السبت 4 مايو 2024

حلول غائبة وسيناريوهات مفخخة إلى أين تتجه المنطقة؟

صورة أرشيفية

28-11-2023 | 20:59

تقرير: محمد رجب
47 يومًا مرت على اشتعال الحرب الأشرس فى منطقة الشرق الأوسط بين دولة الاحتلال و«حماس» فى قطاع غزة، لتكتب تحولًا هو الأخطر والأبرز فى عمر القضية الفلسطينية، بل والمنطقة كلها والتى تحولت إلى أكثر بقاع الأرض توترًا إلى حد الاقتراب من حرب إقليمية إذا استمر التصعيد الإسرائيلى ضد الفلسطينيين المدنيين وسفك مزيد من دمائهم، بعد أن تخطى عدد شهدائهم لنحو 13 ألف شهيد وما يجاوز 30 ألف مصاب جراء قصف متواصل للأخضر واليابس، وكل ما يتحرك على أرض القطاع تسبب فى وقوع نحو 1300 مجزرة ارتكبها جيش الاحتلال، وفق بيانات فلسطينية رسمية دفعت الملايين من كل دول العالم، للخروج ضد ممارسات الإبادة الجماعية التى تُرتكب بحق الفلسطينيين، رغم صمت حكوماتهم التى منحت بهذا الصمت إسرائيل الضوء الأخضر لمواصلة مجازرها لتزيد الأزمة والمنطقة غموضا، دون أن تحدد أى جهة دولية أو دولة معنية سيناريوهات محددة لما قد يستشرفه مستقبل المنطقة.. والسؤال الآن إلى أين تتجه المنطقة هل إلى التصعيد وربما الحرب الشاملة.. أم إلى التهدئة وإعادة ترتيب الأوراق والقوى؟ وما هو مصير غزة، بل القضية الفلسطينية وما هو مصير إسرائيل نفسها؟. اللواء محمد إبراهيـم: يمكن أن نصل إلى الانفجار فى أى لحظة اللواء محمد إبراهيم، نائب رئيس المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، يرى أن تصاعد التوترات الحالية فى المنطقة وخاصة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يمكن أن يؤدى فى مرحلة لاحقة إلى توسيع دائرة الصراع، وبالتالى دخول أطراف إقليمية ودولية إلى هذه الدائرة شديدة الخطورة وغير المحسوبة، وهو الأمر الذى حذر منه الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ تفجر الأوضاع فى قطاع غزة يوم 7 أكتوبر الماضى، ومن الواضح أن استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية فى قطاع غزة قد أدى إلى نتائج كارثية فى مواجهة المدنيين الفلسطينيين العزل الذين يتعرضون لأبشع أنواع التدمير والقتل والعقاب الجماعى والتهجير القسرى، ولا يزال منحنى هذه العمليات الوحشية فى تصاعد دون أن تتجاوب إسرائيل مع كافة المطالب الداخلية والخارجية لوقف إطلاق النار وإعطاء فرصة لهدنة إنسانية تنقذ سكان غزة من مزيد من الدمار اليومى. «إبراهيم» يشير إلى أنه فى ظل التوترات الحاصلة فإنه لا يمكن استبعاد احتمالات تفجر الموقف، خاصة مع دخول كل من حزب الله والحوثيين إلى ساحة المعركة مدعومين من إيران، وبالرغم من أن الأوضاع بين إسرائيل وحزب الله ما زالت تخضع حتى الآن لضوابط محكومة نسبية، فإنها يمكن أن تنتقل من هذه الحالة إلى حالة انفجار لا يمكن لأى طرف أن يسيطر عليها، ولا سيما فى ظل ما حدث مؤخرًا من اختطاف الحوثيين سفينة تجارية