الثلاثاء 21 مايو 2024

رغم المذابح والقتل الممنهج.. سقوط جوهر الأمن القومى الإسرائيلى

رغم المذابح والقتل الممنهج.. سقوط جوهر الأمن القومى الإسرائيلى

5-12-2023 | 21:39

بقلـم: د. رفعت سيد أحمد
الآن وبعد (الهدنة) فى غزة.. وبعد قرابة الشهرين من الحرب العدوانية الإسرائيلية على المدنيين والأطفال والمستشفيات.. ثمة سؤالان أساسيان يفرضهما هذا الفصل الدامى فى قصة الصراع، الأول: لماذا الإيغال الإسرائيلى فى الدم الفلسطينى هكذا؟! ولماذا كل هذا الدمار والنازية ضد كل ما هو حى فى أرض غزة؟! والسؤال الثانى: والمرتبط مباشرة بالسؤال الأول هو: هل تأثر مفهوم (الأمن القومى الإسرائيلى) فعلا.. بعملية «طوفان الأقصى»؟ أم أن ثمة مبالغة فى الأمر؟ الإجابة الهادئة والموضوعية على السؤال الأول.. هى أن دولة الاحتلال وجيشها الإرهابى.. تعمدت (الإيغال فى الدم الفلسطينى) بهذا الشكل غير المسبوق تاريخيا فى فلسطين.. لأنها أرادت استبدال (صورة الجيش الإسرائيلى المهزوم) والفاقد لتوازنه التاريخى يوم 7 أكتوبر الماضى فى غلاف غزة.. بصورة أخرى يراد لها إسرائيليا أن تثبت فى ذاكرة وعقل العالم وفى عقل المرتبطين بقصة الصراع عربيا وإسرائيليا.. وأن يندم الشعب الفلسطينى على مقاومته ضد محتل غاصب ويمتد ندمه على (يوم 7 أكتوبر) وأن يتمنى ألا يتكرر ثانية.. وهذا لم يحدث وأظنه لن يحدث.. لماذا؟ لأن الشعب الفلسطينى عبر قصة الصراع الممتدة لأكثر من مائة عام أصلب وأقوى مما يظن العدو.. وقدم عشرات الآلاف من الضحايا دفاعا عن أرضه ومقدساته ودفع أثمانا باهظة فى سبيل ذلك.. وهو رغم شراسة وعنف هذه الجولة من الصراع.. فإنه باق فى أرضه.. مستمر فى مقاومته.. ولا تزال فى جعبته عشرات العمليات البطولية مثل عملية (طوفان الأقصى) ولذلك لن يتمكن العدو من إجباره عبر المذابح- 1400 مذبحة منذ 7 أكتوبر الماضى- على نسيان ذلك اليوم أو (الكفر بالمقاومة) كما يتمنى الكيان المؤقت وجيشه المحتل! أما السؤال الثانى: هل تأثر مفهوم (الأمن القومى الإسرائيلى) فعلا.. بعملية طوفان الأقصى؟ أم أن ثمة مبالغة فى الأمر؟ الإجابة المباشرة.. نعم تأثر وضرب فى أهم مكوناته التاريخية وهو أنه جيش لايقهر وأنه يحقق الأمن لدولته وأنه العمود الفقرى لدولة الاحتلال وقديما قال أحد فلاسفة دولة الاحتلال: (إسرائيل ليست دولة بنى لها جيش.. .بل جيش بنيت له دولة) هذا الجيش.. هذا العمود الفقرى.. إذ به يكسر ويباغت فى عقر داره فيهزم هزيمة منكرة صبيحة يوم 7 أكتوبر وهنا نستشهد بالحقائق والتى توالى نشرها عالميا خاصة ما يتصل منها بغلافها الاستيطانى المحتل وبالجدار الحديدى الذى انهار تحت ضربات (ألف مقاتل فقط من كتائب القسام) وهنا تقول صحيفة (الواشنطن بوست) الأمريكية والتى ذكرت عن أسرار ذلك الاقتحام الذى أذل الجيش الإسرائيلى وضرب مفهوم الأمن القومى التاريخى مرفقة ما تقوله بتقارير وفيديوهات ووثائق مهمة، مجيبة على السؤال التاريخي: كيف قام مقاتلو حماس بتحييد قوة الجيش فى منطقة الغلاف الاستيطانى وتحييد الكاميرات بعيدة المدى، وأجهزة الاستشعار المتطورة، وأسلحة التحكم عن بُعد من أجل اختراق السياج عالى التقنية -فى تكتيك معروف داخل الحركة باسم «خطة التعتيم». وأعادت الصحيفة تصميم الهجوم بتحليل مئات مقاطع الفيديو والصور المنشورة على الإنترنت، بما فيها