الخميس 23 مايو 2024

صرخة عربية!

22-2-2017 | 13:49

بقلم –  د. السيد فليفل

الناظر إلى أحوال الوطن العربي اليوم يستطير شراً مما يجد، فقيادات اتفقت على الاختلاف، وتنفيذ أجندات القوى الخارجية وهي تعلم أنها متى سلمت قائداً عربياً سيكون الدور التالي عليها، ومع ذلك تمضي فى الاستجابة للضغوط التي خلقها الناتو وراح ينفذها من أجل تفتيت الأوطان العربية كيما تتمكن إسرائيل من أن تكون القوة العظمى فى المنطقة. ويعلم القاصي والداني من بني العرب بين الماءين من المحيط إلى الخليج ومن الأوراس إلى خط الاستواء، أن إسرائيل هي طفل الناتو المدلل الذي يستخدمها لنكأ الجراح العربية والتي جعلها كما قال بن جوريون: «أكبر حاملة طائرات ثابتة فى العالم» يستخدمها الغرب ليفعل من خلالها ما يشاء بأوطاننا، ثم إنه بعد ذلك يقوم بدور الحكيم الذي يسعى إلى حل المشكلات.

تعجبت طويلا وأنا ألاحظ أن الدول الغربية وهي تتدخل فى ليبيا تقترح على الليبيين مقترحات تصعب عليهم التواصل وتشجع أحدهم على الآخر وتمنعهم من التوحد مرة أخرى، وإذا بأطراف ليبية تتضرع إلى الناتو ودوله كيما يقوم بعملية إعمار تعيد البلاد إلى ما كانت عليه، وهذا فى ظني هو أكبر تغفيل مارسه قادة ليبيا فى حق شعبهم فبعد أن كانوا صوت الناتو فى الدعوة إلى الفتنة الكبرى فى ليبيا، إذا بهم يطلبون من الذي دمر بلادهم أن يعمرها، مالكم يا قوم؟

فى العراق كان الذين يصخبون فى الهتاف للقائد المهيب ويتبارون فى المديح هم الذين جاءوا على الدبابات الأمريكية الداخلة إلى بلاد الرافدين من إيران، وقد شكل هؤلاء الخونة أكبر عمليات الخيانة المركبة فى التاريخ، فهم لم يقبلوا فقط أن يكونوا أحذية الناتو ولكنهم كانوا أيضاً سوط الفرس على ظهور أشقائهم. وفجأة ظهر العراق كياناً شائهاً غير الذي كنا نعرف فمن بعد فحول الشعر العربي ومن بعد فصاحة بلغاء الرافدين ظهرت لكنات فارسية تتولى حقائب وزارية، ولم يكتفِ هؤلاء الخونة بتمكين الناتو والفرس، بل لقد صارت المخابرات الإسرائيلية مدعومة ببعض الأشقاء فى الخليج تقوم على نهب وسرقة وتدمير الآثار العراقية فى المتاحف وفى العراء وتنقب تحت الثرى عساها تجد ما يدل على أن هنالك هيكلا أقيم يوما ما فى بابل، وكلما فشلوا ازدادوا إحراقا وتدميراً وتخريباً على نحو ما يفعلون فى فلسطين المحتلة التي عجزوا عن العثور عن هيكلهم المزعوم فى ثراها، بل إن خونة العراق تواضعوا على نظام تحالفى كتبه لهم المجرم بريمر بحيث يقيمون فى العراق دولة اتحادية، وتعلمون معنى الدولة الاتحادية فى بلد كان مركزيا، إنها دعوة صريحة للتقسيم، فأطل أكراد العرب بقرن النفاق يعلنون مسيرة يسمونها ظافرة صوب دويلة لهم فى الشمال، ويزعمون أن هذا المكان كان أرضا للأكراد وأن ذاك المكان كان أرضا للأكراد، فهاكم قبر صلاح الدين فى دمشق: فإليها فهبوا كي تكون دمشق عاصمة لدولتكم الكردية، هاكم قلعته فى القاهرة فتعالوا إلى القاهرة كي تكون عاصمة إفريقية لأحفاد القائد البطل الذي لو أطل اليوم عليكم لأشاح بوجهه بعيدا عن هذه الوجوه النكدة العميلة التي تدار أمورها من تل أبيب، قد يكون من حقكم أن تعبروا عن ثقافتكم الكردية فى إطار دولة عربية ولكن هل من حقكم أن تدمروا أمة العروبة والإسلام التي ما دخلتم التاريخ إلا بقائدها صلاح الدين بطل حطين ومسترجع القدس وحاكم مصر والشام والحجاز واليمن؟ إنكم اليوم تقفون أمام أحمد شوقي شاعر العروبة كردي الأصل، فكيف ترونه يقول فيكم بعد كل الذي صنعتم؟

