السبت 18 مايو 2024

شهداء غزة في الجنة الآن


حنان أبو الضياء

مقالات6-12-2023 | 15:16

حنان أبو الضياء

● "الجنة الآن" يشرح ببساطة ما يحدث فى الارض المحتلة دوما؛ وآخرها مايحدث الآن فى غزة؛  مستخدما الأسلوب المشوق والإنساني ذوالحرفية التقنية اللافتة
● في خطاب قبول هاني أبو أسعد لجائزة جولدن جلوب، قال إنه يأمل أن تكون الجائزة اعترافا بأن الفلسطينيين يستحقون حريتهم والمساواة دون قيد أو شرط
● حظى الفيلم بحالة من تباين الأراء الفلسطينية مما جعله  يتوقف تصويره أكثر من مرة بفعل معارضة تنظيمات فلسطينية لبعض مضامينه
قيل إن فيلم "هاني أبو أسعد" "الجنة الآن PARADISE NOW" فيلم (استشهادي).. وفى الحقيقة إنه عمل يدين بشدة قتل البشر، ولكنه يرى أن العمليات "الانتحارية" بمثابة رد فعل إنساني جدا على الاحتلال. ويرى المخرج "أنها قصة أسطورية توراتية، أن تقتل نفسك مع العدو، مؤكدا أنه يعيد كتابة الأسطورة من وجهة النظر البشرية، ومن وجهة النظر الفلسطينية، ومن وجهة النظر الواقعية وليس من مفهوم استشراقي.
إننا أمام عمل يمكن وصفه "بالحيادي الإيجابي". عمل يشرح ببساطة ما يحدث فى الأرض المحتلة دوما؛ وآخرها ما يحدث الآن فى غزة؛ مستخدما الأسلوب المشوق والإنساني، ذوالحرفية التقنية اللافتة، ممتلكا جرأة الطرح لتناول قضية حساسة، فالاستشهاد جزء كبير من البطولة الفلسطينية، ونحن في مجالها لم نقدم شيئا أمام أسطورية الفعل الذي يخرج صاحبه به عن دائرة البشر العاديين، وبذلك نكون بحاجة ماسة لأفلام تقول جزءا منها، ناقلا وقائع العيش في الأراضي الفلسطينية المحتلة على حقيقتها، وتوازنها الذكي في ضوء تباين مواقف شخصيات الفيلم وأبطاله.
نحن الآن نعيش مع فدائيين قبل (24 ساعة) من تنفيذهما عمليتين استشهاديتين.. نعيش تفاصيل حياة شابين، خالد وسعيد الصديقين الحميمين، وبطلي الفيلم اللذين يعملان في ورشة لتصليح السيارات تطل على مدينة نابلس، يظهران في الورشة وهما يصلحان سيارة، لكن يأتى صاحبها ويدخل فى نقاش محتدم  معهما، حول اعوجاج الصندوق الذي ركباه لسيارته، فرغم وضوح الصورة أنهما أحضراه جديد مائة بالمائة، ولا يشاهد أي منهما الاعوجاج الذي لا يراه سواه.. ويصر صاحب السيارة ويتمادى رغم محاولاتهما إقناعه باعوجاج بصره من خلال ميزان يقيسون به سلامة الصندوق وصحة نظرهم.
فيأخذ مطرقة ثقيلة ويهوي بها على المكان ويقول: "الآن لا شك بأن الصندوق أصبح سويا". إنه مشهد استهلالى رمزى لما يحدث فى فلسطين الأمس واليوم وغدا.
فيلم "الجنة الآن" من إخراج المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد وإنتاج بيرو بيير. وقام بكتابة السيناريو كل من المخرج هاني أبو أسعد وبيرو بيير وبيرري هودكسون.
ولأهمية الفيلم في خلق التعاطف مع البطل بالأفلام الروائية الفلسطينية قدمه حمزة محمد توفيق الخطيب كرسالة للحصول على درجة الماجستير تحت عنوان -فيلم الجنة الآن- نموذجا "دراسة تحليلية".. وبالنظر إلى طبيعة هذه الدراسة التي تهدف إلى معرفة دور عناصر السينما في خلق التعاطف مع البطل في الأفلام الروائية الفلسطينية، فقد اعتمد الباحث المنهج الأكثر ملائمة لدراسة هذا النوع من الظواهر وهو المنهج التحليلي. وقد خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج بأن الفيلم قد طرح مجموعة من القضايا الاجتماعية والسياسية إلى جانب الأسباب التي أدت إلى ظاهرة العمليات الاستشهادية، مقدما مجموعة من أطراف الصراع والاهتمامات والمسؤوليات.