يابانية فى جنوب البحر الأحمر، وما يمكن أن يطرحه ذلك مستقبلًا من تأثير على حركة التجارة العالمية. وأضاف «إبراهيم» أن الأوضاع الحالية فى المنطقة يمكن توصيفها بأنها مرحلة التحرك فى حقل ألغام يمكن أن تشهد انفجارًا فى أى وقت، إذا استمرت هذه الأوضاع فى التصعيد، ودون أن تكون هناك بعض الضغوط الأمريكية على إسرائيل لكبح جماحها ووقف عملياتها فى قطاع غزة، وهو المفتاح الرئيسى لتهدئة الأوضاع فى المنطقة، ويشير إلى أنه بالرغم من طبيعة الأحداث المتوترة والمتصاعدة فى المنطقة، فإن هناك إمكانية أن تتجه الأطراف إلى تهدئة الموقف من خلال ضرورة البدء فى التحرك السياسى من الآن، وبلورة رؤية متكاملة للتسوية السياسية للقضية الفلسطينية، وهو ما تؤكد عليه مصر وتحديدًا وضع مبدأ حل الدولتين موضع التنفيذ، وبشرط أن تسعى القوى المباشرة والمعنية إلى أن تتجاوب ولو مرة واحدة مع صوت العقل والمنطق، وأن يبتعد المجتمع الدولى عن تبنى مبدأ المعايير المزدوجة التى أدت فى النهاية إلى أن أصبحت إسرئيل دولة فوق القانون ترفض كافة قوانين وقرارات الشرعية الدولية التى تطالب بحل سياسى للقضية الفلسطينية، ومن ثم فإن المنطقة أصبحت مهيأة لمزيد من التوترات ما دامت الأطراف المختلفة تتعامل مع الأوضاع الحالية بمبدأ الصراع، وفى رأيى أن منطقة الشرق الأوسط لن تشهد استقرارًا وأمنًا، إلا إذا إتجهت كافة الأطراف إلى التعامل بين بعضها البعض بمبدأ البحث عن المصالح المشتركة والتركيز على مساحات التوافق بينها، وهو الأمر الذى لا يزال بعيدًا وغير مطروح على الساحة الدولية. السفير عاطف سيد الأهل: التجييش الأمريكى فى المنطقة هدفه منع فتح جهات أخرى ضد إسرائيل السفير عاطف سيد الأهل، سفير مصر الأسبق فى إسرائيل، قال إن فكرة مصير المنطقة وهل تتجه إلى حرب إقليمية واسعة ومدى ارتباط ذلك بتطورات الأوضاع فى غزة ومستقبل القضية الفلسطينية.. كل هذه الاستفسارات يجب أن تكون من خلال رؤية ومنظور الجهات الفاعلة فى المنطقة، فحزب الله يمثل التهديد الأمنى الأكبر على إسرائيل من حيث إمكاناته التسليحية، وأعداد قواته، وتجربة حربه مع إسرائيل فى عام 2006، وبحسب دراسة صادرة عن مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية الأمريكية بواشنطن هو التنظيم الأكثر تسليحًا فى العالم، كما سبق أن صرح وزير الدفاع الإسرائيلى، يوآف جالانت، بأن الحزب لديه قدرات تعادل عشرة أضعاف قدرات حركة «حماس»، فى حين يطبق حزب الله سياسة المساندة والتخفيف، والاستنزاف فى تعامله مع إسرائيل، فعملياته فى شمال إسرائيل مازالت محدودة ولم ترتقِ حتى الآن إلى مرحلة الحرب، ولكنها فى طور التشويش على تركيز الجيش الإسرائيلى، كما أنه يمارس أسلوب خلق حالة من عدم اليقين لدى صانع القرار الإسرائيلى حول مواقفه المستقبلية من الحرب فى غزة، أيضا تبادل إيران رسائل مع الولايات المتحدة عبر قسم رعاية المصالح الأمريكية