والمذهل فى عرب الخليج أنهم يتبنون اليوم الدعوة إلى الديمقراطية فى بقية الدول العربية الأخرى وذلك من قبل أن يمارسوها هم فى ديارهم، فتجد فى إعلامهم من يتحدث مؤيداً الثورة فى كل قطر عربي إلا فى بلده، أما هو ففى وطنه المحلي يلعق حذاء الملك والسلطان والأمير، وعندما تدخلوا يوماً ما لتحريض صدام حسين على مجابهة تصدير الثورة الإيرانية ووقفوا من خلفه يدعمون إلى أن تركوه فى منتصف الحرب يواجه الفرس وحده فإنهم أثبتوا أن العروبة منهم براء، لم نقُل نحن إن العروبة منهم براء، ولكن انبرى منهم شاعر واثنان وثلاثة وعشرون وثلاثون يحتقرون ما صنع حكامه والحمد لله أن القاهرة وبيروت لاتزالان تطبعان الشعر العربي، يبقى ديوان العرب شاهدا على فحولتهم فى الشعر وأيضا على فحولتهم فى الخيانة، وأخيرا على فحولتهم فى الاعتراف بالخيانة.

وأكثر المواقف تناقضاً أن قادة الخليج يرون الفرس يتمددون فى اليمن، وكأنهم غير موجودين فى العراق، يا أيها الأخوة العرب إن الفرس فى العراق مستوزرون ويخترقون الوزارات كافة ويديرون الأمن ويوقعون التفجيرات بمساجد السنة كي ينتفض السنة ضد الشيعة وبمساجد الشيعة كي ينتفض الشيعة ضد السنة وليغدو بأسهم بينهم شديداً. ثم إنك لتجد عجباً إن إيران التي حاصرها الغرب منذ اقتحام أحمدي نجاد ورفاقه من ثوار الصفويين للسفارة الأمريكية وجدت من يفك عنها الحصار ومن يعمل وكيلا تجاريا لها ومن ينقل سلعها ويساعدها، ولم تتوقف طائرات الأمراء جميعاً عن الذهاب إلى طهران فى أحلك الأوقات كأنما يخففون عنها ضغوط السياسة والاقتصاد والعزلة الطائفية، ويفتحون لها النوافذ ويوسعون رئتها كي تنطلق مجددا لنقل الثورة، ثم بعد ذلك يحتاجون إلى إنقاذ هذه العاصمة الخليجية أو تلك من استشراء النفوذ الإيراني بين العرب الشيعة، ألم تكونوا أنتم من روج لهم وساعدهم حتى صارت بعض العواصم العربية يلعن فيها الصحابة فى مساجد شيعة العرب، وأكثر من هذا فإنهم يوزعون كتب الخميني الذي قال إن النبي خان الرسالة وإنه لو كان الأنبياء على مستوى الرسالة لآمن الناس كلهم منذ أن بعث الله أول نبي، وأن النبي محمداً لو كان أتم الدين ما كانت الأمة فى حاجة إلى الأئمة! ونعوذ بالله من جهل هذا الشيطان ومن تطاوله على المقامات السامية للنبي وصحابته وحتى على بقية آل البيت بمن فيهم الإمام الحسن الذي مدحه الرسول: «إن ولدي هذا سيد، وإن الله يصلح به بين طائفتين كبيرتين من أمتي» مفضلين عليه أخاه الحسين لا لشيء إلا لأنه تزوج من بيت كسرى، ومن ثم فإن الأئمة فى نظر الخميني ينحدرون من بيت فارسية. ولقد وقف خطيبهم فى لندن يقول: أي إسلام هذا الذي حمله العرب إلينا، هؤلاء بدو أجلاف نحن أخذنا الإسلام وألفناه على نهجنا الفارسي، ثم عدلناه على نهجنا الصفوي. كيف إذن يا قادة الخليج تصفون سياساتكم المتناقضة تجاه هؤلاء القوم الذين يلعنونكم ليل نهار ويخيفونكم؟ ألستم أنتم أبناء سعد بن أبي وقاص؟

