أحد أهم الفلاسفة والمفكرون المصريون بالإضافة إلى كونه طبيب بارع، سطّر قلمه الكثير من الكتب الأدبية والعلمية والدينية والسياسية والاجتماعية، أبهر بحكمته وسعة عقله الكثيرون، ومع هذا لم تخلو حياته من العزلة والنبذ بسبب رحلته من الشك إلى الإيمان، إنه الطبيب والمفكر الدكتور مصطفى محمود والذي نحتفل اليوم بذكرى ميلاده.

ويعد كتاب "55 مشكلة حب"، من أشهر ما قدّم المُفكر الراحل، نظرًا لما فيه من تفاعل مع المجتمع واشتباك مع مشكلاته التي تنتمي إلى مختلف الطبقات والأعمار شبابًا كانوا أو مراهقون. ويعرض الكتاب 55 مشكلة اجتماعية وعاطفية وحلها، وهي عبارة عن رسائل مكتوبة أرسلها بعض الأشخاص إلى الدكتور مصطفى محمود يسألونه الرأي والمشورة، عله يفيدهم، أو يُشير عليهم، أو يُخلّص أحدهم من أمر أرهقه، أو فكرة سيئة تغلّبت عليه.

ومن أبرز مشكلات هذا الكتاب، مشكلة جاءت بعنوان "نافذة على الجنة"، وهي عبارة عن رسالة أرسلتها فتاة في سن المراهقة، لم تتجاوز حينها عامها الخامس عشر، وكانت تعاني من إصابة بشلل أطفال من فترة طويلة، وحكت له خلال رسالتها، مصورة حالها بالطائر المقيد، الذي لا يملك من الحرية إلا مساحة متر في متر للحركة والأحلام، داخل غرفتها.

وصفت المراهقة نفسها في الرسالة بأنها فتاة حالمة، صنعت لنفسها قصور وأصدقاء وأحباء وعالم خاص، بل صنعت لنفسها الحرية التي تتمناها، ليأتيها ذات يوم جرس حريتها عن طريق مكالمة هاتف خاطئة.

وتستمر المراهقة في هذه الأحلام مع الطرف الأخر الذي استأنس بصوتها، واعتاد على حديثها، ومن هنا جاءت المعجزة، حيث بدأت تنمو أليافها العضلية مرة أخرى، وتتحسن حالتها بعد أن كانت في حكم الميؤوس منها، وكان العلاج بالنسبة لها مجرد أداء واجب، لا جدوى منه.

شعرت الفتاة بتأنيب الضمير بسبب حديثها مع المتصل الذي لا يعرف حالتها الصحية، وأنها في حقيقة الأمر فتاة قعيدة الفراش لا تملك حتى حرية التنقل في منزلها، لذلك أرسلت للدكتور مصطفى محمود ليساعدها في اتخاذ قرار صائب والذي كان رده عليها مُدهشًا.

قرأ الدكتور مصطفى محمود الرسالة، والتي وصفها بأنها حكاية من الحكايات الإغريقية، قائلًا لمرسلتها، أن عليها أن تستمر ولا تضيع تلك الصدفة والفرصة حتى تتحسن حالتها وتستطيع مقابلته، كما نصحها بتقمص دور شهرزاد التي تحكي لشهريار قصة ألف ليلة وليلة لتشغله، حتى تكتسب بعض الوقت الذي يساعدها في الشفاء العاجل.