السبت 25 مايو 2024

نهاية حرب غزة

الكاتب الصحفي عبد القادر شهيب

6-12-2023 | 06:59

بقلـم: عبدالقادر شهيب
نستطيع الآن أن نلمح فى الأفق وعلى امتداد البصر نهاية لحرب الإبادة التى قام بها الإسرائيليون لأهل غزة، رغم توعد قادة إسرائيل أهل غزة باستئناف تلك الحرب بذات الوحشية والضراوة بعد انتهاء الهدنة المؤقتة، التى جاءت فى إطار صفقة الأسرى والتى تضمنت أيضا مضاعفة المساعدات الإغاثية لأهل غزة. فهذه الصفقة أكدت للإسرائيليين، خاصة أهالى وأسر الأسرى لدى حماس والمنظمات الأخرى المسلحة فى غزة، أنهم لن يستعيدوا أسراهم بالسلاح والتدمير وإبادة أهل غزة، وإنما بالعمل الدبلوماسى والتفاوض مع حماس عبر وسطاء.. وبذلك افتقد قادة إسرائيل أحد أهم سببين لتلك الحرب الوحشية وهو استعادة الأسرى.. فرغم القتل والتدمير والتخريب والحصار القاتل والحرمان من الغذاء والدواء والماء والوقود، لم يعد لهم سوى جثة أسيرة واحدة فقط لا غير فقدت حياتها، كما قالت حماس، بنيران إسرائيلية خلال القصف الجنونى على القطاع، والذى دمر أكثر من ثلث مبانيه ومنشآته وخرب معظم مستشفياته.. وبذلك فقدت تلك الحرب الوحشية نصف دوافعها المعلنة من قِبل الحكومة الإسرائيلية والقادة العسكريين الإسرائيليين.. أما النصف الثانى من الدوافع المعلنة إسرائيليا رسميا لتلك الحرب والمتعلق بتصفية حماس والقضاء على حكمها للقطاع، فقد عجزت إسرائيل عن تحقيقها بعد نحو الخمسين يوما من القتل والتدمير والحرق والتفجير.. فهى فى نهاية المطاف اضطُرت للقبول بالتفاوض مع حماس لتحرير بعض وليس كل الأسرى الإسرائيليين لديها، وهو ما يتضمن اعترافا ضمنيا بأن حماس لم تفقد سيطرتها ودورها فى قطاع غزة، وهو ما تبين أيضا خلال عملية تسليم الأسرى الإسرائيليين للصليب الأحمر، حيث تمت تلك العملية من مناطق مختلفة فى القطاع، بل إن الدفعة الثالثة من الأسرى الإسرائيليين تمت فى شمال القطاع الذى اقتحمته القوات البرية الإسرائيلية، كما أخفقت فى محاولات هذه القوات منع عودة سكان الشمال النازحين لتفقد منازلهم خلال أيام الهدنة.. وبذلك فقدت هذه الحرب دوافعها كلها لدى قطاع إسرائيلى يتسع يوما بعد آخر، وبالتالى لا يستطيع جيش الاستمرار طويلا فى حرب لا يقتنع الرأى العام الداخلى بجدواها وضرورتها، حتى لو كان المزاج العام فى إسرائيل الآن يتسم بالتطرف ومنح تأييده لحكومة نتنياهو للقيام بها بعد صدمة السابع من أكتوبر، لكنه بعد استمرارها طوال هذا الوقت سوف تتسرب له الشكوك فى قدرة حكومته الحالية على إدارة مثل هذه الحرب الآن، خاصة مع تكلفتها الباهظة بشريًا واقتصاديًا. أما خارج إسرائيل فإن هذه الهدنة الموقتة أسهمت فى زيادة الضغوط الشعبية فى أمريكا وأوربا على حكوماتها لتحويلها إلى وقف نهائى للقتال.. فهذه الهدنة أتاحت للعالم أن يرى تفاصيل بشاعة ما ألحقه الإسرائيليون بقطاع غزة وأهله، من خلال الصحفيين والإعلاميين الذين سجلوا بالكاميرات حجم الدمار الهائل الذى ألحقه الإسرائيليون بالمقومات الأساسية للحياة فى القطاع، والطريقة الهمجية البشعة التى تعامل بها الإسرائيليون مع المدنيين، والجثث الملقاة فى الشوارع والطرقات والتى أصابها التحلل.. كل ذلك أثار ومازال يثير غضب البشر الأسوياء فى أى مكان فى العالم ومنها البلاد الأوربية، وهذا الغضب مرشح للتزايد مع عودة إسرائيل بعد انتهاء الهدنة لممارسة الوحشية التى عاملت بها أهل غزة قبلها، وهو ما أكده قادتها السياسيون والعسكريون وأُبلغ به نتنياهو، كما قال الرئيس الأمريكى بايدن.. ولن تتحمل الإدارة الأمريكية والحكومات الأوربية أن تتجاهل طويلا هذا الغضب الشعبى، وستكون مضطرة لتفاديه والاستجابة للمطلب المتزايد الآن الخاص بوقف إطلاق النار وإنهاء تلك الحرب البشعة والوحشية.. وبالتالى سوف تضطر هذه الحكومات إلى ممارسة الضغوط على إسرائيل لوقف إطلاق النار فى غزة وإنهاء الحرب والحصار المفروض على أهلها.. والبداية كانت فى موقف كل من رئيسى حكومة إسبانيا وبلجيكا.. وبعد الحديث عن تكرار الهدنة الإنسانية المؤقتة سيأتى حديث وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب. وسوف يرتفع أعلى صوت المطالبة عالميا بوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب بالطبع، إذا ما استمرت القوات الإسرائيلية التى اقتحمت شمال قطاع غزة تواجه مقاومة مسلحة، ومضت الأيام دون أن تحقق سيطرة كاملة على الأراضى التى تتواجد فيها الآن داخل شمال القطاع، وأيضاً إذا استمرت إسرائيل تعامل المدنيين فى القطاع بذات القسوة والوحشية التى تعاملت بها معهم على مدار أكثر من شهر ونصف الشهر.. نعم، ستحمل الأيام المقبلة مزيدا من مشاهد الوحشية الإسرائيلية، ومشاهد صمود ومعاناة أهل غزة، لأن الوقف النهائى للحرب لن يحدث غدا ويحتاج إلى بعض الوقت، ولكنه الآن بدأ يلوح فى الأفق ويمكن رؤيته ورصده، على عكس ما كان قبل تلك الهدنة القصيرة التى توقف فيها إطلاق النار، وقبلت كرها إسرائيل ذلك حتى تستعيد عددا من أسراها فى غزة.. أما بعد أن نصل إلى وقف إطلاق النار بشكل دائم ومستمر، فإننا سنبدأ فصولا جديدة فى القضية الفلسطينية، الفصل الأول فيها سيتركز على جلاء القوات الإسرائيلية من القطاع، والفصل الثانى فيها إعادة مقومات الحياة الآدمية لأهل القطاع، والفصل الثالث فيها البحث عن حل نهائى للقضية الفلسطينينية، وكلها فصول متداخلة ومتشابكة تحتاج إلى جهود كبيرة وضخمة وعالمية.