كما أظهرت الدارسة التحليلية للعناصر السينمائية أنها لعبت دور كبير من خلال توظيفها لخلق والإيهام السينمائي المحاكي للواقع من حبكة وصورة وصوت وتصميم منظر لتكتمل الصورة الواقعية وخلق الشعور لدى الجمهور بالتعاطف مع البطل الاستشهادي من خلال منحه تجربة حقيقية للعيش داخل المشهد مع البطل وكأنه جزء من الحدث.
وفى الواقع أن الملفت بالفيلم تكريسه لمجموعة أسئلة عن معنى الحياة في ظل الاحتلال، وعن الرغبة في الموت والانطلاق نحو حياة أخرى، وعن تعامل الأبطال أمام انعدام الخيارات، وعن أي طرق النضال هي الأجدى والأفضل بما يميزك عن المحتل الذي يقتلك وذلك دون إجابات مطلقة أو محددة.
ولكون الصديقان قررا القيام بعملية استشهادية في "تل أبيب"، فبوسعهما قضاء الليلة التي من المقرر أن تكون آخر ليلة لهما في أوساط عائلتيهما في مدينة نابلس. وبعد لقائهما مع القائد، مجهول الفصيل، يلتفان بالأحزمة الناسفة، لكن الأمور تذهب نحو قدر آخر، فبعد عبورهما حدود الأسلاك الشائكة تفاجئهم دورية عسكرية إسرائيلية، يهربان بسرعة، يفلح خالد بالعودة بينما يتوه الآخر بين الأحراش، قبل أن يجد طريقه ثانية. وبين الوقتين تلغى العملية ويفك الحزام عن الأول "خالد" الذي سيسعي بجهده لإنقاذ رفيق عمره، وتدفعه الوقائع إلى لقاء "سهى" التي تدخل معه بجدل حول مفهوم النضال ومحاربة المحتل.
الفيلم طرح عدة  قضايا اجتماعية عن الفقر، والحياة اليومية تحت الاحتلال، العلاقات الاجتماعية والصداقة، السلوكيات والثقافات غير المقبولة في المجتمع الفلسطيني، بالإضافة إلى العامل النفسي والإنساني. والمنظور السياسى للفيلم تطرق إلى إعادة انتشار جيش الاحتلال في المناطق الفلسطينية، واندلاع الانتفاضة المسلحة لمقاومة الاحتلال، وتواجد الجيش في المناطق الفلسطينية. وفسر العمليات "الاستشهادية من وجهة نظر الفيلم وأسبابها السياسية، من تواجد قوات الاحتلال في الأراضى الفلسطينية، إجبار بعض الفلسطينيين على التعامل مع الاحتلال، لضعف الإمكانيات لدى المقاومة العسكرية الفلسطينية.. وكانت الحبكة والسرد القصصي موظفة لخلق التعاطف مع البطل.. كانت الصورة مؤثرة بما شملته من أنواع اللقطات والمؤثرات البصرية، وأوجدت تفسيرا لخلق التعاطف مع البطل. يمكننا اعتبار الفيلم رسالة مستمرة للغرب الذي يعتقد أن الاستشهادي وحش إرهابي، لكن الحقيقة أنه ليس وحشا بل شخص عادى يعيش الحياة اليومية بكل تفاصيلها، نزعة الاستشهادي ليست نتاج رغبته بالقتل.
