الأربعاء 8 مايو 2024

تغيير سياسى جذرى بعد فوز خافيير ميلى بالرئاسة مستقبل غامض يحيط بالأرجنتين

صورة أرشيفية

5-12-2023 | 19:40

تقرير: سلمى أمجد
فى بلد غارق فى أزمات اقتصادية متعددة، حاول العديد من الرؤساء السابقين تحسين الأوضاع إلا أنهم فشلوا فى تحقيق ذلك؛ ليبعث انتخاب الليبرالى خافيير ميلى، الذى فاز فى جولة الإعادة الثانية للانتخابات الرئاسية بـ56 فى المائة مقابل 44 فى المائة أمام منافسه وزير الاقتصاد اليسارى سيرجيو ماسا، برسالة واضحة مفادها أن الأرجنتينيين يريدون التغيير وكان هو المرشح الأكثر احتمالاً لتحقيق ذلك. وسيكون على الرئيس المنتخب الجديد مواجهة سلسلة من التحديات أبرزها، الحكم بدون أغلبية فى بلد يعانى من أزمة وعد بإعادة تأسيسه، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية الهائلة للنهوض ببلاده. ولد خافيير جيراردو ميلى فى حى باليرمو، فى العاصمة بوينس آيرس، فى 22 أكتوبر 1970. حصل على شهادة فى الاقتصاد من جامعة بلغرانو الخاصة، وعلى درجتى ماجستير من معهد التنمية الاقتصادية والاجتماعية وجامعة توركواتو دى تيلا الخاصة. وهو سياسى يمينى متطرف بدأ حياته المهنية كأستاذ وخبير اقتصادى ومؤلف للعديد من الكتب حول الاقتصاد والسياسة، قبل أن يرتقى إلى الصدارة السياسية. وجاء صعوده إلى القمة سريعا بعد أن كان غير معروف نسبيًا قبل فوزه فى الانتخابات التمهيدية فى أغسطس الماضى. لكن أسلوبه المتهور، ومقترحاته المتطرفة لحملته الانتخابية، فضلاً عن تسريحة شعره الجامحة، لفتت الانتباه إليه. حيث قام ميلي، الذى يصف نفسه بالرأسمالية الفوضوية، بتوجيه غضب الناخبين بشأن الأزمة الاقتصادية العميقة وسنوات من الخلل الاقتصادى للفوز بفارق كبير فى جولة الإعادة يوم الأحد قبل الماضى. وقال ميلى فى خطاب النصر الذى ألقاه بعد فوزه «اليوم تبدأ نهاية الانحطاط» وتنطلق «إعادة إعمار الأرجنتين»، محذرا من أنه لن تكون هناك «أنصاف حلول». واقترح تغييرات جذرية عندما طرح فى برنامجه الانتخابى «علاج الصدمة» لمواجهة المشكلات الاقتصادية وإعادة التوازن إلى حسابات الدولة. وهدف هذا البرنامج إلى تقليص الإنفاق العام بنحو 15 فى المائة. حيث يعيش فى الأرجنتين اليوم أكثر من 18 مليون شخص بمعدل 40 فى المائة من إجمالى السكان فى فقر، فضلا عن معدل تضخم سنوى بلغ 143 فى المائة فى الأشهر الـ12 الأخيرة حتى أكتوبر الماضى، وفقا للأرقام الرسمية. بالإضافة إلى دولرة الاقتصاد ، والتعامل الرسمى بالدولار الأمريكى، فى ظل التراجع المتواصل فى قيمة «البيزو»، العملة الرسمية. مع إعلانه أن السيطرة على التضخم قد تستغرق ما بين 18 و24 شهراً من أجل «إعادته إلى أدنى المستويات الدولية». كما أكد أنه لا يعتزم إلغاء الضوابط على الصرف فوراً، لأن هذا الأمر من شأنه أن يؤدى إلى «تضخم مفرط». وجدد أيضا رغبته فى إلغاء المصرف المركزى الأرجنتينى فى نهاية المطاف، متهماً أنه «يسرق» المواطنين، وعدد من وزارات الخدمات الأساسية، مثل الصحة والتعليم. كذلك عزم على خصخصة عدد من الشركات العامة الكبرى مؤكداً «أن كل ما يمكن وضعه بيد القطاع الخاص سيذهب إلى القطاع الخاص» لتحقيق توازن فى الموازنة ينشده صندوق النقد الدولى الذى منح الأرجنتين عام 2018 قرضا بقيمة 44 مليار دولار، تعانى حتى الآن لسداده. وبعد ساعات من إعلانه المضى فى عمليات الخصخصة، سجلت أسعار أسهم الشركات الأرجنتينية فى