ثم إن الموقف يزداد تعقيداً إذا نظرت إلى الأشقاء فى الخليج يتطاولون على أم الدنيا ليلا ونهاراً ويتحدثون عن عمالة للولايات المتحدة أو غيرها وبين ظهرانيهم قواعد أمريكية وبريطانية وفرنسية وتركية، والمذهل أن بعضهم يضيف إليها الآن قواعد إيرانية.

الخبل كله نجده فى بيت الحاكم فى الخليج لا يطلب أمراؤه العلاج إلا فى إسرائيل، ويتبرع كبيرهم لقرية من المستوطنات بعشرات الملايين من الدولارات، ثم يزعم أنه يقف إلى جوار غزة فى نضالها، كيف لا وهو حر فى الانتقال بين تل أبيب وغزة، ينتقل إليها انتقال المواطن الإسرائيلي فى حراسة جنود الاحتلال، فيا أيها البطل المحرر أرض فلسطين هلا حررت أرضك؟ والعته كله عندما ينتقل هذا الشخص من كيان ضخم قريب الشبه بالفيل إلى كيان نحيف بفعل جراحات الصهاينة والتي لم يسلم منها إلى الساعة ويعاني آثارها، حتى اضطر إلى ترك سدة الحكم لغليم يهين كبار العرب ليل نهار، ومع ذلك يستدعي المخابرات الإسرائيلية إلى دوحته الفيحاء، وقد كان فى شبابه ما يدل على أنه إلى هذه النهاية يسير، وإلى أنه إلى هذا المصير يصير، فقد كان يعبث بصواريخ إحدى القواعد الأمريكية وهو ولي للعهد حتى نهره ضابط صغير وقال له عد إلى بيتك واعبث فى شيء آخر، وتلقى الأمر وانصرف من القاعدة صاغراً وهو يمضي حياته الآن صاغراً.

وفى ليبيا كان الوضع غريباً، فقد قاد الثورة الليبية يهودي فرنسي يحمل الجنسية الإسرائيلية هو برنارد أونريه ليفي. ليفى هذا أيها السادة العرب فى ليبيا الشقيقة قاد ثورة الناتو ضد العقيد القذافي، فكيف يخرج منكم مدعٍ يقول إنها «الثورة الليبية»؟ ولم تكن الخيبة مقصورة على دعاة الناتو من الليبيين لقد انضمت جحافل خليجية ومصرية ومغربية تحت لواء ليفى تقود تحرير ليبيا من ابنها البار معمر القذافى الذي منع ضرب مصر من القواعد الأمريكية والفرنسية والبريطانية التي أذاقتنا الأمرين فى حربي ١٩٥٦ و١٩٦٧. نهض الرجل ورفاقه ليقوموا بعملية إجلاء القوات الأجنبية وليطلقوا أسماء عربية على القواعد الأجنبية وليطلقوا مع ذلك صرخة الحرية المدوية فى بقية القارة الإفريقية ليستكمل الرجل ما بدأه عبد الناصر ونكروما وسيكوتوري وينجح فى تكوين الاتحاد الإفريقي. وبدلا من أن يغار قادة العرب ويعملوا على تكوين الاتحاد العربي أو حتى الاتحاد المغربي أو حتى ينضموا إلى الاتحاد الإفريقي إذا بهم يلتئمون جميعا تحت قيادة رسولهم الجديد ليفى كي ينتهي الأمر بتجريد ليبيا من كل منشآتها الحيوية، وتدمير مقوماتها ومواردها الطبيعية وتعذيب شبابها، والتمثيل بقائدها وبطلها معمر القذافي. وصارت طائراتهم وسفنهم ترد ليبيا لا لتحمل الورود على قبور الشهداء، ولكن لتشارك الناتو فى مزيد من التحطيم ولتمهد الطريق لدولة إسلامية مزعومة فى ليبيا «دالب»، صارت جلاداً للشعب الأبي الذي وقف مليون ونصف المليون منه فى طرابلس مؤيدا القيادة؛ لكن الناتو غدر بهم وراحت جماهير ليبيا من كل القبائل تسعى كي تصد الظلم وتقاوم الناتو و»دالب»؛ لكنها جربت معنى الاضطهاد والقتل على الهوية وتصفية الحسابات والاغتصاب على نحو لم يعرفه الليبيون حتى فى أيام الفاشي موسوليني.

