ونعيمة». ولعله من مدهشات القدر وعجائبه أن تجمع بين النجمين قصة حب قوية يمكن وصف تفاصيلها بالإثارة والغموض، لكننى أستطيع القول بعد كل ما توفر لدى من معلومات ووثائق أن العندليب والسندريلا لم يتمكنا من الوصول إلى النهاية السعيدة فى قصة حبهما لأن الجمهور كان ثالثهما.. نعم دخل الجمهور قبلهما مخدعهما وتلصصت عيونه وآذانه على دقائق مشاعرهما، فبات رقيبا دائما على تصرفاتهما، ومسيطرا فعليا على عقليهما، ومسئولا خفيا عن كل قراراتهما المصيرية فى هذا الملف الشائك – أو فى غيره - بحيث يمكن القول دون أى تجنٍ أو مبالغة بأنه هو مَن أفسد عليهما حبهما الكبير. وربما كانت صعوبة التعامل مع سير مثل هذه الشخصيات ذات الجماهيرية الطاغية أنك تجد نفسك فى مواجهة الجماهير العاشقة التى لا تقبل منك المساس بتلك الكائنات الزجاجية الشفافة التى وضعوا عليها لافتة «ممنوع الاقتراب أو التصوير» فتصبح أنت أيضا تحت ضغط هؤلاء الجماهير، تخفى عيوبا، وتزين أخرى، وتبرر ثالثة، وربما تتغاضى تماما عن بعضها على طريقة مؤلفى دراما السير الذاتية فى السينما والتليفزيون، فما بالنا لو دخل الورثة على الخط – كما هو حادث فى حالة عبد الحليم وسعاد حسنى، وأصبحت أسرتا النجمين فى حالة سجال أو حتى تلاسن لفظى، إحداهما – وهى أسرة سعاد – تجزم بأن السندريلا قد تزوجت عبد الحليم، والأخرى تنفى بشدة وتدافع دفاع المستميت عن وجهة نظرها، بل وتهدد باللجوء إلى القضاء لو استمرت أسرة سعاد فى ترديد هذا الكلام مع العلم بأن قصة حب النجمين الكبيرين باتت محسومة بحكم الوقائع والوثائق وشهادات المعاصرين لها، أما مسألة زواجهما من عدمه فهى نقطة الخلاف بين الأسرتين، وإن كنت أنا بحكم ما لدىّ من أدلة أميل إلى موقف أسرة سعاد بصرف النظر عن عدم اقتناعى بوثيقة الزواج التى أظهرتها شقيقتها قبل سنوات وطعنت أنا شخصيا عليها فى إحدى عشرة نقطة، فبعد تصريحات سعاد المثيرة لمفيد فوزى سنة 1994 والتى اعترفت فيها للمرة الأولى بزواجها العرفى من عبدالحليم سألتها بنفسى فى اللقاء الذى جمعنى بها فى فبراير 1995 وفى حضور الكاتبين الكبيرين رجاء النقاش وجمال الغيطانى فى فيلا إحدى صديقاتها التى ما زالت حية تُرزق عن الأسباب التى دفعتها لفتح موضوع علاقتها بعبد الحليم فى هذا التوقيت بالذات؟ فقالت لى إنها كانت تعى تماما ما قالته رغم أنها كانت خارجة لتوها من إحدى عملياتها الجراحية فى باريس، مضيفة أنها تحملت بسبب علاقتها بعبد الحليم الكثير سواء فى حياته أو بعد رحيله، وأنها كانت ترى نظرات كل معاصريها تطاردها وتطارد أسرتها بين كيل الاتهامات والبحث عن الحقيقة، وأتبعت: «كنت ساعتها فى حالة نفسية سيئة، ولدىّ إحساس بقرب الأجل، فأردت قبل أن أموت إبراء سمعتى وساحتى من أى شيء خاطئ فى علاقتى مع عبد الحليم حفاظا على صورتى لدى جمهورى وصورة أسرتى بين الناس، وقلت لنفسى إننى سوف أتحدث فى هذا الموضوع مرة واحدة فقط ولن أكررها رغم أننى كنت أعلم أنى أفتح على روحى نار جهنم، وهو ما حدث بالفعل، لكن مش مهم، أنا كده ارتحت خصوصا أنى لا أطمع فى ميراث من عبد الحليم ولا أطالب أحدا بشيء». إذًا لقد حسمت سعاد بنفسها أمر زواجها من عبدالحليم دون أن يكون لها أى غرض من وراء ذلك، ليبقى السؤال الذى أبحث له عن إجابة: لماذا تأخذ أسرة عبد الحليم هذا الموقف الصارم من مسألة زواجه من سعاد؟ ماذا يضيرها فى ذلك؟ لماذا تشعر بأن عليها نفى هذا الأمر ما استطاعت إليه سبيلا. هل فى زواجهما ما يشين أو يسيء لعبد الحليم أو للأسرة؟ تؤكد أسرة العندليب منذ سنوات أن لديها شريط كاسيت أقرب إلى القنبلة يقول فيه عبدحليم كلاما سلبيا عن سعاد، وأنها تنوى الإفصاح عن هذا الشريط بعد معالجته هندسيا، وأنا شخصيا أعرف حقيقة هذا الشريط وأعرف ما جاء فيه– ولا أدرى ما إذا كانت أسرته تعلم ذلك أم لا - لأنه ببساطة النسخة التى احتفظ بها عبدالحليم من تفريغ مذكراته التى أملاها للكاتبة الصحفية إيريس نظمى، وجاء فيها ما نصه: «... أنا لا أنكر أنى أحببت سعاد حسنى لكنها لم تعطِنى الفرصة، ولا أريد أن أخوض كثيرا فى هذه النقطة لأن فيها نوعا من التجريح.. إن الحب هو أيضا احترام متبادل، وإذا انعدم الاحترام بين المحبين سقط الحب.. إن الحب ليس عاطفة فقط، إنه أيضا الاحترام، وإذا لم تحترم الحبيبة حبيبها، وإذا لم يحترم الحبيب حبيبته ضاع الحب واختفى فى زوايا النسيان، لا أستطيع أن أقول إنى لم أحبها، ولا أستطيع أن أقول إنها لم تحبنى، ولكنها أحبتنى بطريقة مختلفة، كانت علاقة حب ناقصة، ينقصها شيء ضرورى وهام هو الاحترام». هذا ما قاله عبدالحليم عن علاقته بسعاد بحسب الشريط الذى تتحدث عنه أسرة العندليب وبحسب ما جاء أيضا فى مذكراته التى أملاها على إيريس نظمى، فهل فى هذا ما ينفى أنه تزوجها؟ الرجل يعترف بحبهما المتبادل حتى لو شابه عدم الاحترام، لكن كلامه يحتمل كل شيء، يحتمل ألا يكون قد تزوجها، ويحتمل العكس أيضا، وأن زواجا قد تم لكنه انتهى بالفشل أيا كانت أسبابه، وأظن أن هذه هى الحقيقة، فلماذا هذا الإيغال فى النفى من جانب أسرة العندليب؟!