المشاهد المُصورة فى 7 أكتوبر الماضى وأثناء إعداد مقاتلى حماس. كما راجعت مقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية من الكاميرات التى ارتداها المقاومون وبحثت الصحيفة عن اللقطات من كاميرات المراقبة الإسرائيلية، وتحدثت إلى شهود العيان. وفحصت الخرائط ووثائق التخطيط التى تم العثور عليها فى حوزة الشهداء من مقاتلى حماس. وعثرت الصحيفة فى بحثها على لقطات تُظهر 14 اختراقاً منفصلاً للحاجز. وحدد مراسلوها مواقع حدوث التوغلات عن طريق مقارنة تلك اللقطات بالخرائط، وصور الأقمار الصناعية، والبيانات الأخرى -وذلك بداية من معبر إيريز فى الشمال، وصولاً إلى معبر كرم أبو سالم فى الجنوب. بينما قالت إسرائيل إن الحاجز تعرض لنحو 30 اختراقاً إجمالاً. هذا وقد انتشرت على الشبكات الاجتماعية قبل شهور مقاطع فيديو تدريبية كانت واضحةً للجميع، وظهر فيها المسلحون وهم يهاجمون مجسمات تشبه المستوطنات الإسرائيلية. وتذكر التقارير الدولية المحايدة أن حماس كانت تُوسّع مساحة معسكراتها التدريبية منذ عدة سنوات، وهو نشاط يظهر على نطاقٍ واسع فى الخرائط المتاحة عبر الإنترنت. وقد حددت الصحف الأمريكية لاحقا الموقع الجغرافى لتلك المعسكرات، بالاعتماد على التضاريس والسمات المميزة الأخرى التى تظهر فى مقاطع الفيديو التدريبية. وأظهرت مقاطع الفيديو المنشورة على الشبكات الاجتماعية بعد الهجوم، أن مقاتلى حماس كانوا يتدربون على التكتيكات المستخدمة فى اختراق السياج منذ شهور. لكن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أخطأت فى الحكم على نوايا حماس، بحسب المحللين. إذ اقتنع المسئولون بأن الحركة لا تريد الحرب. لهذا وجّه الجيش الإسرائيلى الكثير من اهتمامه مؤخراً للتركيز على الاضطرابات فى الضفة الغربية -ونقل بعض جنوده إلى هناك. المعنى الأساسى المستخلص أن عملية «طوفان الأقصى» قد ضربت مرتكزات نظرية الأمن الإسرائيلية بالكامل؛ فلم تردع القوة الإسرائيلية كتائب القسام عن التفكير فى شن هجوم واسع يشمل عشرات المستوطنات والمواقع الإسرائيلية، ولم تتمكن الاستخبارات الإسرائيلية من الحصول على أى معلومات مسبقة عن الهجوم، ونجح المقاتلون الفلسطينيون فى السيطرة على مساحات واسعة من الأراضى المحتلة للمرة الأولى. ووفقا للخبراء الدوليين فقد أيقظ هذا الانهيار للجيش الصهيونى المحتل مجدداً هواجس احتمال انهيار دولة الاحتلال فى ظل صمود الفلسطينيين وصلابتهم رغم القمع والحصار، كما قوّض الشعور بالأمان والاستقرار الذى أتاح المزيد من عمليات الهجرة والاستيطان خلال العقود الأخيرة. وكذلك انهارت نظرية الردع الإسرائيلية، وتهاوت نظريات «كى الوعى» و«جز العشب»، وأثبتت مقاربة «المعركة بين الحروب» فشلها فى تقويض قدرات المقاومة، أو ردعها عن تنفيذ هجوم ضخم مثل الذى نفذته صبيحة 7 أكتوبر. وخلاصة القول هنا إنه وبعد أن تسكت المدافع والمذابح سيكتشف الإسرائيلى ومعه من ساعده من الغرب بحاملات طائراته أن أمن هذا (الكيان المؤقت) قد ضرب فى قلبه ويحتاج لسنوات طويلة لإعادة ترميمه.. وأن مادفعه الفلسطينيون من تضحيات وأثمان ستمثل عبر التراكم التاريخى بدايات (دولتهم المستقلة الحرة والكاملة من البحر إلى النهر) التى بنيت بالدم والمقاومة.. وما بنى بالدم لن يموت أو يسقط أبدا.. .هكذا تقول سنن التاريخ وتجزم!