ومن الأكاذيب التي تفجع المرء وصف القوات المسلحة الليبية بأنها كتائب القذافي، وهي التي قاتلت الناتو حتى الرمق الأخير، ولما عرض على قائدها رحمه الله أن يوفروا له ملجأ هنا وهناك قال نفس مقولة عمر المختار: «نحن لا نبرح ديارنا ولا نسلم سلاحنا، نحن نقاتل فننتصر أو نستشهد». غبي هنا وغبي هناك اعتبر ما جرى ثورة الخلاص من «الديكتاتور» فإذا بهم يجربون عشرات الآلاف من الديكتاتوريين ويفتقدون الغذاء الذي كان متاحاً مجاناً والتعليم الذي توفر دون مقابل، وأكثر من هذا صاروا يفتقدون الكرامة على أيدي غلمان، منهم من هو ليبي، ومنهم من هو شيشاني، ومنهم من هو بوسني، ومنهم من جاءت بهم جماعات ليفى على اعتباره مسلما من الأمريكان أو مسلما من الإنجليز أو مسلما من الفرنسيين. وبذلك اخترق مجتمع كريم اختراقا مريراً حتى إذا انتفض القائد حفتر وبقايا القوات المسلحة الليبية صار كاذبا هنا ومنافقا هناك، يدعون أن هذه ليست إرادة الشعب الليبي، ويتوالى المندوبون الأمميون على ليبيا يشقون صفوف الليبيين بادعاءاتهم، وتستضيف المغرب مفاوضات مجموعات مدعاة من القادة للتوصل إلى اتفاق يطيل أمد التقسيم ويباعد بين طرابلس وبنغازي، والأدهى والأمر أنه عندما تمكن الجيش الليبي من تنظيف شرق البلاد من رجس «الدوالب» وتصدى لمزيد من الدواعش القادمين من سوريا بعد الانتصارات التي حققها الجيش السوري بمساعدة روسيا أخذوا على المشير حفتر أنه حرر الموانئ الليبية وحقول النفط من المتطرفين والإرهابيين كأنما يفترض فى الجيش الليبي أن يترك مقدرات الدولة فى أيدي هذه الجماعات النافقة يوماً ما.

ولا تعجب بعد ذلك أيها القارئ العربي الكريم أن ترى دول جوار ليبيا يخشى بعضها أن يعلن رأيه فى الإرهابيين مخافة أن يغضب عليه الناتو الذي جاء بهم إلى ليبيا، أو أن يغضبوا هم فتخرج جماعات منهم لتطول هذه الدولة أو تلك.

غير بعيد من الأراضي الليبية تقف الجزائر مترددة فى قرارها؛ إذ بينما تخوض مواجهات لعشرات السنين ضد الإرهابيين تستكثر حكومتها أن تتخذ نفس الموقف إزاء الإرهابيين فى ليبيا، ولاتزال تواصل الضغط فى مسألة الصحراء على المملكة المغربية، وأدى التناقض بين الطرفين إلى تعطيل مسيرة العرب الدولية والإفريقية والعربية وكانوا مدعاة فرقة بين العرب والأفارقة فى أكثر من قمة إفريقية، والعجيب أن يكون ذلك فى قمة فى مطلع الثمانينيّات، وفى قمة أخرى فى بعد مضي ست عشرة سنة من القرن الحادي والعشرين، كأنما لا يؤدي الزمان إلى تغيير فى الرؤى والأفكار، وكأن العالم قد تيبس عند لحظة الفشل، وكأن دروس التاريخ لا تعنيهم، وكأن القدرة على التفاعل الإيجابي والتعاون الأخوي باتت معدومة.

