السبت 11 مايو 2024

صفعتنى فكرة؟!

سحر رشيد

5-12-2023 | 17:21

بقلـم: سحر رشيد
ذلك الدور وذلك النص وهذا الرداء.. وسيط لتواؤمات العالم المرفوض.. نتبادل الأدوار ولو مؤقتا.. حلم الأمن لأنفس موجوعة.. تزاحم وضجيج لفانتازيا المشاهد الدرامية.. من مكان لمكان وزمان لزمان.. نسير للوراء.. نحلق بالفضاء.. أدوار مربحة لمجهول فى خيال وروح عالقة تسابق الخطوات مهما شاخت ملامحها.. ممثل قدير يوزع الحقائق المستعارة على من حوله.. انبهار واستحسان واستحالة ولا توفيق!!.. نضرب.. نتساقط نبتلع ما تساقط بنفوس جائعة.. تكسر ظهورنا.. يمحى أثرنا فى أدوار الحقيقة الواحدة للقصة القصيرة . يتملكك اليأس فتصفعك الفكرة من فرط تعب وسلطان المفروض حولك وتبعثرات تملأ نفسك.. تحاول معها أن تتخيل أمرا فتتحلى بشىء من الشجاعة لتتخطى الكثير فى لحظات مؤقتة بأدوار مؤقتة.. ننتقل من مؤقت لآخر بحذر أو بدون حذر.. ربما نقوى.. ربما نمتلك مقاليد أمرنا فلا نرى أى ضعف أو انهزام فى أدوار ننشدها وأخرى ننكرها.. ألاعيب فوضوية وصيحات مكتومة تدفعنا لتمثيل أدوار ورسم ملامح غير ملامحنا.. فراغ وحزن.. قلق ومرض.. نذهب ونعود وقد نكتفى أو لا نكتفى.. وهكذا وكأننا نخلق أشياء جديدة.. مناورات مع النفس أو مباراة تشترط النصر لا الهزيمة.. فما أصابنا يكفى لانكسار أى جديد مع واقع يرفض الشكوى والتذمر.. ومعها تصير وحدك من يملك قرار تغيير دورك المعتاد أو المفروض.. قد يكون دور غيرك الذى يحلو لك تتبعه فى تربص لسقوطه لتنقض موضعه أو أى دور آخر ترى فيها الراحة.. ربما بسبب الوهم والألم والإجبار على التضحية ما جعلنا موضع عناء.. ولا يهم استحقاقك للدور فتكفى رغبات الكآبة التى تحملها لتصير أصدق الدوافع.. فتنتظر الفرصة وتتحين الطرق لاستقبالها للإفصاح عما يجول داخلك.. قد نرتجل أدوار فى نصوص حتى ولو كانت مستحيلة.. ربما كنا مدفوعين بالغضب والقلق بفوات الفرص والحزن من الخسارة، لكننا فى النهاية مصرون على التمسك بالحياة حتى ولو كانت مشاهد مستحيلة.. نموذج مثالى خلقناه وسط تراكمات واقع ملىء بالسلوك غير العادل يفوح بالأنانية والظلم.. تنافس أو قد تتصور منافسة لتمنى نموذج جاهز الصنع.. ونردد أن الوقت قد حان لنترك ما نعانى والحقيقة أن أنفسنا هى ما نعانيه.. فهل نتركها؟!.. فهى من التسلط بأن تسمح لأمور أن تتمكن منا وأخرى تصفعنا فى إرهاق ويأس.. فنبتعد ونهرب ونعود ونيأس ونتوسل ونرجو ونحاول أن نسترضى أنفسنا فى قسوة ولين.. حالات من الحوار.. نعتزل ونندمج وننخرط فى سيناريوهات وحوارات نخلقها أو نتوقعها.. ورغم ذلك لا نتوقع الخطأ أبدا!!.. رغم أن الخطأ ساكن داخلنا ونحن من ننكره ونستمر فى البحث عن دور يرضينا.. نحو انتصار يحمينا من الانحراف.. نموذج نتربع به