سوق المال الدولية ارتفاعات تجاوزت 30 فى المائة. كما طرح إنهاء العمل بالدعم فى مجالات النقل والطاقة، وتحرير الأسعار، وإلغاء الضرائب على الصادرات. وليس الاقتصاد فقط هو ما يريد ميلى إحداثه حيث تعهد بتخفيف قوانين الأسلحة فى بلد ارتفع فيه عدد الجرائم بشكل ملحوظ فى السنوات الأخيرة. وحظر الإجهاض الذى تم السماح به فى عام 2020. بالإضافة إلى تأييده المثير للجدل للمتاجرة بالأعضاء البشرية. لكن العديد من الخبراء يتوقعون أن يتعارض ما خطط له ميلى مع نظام الضوابط والتوازنات فى الديمقراطية الأرجنتينية، لأنه سوف يفتقر إلى الأغلبية فى البرلمان خاصة مع تصدر الكتلة البيرونية (وسط يسار) والكتلة اليمينية. وقد أثار فوز خافيير ميلى ردود فعل متباينة فى جميع أنحاء العالم - بما فى ذلك العداء من جانب بعض اليساريين فى أمريكا اللاتينية، والدعم المبدئى من آخرين. حيث قوبل بالعداء من قبل الرئيس المكسيكى اليسارى أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، الذى صرح أنه يحترم حكم الناخبين، لكنه يعتقد أن فوز ميلى من غير المرجح أن يخفف من مشاكل الأرجنتين. كما أعرب الزعماء اليساريون فى فنزويلا وكولومبيا عن أسفهم لنتائج الانتخابات التى جرت ،ووصف الرئيس الكولومبى جوستافو بيترو النتيجة فى منشور على موقع «إكس» بأنها «محزنة لأمريكا اللاتينية». فى حين لجأ الرئيس البوليفى اليسارى السابق إيفو موراليس، الحليف الوثيق للحكومات البيرونية السابقة فى بوينس آيرس، إلى وسائل التواصل الاجتماعى للتأكيد على أنه «لن يتمنى أبدًا النجاح للفاشية والمحافظة المتطرفة والليبرالية الجديدة». لكن على الجانب الآخر، كان زعماء يساريون آخرون فى أمريكا اللاتينية أكثر دعما. حيث أعرب الرئيس التشيلى غابرييل بوريتش عن أطيب التمنيات لميلى. وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ذكر ميلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل سيكونان حليفيه الأساسيين مع تأييده على نقل سفارة الأرجنتين من تل أبيب إلى القدس، كما فعل الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب. كما كشف عن زيارة يغلب عليها الطابع «الروحانى» قبل تسلمه مهامه فى العاشر من الشهر المقبل، إلى كل من الولايات المتحدة وإسرائيل مؤكدا تركيزه على ما أسماه «المحور الأميركى – الإسرائيلى». كما صرح عن وقف العلاقات مع الشركاء التجاريين الرئيسيين للأرجنتين - الصين والبرازيل، مشيرا إلى أنه يرفض التعامل مع الشيوعيين والاشتراكيين. وقال إن الأرجنتين لن تشارك فى مجموعة «بريكس»، حيث تمت دعوتها للانضمام بدءا من 1 يناير 2024، ولا تنوى العمل مع روسيا. وفى أعقاب فوزه، توقف الرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا عن تهنئة مايلى شخصياً، وبدلاً من ذلك قدم تهنئته للمؤسسات التى نفذت العملية الانتخابية. فى حين تعهدت الصين بالعمل معه على الرغم من تعليقاته الانتقادية. و فى المحصلة، يعد فوز ميلى بمثابة خروج لبلد ذى مشهد تقليدى - وهو المشهد الذى تهيمن عليه فى كثير من الأحيان الحركة السياسية البيرونية. وبدلا من ذلك، هناك نوع جديد من السياسة يتشكل - سياسة يقودها سياسى غالبا ما تتم مقارنته بالرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب والزعيم البرازيلى السابق جايير بولسونارو. وتتبقى رؤية الشكل الذى ستبدو عليه الأرجنتين بعد هذا التغيير فى الوقت الحالى.