فى طهران (سفارة سويسرا) مفادها أن طهران، بوكلائها، لا تريد توسيع الحرب، ورغم ذلك، فإن مخاطر الحرب الإقليمية مازالت قائمة، وسبق أن حذرت القيادات الإسرائيلية السياسية والعسكرية «حزب الله» من الدخول فى الحرب معها، من خلال استدعائها القوى الاستعمارية (الولايات المتحدة والغرب) لمساندتها فى حال توسع الحرب أو الدخول فى الحرب على عدة جبهات، كما أن إسرائيل لا تتحمل حربًا طويلة أيضا نظرا لكلفتها السياسية والاقتصادية والعسكرية. «سيد الأهل» أضاف أن الجنرال عاموس يادلين، مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق ومدير مركز دراسات الأمة الإسرائيلى حاليا، أكد فى وقت سابق أن الوقت ليس فى صالح إسرائيل، سواء فى الاقتصاد أو بالنسبة للضغوط من الخارج على إسرائيل.. وأن الجيش الإسرائيلى بعيد عن تحقيق أهدافه، كما يرى عيران عتصيون، نائب رئيس مجلس الأمن القومى الإسرائيلى السابق، أن فتح جبهة الشمال مع حزب الله على الحدود هو «غباء استراتيجى»، ورغم ذلك فهناك ضغوط من القادة العسكريين الإسرائيليين للقيام بضربة استباقية ضد حزب الله، إلا أن الولايات المتحدة ترفض ذلك تماما. وقال: أما فكرة التجييش الأمريكى فى المنطقة فهو مرتبط أساسا بمنع فتح جبهات أخرى ضد إسرائيل، وكتحذير مباشر لإيران وحزب الله، فالوجود الأمريكى بمثابة ردع لأى قوة إقليمية تمثل خطراً حقيقيا على دولة إسرائيل، كما نشر بايدن مقالا فى «واشنطن بوست» هذا الأسبوع حدد فيه عددا من اللاءات (لا لاحتلال غزة _لا للحصار _لا تهجير _لا تهديد إسرائيل)، مؤكدا ضرورة إعادة توحيد قطاع الضفة الغربية وغزة تحت حكم سلطة فلسطينية متجددة، وأن الحرب فى قطاع غزة جعلت حل الدولة أكثر حتمية من أى وقت مضى، وطالب بإيقاف العنف من جانب المستوطنين فى الضفة الغربية، وحول الرؤية لقطاع غزة ما بعد الحرب. «سيد الأهل» يشير إلى أنه بشأن قطاع غزة، ظهرت العديد من السيناريوهات التى تتناول التعامل مع القطاع ما بعد الحرب، الأول ما يراه التيار الدينى اليمينى المتطرف فى إسرائيل حول ضرورة إعادة احتلال القطاع وعدم منح حكم غزة للسلطة الفلسطينية أو لأى جهة، مع أهمية السيطرة على سكانه الذين سيبقون هناك، وأنه من الأفضل تهجير سكان غزة، واستعادة مستوطنات «جوش قطيفا». الثانى فهو ما أعلن عنه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أن إسرائيل ستتولى فترة غير محددة مسئولية الأمن الشامل فى قطاع غزة بعد أن تنتهى من مهمة القضاء على حماس. والثالث هو ما أبلغت به إسرائيل الولايات المتحدة موافقتها على نشر قوات دولية فى قطاع غزة بعد انتهاء الحرب. والرابع هو ما صرح رئيس إسرائيل «إسحاق هيرتسوج» لصحيفة «فايننشال تايمز» بأن إسرائيل لا يمكنها ترك فراغ فى غزة، وسيتعين عليها البقاء على قوه هناك لمنع حماس من الظهور مجددا فى قطاع غزة. «سيد الأهل» أوضح أن كل هذا يكشف أنه بشكل عام لا توجد