على قمة الاستحواذ بعدما سئمنا صور التفانى فى التضحيات الظالمة المليئة بفروض الولاء والطاعة . وتتمدد أنفسنا فى المجرد رغم وجودنا ضمن قيود الزمان والمكان الذى تحركنا لخوض صراعاتنا.. لكننا من نخلق مطلقا يناسبنا فى سيناريوهات محكمة مهما كنا مهزومين.. فنحن نخلق الثقة فى ذواتنا برغبات الاستحقاق من فرط تحملنا لشخصيات مركبة دون أن ندرى.. يمتزج معها الواقع بالطموح والأمل بالحسرة فى وقت لا يملك أحد المسار النهائى لما يكون عليه.. ونندفع فى تعظيم لعرض قدراتنا لتولى مهام الأدوار المنتظرة.. فيصبح الكل فى مطاردات الطمع فى دور غيره.. تحرشات.. استفزازات فى حكايات مكررة وأدوار كذلك حتى المعاناة.. ورغم ذلك نخوضها ونبحث معها عن الاتزان حتى ولوكان هناك قدر من المبالغة فى الأداء . والغريب أن نماذج الأدوار يفرضها الواقع المجتمعى، وقد تكون من القسوة ما تخلق صورا من الفصام والتهديد النفسى فتشتعل صور الإقبال والتهافت على الأدوار المغرية التى لا يعوضها شىء مما يخلق تزاحما وضجيجا.. ومعه ترى الواقع لا يختلف كثيرا عن الفانتازيا المليئة بكل للمشاهد الدرامية فى كافة صورها.. سواء صراعات التغييرات الاجتماعية والاقتصادية أو حتى تلك التى تحمل كوميديا سوداء أو سخرية لاذعة من فرط الاحباطات الذى تتوجها صراعات البقاء ومعها تنتقل النفس من حال لحال ومكان لمكان. وتصير حالاتنا فى حالات مستمرة لرفع الستار لأداء أدوار متعددة بعضها لنابه مجتهد قد يتعايش بشكل ما مع داخله فيبهر من حوله.. وقد تكون مفروضة تشع بلادة وزيفا، وقد تكون تطوعية تفوح بروح الضحية المنكسر.. البعض يؤدى دوره فى خفة ورشاقة والآخر من الركاكة ما تكره أداءه.. فى مشاهد تدفعنا للتزاحم والنسخ والتكرار والمحو.. مرغمين على التنقل بين بعضها ومع بعضها لنشعر وكأننا ندفع دفعا فى واقع يعاكسنا، فلا الأمر أمرنا ولا الدور دورنا.. قد يصبح الصمود دورا فى حد ذاته إذا ما فرضت علينا أدوار ننكرها أو كانت سببا فى واقع غير مريح . ليظل لغز النفس البشرية وفطرتها والمبادئ التى تحملها هو المحير.. حالة معقدة قد يعجز الإنسان نفسه عن فهمها.. وقد يزداد عجزه وضعفه فى مواجهة القيود الذهنية والجسدية والعاطفية التى يحملها داخله فى مواجهة الواقع.. فى محاولات بين الفهم واللافهم تمثل حركتتا فى الواقع تجاه بعضنا البعض وتجاه الأشياء وحتى أنفسنا.. وقد تعجز النفس أحيانا عن مواجهة قيود التحليق نحو آفاق حرة.. فتتمادى وتزداد فى البحث عن الخارق البعيد عن الواقع الجامد فى محاولات تصيبها دائما بالانكسار تحمل داخلها معاناة وكبت وسط جموع من التشابه فى الرغبات وربما فى السلوك وإن بدا للبعض غير مألوف.. وهنا تتجلى المقارنة النسبية فى صور من الفرض المقنع بين دور وغيره.. نختار