الجمعة 10 مايو 2024

د. علاء زهران رئيس مشروع تعميق التصنيع المحلى: وضعنا أيدينا على الحلقات المفقودة والمشكلات

صورة أرشيفية

28-11-2023 | 08:24

حوار: رضوى قطرى - عدسة: ناجى فرح
تعميق التصنيع المحلى، مشروع طرحه المعهد القومى للتخطيط عبر دراسة شاملة عكف عليها فريق ضخم من الباحثين والمتخصصين، لم يتركوا صغيرة ولا كبيرة فى هذا الملف إلا وناقشوها حتى يمكن أن يكون المشروع قابلا للتنفيذ على أرض الواقع وليس مجرد أوراق توضع على الأرفف مثل الدراسات والمشروعات السابقة. الدكتور علاء زهران رئيس المشروع يكشف الهدف من المشروع والمجالات التى يمكن أن تكون لها الأولوية فى تعميق الصناعة والمعايير التى تم العمل بها ليس هذا فحسب بل يضع روشتة النجاح التى يمكن أن تصل بنا ولأول مرة إلى نهاية الهدف، وأن تكون لدى مصر صناعة وطنية تحقق الحلم الذى يسعى إليه الرئيس، اكتفاء ذاتى و100 مليار دولار صادرات. لماذا عكف معهد التخطيط القومى على مشروع تعميق التصنيع المحلى تحديداً ومتى بدأتم العمل فى المشروع؟ أولا- تعميق التصنيع المحلى ضرورة من ضرورات الأمن القومى ومراكز الفكر بشكل عام دائما تسبق متخذ القرار خطوة أو خطوتين. وطبيعى أن يعقب مرحلة التثبيت والإصلاح المالى والنقدى من خلال برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى تم وتحسن غالبية المؤشرات الاقتصادية وما تحقق من نجاحات خلال الإصلاح الاقتصادى أن نقدم رؤية متخصصة لواحد من أهم الملفات التى تستهدفها الدولة وهى توطين الصناعة، وهذا هو دور المعهد بل دور كل المراكز البحثية. وعندما نراجع السنوات الماضية سنجد أن مصر حققت الكثير من الإنجازات فى مجال تطوير البنية الأساسية مثل شبكة ضخمة للطرق والمواصلات، ومشروعات الطاقة التى حققت وفورات فى الكهرباء والغاز، والجيل الجديد من المدن العمرانية، ثم جاءت مرحلة الانطلاق للاقتصاد المصرى من خلال التحول الهيكلى، ببرنامج الإصلاحات الهيكلية الذى أطلقته وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية فى أبريل عام 2021 والذى ركز على ثلاثة قطاعات رئيسية هى الصناعة التحويلية والزراعة ثم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وهنا نحن نرى ضرورة أن يقوم هذا الاتجاه على قاعدة صناعية وتكنولوجية راسخة تُؤسس على مبادئ العلم والمعرفة والابتكار والتطوير والتشاركية والحوكمة. فى ظل التوجيهات والتحفيز المستمر من كافة المستويات المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر بقضية التصنيع، حتى تكون البداية لانطلاق قاعدة صناعية وطنية متطورة ومستدامة. ولهذا بدأنا العمل فى هذا الإطار. وبالفعل بدأ العمل فى المشروع منذ عام 2020 وكانت المدة المحددة له عامين ولكنه استغرق ثلاث سنوات حتى يكون مشروعا متكامل التفاصيل، واعتمد بشكل كبير على مجموعة من ورش العمل، عقدنا 13ورشة عمل متخصصة فى الصناعات المختلفة أيضاً ونظمنا 16 حلقة سيمينار دعونا فيها كافة الأطراف المعنية بالاشتراك مع اتحاد الصناعات والهيئة العربية للتصنيع وقمنا بزيارات عديدة لمقر الهيئة، والباحثون فى المعهد قاموا بجولات ميدانية لمركز تطوير الفلزات ومعهد بحوث الإلكترونيات وبعض المصانع فكان لدينا دراسة ضمن المشروع مثلا عن الزيوت العطرية، وقاموا بزيارة بعض المصانع المتخصصة فى الزيوت العطرية لأن هذا المشروع ليس مشروعا بحثيا أكاديميا يصل بنا إلى نتائج نظرية بل هو مشروع عملى ميدانى تطبيقى. ما هى أهداف المشروع؟ له عدة أهداف أولها زيادة نسبة المكون المحلى فى المنتجات المصرية والتركيز على الصناعة التحويلية بهدف خلق مرونة فى الهيكل الإنتاجى للاقتصاد المصرى حتى لا يصبح معتمدا فقط على إيرادات قطاع السياحة وقناة السويس؛ أى لا يكون اقتصادنا اقتصادا ريعيا فنحن نرغب فى تحويله إلى اقتصاد إنتاجى لأن هذا الاقتصاد فى وقت الأزمات يكون مقاوما للصدمات، فمعروف أنه فى وقت الأزمات قد تنخفض إيرادات السياحة وقد تتراجع حركة التجارة العالمية وبالتالى تؤثر سلبا على عائدات قناة السويس، وهو ما حدث وقت أزمة كورونا ومع بداية الحرب الروسية الأوكرانية ولهذا لا بديل عن الاقتصاد الإنتاجى. ومشروع تعميق التصنيع يسعى إلى رفع نسبة المكون المحلى فى المنتجات النهائية أو الوسيطة، ومن ثم تقليل الاستيراد ورفع مستوى الاعتماد على الذات فى التنمية والوفاء باحتياجات الوطن سواء لأغراض الإنتاج أو لأغراض الاستهلاك. ثانيا- توسيع قاعدة الصناعات الثقيلة عمومًا والآلات والمعدات خصوصا فنحن لن نظل طول عمرنا نستورد الآلات والمعدات من الخارج وإنما لابد أن يكون لدينا قاعدة للصناعات الثقيلة التى تنتج الآلات والمعدات وبعد ذلك هذه الآلات والمعدات تنتج قطع الغيار والمنتجات النهائية والوسيطة فهى سلسلة أيضاً. أما الهدف الأسمى فهو توفير فرص عمل لائقة ومستدامة، وهذا يكون مضمونا فى القطاعات الإنتاجية أكثر من القطاعات الخدمية لأن القطاعات الخدمية تعتمد على التكنولوجيا بشكل كبير وكلما تطورت التكنولوجيا يقل الاعتماد على البشر، وتوفير فرص العمل هو الذى يحقق الاستقرار الاقتصادى والسياسى والاجتماعى قولا واحدا ولهذا لا بديل عن تواجد صناعات كثيفة العمالة. لكن تعميق التصنيع المحلى ليس مجرد قرار بل يحتاج إلى آليات واضحة؟ أولاً لابد أن نؤكد على أننا درسنا كل الفلسفات التى تحكم التنمية فى العالم، واخترنا فلسفة الدولة التنموية المعتمدة على الذات، وحتى نصل إلى هذا المتسوى فلا بديل عن التصنيع، وكانت البداية أن نحدد أين الحلقات المفقودة فى سلسلة تعميق التصنيع لنقل تعميق التصنيع من ميدان الفكر إلى مرحلة التطبيق على الأرض وبالفعل وضعنا أيدينا على هذه الملفات المفقودة. ووجدنا أن إحدى الحلقات المفقودة هى ضعف الانتقائية أو الاستهداف أو غيابهما بسبب عدم وضع أهداف محددة لصناعات بعينها ومراكز البحوث ذات الصلة بها. الرئيس السيسى فى الملتقى الدولى للصناعة فى نسخته الثانية منذ أسابيع تحدث مع المهندس محمد السويدى وأكد على أن كل المستثمرين الذين يعملون فى تصنيع قطع غيار السيارات يصنعون فقط التنجيد الداخلى للسيارات أو قطع الغيار أو الصاج، صحيح المكون محلى ولكن لابد أن يتخصص كل مجموعة من رجال الأعمال فى جزء معين من مكونات السيارة حتى يكون هناك تنويع فى التصنيع وطالبهم الرئيس أن يدخلوا فى تصنيع المكون الرئيسى للسيارة، مثل الموتور أو البطارية والدينامو وهكذا بحيث تكون كل مجموعة متخصصة فى جزء من أجزاء السيارة حتى لا نصنع كلنا نفس المنتج وننافس بعضنا، فكلما زاد المنتج المحلى زاد أيضاً المكون المحلى وبالأخص التكنولوجى، وهذا يساعد على الاشتباك فى سلاسل القيمة الإقليمية والعالمية وهذا مهم للغاية، فالآن