لدى إسرائيل خطة واضحة لكيفية التعامل مع غزة ما بعد الحرب، كما أنه لا يوجد لديها أيضا خطة لكيفية إنهاء الحرب حاليا وترفض تولى السلطة الفلسطينية حكم غزة ما بعد الحرب، لأن ذلك سيكون إعلانا لإقامة دولة فلسطينية، لافتا إلى أنه تجرى حاليا مناقشات بين الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية وأطراف فلسطينية أخرى وعدد من الدول العربية حول خطة ما بعد الحرب، وإن كانت هذه المشاورات فى مراحلها المتقدمة، لكن لا توجد دولة تستطيع تولى إدارة قطاع غزة دون وجود مسار سياسى واضح، والسلطة الفلسطينية يمكن أن تتولى ذلك فى مراحل لاحقة بعد تحديد مسئوليتها، أما الأيام الأولى لما بعد الحرب فى غزة، فالولايات المتحدة والاتحاد الأوربى يدعمان وجود قوات حفظ سلام أممية فى غزة. وبالنسبه لمستقبل إسرائيل، أكد «سيد الأهل» أن مجتمع القادة السياسية والعسكرية متخوفون من مسألة المحاسبة «بعد الحرب» والأخطاء التى ارتكبوها وتسببت فى «طوفان الأقصى»، خاصة أنه على المستوى الدولى فإن الخطة السياسية ستفتقدها إسرائيل ولن تكون لها المصداقية التى كانت تتمتع بها من قبل، وربما تتعطل عمليات التطبيع معها، أما الوضع بالنسبة للفلسطينيين، فالمستقبل ربما يتمثل فى تشكيل وجه جديد للسلطة، وإحياء شرعيتها فى غزة حتى تتمكن من إدارة القطاع والأمر يتوقف على رؤية بايدن وواشنطن لحل الدولتين، والأهم ألا يكون الحل مماثلا لصفقة القرن التى طرحها ترامب التى عكست تحولا لقضايا الحل النهائى (مسألة القدس) واللاجئين، والحدود مقابل الاقتصاد. العميد محمود محيى الدين: نقترب من صراع إقليمى عنيف الخبير الاستراتيجى، العميد محمود محيى الدين، قال إن الموقف الراهن على وشك التحول إلى صراع إقليمي، متجاوزا بذلك فكرة الحرب بين إسرائيل وحماس كطرفين، خاصة مع الدعم الأمريكى للجيش الإسرائيلي، وكذلك مساندة إيران للمقاومة على الجانب الآخر. وأشار «محيى الدين» إلى تطور الموقف الراهن وتداعياته على مسرح عمليات الشرق الأوسط فى عدد من النقاط، منها أن إسرائيل ستتمسك بموقفها فى استمرار توجيه «ضربة كبيرة» لحماس فى قطاع غزة، وبالتالى ستواصل عملياتها العسكرية خلال الأيام المقبلة، لافتا أن الولايات المتحدة دعمت تل أبيب سياسيًا وعسكريًا بشكل كبير، ولن تتنازل عن هيبة الردع الأمريكي، فى المقابل لن تسمح إيران بالقضاء على أحد حلفائها فى المنطقة، وبالتالى فنحن أمام «معادلة صفرية» ستكبد المنطقة بأسرها خسائر قد تستمر لسنوات طويلة. وحول ملف التهجير وتصفية القضية الفلسطينة، أضاف «محى الدين» أنه من ناحية فإن مصر والأردن، تقفان ضد «مخطط التهجير»، وتطالبان بضرورة حصر الصراع ومنع تمدده، لأن ذلك يعنى توسعًا فى صراع قد لا يمكن التعامل معه، مشيرا إلى أنه حال اشتراك «حزب الله» فإن الأمور قد تخرج عن السيطرة، وحتى الآن الوضع عبارة عن «شد وجذب»، ورسائل سياسية بين الأطراف