الأحد 16 يونيو 2024

«يا مزاجو لما يكون رايق!»

22-2-2017 | 11:09

وزير التعليم العالى والبحث العلمى الجديد الدكتور خالد عبد الغفار قال فى أول يوم وزارة كلاما كاشفا لعورة البحث العلمى فى مصر.. لابد من التوقف أمامه، ومن الخطيئة أن يمر مرور الكرام كما تعودنا على مدى عقود طويلة

 

العينة بينة، واليمين على من ينكر من أهل الذكر، فنحن فى ذيل القائمة عالميا فى العديد من المجالات بسبب غياب استراتيجية واضحة للبحث العلمى، فعلا العلم يرفع بيتا لا عماد له، والجهل يهدم بيت العز والكرم.

تخيلوا أن مصر أكبر دولة فى منطقة الشرق الأوسط تنتج أبحاثا علمية، ولكنها حبيسة الأدراج، ولا نجد لها مردودا تنمويا أو صناعيا، هذه ليست تريقة لا سمح الله، ولا مبالغة من العبد لله لكنها تأكيدات على عهدة الوزير، يا فرحتنا بالكم، فالعدد فى الليمون، وماكينة الأبحاث عطلانة لا تخرج قماشا ولا حتى خيوط أو زراير، ولن نقول ابتكارات أو اختراعات ولا اكتشافات خفيفة أو ثقيلة.

 وطالما الشيء بالشيء يذكر، طاف فى ذهنى عند مطالعة تصريحات المسئول الأول عن حال العلم والعلماء، حوار دار بينى وبين صديق قديم يدرس الهندسة فى ألمانيا، وتحديدا فى مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، عندما سألته عن طبيعة دراسته هناك، والفارق بين كلياتنا، ومثيلاتها فى برلين وأخواتها، فقال: فى الجامعات الألمانية لا مشروعات بحثية بشكل عشوائى، ولا دراسات من دون رعاة وممولين، ولنأخذ شركات المحمول مثالا، فالشبكات تتقدم للجامعة بالمشكلات الفنية التى تواجهها، فتعرض الأخيرة ملفات تلك التحديات على الطلاب لتختار كل مجموعة التصدى لبحث مشكلة محددة كمشروع تخرج فى نهاية «السمستر» أى الفصل الدراسى، فيدخلون فى حالة عصف ذهنى، ويقدحون زناد فكرهم بحثا عن حلول إبداعية، وغالبا ينجحون فى ظل العمل بروح الفريق، وهنا تكون المحصلة مكافأة مالية كبيرة يحصل عليها هؤلاء الطلاب مع تعيين بعضهم فى مناصب قيادية بالشركة.

طبعا مشاريع التخرج عندنا، ومن قبلها الأبحاث الشهرية ـ إن جاز أصلا أن نطلق عليها أبحاثا ـ مجرد تسويد ورق، وسد خانة لجمع درجات الشفوى، وغالبا يتحمل عدد محدود من الطلاب مسئولية تجهيز المشروع لباقى زملائه كنوع من الجدعنة أو لإعفائه من فاتورة النفقات، فضلا عن صعوبة التوافق فى ظل نظام تعليمى يكرث الأنانية، وبالتالى لا مجال للمقارنة بين طلابنا وطلابهم، والحسرة تتجسد فى أنه لا تجوز حتى مع باحثينا؟، فنحن فى كى جى بحث علمى وهم تجاوزوا الماجستير والدكتوراة بجد، وليس مجرد شهادات؟، بل الأكثر ألما أن أبحاث ودراسات أساتذة الجامعات لا غرض منها إلا الترقى، والغرض مرض كما يقولون، وبعضهم يقوم بسرقتها قص ولزق من باحثين فى الداخل أو الخارج بلا حرج أو حياء، «إذا لم تستحى فاصنع ما شئت”.

أزيدكم من الشعر بيتا أكثر قسوة، وزير التعليم العالى أكد أن «مصر بها أكبر عدد للباحثين فى المنطقة، حوالى ١٢٠ ألف باحث أو يزيد، وكل واحد بيعمل بحث علمى بمزاجه”، واأسفاه.. واحزناه.. حتى البحث العلمى بالمزاج بدون خطة، ولا هدف، كل واحد يبحث مع نفسه، «دى حساسية يعنى ولا زعل ولا إيه»، على رأى الزعيم عادل أمام فى مسرحية “شاهد ما شفش حاجة”، “يامزاجو لما يكون رايق .. طيب لو مضايق هيعمل إيه، هيصنع نووي بسلامته”.

دكتور عبد الغفار لم يتوقف عند هذا الحد، لكنه طالب بوضع أسس وعوامل تجعل منظومة البحث العلمى تطبيقية وليست نظرية، حتى تتم الاستفادة منها فى مختلف مناحى الحياة وتسخير الجامعات فى خدمة المجتمع، يا صلاة الزين على الشعارات التى صدعنا بها وزراء البحث العلمى ورؤساء المراكز البحثية السابقون، هذا اتهام صريح لكل واحد فيهم، وكافة المؤسسات المعنية دون أن نستثنى أحدا أو جهة، فهم مدانون بجريمة إهدار أموال دافعى الضرائب فى أبحاث لا طائل منها، وميزانيات سنوية بالمليارات راحت هباء منثورا على مرتبات شهرية، ومعامل لا تسمن ولا تغنى الوطن من جوع إلى حل أزماته العضال بالابتكارات والاختراعات القابلة للتنفيذ.

أطالب مجلس النواب أن يستدعى وزير التعليم العالى والبحث العلمى السابق الدكتور أشرف الشيحى؛ لأنه كان دائما يصدر صورة وردية عن جامعاتنا ومراكزنا البحثية لا وجود لها إلا فى خياله، ويكفى أنه لم يقُم بزيارته لأى منها على مدى فترته الوزارية إلا في الاجتماعات الرسمية، وتجاهل مشكلات الباحثين وتركهم فريسة البيروقراطية والروتين، إلى جانب مطاردة قيادات هذه المراكز بطلبات الإحاطة والبيانات والاستجوابات لكشف سوء إدارتهم، وفى الوقت نفسه المجتمع المدنى مطلوب منه أن ينصب لهؤلاء الوزراء والمسئولين المحاكمات الشعبية جزاء وفاقا لتقصيرهم فى أداء وجبات مناصبهم، وعلى الوزير الجديد أن يدرك أنه مسئول عن البحث العلمى وليس التعليم العالى فقط كما فعل أسلافه لإصلاح المنظومة، فالوضع لا يتحمل مزيدا من الفوضى والتراجع. والله أعلم.