فى مصر تمضي القوات المسلحة المصرية فى استكشاف خيوط المؤامرة الكبرى التي خطط لها الرئيس «الراحل» ووزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون لتفكيك الدولة المصرية وإطلاق كلاب الإرهاب على أرض سيناء توطئة لتفريغها، ريثما تتمكن إسرائيل من الدخول ونقل الفلسطينيين إليها كي تصبح الدولة الفلسطينية فى قطاع غزة وشمال شرق سيناء ولتنتهي بذلك المشكلة الفلسطينية على حد قول خبرائهم «بحلول عربية» على اعتبار أن العرب أولى بالفلسطينيين من إسرائيل فتصفو للإسرائيليين فلسطين التاريخية وتصبح كل منطقة الضفة الغربية وغزة خارج هذه الأرض، ويتحمل ملك الأردن جزءا من السكان فى الضفة، ومصر الجزء الآخر، ويمكن لإسرائيل فى هذه الحالة أن تقدم بعض الخدمات للعرب فى الأردن أو للعرب فى قطاع غزة أو للعرب فى مصر، وذلك على أساس افتراض أن الرئيس مبارك فى أواخر أيامه كان قد أصبح مع تيبس عظامه وتجمد أفكاره طوعاً للولايات المتحدة والغرب، وأنه يمكن أن يقبل بهذا الحل مقابل أن يأتي «جيمي» إلى سدة الحكم، أو على حد قول المسئول الإسرائيلي: «انتظروا حتى يأتي الوريث»، بمعنى أن المؤامرة سوف تتحقق إذا جاء الوريث؛ لأن بالرئيس بقية من بطولة قائد القوات الجوية.

وبهذا انفردت مصر بكونها الدولة الوحيدة التي تقاوم المشروع الصهيوني مقاومة شاملة على أساس استراتيجي، كما انفردت بمجابهة الإرهابيين على أرضها وداخل حدودها ومتابعتهم وملاحقتهم خارج حدودها. وذلك رغم تعنت الراحل أوباما وتصلب الخليفة أردوغان والذيل المهزوز فى قطر والضغوط التي تمارسها إسرائيل بخفاء مكشوف لكل مصري فى دعم الإرهابيين عبر الأنفاق فى تواصل رفيع المستوى بين قيادات الإخوان فى حماس، وقيادات الإخوان فى مصر على نجاح هذا المشروع، الأمر الذي جعل الشعب المصري يأخذهم فى ضربة واحدة كانت مشيئتها موصولة بمشيئة عزيز مقتدر. وبهذا حل المصريون بجيشهم الأبي وقائدهم الفذ معضلة مخابراتية استمرت منذ عام ١٩٢٨، وكشفوها للكافة يا خونة الإخوان انصرفوا... (الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا). بعض الخونة والعملاء لم يعودوا ينتقدون القائد المصري ولا حتى الحكومة المصرية ولا حتى الجيش المصري، إنما صاروا يعتبرون الشعب المصري عبيداً للبيادة وينعتونهم مرة بأولاد فوزية ومرة بأولاد سنية، وخسئوا فنحن أرض إدريس أول الأنبياء من بعد آدم، ونحن مر على أرضنا الأنبياء والرسل، ونحن البلد الوحيد الذي اطلع الله على أرضه ثم نحن أبناء هاجر ومارية ولنا من النسب الإبراهيمي والمحمدي ما لنا، ونحن أساس الحضارة ووجود العمران ونحن الركن الركين فى العروبة والإسلام، ونحن كنا فى عين جالوت وفى حطين، ونحن كنا فى التل الكبير وكنا فى السويس، ونحن حطمنا خط بارليف رغم الحلف الأمريكي الصهيوني، ونحن قلب الشرق الأوسط ونحن قلب إفريقيا ونحن باقون وأنتم جميعاً إلى زوال.

وتمضي مصر الآن تصنع مستقبلها وتعالج أزماتها، قد يتندر هذا الغبي هنا أو ذاك الأمي هناك على معاناتهم، لكننا لا نأكل مما يخرج اليهود. ولا نستهلك مما يصنع المنمطون الغربيون فى العالم، نحن كنا أنفسنا وسنبقى أنفسنا أعزة كراماً فإن شئتم عروبة فالحقوا بنا، وإن شئتم الخسة فسحقاً سحقاً. إن أسوأ ما فيكم أنكم بلسان العرب تتحدثون، وبقلب نيتانياهو تفكرون.

