الأربعاء 22 مايو 2024

لماذا لا تريد أمريكا وقف الحرب؟!

الكاتب الصحفي عبدالقادر شهيب

28-11-2023 | 20:54

بقلـم: عبدالقادر شهيب
حتى الآن ورغم الدعوات المتزايدة لوقف حرب إبادة أهل غزة، مازالت أمريكا متمسكة باستمرارها وترفض الاستجابة لهذه الدعوات التى يطالب بها متظاهرون أمريكيون لوقف المجازر، التى يرتكبها الإسرائيليون يوميا فى قطاع غزة.. وحتى تتفادى واشنطن غضب أصحاب هذه الدعوات طرحت فقط اقتراح الهدن الإنسانية، الذى لم ينفذ حتى الآن، نظرا لعدم الانتهاء تماما من صفقة الأسرى بين إسرائيل و«حماس» التى يتم الإعداد لها منذ وقت.. وآخر التصريحات الأمريكية الرسمية اشترطت الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لوقف القتال، والذى سيكون فقط لبضعة أيام.. فلماذا لا ترحب أمريكا بوقف الحرب حتى الآن رغم انقضاء ستة أسابيع منها كلها تدمير وتخريب وقتل ومذابح مستمرة للفلسطينيين ليل نهار بلا توقف؟ ابتداء لا أستسيغ ما يردده البعض الآن عن أن أمريكا غير قادرة على الضغط على إسرائيل لأن الأخيرة صارت بعد السابع من أكتوبر خارج السيطرة، أو حتى تجد أمريكا صعوبة فى إلزام إسرائيل بما تراه وتقرره!.. فأمريكا عندما أرادت إدخال مساعدات إنسانية من الغذاء والدواء والمستلزمات الطبية أقنعت أو بالأصح أجبرت إسرائيل على ذلك، والترتيبات التى تقرر أن تدخل بها هذه المساعدات إلى قطاع غزة، تم صياغتها والتوافق عليها بعد تدخل مباشر من أمريكا وتحت رعايتها.. وأيضًا عندما أرادت أمريكا إدخال كميات من الوقود للقطاع ليستخدم فى تشغيل محطات المياه والصرف الصحى والاتصالات ألزمت إسرائيل بذلك أيضا، رغم أن رئيس حكومتها كان من أشد الرافضين لذلك، لكنه وافق على الطلب الأمريكى بهذا الخصوص، وأقنع كل أعضاء حكومته بالموافقة أيضا بمن فيهم من سارعوا بإعلان رفضهم له. إذن أمريكا قادرة على إقناع إسرائيل أو بالأصح إلزامها على تنفيذ ما تراه ضروريا ومهما حتى ولو كانت حكومتها رافضة له أو متحفظة عليه.. وبالتالى فإن عدم تحرك أمريكا حتى الآن لدفع إسرائيل لوقف الحرب ليس له سوى معنى واحد فقط، وهو أن أمريكا غير راغبة حتى الآن فى وقف الحرب.. بل يمكن أن نزيد أنها تدافع عما يرتكبه الإسرائيليون من جرائم حرب شنيعة مثلما حدث بعد اقتحام القوات الإسرائيلية مستشفى الشفاء التى ادعى الإسرائيليون أنهم فعلوا ذلك لاستخدام «حماس» الأنفاق الموجودة خارجها مقر أساسي لها ولقيادتها.. ولذلك يصير السؤال ضروريا: لماذا لا تريد أمريكا وقف الحرب حتى الآن رغم تصاعد واتساع المطالبة بذلك عالميا؟ هناك إجابات عديدة يتداولها البعض أهمها أن الإدارة الأمريكية تريد منح الإسرائيليين ما يحتاجونه من وقت للسيطرة العسكرية على قطاع غزة بعد إضعاف القدرات العسكرية لحماس وبقية المنظمات المسلحة الأخرى بالقطاع.. فحتى الآن لم تتمكن إسرائيل من وقف إطلاق الصواريخ من القطاع فى اتجاه مدنها ومستوطناتهاـ وإن كان قد قل عددها وانخفضت عمليات إطلاقها، ولم تنجح فى تحرير الأسرى حتى بعد أن عزلت شمال القطاع عن جنوبه، بل إن قواتها فى الشمال مازالت تتعرض لعمليات تستهدفها وتزيد من أرقام خسائرها البشرية من قتلى ومصابين. وقد يكون ذلك صحيحا بالفعل لأن الأمريكان يدركون أن أية صفقات لتحرير الأسرى الإسرائيليين لدى «حماس» يتعين أن يتم و«حماس» تحت ضغط هى وكل أهل القطاع للحصول على أفضل صفقة للأسرى فى قادم الأيام، وهذا يفسر تأخر وتعطل الصفقة لما بعد اقتحام مستشفى الشفاء ومجزرة مدرسة الفاخورة.. لكن يبدو لى أن الأمر أكبر من ذلك فى الحسابات الأمريكية الخاصة بحرب غزة وتداعياتها.. ولعله أكبر أيضا من تنفيذ خطة التهجير القسرى لأهل غزة إلى سيناء التى تراود الإسرائيليين، والتى أرى أن الأمريكان يفهمون الآن بالقطع خطورتها عليهم، لأنه سوف يربك ترتيباتهم الخاصة لمنطقتنا ومستقبلها، والتى يريدون أن يهيمنوا عليها، فهذا التهجير القسرى لأهل غزة إلى سيناء يهدد بنسف اتفاقيات كامب ديفيد واندلاع صراع مسلح كبير واسع بالمنطقة يسعى الأمريكان لتجنبه، ولذلك جاءوا بحاملات طائراتهم منذ اليوم الثامن من أكتوبر. الحسابات الأمريكية السابقة على السابع من أكتوبر كانت تستهدف استعادة النفوذ الأمريكى فى المنطقة مجددا بمختلف أشكاله السياسية والاقتصادية والعسكرية، وكانت تهتم أكثر بالنفوذ الاقتصادى من خلال تنفيذ مشروعات كبيرة ومؤثرة تشرك فيها إسرائيل مع دول المنطقة لقطع الطريق على كل من الصين وروسيا لتوسيع نفوذهم فيها، فى ظل الصراع الدائر لصياغة عالم جديد ونظام عالمى جديد متعدد الأقطاب يضع نهاية لانفراد أمريكا بقيادته.. وبعد السابع من أكتوبر لم يتغير الأمر، وإنما وجدت أمريكا أن الفرصة أمامها مواتية لتكريس نفوذها العسكرى بالمنطقة وزيادة مساحته فجاءت بأساطيلها وحاملات طائراتها لمياهها.. إنها لن تأتى فقط بهذه الأساطيل إلينا لتمنع إيران من التورط فى الحرب الدائرة لأنها تعرف أن الإيرانيون يتجنبون التورط بالفعل ولا حتى يشجعون حزب الله على التورط فى حرب واسعة مع الإسرائيليين.. إنما جاءت أمريكا بهذه الأساطيل لتكريس وجودها العسكرى فى منطقتنا أساسا ثم لدعم إسرائيل معنويا بعد أن تعرضت لهزة كبيرة فى السابع من أكتوبر. واستمرار الحرب لوقت أطول لتمكين إسرائيل من تحقيق أهدافها أو بعض منها بما يمنح الأمريكان مبررا لاستمرار تواجدها العسكرى الكبير بالمنطقة حتى يتم الاعتياد عليه من دول المنطقة، ومن الدول المنافسة لأمريكا عالميا، خاصة أن وقف إطلاق النار لا يعنى، كما أفصحت إسرائيل، عن انسحاب عاجل لقواتها من قطاع غزة، فهى تخطط لبقاء هذه القوات لنحو العام على الأقل.