واستكملت الصورة المؤثرة بتفاصيل عائلة خالد الفقيرة والمكونة من الاستشهادي خالد، وأمه، ووالده الذي لا يقوى على الحركة بعد أن قام الاحتلال بإطلاق النار على ساقه بشكل تعسفي مقصود، بالإضافة إلى أخته الصغيرة.. أما عائلة سعيد المنبوذة والمكونة من الاستشهادي سعيد، وأمه، ووالده الذي قتل على يد المقاومة بسبب تعامله مع الاحتلال، بالإضافة إلى أخيه في العاشرة من عمره، وأخته في السابع عشر من عمرها. وهناك رجال المقاومة وهم المسؤولين عن إدارة المقاومة والتخطيط للعمليات ويتكونون من القائد: العقل المدبر والرئيس الذي يظهر في الوقت المناسب فقط، جمال أستاذ المدرسة والفاعل في الميدان والمسؤول عن تجنيد الاستشهاديين. سهى ابنة الشهيد المناضل أبو عزام التي عادت مع والده من الخارج بعد اتفاق أوسلو، تلك الفتاة المستقلة التى تفكر بعقلية منفتحة، لديها وجهة نظر مختلفة عن أساليب المقاومة ونبذ الاحتلال، تتعرف على سعيد بعد أن قام بإصلاح سيارتها وتنشأ بينهما علاقة عاطفية. وأبو سليم صاحب جراج السيارات الذي يعمل به سعيد وخالد، غير المهتم والذى لا يبالى بشيء، يرى مصلحة الزبائن فوق كل شيء. إلى أبو الشباب الإسرائيلى المتعاون مع المقاومة حيث يتقاضى مبالغ طائلة لنقل الاستشهاديين من مناطق الضفة إلى الداخل المحتل في 48 لتنفيذ عملياتهم الاستشهادية.
من خلال عرض تفاصيل الاستعدادات النهائية للثنائي (الحلاقة، والصلاة، وتناول وجبة مثل العشاء الأخير) بكفاءة دقيقة تتعارض مع القضايا المركزية الشائكة في القصة، يجد الفيلم روح الدعابة القاتمة في اضطرار خالد إلى إعادة تسجيل وصيته الأخيرة فيديو بسبب خلل في الكاميرا (بينما يتناول المتفرجون وجبة الإفطار بشكل عرضي)، بالإضافة إلى المأساة المؤلمة في ليلة سعيد الأخيرة مع أمه وإخوته المحببين (الغافلين عن مهمته) الذين يخطط للتخلي عنهم. سعيد وخالد لا يحركهما التعصب الديني بقدر ما يحركهما الإذلال المضعف الذي يشعران به نتيجة الوجود العسكري الإسرائيلي في كل مكان (خاصة نقاط التفتيش الحدودية المسلحة)، مع عدم قدرة سعيد على التصرف وفقًا لرومانسيته. 
في خطاب آسر من مقطع واحد، يكشف فيه سعيد عن المرارة الشاملة التي تدفعه إلى تدمير نفسه باسم التحرر الوطني، يصور أبو أسعد الاستياء المضطرب الذي يجبر العديد من الشباب الغاضبين على مثل هذه الغايات الجذرية والمميتة. ومع ذلك، فمن خلال إدانة تكتيكات سعيد للقتل فقط بعد أن عرض بحماس قضية ضرورة الثورة الفورية ضد إسرائيل القاسية والمستبدة.
 تكمن اللحظة الحاسمة فى الفيلم عندما يصل "سعيد" إلى الحافلة الإسرائيلية، يجلس، ينظر، يبتسم، يضع يده على سلك حزام التفجير، ولا يظهر صوت انفجار، بل تقطع الصورة إلى بياض مفاجئ، حاد ومثير، وموسيقى بمثابة النحيب.
حظى الفيلم بحالة من تباين الآراء الفلسطينية مما جعله يتوقف تصويره أكثر من مرة بفعل معارضة تنظيمات فلسطينية لبعض مضامينه. فالبعض رأى أن تبسيط شخصية الاستشهادي بدافع سياسي يتمثل في معارضة المخرج للعمل الاستشهادي، بحيث خرجت الشخصية هزيلة مضطربة، تعاني من عقدة الذنب؛ وهذا تمثل كون والد سعيد كان عميلا لقوات الاحتلال، على اعتبار أن هذا كوَّن دافعا للفعل الاستشهادي وليس نتاج قهر الإسرائيليين وجرائمهم. بل إن البعض رأى أن ظهور الاستشهاديين في الفيلم كان بمثابة كومبارس ليس لهما هدف أو دافع أيديولوجي. أثناء تصوير الفيلم في نابلس قامت مروحيات إسرائيلية بقصف سيارة كانت قريبة من موقع التصوير مما جعل ستة من طاقم الفيلم يتخلون عن مشاركتهم في الفيلم بصورة نهائية.