تحت قيود مجتمع يدفعنا نحو التوحش والتخويف أو نحو النفاق والتملق.. وبسببها قد ينفصل الإنسان عن ذاته ويحيا تشوها.. فى مناخ من شح الفرص وندرة الموارد والتهافت على المصالح والتوزيع غير العادل ما يعزز التصارع والقبول النسبى فى مشاهد عشوائية تغيب معها سمات المجتمع المتزن، الذى يحمل أعضاءه على الاجتهاد والتحلى بالكفاءة.. فيتملك قلة عددية أدوار المكاسب ولا تسمح لأى من غيرهم أن يشاركهم أو ينتزعها منهم ولو بشكل مؤقت.. فلا يتبقى شىء يذكر خارجهم من مكاسب.. فلا طبقات أو مكاسب.. صراع يفضى لكلية وعدمية فى المكسب.. فإما مكسب وإما خسارة.. وأى واهم يدفعه خياله المريض أن يحلم كبتا وسرا عليه أن يكون محاذر أن يشعر أحد بما يجول فى خاطره وإلا صار منبوذا أو مضطهدا.. فقوة الدفع الغاشمة من النفوذ والسيطرة تحاصر ممن فى دائرة الضوء.. وقد يحتدم الصراع وقد ينتصر وقد يتلاشى وقد يصل من الجمود والرفض ما يكسره فيتناثر فى الفضاء دون عزاء أو أسى. لكننا لا نمل البحث عن أدوار رائعة ننتقل فيها من حالات الفراغ والعشوائية والانفصال عن ذواتنا إلى مشاهد مكتملة.. زاعمين رغتبنا فى الخلود رغم أنه لاخلود ولا شىء يبقى.. فلا ذاكرة تحمل العرفان مهما كانت جماليات الأودار الملعوبة وجحم الانبهار المصاحب بها، فالكل فى ذاكرة الزمن نسيان.. جهد يتساوى مع لا جهد.. كل أمام الكاميرات يمثل لنفسه ولصالحه مع أنفس ماهرة أو فاشلة.. نعلق أنظارنا دائما بأدوار جديدة حتى ولوكانت قديمة.. مخرج ووسيط لنتواءم مع واقع مفروض حتى ولو كان معلقًا بين الوعى واللاوعى . فتنعدم العلاقة العضوية بين الدور والنص ففى الغالب تكون غير مهمة لدى الطامح فى الدور.. على اعتبار أن الشكل الظاهرى للدور شارح نفسه ويملك شكلا غير كاشف للصعوبات الكامنة، ما يحمل على الرغبة فى القيام به.. فالكل يرى فى نفسه قدرات تمثيلية مهما كانت المعاناة.. إذن فالنصوص والسيناريوهات فى الغالب لا تحمل التجربة لصاحبها، يكفيها ما تحمله من نعيم منتظر . والتساؤل إذا كان الأمر بهذه البساطة من أين تأتى المعاناة؟!.. فالوقائع الصعبة التى نحياها والتى يزيد من تعقيدها سرعة الانتقال بينها فيضطر العقل للنسيان والتيهان فى التفاصيل بعدما تقطعت أنفاسه فيستسلم، ويكف عن إطلاق التساؤلات ويصبح أرضية خصبة للانصياع، خاصة مع تلاحق الصدمات، فالصدمة فى حد ذاتها قد تكون جيدة إذا ما توقف صاحبها عندها وأخذ من الوقت ما يسمح له بالاستيعاب والتعقل والتحليل، وبعدها ينتقل لمرحلة من التهيؤ لاستئناف النشاط، وبذلك يستمر عقله فى التشارك والتعاطى.. فنحن فى واقع لا نملك معه حتى رفاهية رد الفعل.. مشاهد سينمائية صافعة تفرض أدوارا وسيناريوهات ونهايات الكل فيها محرد كومباس، يشارك فى العروض