المتنازعة، وبالدرجة الأولى بين الولايات المتحدة وإيران.. وأكد «محيى الدين» أن هناك «سيناريو» خطيرًا بأن تتجه إسرائيل لفصل قطاع غزة والتدخل بالقنابل الذكية وضرب البنية التحتية والاستيلاء على القطاع بشكل كامل، وبالتالى تحدث أضرار كبيرة بالبنية العسكرية لكتائب القسام، وحينها فالوضع مرشح للانفجار، ويمكن أن يتردد صدى بداية مرحلة من الحرب الشاملة فى المنطقة عبر مجموعة من الملفات الإقليمية بشرق المتوسط بما فى ذلك لبنان وسوريا، إلى شمال إفريقيا، وصولا إلى إيران. ويمكن أن تكون الآثار واسعة لأنها يمكن أن تؤثر على التوازن الدقيق فى سوريا، فضلًا عن القلق من تورط الجماعات الموالية لإيران التى يمكن أن تنشط من خلال فتح جبهة إضافية تتجاوز الجبهة التى تشتعل مع حزب الله». د. أحمد يوسف: إسرائيل تبحث عن هيبتها المفقودة.. و«حماس» تعتبرها معركة وجود أما د. أحمد يوسف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: فقال إن مرحلة ما بعد حرب غزة يجب أن تتضمن الحديث عن حل دائم ومستدام قائم على إقامة دولة فلسطينية مستقلة وحل الدولتين، وليس الحديث عن غزة وإدارتها. وأضاف أن القضية ليست قضية إدارة قطاع غزة، ولكن حل يضمن الاستقرار والسلام فى المنطقة، وهذا الحل لن يكون عبر القوة العسكرية التى أثبتت أحداث 7 أكتوبر فشلها فى التوصل إلى الحل، موضحا أن فرض الإرادة العسكرية والقوة بالنسبة إسرائيل فاشلة، خاصة أن الأمن الإسرائيلى أصبح فى خطر والإسرائيليين لن يقبلوا أى طرح من قِبل نتنياهو لمواجهة عسكرية جديدة، لافتا إلى أن الجرائم التى ارتكبتها إسرائيل تؤهلها لأن تحاكم أمام المحكمة الجنائية الدولية. «يوسف» ذكر أن المنطقة تشهد حاليا تحركات وأنشطة دبلوماسية مكثفة وخاصة، ويركز هذا الحراك الدبلوماسى على ثلاثة محاور أساسية، أولها إطلاق سراح الأسرى لدى حماس، وهو مطلب يمثل أولوية قصوى لأمريكا، لذلك يبدو النصر فى هذه المعركة وأن حماس لا تعتقل الجنسيات الأجنبية. وعن المدى الزمنى للحرب الدائرة، قال يوسف إن المعركة بالنسبة لحركة حماس «معركة وجود»، مستبعدا فكرة استسلام الحركة أو إمكانية الاحتلال القضاء عليها، لافتا إلى أنه من شأن ذلك إطالة أمد الحرب وإيقاع خسائر كبيرة بقوات الاحتلال الإسرائيلى، إضافة لتعرض الاحتلال لضغوط دولية داعية لوقف لإطلاق النار، والوقت لدى الاحتلال بدأ فى النفاد بسبب تزايد واتساع هذه الدعوات، خاصة أن الحرب ضد غزة لم تقتصر على حركة حماس، بل تحولت إلى حرب إبادة ضد المدنيين العزل؛ ما يخالف القانون الدولى، وهو ما وضع الولايات المتحدة أمام موقف محرج، بل أن واشنطن فقدت مصداقيتها فى العالم والشرق الأوسط. وحول احتمال تكرار سيناريو حرب لبنان فى 2006، أكد «يوسف» أن الظروف تختلف، لأن الاجتياح الإسرائيلى كان تطبيقا لما تبنته وزيرة الخارجية الأمريكية، كوندوليزا رايس «الفوضى الخلاقة فى الشرق الأوسط»، واختيارها