تم اختطاف أحد العاملين في الفيلم من قبل مسلحيين فلسطينيين وتم إطلاق سراحه بتدخل من مكتب ياسر عرفات.
الفيلم إنتاج مشترك فرنسي، ألماني، هولندي تم ترشيح الفيلم مع 5 أفلام أخرى للحصول على جائزة أفضل فيلم غير أمريكي في مهرجان الأوسكار لعام 2006. الفيلم باللغة العربية ومدته 90 دقيقة.
استطاع المخرج هاني أبو أسعد بالرغم من اعتراض بعض الجهات الإسرائيلية الحصول عل مساعدات مالية من صندوق السينما في إسرائيل وعبر أبو أسعد مرارا أن تنفيذ الفيلم كان في غاية الصعوبة بسبب ظروف الانتفاضة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية.
أبطال الفيلم قيس ناشف بدور سعيد: ممثل فلسطيني من عرب 48 من مدينة الطيبة المثلث، من مواليد 1978، ليس معروفا على الساحة الفنية بعد، فبعد أن تخرج من معهد “بيت تسفي” للفنون المسرحية لم يقدم سوى ثلاثة أعمال: فليمان ومسلسلا تلفزيونيا، لكن كل من رآه في هذه الأعمال، يشهد بأنه فنان واعد. ففي فيلم “الجنة الآن” الذي أخرجه هاني أبو أسعد، وعرض في عدة مهرجانات دولية وحاز على 3 جوائز من مهرجان برلين السينمائي الدولي، لعب قيس دور البطولة إلى جانب علي سليمان.
علي سليمان بدور خالد: هو ممثل فلسطيني من مواليد مدينة الناصرة ابن لعائلة هُجِّرَت من قريتها صفورية في النكبة ١٩٤٨ بدأ مسيرته الفنية في المسرح حيث شارك في العديد من المسارح وقدم أعمال مهمة وأدى أدوار درامية، وكوميدية، وكلاسكية. ثم انتقل إلى السينما بأول عمل بطولي له في الفيلم الفلسطيني إخراج هاني أبو أسعد وبعدها في العام ٢٠٠٦ انطلق إلى العالمية من خلال مشاركته في أفلام استوديوهات هوليوود الضخمة ”اليونيڤيرسال” ضمن اشتراكه في فيلم “المملكة” للمخرج بيتر بيرچ وفيلم “جسد الأكاذيب“ ”ورنير بروز” مع المخرج المخضرم ريدلي سكوت وغيرها من الأعمال الضخمة.
لبنى أزابال بدور سهى: ممثلة مغربية من مواليد 15 أغسطس عام 1973 في بروكسل ببلجيكا درست التمثيل والغناء في معاهد متخصصة في بروكسيل، وشاركت في العديد من الأفلام، كان أولها فيلم “قيلولة الرمان” وصنعت تميزها من خلال الأدوار التي تتوافق وقناعاتها وتحمل في طياتها رسائل هادفة.
هيام عباس بدور أم سعيد: هي ممثلة ومخرجة فلسطينية، ولدت في مدينة الناصرة في عام 1960، نشأت في شمال الجليل بفلسطين، وهي فلسطينية من عرب 48، ونظرا لطموحها المتزايد قررت البعد عن الحياة التقليدية واختارت الفن دربًا لها، حيث درست التصوير وبدأت التمثيل على مسرح (الحكواتي) في شرقي القدس دون دراستها للفن أو التمثيل، وفي عام 1980 سافرت إلى باريس، والتحقت بصناعة السينما المحليّة من خلال آداء أدوار ثانوية كثيرة، قبل أن تؤدي دورًا رئيسيًا في فيلم (الحرير الأحمر) الذي حظي باهتمام كبير من قبل النقاد وبعدها تابعت مسيرتها الفنية في أعمال أخرى ضخمة.
وفي خطاب قبول هاني أبو أسعد لجائزة جولدن جلوب، وجه نداءً من أجل إقامة دولة فلسطينية، قائلاً إنه يأمل أن تكون جائزة جولدن جلوب "اعترافًا بأن الفلسطينيين يستحقون حريتهم والمساواة دون قيد أو شرط".
 

الاكثر قراءة