وينفذ أوامر المخرج دون أن يعرف السبب . ويدفعنا هذا الأمر للتساؤل لماذا إذن ينتقل العقل إلى مرحلة الرغبة فى التبادل الأدوار؟!.. قد تكون بسبب وقت استغرقه فى التفهم والاستيعاب بقدرات عقلية خاصة أو خلسة من الزمن فتطلع للأفضل.. وقد تكون من شدة الألم والتعاسة التى قد يتمنى معها المرء أن يكون دوره المضاد.. وقد يتمنى دور غير مرئى خيالى وغير مطابق لمواصفات الواقع.. وقد تلعب أحلام اليقظة غير الصحية دورا لاستحالة تطبيقها على أرض الواقع على الرغم من أنها وسيلة للترويح عن النفس . والغريب أن هذه الحيلة يلجأ إليها معظمنا كما لوكنا أطفالا تقطعت بهم السبل فى تحقيق ما نصبو إليه وصرنا مجبرين على الكثير والكثير، فلا نجد فى نصوص الواقع ما يلبى طموحاتنا أو حتى نشعر بالراحة معها ولا نستطيع إنتاج نصوص تناسبنا.. فنتحايل على واقعنا وعلى قوانينه، التى تحاصرنا سواء كانت بيولوجية أو حتى وضعية وسط ضجيج أصحاب النصوص الواقعية أو خادميها من الهتافين والمنتفعين الذين يؤكدون دائما جودتها حتى ولو كانت رديئة.. فيصيروا الممثلين والجمهور فى آن واحد.. وتتعالى صيحاتهم بالإشادة والتصفيق.. ورغم ما تحويه دواخلنا من أزمات وهدوء لتكون الدافع نحو التوحد والتنافر المجتمعى إلا الواقع المجتمعى دائما يملك خيوطا تجمعنا تنحاز للبعض وتشتد فى مواجهة الآخر دون إرادة منا . وهكذا نحيا فى نصوص مكتوبة وأخرى مرتجلة.. لا أنا ولا أنت ولا أي من غيرنا يستطيع أن يمسك بمقاليد حياته كما يريد.. قد تدفعنا الحياة الفطرية لتوهم حياة غير قابلة للتحقق على أرض الواقع.. حياة لا يتوحد فيها أحد حتى ولو تشابهت الظروف.. تصارعات تخلق أشكالا وتغيرات وتكشف عن وجهها الحقيقى الذى يدفعنا دائما لمحاولة اتقان العيش فيها.. تهتز خطانا ونتظاهر أننا امتلكنا أمرنا.. ممثلون بارعون نحاول أن نتظاهر بتحقق أمانينا.. فيصفعنا القدر أمام حقائقنا العارية بأننا هرمنا ومازلنا نلعب أدوارا غير أدوارنا.. مع أناس منقادة وأخرى معاندة بالاجتهاد وغيرها مسايرة فى خبث بكيفية مختلفة لنفس الفعل.. أبطال وكومبارس ومخرج ونص أدوات اللعبة التى يحياها الجميع بنفس العنوان ومحتوى الفكر.. تكرار واستنساخ وسأم واستسلام.. سكة القدر التى نسير عليها فى مجردات ومجردات يكسوها الشغف المزيف.. لا مكان لاستقرار ولا سعادة حتى مع بطولة.. الكل مهمش والكل يعانى.. طيب وشرير.. ظالم ومظلوم.. الكل يمثل إحساسه بالسعادة المفقودة ويرفع شعار الرضا.. مع حاضر هو الماضى والمستقبل.. لا جديد دائما.. لا جديد خلقنا وانتهينا كما بدأنا.. نتفاعل ونتأثر بعبارات جوفاء.. دافعة.. محبطة وكأن أقدارنا مجرد أفكار تصوغها عبارات نفعلها ونضخمها ونحتقرها ونتلاشى مع كلمة النهاية لكل دور مكتوب بعناية القدر .