فى السودان من ظنناه ثارئا فإذا به يمضي على خط التفتيت والتقسيم، وبدلا من أن يعالج الجراح بالفطنة والذكاء والاحتواء والمواطنة، إذا به يحتكر الحقيقة ويعتبر أهل الشمال والجنوب من الخوارج حتى لو كان ربع السكان من غير المسلمين أصلا، ولا يعرفون معنى الخوارج؛ لأنهم لم يكونوا من الدواخل حتى يحسبوا عليه. وقد اُستغل زعمهم باستمرار الحكومة الإسلامية مهما كان الثمن كي يبتر الجنوب كما استخدمت دارفور للتعجيل بالبتر ولأول مرة فى تاريخ السودان وبعد أن كنا نتحدث عن التعايش العربي الإفريقي الذي وصل إلى لحمة لا انفصام لها إذا بنا نعطي العالم حجة بوجود صراع عربي إفريقي.

ولقد باتت المعارضة كلها خارج البلاد وقد جرب بعض قادتها العودة مرة ومرة؛ لكنه كلما عاد وجد الوعود تنقض فيخرج، ولكن الحكم لا يخرج. ولقد غيرت المعارضة من نفسها مراراً لتتوافق مع النظام لكنه أبقاها معارضة أبد الدهر، ولقد سعت للتشارك ولكنه لم يشركها، ومن ثم لم يجد النظام حليفاً إلا أن يمضي فى تنفيذ أجندة الغرب التي عجز عن إنفاذها منذ الاستقلال فى العام ١٩٥٦ حتى جاء الإنقاذ- الوطني ليصبح السودان بلا جنوب، وبغرب مشكوك فى استقراره وشرق يتأوه ويصبح أصدقاء النظام الوحيدون هم فى إثيوبيا فتحالفوا معها على شربات الماء للمصريين، فانظروا يا أيها العرب إلى أشقاء وادي النيل أقدم الأشقاء زمناً وأوطدهم عهداً وأقربهم رحماً وأولاهم بالنصرة صاروا يوافقون الأحباش على شربة الماء يحرم منها أبناء مصر فى هذا الإقليم أو ذاك حتى احتاجت مصر إلى عشر محطات نووية لتحلية المياه ولايزال الرجل يرقص بعصاته مدعياً أنه هزم الغرب وأنه حقق للسودان اكتفاءه الذاتي وأن السودانيين باتوا يملكون التقدم من جوانبه كافة؛ لأنه مد بعض محطات الكهرباء أو رصف بعض «الزلط» فى شوارع الخرطوم، أو أنشأ عدة محطات مياه للشرب، ومازال السودانيون يتأوهون والتلفزيون الرسمي يعلن هذا الإنجاز الخارق والعملاق وذاك الإنجاز البطل ويطري ويطري ويطري.

يا أيها العرب أفيقوا، أسلحتكم فى ظهور إخوانكم، وأيديكم ملوثة بدمائهم، عقولكم مشتتة وإرادتكم ليست واحدة، وقلوبكم شتى، لستم أبناء يعرب ولا أبناء هاشم، لستم أتباع محمد ولا صلاح الدين مهما تقيمون من عبادات ومهما تدعي أفواهكم، هل تريدون حقاً أن تكونوا عربا؟ وهل تريدون حقاً أن تكونوا أتباع محمد وصلاح الدين؟ راجعوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، ثم اسألوا أنفسكم هل اليوم أقل خطراً من الدعوة إلى قمة عربية حقيقية نواجه فيها أنفسنا بأخطائنا ونتعاضد من أجل تصحيحها ونتوافق من أجل مجابهة المخاطر ونجتمع معاً بقلوب صافية وإرادة عفية كي نصوغ مستقبل أبنائنا وأحفادنا خالياً من التبعية، خاليا من التآمر، خالياً من تصفية الحسابات الضيقة على هذا النحو الغبي الذي شاهدناه.

يا أيها العرب اتحدوا، وعندئذ لن يكون ثمة غرب ولا فرس، ولن يتحكم أحد فى بركم ولا بحركم ولا نهركم. يا أيها العرب اتحدوا أو دعونا نصلي صلاة الجنازة.