على مستوى العالم لم يعد هناك أحد يصنع سلعة بالكامل، وإنما هناك تكامل. أيضاً وجدنا أننا لدينا تصور خاطئ فيما يتعلق بالمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، حيث ينظر البعض إلى تنميتها باعتبارها هدف فى حد ذاته. وفى الحقيقة أن الكثير من المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر غرضها الأساس الإعاشة لا التنمية، والمتعارف عليه عندنا أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتى تقدم لشباب الخريجين بقرض بفائدة 5 فى المائة تركز على مشروعات مثل تربية دواجن أو أكشاك لبيع المواد الغذائية، وهذا فكر خاطئ، ففى اليابان وألمانيا مثلا تقوم المشروعات الصغيرة والمتوسطة على فكرة العناقيد الصناعية وهى فكرة مشروع يسلم مشروع حتى نصل إلى الصناعة الثقيلة. أيضاً نحن نعانى من ضعف التمويل طويل الأجل للمشروعات الذى يقدم عادة من بنوك التنمية المتخصصة والتى تحول ما كان قائمًا منها إلى بنوك تجارية تهتم بالإقراض قصير الأجل وهناك فجوات واسعة وعميقة فى المعلومات بشأن الاقتصاد والصناعة والأسواق الداخلية والخارجية. على سبيل المثال نظمنا ورش عمل للمستثمرين فى قطاع صناعات الغزل والنسيج للوقوف على أهم مشكلاتهم وقد فوجئوا أثناء حضورهم الورشة أن بعض المستثمرين فى المصانع المجاورة لهم يصنعوا بعض السلع الوسيطة التى يقومون باستيرادها من الخارج فنحن لدينا فجوة فى المعلومات وهى قضية من أخطر قضايا تعميق التصنيع المحلى الرئيسية. ولدينا نموذج مهم وهو ما يحدث من خلال مواقع مثل «على بابا» فى الصين و«أول انديا» فى الهند. فهذه المواقع تصنع كل منتجاتها فيدخل المستثمرون الصينيون يبحثون عما يحتاجون إليه ويشترونه بأرخص بالعملة المحلية. أيضاً ونحن فى طريقنا للبحث عن هذه الحلقات المفقودة وضعنا أيدينا على المشكلات الرئيسية التى تعوق زيادة السلسلة المنطقية لتعميق التصنيع المحلى. ما أهم تلك المشكلات؟ بيئة الأعمال وبيئة الاستثمار فنحن مثلا نرغب فى نقل التكنولوجيا حتى نستطيع فيما بعد أن نقوم بتوطين التكنولوجيا ثم يصبح لدى القدرة على إنتاج التكنولوجيا مستقبلا، ونقل التكنولوجيا يتم من خلال المستثمر الأجنبى، بل إن أكبر ضمانة لجذب المستثمر الأجنبى هى نجاح المستثمر المحلى، لأن المستثمر المحلى مرآة للمستثمر الأجنبى فهو يأتى ليستكشف السوق المحلى، وإذا وجد أن المستثمر المحلى نفسه يعانى من بعض الإجراءات الروتينية، فسوف يهرب إلى دول أخرى سواء فى المنطقة أو على المستوى العالمى، ولذلك بات من المؤكد أننا فى حاجة إلى المستثمر المحلى والأجنبى معا. أيضاً من المشكلات التى تعوق تعميق التصنيع المحلى ضعف الادخار المحلى، فبرغم أن بيئة الأعمال بُذل فيها مجهود كبير جدا خلال السنوات الماضية، ولكن ما زال المستثمرون والمصنعون لديهم شكاوى كثيرة، وبالتالى لكى يتحول الهدف من مشروع تعميق التصنيع المحلى إلى واقع ملموس لابد أن يكون لدينا سياسة صناعية واضحة، ولابد أن تتكامل مع منظومة التعليم والبحث العلمى والتكنولوجيا والابتكار. ما هى ملامح السياسة الصناعية التى توصل إليها تقرير مشروع تعميق التصنيع المحلى؟ السياسة الصناعية هى الركيزة الأساسية للنهوض بالتصنيع المحلى وتعميقه وهناك سياسات صناعية أفقية وأخرى رأسية. بالنسبة للسياسات الأفقية فهى التكامل بين كافة الوزارات والجهات المعنية فى الدولة لتعميق التصنيع المحلى، فكل وزارة فى الدولة لها دور عليها أن تلتزم به، فمثلا مجلس النواب له دور فى التشريع لأن هناك تشريعات لابد من تعديلها، صحيح أنه قد صدرت تعديلات قوانين كثيرة خلال السنوات الأخيرة ولكنه عند التطبيق تظهر فيها مشكلات عديدة فلا بد من مراجعتها وتعديلها. الدولة نفسها تحارب الفساد ووضعت لمجابهتها الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وأيضاً أنشأت الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد. الدولة نفسها تعلم جيدا أن هناك فسادا وأنه أحد أهم الأسباب التى تؤخر تنفيذ خطوات هذا المشروع بشكل عام وأريد التأكيد مجددا أن مشروع تعميق التصنيع المحلى هو دور الحكومة بالكامل وليس وزارة أو جهة بعينها. فمثلا وزارة الداخلية لها دور فى الحماية المدنية والاشتراطات وشرطة الكهرباء وأيضاً الرسوم التى تفرض على الطرق ومحطات وزن البضائع بالنسبة لوزارة النقل، أما وزارة العدل فهى مسئولة عن المحاكم الاقتصادية وسرعة الفصل فى المنازعات الخاصة بالمستثمرين، أيضاً وزارة الخارجية لها دور من خلال الملحق التجارى فى كل دولة من دول العالم لأنه يستطيع أن يبلغنا باحتياجات كل الأسواق على مستوى دول العالم وأيضاً نحن نستطيع أن نبلغه بما لدينا من المنتجات المصرية، لتسويقها ووزارة المالية مسئولة عن السياسة المالية والنقدية والبنك المركزى ولهم فصل كامل فى تقرير مشروع تعميق التصنيع المحلى لإن السياسات النقدية يجب أن يكون أحد أهدافها حماية الصناعة المحلية وتقديم الدعم الهادف لزيادة الصادرات ووزارة التجارة والصناعة ووزارة الإنتاج الحربى ووزارة قطاع الأعمال العام وأيضاً وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالى كل الوزارات لها أدوار محددة، هذا هو الفكر المنظومى الذى يشير إليه فى مشروع تعميق التصنيع المحلى فهو مشروع الدولة وليس وزارة الصناعة والتجارة مثلا، وهنا يأتى دور مجلس الوزراء، وبالطبع الدور المهم الذى تلعبه القيادة السياسية فى هذا الملف والذى كان سبباً فى كل الخطوات التى تحققت. أما بالنسبة للسياسة الصناعية الرئيسية فلابد ونحن نضع هذه السياسة التى نستهدف بها الخارج أن نعرف جيداً العالم من حولنا وما هى الصناعات المطلوبة إقليميا وعالميا وما هى المزايا النسبية والتنافسية التى نمتلكها فنحن لابد أن ندرس الأسواق الإقليمية والعالمية جيدا. أيضاً وزارة الصناعة والتجارة بالتعاون مع اتحاد الغرف التجارية عليهم أن يضعوا قوائم باحتياجات الشركات والمصانع ووضعها على موقعها على الإنترنت حتى يعرف المستثمر ما يحتاج إليه السوق المحلى من صناعات وأيضاً ما هى السلع المتوافرة فى الأسواق المحلية، ولذلك نحتاج إلى قواعد بيانات فى هذا الشأن وأن يتم تحديثها باستمرار. فبعض المستثمرين اشتكوا لنا أنهم يشترون نشرات التجزئة من الخارج شهريا بالدولار حتى يعرفوا ما الذى تنتجه مصر وما هو المتاح من السلع الوسيطة وقطع الغيار وغيرها من المنتجات الأخرى. كما ينبغى ارتباط سياسات التنمية الصناعية وسياسات تعميق التصنيع المحلى بتطوير قطاع الزراعة ليصبح أكثر كفاءة وأعلى من حيث الإنتاجية والعائد للفدان أيضاً. كما تؤكد الخبرات السابقة على أهمية النهوض بقطاع الصناعات الاستخراجية لأنه يساعد فى تعميق التصنيع بتقديم بعض الخامات البديلة لما يتم استيراده. وفيما يتعلق بالاستثمار الأجنبى المباشر فإن السياسات الصناعية والاستراتيجيات المختلفة لم تضع مستهدفات كمية لاجتذاب قطاع الصناعة التحويلية، أو لأنشطة صناعية بعينها، أو لتعميق الصناعة، أو حتى لتحفيز الصادرات. وهل يمكن أن نتوقع المستهدف حال تنفيذ هذه السياسات الصناعية الخاصة بالمشروع ؟ أولا علينا أن نعلم أن حجم مساهمة الصناعات التحويلية فى الناتج المحلى الإجمالى تبلغ نحو 11 فى المائة فقط، بينما دولة مثل الصين حققت معدلات نمو وصلت لنحو 15 فى المائة لأن حجم مساهمة الصناعات التحويلية فى الناتج المحلى الإجمالى وصل لنسبة 47 فى المائة، وكذلك دول النمور الآسيوية ماليزيا وسنغافورة وكوريا تتراوح نسبة مساهمة الصناعات التحويلية فيها بين 30 – 40 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى، ونحن نستهدف أن تكون مصر مثل الصين بأن يصل حجم مساهمة الصناعات التحويلية فى الناتج المحلى الإجمالى إلى 47 بالمئة بحلول عام 2050 عقب تنفيذ السياسات الصناعية لمشروع تعميق التصنيع المحلى. فلابد أن يكون لدينا تخطيط استراتيجى طويل الأجل ولابد أن يكون لدينا حلم يتحقق بالتدريج وعلى مدار السنوات المقبلة بالصبر والعزيمة والإصرار والمتابعة أيضاً، يجب أن نكون مثل فريق الكرة كلنا نهاجم وكلنا ندافع فلا يكون لدينا ولو ثغرة واحدة لابد أن نعمل كلنا كمنظومة ونتحرك ككتلة واحدة.. الشعوب كلها بتشتغل كده، ولا يقول أحد الحكومة عملت والحكومة ما عملتش، الشعب الذى يجب أن ينتج ويتحرك ولكن الحكومة تضع السياسات وللأسف الموظف الصغير هو اللى بيوقف الدنيا وهو الذى يعطل المسيرة، الحكومة تمنح تسهيلات وحوافز كثيرة وأراضى صناعية متكاملة المرافق، لكن أحيانا موظف صغير يفسد كل هذا. لذا لابد من التوسع فى الرخصة الذهبية، حتى الآن لدينا 24 رخصة ذهبية فقط، بينما الإمارات منحتها لكل القطاعات والضرائب فى الدول العربية مثل الإمارات والسعودية منخفضة جدا والمستثمر يذهب إليهم وهو فى الفندق تكون كل الإجراءات الخاصة بمشروعه انتهت، فلابد أن تكون بيئة الاستثمار فى مصر جاذبة للمستثمرين حتى لا يهربوا إلى دول أخرى منافسة بسبب بعض التفاصيل الصغيرة التى يمكن بحلها أن نصل للنجاح فى النهاية. دور الدولة مهم فى دعم توطين الصناعة، ولدينا مثلاً مبادرة «ابدأ» تلعب دوراً مهماً جداً فى هذا التوجه وعلينا دعمها، وهناك العديد من الحوافز قدمتها الدولة، لكن هناك أيضاً أدوار مطلوبة، بل هناك مجالات لابد أن تدخلها الدولة، وهذا مطلب من القطاع الخاص نفسه لأن قدراتهم لا تكنهم من دخول هذه الصناعات بعيداً عن الدولة. ما هى الصناعات المرشحة لتعميق التصنيع المحلى خلال الفترة المقبلة وفقا للمشروع؟ لدينا عشر صناعات الصناعات المرشحة للتوطين تم تقسيمها إلى أربع أولويات بناء على عدة معايير، الأولوية الأولى للصناعات الكيماوية والمعدنية والغزل والنسيج والملابس الجاهزة. والأولوية الثانية للصناعات الإلكترونية والدوائية الغذائية أما الثالثة فهى الصناعات الهندسية البتروكيماوية ثم الأجهزة الطبية والسكك الحديدية. وسيتم العمل على تعميق هذه المشروعات خلال الفترة المقبلة. على أى معايير تم اختيار المشروعات المرشحة؟ حددنا خمسة معايير؛ الأول اختيار الصناعات التى تضاعف من التشابكات مع القطاعات الأخرى أى القطاع الذى يعطى ويأخذ من قطاعات أخرى، مثلا صناعة الزيوت النباتية فى تقوم على قطاع الزراعة، وبالتالى سيشغل معه قطاع الزراعة وأيضاً هذه الآلات تم تصنيعها لتأخذ من قطاع الزراعة البذور وتصنيع البذور يترتب عليه زيادة الرقعة الزراعية، ويترتب على ذلك ارتفاع نسبة الاكتفاء الذاتى من الزيوت العطرية فنحن لدينا 3 فى المائة فقط اكتفاء ذاتى من الزيوت العطرية وفقا للدراسة التى جاءت فى تقرير مشروع تعميق التصنيع المحلى. فنحن نرغب فى جرّ القطاعات الأخرى لتحقيق التكامل الاقتصادى الإنتاجى المصرى، فمثلا الصناعات الهندسية والإلكترونية تعتمد على الصناعات التكنولوجية أو الصناعات الاستخراجية، وبالتالى نحتاج إلى معادن مثل الرمال السوداء والبيضاء أو تصنيع شرائح السيليكون أو الرقائق الإلكترونية هذه الصناعات تعتمد على قطاعات أخرى. المعيار الثانى أن تكون هذه الصناعات معتمدة بشكل كبير على مكون محلى فى تصنيعها وبالتالى ستقلل من الاستيراد، فالاقتصاد المصرى يعتمد على الاستيراد والدولة التى تريد أن تصبح دولة مصدرة مستقبلا هناك فاتورة يجب أن تدفعها فى البداية أو تتحملها، والدولة تقوم بهذا الدور الآن وهو دعم الصادرات فالمستثمر يبدأ صغيرا ثم يكبر فيزيد إنتاج مصنعه بأقل التكلفة، ولكن لا تتوقع من أول يوم أنك تنتج بتكلفة أقل من الخارج، وهنا لابد أن أشير إلى فكرة التكامل فى الصناعات. فلو نحن أنتجنا موتور سيارة مثلا فسيكون لدىّ مشروع صغير أو مشروع متناهى الصغر يقوم بإنتاج المكون المتناهى الصغر المطلوب للموتور ولن نذهب لشرائه من الخارج. المعيار الثالث زيادة الصادرات فالصناعة التى تستحق الدعم هى التى تستطيع الاشتباك مع السوق الإقليمى أو الدولى، وبالتالى زيادة الصادرات، فهذه أحد المعايير التى تجعلها مرشحة للإنفاق عليها لتعميق التصنيع المحلى لها. المعيار الرابع التشغيل وزيادة فرص العمل فنحن نحتاج إلى زيادة فرص العمل كل عام وكل سنة سواء فى الصناعة أو الزراعة أو فى القطاعات الأخرى أو فى قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. المعيار الخامس والأخير تسريع عملية تخضير الاقتصاد المصرى أى تحويل الاقتصاد المصرى إلى اقتصاد أخضر للمحافظة على البيئة. فكل دول العالم ترفض استيراد منتج من مصر غير صديق للبيئة والبداية من المصنع فلابد أولا أن يكون المصنع صديقا للبيئة وهذا بعد حصوله على شهادات معينة ويراعى اشتراطات معينة ومحددة فلابد من البداية مراعاة اشتراطات الجودة فى كل مشروع. هل هذا المشروع لاقى ردود أفعال جيدة من المهتمين بهذا الملف؟ نحن فى المعهد سعداء بردود الأفعال حول مشروع تعميق التصنيع المحلى بداية من الدكتور أشرف العربى رئيس المعهد إلى كل الفريق المعاون. الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء أرسل إلينا فريقا مكونا من مستشارة الدكتورة جيهان صالح والمهندس أسامة الجوهرى رئيس مركز دعم واتخاذ القرار بمجلس الوزراء وجلسنا معهم أنا والدكتور أشرف العربى رئيس المعهد القومى للتخطيط وتم النقاش حول تفاصيل كثيرة جدا فى التقرير، وكان السؤال الأهم أن هذا جهد كبير جدا كيف يمكن لنا أن نترجمه على أرض الواقع. وهذا هو سؤالى؟ القضية كلها تتلخص فى فكرة السياسات، والأهم هو التشبيك بين هذه السياسات.. مثلا لو تحدثنا عن السياسة المالية والسياسة النقدية.. السياسة المالية ما هو دورها فى تعميق التصنيع، سنجد أن الضرائب والتعريفة الجمركية والإعفاءات التى يتم منحها للمستثمرين لها دور كبير، فالمستثمر مثلا يريد تسهيلات فى الحصول على الأراضى وألا تكون بأسعار مرتفعة وأن يتم إلغاء الضريبة العقارية على هذه الأراضي. أيضاً يريد تقليل الجمارك على قطع الغيار المستوردة والسلع الوسيطة لأنه فى النهاية لم ينتج بعد فهو حتى الآن يأخذها لينتج وبعد ما يصدر ويربح أو يكسب يتم تحصيل ضرائب، لكن لا يمكن أن نأخذ منه ضرائب فى كل المراحل أو على كل حاجة، أيضاً البنك المركزى له دور كبير جدا سواء بالنسبة لسعر الفائدة التى يمنح بها القروض للمستثمرين أو تحديد سعر الصرف، فلا يمكن أن يمنح الـ 5 فى المائة فقط للصناعات المتوسطة والصغيرة، فلماذا لا يمنحها بالنسبة للمشروعات الكبيرة أو الصناعات الكبيرة، أيضاً دور البنك المركزى فى توفير العملة حتى ينتج ويصدر أيضاً، والأهم هى السياسة الصناعية والتى تعد الركن الركين فى تعميق التصنيع المحلى. هل هناك تجارب عالمية طالبتم بتطبيقها فى مصر؟ جميع الدول المتقدمة سواء أمريكا أو اليابان أو الصين وروسيا دول صناعية من الدرجة الأولى، وهذه الدول الصناعية هى التى تتصدر المؤشرات الدولية فى التعليم والبحث العلمى والابتكار، وهى أيضاً الدول المتقدمة تكنولوجيا، فالصناعة مرتبطة بالتكنولوجيا والتكنولوجيا تأتى عن طريق الابتكار، والابتكار معتمد على البحث العلمى، والبحث العلمى معتمد على التعليم العالى، والتعليم العالى معتمد على التعليم ما قبل الجامعى. فلا يوجد وزير فى الحكومة غير مسئول عن مشروع تعميق التصنيع المحلى، ولابد أن نعرف أننا نرغب فى إنتاج التكنولوجيا وليس فقط أن نكون مستخدمين ومستهلكين لها، فأنا حاليا مستهلك للتكنولوجيا ولا أنتجها وإنتاج التكنولوجيا يأتى فجأة، فلابد أن يكون لدىّ قاعدة كبيرة صناعية تكنولوجية ابتكارية، وأن تكون هناك سياسة وطنية للابتكار تؤسس على قاعدة واضحة للتكنولوجيا والبحث العلمى حتى تفرغ جيلا من الباحثين، فنحن الآن لدينا أكثر من 50 مركزا بحثيا ولدينا جيوش من الباحثين فى الداخل والخارج، ولكن الأهم ما هو المردود أو العائد من كل هذا نحن لدينا 103 جامعات وهى خطوة رائعة، لكن المطلوب الفترة القادمة هو كيف يسهم هذا العدد من الجامعات فى زيادة معدل الصادرات ورفع مستوى التكنولوجيا ودعم التصنيع. مثلا خلال أزمة فيروس كورونا منْ الذى أنتج الفاكسين الخاص بفيروس كورونا الذى كان ينتظره العالم أجمع لكى ينقذ حياة البشرية.. أنتجته الدول المتقدمة صناعيا وتكنولوجيا.. الصين، أمريكا، ألمانيا، وإنجلترا التى لديها الأجهزة التكنولوجية والمعامل والمختبرات، نحن فى مصر من الممكن يبقى عندنا علماء ولكن لا نمتلك الأجهزة ولا التكنولوجيا التى تمكننا من إنتاج ذلك الدواء أو العقار، فجزء كبير من هؤلاء العلماء الموجودين بالخارج مصريون ولكن لا يتوفر لديهم هنا أو فى مصر لا التكنولوجيا ولا الأجهزة. ما المشكلات التى تواجه المستثمرين الآن؟ من المشكلات الكبيرة التى تواجه تعميق التصنيع المحلى وتجعل المستثمر يخرج من السوق ولا يدخل مرة أخرى أو لا يكمل مشكلة تهريب البضائع، فهناك بضائع يتم تهريبها للداخل سواء كانت مكونات أو سلعا كاملة مثل الملابس والأحذية وخلافه، المنتج هنا أو المستثمر هنا ينتج ويدفع ضرائب وعمالة، وعندما يطرح المنتج فى الأسواق تجدين فى العتبة والموسكى وهذه الأسواق براندات مغلفة بالورق بتاعه موجود بشكل كبير جدا وبأسعار أقل، وأيضاً مصانع بير السلم كثرت جدا، وهى سبب رئيسى فى هروب المنتجين والمستثمرين من السوق لأنه يتم طرح نفس المنتجات بأسعار منافسة جدا للمنتج الذى يقوم بإنتاجه أو بالمنتج المحلى منافسة جدا للمنتج المحلى يتم طرحها أيضاً من خلال أون لاين بأسعار منافسة جدا ولا أحد يعرف مصدرها وأقل بكثير من أسعار المنتجات الموجودة فى الأسواق المحلية. نحن نحتاج أن تتكامل الأدوار وأن يعمل كل قطاع دوره فى هذا الملف لأن الهدف الأسمى لنا جميعا كيف نحقق الحلم الذى تسعى إليه القيادة السياسية بالاكتفاء الذاتى من المنتج المحلى، وفى الوقت نفسه الوصول إلى 100 مليار دولار صادرات. تحدثت عن التكامل.. فكيف يتم؟ التكامل الأهم هو الربط ما بين نحن فى حاجة إليه، نحن نحتاج إلى جيل من المبتكرين والمخترعين وليس إلى أفراد أو أعداد بسيطة، نحن لا نحتاج محمد صلاح واحد، نحن نحتاج إلى سيستم يخرج لنا جيلا من المبتكرين والمبدعين، نحن نحتاج إلى آلاف المبتكرين وليس لواحد.. فأنا لكى أصنع «تابلت» أو «أى باد» لابد أن يكون لدىّ تكنولوجيا.. امتلاك التكنولوجيا هى الأزمة التى لدينا الآن، وهنا لابد أن نناقش قضية هجرة العقول وهجرة الشركات التكنولوجية الناشئة، وهو تحد كبير يعوق الابتكار، لذا يجب على الحكومة أن تبذل جهداً كبيراً لإعادة اجتذاب الشركات التكنولوجية والخبرات المصرية الموجودة بالخارج، وهناك جهد تقوم به وزارة الهجرة لكن نحتاج أن يتواصل وأن تتسع مجالات الصناعة والتكنولوجيا. أيضاً لابد من الاهتمام بالتعليم بصورة كبيرة بداية من التعليم قبل الجامعى، فلابد أن أغير التركيبة أو الاتجاه بحيث يكون للعلوم الطبيعية الهندسة والتكنولوجيا، فالكليات تخرج كل عام الآلاف من خريجى التجارة والآداب.. فل هؤلاء يجدون عملا، وما الفائده إذا، فلابد من تغيير سياسة القبول والابتكار ليشمل أيضاً العلوم الاجتماعية وليس فقط للعلوم الطبيعية وطبعا العلوم الطبيعية مساندة للعلوم الطبيعية فلا استغناء عنها فهى مهمة ولكن الأساس الابتكار فى العلوم الطبيعية وهى كلية الطب والهندسة والزراعة والعلوم العلوم الطبيعية الرئيسية. والآن أصبح أيضاً لدينا قيد آخر وضعه العالم الخارجى فليست أى تكنولوجيا الابتكار، ففى ظل التغيرات المناخية لابد أن نبدأ فى تحويل المصانع التى لدينا إلى مصانع تعمل بالطاقة النظيفة أو يصبح إنتاجنا إنتاجا صديقا للبيئة حتى نستطيع أن نصدر فيما بعد أو مستقبلا إذا لابد أن أعمل على توليفة الطاقة المتاحة حاليا لدىّ وأن نحول ما لدينا من مصانع حتى تعمل بالطاقة المتجددة أو بطاقة الرياح وأن نبتعد عن البترول والغاز فى المعدات الجديدة.. لابد أن يكون لدينا تكامل فى السياسات والتوسع فى الطاقة المتجددة، وهذه الطاقة المتجددة استخدامها سيعطينى ميزة مهمة جدا وهى أن أحصل على تمويل أخضر مستدام بفائدة قليلة جدا منخفضة جدا عن التمويل العادى فى الأسواق العالمية، تكلفة التمويل الأخضر أرخص بكثير جدا من القروض العادية أنا كده كده بطرح سندات لو بطرح سندات خضراء مدتها أطول والفايدة عليها أقل بكثير وأن السندات الخضراء ملتزمة بتمويل مشروعات خضراء مثل مشروعات النقل الذكية والقطار الكهربائى.