لبنان باعتباره أضعف الميادين وقتها، وواشنطن استخدمت إسرائيل لتطبيق هذا المبدأ، لكن حزب الله نجح فى التصدى للعدوان وحقق مكاسب كبيرة ضد القوات الإسرائيلية، لكن حرب إسرائيل الحالية تختلف لأنها ضد الفصائل الممانعة لها، على رأسها حركة حماس، تليها منظمة الجهاد الإسلامى وغيرها، فى حين أن التصعيد على الجبهة اللبنانية بين حزب الله والقوات الإسرائيلية، هو تصعيد متبادل، وإسرائيل فى الوقت الراهن تطالب بعملية الردع، لكن ردع لبنان يختلف لأن حزب الله لديه القدرة العسكرية لتحقيق مكاسب ضد جبهة إسرائيل الشمالية، مستبعدا فتح إسرائيل جبهة مع لبنان، لأن الشمال الإسرائيلى يتواجد فيه نسبة كبيرة من السكان، إضافة لوجود مصادر المياه ومنطقة غنية زراعيا، ما يجعل إسرائيل حريصة ألا تفتح جبهة جديدة مع حزب الله. وأشار «يوسف» إلى أن إسرائيل تبحث كيف تعيد هيبتها، وتأمل أن تجد جبهة ضعيفة لإعادة هيبة الدولة، وهنا يتضح أن ما يحدث فى غزة لا يأتى من إسرائيل وحدها، بل إن هناك تحالفًا دوليًا لتحقيق هدف جيوسياسى واقتصادى وأيضا الهيمنة والسيطرة، وهذا هو الأمر الأهم بالنسبة لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل فى المنطقة، بالإضافة إلى تعزيز دور إسرائيل فى منطقة الشرق الأوسط، ولو على حساب جيرانها السياسيين، وذلك من خلال القضاء على جميع أشكال المقاومة الموجودة فى المنطقة، أو بما جعلها مقاومة شكلية بسيطة، وسحب جميع الأسلحة من جميع أنحاء المنطقة. وتابع أن الهدف أيضا هو الحد من دور روسيا الجيوسياسى، وتقويض طموحات الصين الاقتصادية، وسحب الأسلحة العسكرية الإيرانية لتقليص دورها تدريجيا فى المنطقة، موضحا أنه يمكن أن نخلص إلى أن هناك خططًا تدريجية وممنهجة تهدف إلى القضاء على حماس، ثم حزب الله، ثم الميليشيات الشيعية الموجودة فى سوريا والعراق، ولاحقا وصولا إلى إيران، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وربما تقليصها بالقوة. د. طارق فهمى: الشرق الأوسط يتأهب لتغيير محتمل الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أكد أن المنطقة تتجه للتصعيد خاصة بعد واقعة اختطاف السفينة الإسرائيلية فى البحر الأحمر وهو ما يشير إلى أن هناك مخططا لتوسيع نطاق الحرب، وبالتالى فنحن أمام مخطط لتوسيع نطاق الحرب الجيوسياسية، ومن ثم فإن القضية ليست مَن يربح ومَن يخسر لأن هناك معادلة صفرية ستؤثر على المنطقة كلها، والأرجح أن مستقبل المنطقة فى اتجاه عدم الاستقرار، وأن القضية الفلسطينية كما هى لم تتحرك، ولا يمكن إلا من خلال ضمانات دولية وعملية سلام شاملة، وفى رأيى هذا أمر مستبعد فى الوقت الحالى، أما فى إسرائيل فالوضع فيها خطير، خاصة فى ظل الانقسامات الداخلية والجميع هناك، خاصة مسئوليها فى انتظار لجنة المحاسبة لأخطاء ما حدث فى السابع من أكتوبر. وأوضح «فهمى» أنه لا يمكن وضع مخطط زمنى للأزمة التى من الواضح