في عالمنا الذي يموج بسرعة ويمتلئ بالتحديات والتعقيدات يظل التفاعل مع الأفكار والآراء مسألة حساسة تتطلب ذكاء وحكمة فمجاراة السفيه أو التجاوب مع الآراء الساذجة والتصرفات الجاهلة خطأ كبيرا ينطوي على تكلفة جسيمة.
وعلى العكس مما يتصوره البعض من أن مواجهة السفهاء أو تلك الآراء الخاطئة ليست مسألة تتطلب إطلاق النقد اللاذع أو المجادلة العنيفة بل يمكن أن يكون الرد برفق وحكمة هو السبيل الأمثل للتوجيه الصحيح وفتح أفق التفكير فعندما نقع في فخ الرد على الجهل بالجهل أو الاستفزاز بالغضب نتحول دون أن ندري إلى سفهاء وحينها فإن الصمت المحترم والتفاعل بحكمة يظهر قدرتنا على التفوق وتجاوز التحديات بفضل تفكيرنا النقدي والبناء.
وكثر الجدل حول الاستجابة إلى ما يصدر عن الاحتلال الإسرائيلي من آمال ورغبة جامحة للاستجابة بعد أن غرق في حرب عبثية بلا نتائج أو نجاحات بل ويريد أن يغرق من حوله أيضا فيواصل بث الرسائل المستفزة والتي تظهر مدى ضعفه وترنحه أمام ضربات المقاومة التي يعجز عن إيقافها أو حتى محاصرتها فيدفعه يأسه وعجزه إلى مسارات أشد إظلاما مما هو فيه وأشد قسوة مما يكابده في قيادة فقدت صوابها وترنح منطقها أمام غرورها المتصدع وكبرياءها المهدر.
أما مصر فستبقى تسير بين الأمم بمنطق الدولة ولن تنحدر إلى مسارات يصنعها مهاويس يهلكون الحرث والنسل ويخوضون معركة خاسرة قبل أن تبدأ يبحث فيها عن عدو يدمره فلا يجده ويفتش عن معاون فلا يلقى إجابة ويتصور أنه يمكن أن يهرب من مستنقعه الذي يغوص فيه بتصدير الأزمة وتوريط آخرين في التعامل معها وهو ما لن يناله الاحتلال ولن يفلت من حصار مصر له وإبقائه في المسار الذي يؤكد أن الحل الوحيد من ورطته هو إعادة الحقوق إلى الشعب الفلسطيني والقبول بالعيش في محيط يقبل ولو على مضض وجوده إلى حين.
أما ما يشيعه جيش الاحتلال فليس إلا تأكيد لإفلاسه وإعلان لعدم امتلاكه خارطة واضحة تتفق مع ما يموج به رأسه من أوهام التوسع والسيطرة باستخدام القوة فقد أثبتت الأحداث أن قوته ما هي إلا فزاعة من ورق كان يتستر خلفها لعقود.
من هنا فإن الالتفات إلى ما يصدر من الاحتلال من أحاديث اليوم هو نوع من مجاراة السفيه وبمعنى أوضح إنه يعني المزيد من تضييع الوقت وإهدار الجهد في معركة لا منتصر فيها أو مهزوم فلنكن أذكياء فتجنب مجاراة السفيه علامة نضج بل واستعداد للتعلم من خلال التفاعل المثمر.
ويجب أن يدرك الجميع أن مصر تحمل تاريخًا طويلًا من الحضارة والصمود وهي محطة رئيسية للفخر والعزة وأن مجرد التفكير في مهاجمته أو العبث معه أمر يجب تفاديه فمصر ليست مجرد خريطة لمكان جغرافي بل هي رمز للتحدي لا يستهان بإرادة شعبها وقدرته على التصدي لأي تحدي يعترض طريقه خاصة تلك الأطراف الخارجية والتي تحاول التدخل في شئون مصر متجاوزة حدود السيادة وتذكروا أن عاقبة محاولات التدخل في شئون مصر مؤلمة
ومصر تدرك أنه في أعقاب الهزائم الكبيرة غالبا ما يبدأ الإنسان في رحلة اتخاذ القرارات الخاطئة حينما يتم محاصرة الفرد بمشاعر الإحباط واليأس ويعجز عن التصرف بحكمة وبصواب فالهزائم اختبار صعب للعقل والروح يجد الفرد فيه نفسه محاصرا بمشاعر الفشل والضعف وفي تلك اللحظات، يتساءل الإنسان عن قدرته على اتخاذ القرارات الصائبة وتحقيق النجاح في المستقبل.
إن رد الفعل الطبيعي لإسرائيل تحت ضغط الهزيمة يجب أن يكون دافعا لها على فهم الأسباب وراء الهزيمة أما الإصرار على القرارات الخاطئة نتيجة للعاطفة الزائدة ومحدودية التفكير الاستراتيجي يعني المزيد من الغرق في مستنقع الهزيمة لتقبل إسرائيل الهزيمة بروح رياضية كما يقولون ولتعمل على تصحيح الأخطاء بالاستجابة الطوعية لحق الفلسطينيين تجنبا للمزيد من التلاشي والاضمحلال
وندرك أيضا أن إلقاء المسئولية على الآخرين أمر جذاب وسهل إلا أن على إسرائيل أن تفهم أن الحقيقة الصعبة التي يجب أن تواجهها هي أن إلقاء المسئولية على الغير لن يمحو فشلها أو يؤدي إلى تحقيق أهدافها.
ولنكن أكثر صراحة ووضوحا مع الجميع فتأكدوا أن مصر من الدول التي تأخذ بيدها مصيرها وتصون استقلالها بكل حزم وأظهر تاريخها على مر العصور أنها تخرج من التحديات والصراعات أكثر قوة وقدرة وكانت وستبقى دوما ترفض الدخول في مغامرات عسكرية وإن فرض عليها القتال فهي وحدها من يحدد المكان والزمان وستبقى مواقفها دائما تعبيرا عن تصميمها على الحفاظ على استقلالها وسيادتها دون التورط في صراعات لا تخدم مصالحها الوطنية وأخبروني متى كانت مصر وكيلاً لأحد وستظل بوصلتها التي توجه الشؤون الداخلية والخارجية بحكمة وتفان دائما في خدمة المصريين.