أنها ستطول وتحتاج إلى تحركات دولية وخاصة عربية التى بدأت بالفعل فى التحرك وفق مقررات القمة العربية الأخيرة، كما أن مصر تتحرك بكل قوة علي كافة المستويات لتحقيق التهدئة. «فهمى» يرى أن صورة مستقبل قطاع غزة لا تبدو واضحة، وكيفية الحكم بعد وقف إطلاق النار، والبدء فى إجراء الترتيبات الأمنية والاستراتيجية التى لن تقتصر على السلطة الفلسطينية فقط مثلما طرح وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بيلنكن، ومدير المخابرات المركزية ويليام بيرنز، إضافة إلى كبار مسئولى الإدارة الأمريكية الذين يجرون حوارًا استراتيجيًا مستمرًا بشأن الصيغة التى سيتم التعامل بها مع القطاع. «فهمى» يلفت أن الملاحظ هو أن ما سيجرى فى غزة قد يجرى فى مناطق أخرى فى الإقليم، خاصة التعامل مع الوكلاء فى الإقليم، والذين يتحركون من خلال توجيهات إيرانية مباشرة، حيث ستركز إسرائيل على ضرورة التعامل معهم بصورة، أو بأخرى، أو على الأقل إعادة ترتيب الخيارات والسيناريوهات سواء بالنسبة لـ«حزب الله»، أو التيار «الحوثي» مرورًا بالحشد الشعبى والفصائل الفلسطينية فى لبنان، وفى الجنوب السورى ما سيدفع إلى تعاملات جيدة، وبما يخفف الضغوطات على سياسات إسرائيل المستهدفة سلفًا من الفصائل الفلسطينية، مثل حركتى «حماس» و«الجهاد»، إضافة للتيار «الحوثي» من واقع استهداف إيلات، والتداخل فى البحر الأحمر وآخرها اختطاف السفينة فى اليمن؛ مما سيمثل تحديًا جديدًا للدول المطلة على البحر، وليس فقط لإسرائيل، وبما سيرتب واقعًا أمنيًا جديدًا يمكن البناء عليه فى المدى المتوسط. وأضاف أن الشرق الأوسط سيتأهب بالفعل إلى تغيير محتمل، ومتوقع فى ظل التعامل مع مهددات الإقليم، وتحدياته الكبيرة، والتى يمكن أن تعلن عن نفسها فى المدى المنظور، خاصة فى خضم ما يجرى من تطورات سياسية واستراتيجية وأمنية، ومن المؤكد أن ما يجرى فى حسم ملف غزة سيكون مرشحًا للتكرار فى أزمات أخرى فى الإقليم إذا تم تهديد مصالح الدول الكبيرة، والتى لا يمكن أن تصمت جراء ما سيحدث من تطورات، خاصة أن انتهاء أزمة غزة - فى ظل أى سيناريو متوقع فى المديين القصير والمتوسط الأجل - سيرتبط بمحاولات إعادة تقسيم مناطق نفوذ جديدة فى الإقليم، أو المساس بوضعه سواء بالنسبة لما يجرى فى الأراضى الفلسطينية، ومناطق أخرى فى ظل مقاربات مفتوحة، وسيناريوهات عدة، منها عودة استخدام وتوظيف القوة العسكرية وهذا لن يحل الأزمة الهيكلية الخاصة بالصراع العربى الإسرائيلى على سبيل المثال، بل ستؤدى إلى مزيد من المواجهات المباشرة والخطيرة، وربما حرب شاملة فى الإقليم بل واتساع رقعة المواجهات إن لم يكن اليوم فغدًا، فإسرائيل - إن مضتْ - ومن ورائها الولايات المتحدة فى مسارها التصعيدى فى التعامل، ورفض كل الأصوات الرشيدة الداعية للتهدئة، فإن كل السيناريوهات المحتملة ستمضى فى اتجاهات متعددة تركز على دفع الإقليم لحافة الهاوية.