تحقيق : نجلاء ابوزيد
"ياما دقت على الرأس طبول، يا ما شفنا أيام صعبة، نكسة وحرب وسوق سوداء وزحمة جمعيات ولحمة ممنوعة كانت أيام صعبة لكن عدت وانتهت، مصر.. الأزمة اللي بتمر عليها بتقويها" عبارات ترددت كثيرا على ألسنة الأجداد تعليقا على ما مروا به من أزمات وأوقات عصيبة عانت منها الأسرة المصرية.
وللاستفادة من تجاربهم وخبراتهم مع الأزمات تحدثنا إليهم عن أصعبها، وكيف نتغلب على أزمتنا الحالية؟
في البداية تقول تهاني محروس:عشنا أزمات كثيرة خاصة بعد النكسة، كنت وقتها أعيش في بيت أهلى بالمنوفية وما زلت أذكر كيف كانت أمى رحمها الله تصنع لنا أكلات بدون لحمة أو فراخ لأيام طويلة، وعندما تذبح بطة أو فرخة تصر على دعوة جيراننا ليأكلوا معنا، وأصعب أيام قابلتها كانت بعد اتخاذ السادات قرار بقصر فتح محلات الجزارة على يومين وتحملنا وعشنا وكان أولادى صغارا لكن لديهم قناعة ورضى، لكن الأصعب من أزمة الأسعار أزمة الإعلانات التي تجعل الأولاد يريدون كل شيء وتشعر الزوجة بالعجز، ونصحتى لكل ست كما كانت تقول أمى على"أد لحافك مد رجلك".
حس بغيرك
تتفق معها علية طه قائلة: مرت على مصر أزمات كثيرة وعشنا زمن التعريفة والقرش وكنا مستورين لأن طلبتنا دائما كانت قليلة لكن دلوقت الطلبات كثيرة والسوبر ماركت بتزود الطلبات، واللي معاه ما بيفكرش في اللي مامعهوش، لو حسينا ببعض ممكن نعدى الأزمة، وربنا يكون في عون كل أم عندها أولاد في المدارس بين الدروس والأكل والمواصلات، إحنا أيامنا كنا بنعلم ولادنا ببلاش، الأكل مربى وجبنة، أحسن حاجة بصراحة الأزمة دى شديدة لكن لازم نثق بالله، ومصر هاتقف على رجليها بالصبر والرحمة.
أيام صعبة
"الست اللى تربى ولادها على الأخلاق وطاعة الله تعدى أى أزمة".. هكذا تحدثت نادية عبد العزيز قائلة: مررت في حياتي بأيام صعبة اضطررت أن أبيع ذهبي حتى دبلتي ولم أجعل أولادى يشعرون بذلك وكنت دائما أقول الحمد لله، الناس دلوقت لا تحمد الله وبعدت عن ربنا، صحيح الغلاء اللي بنعيشه عمري ما شفته لكن زوجي قعد فترة دخله ضئيل جدا وكنت أقف في طوابير الجمعيات لأشترى الفراخ رخيصة وأجيب الكستور وتيل نادية بالبطاقة، كنا مخنوقين لكن كنا بنحمد ربنا، وربنا كرمني في أولادي وأصبحوا ناجحين، لازم الناس تصبر وتفتكر ربنا وكل واحد يعمل اللي عليه ولو كنت يأست زمان كانوا أولادى ضاعوا.
التكيف مع الواقع
ويقول أحمد عمر: الأيام دى صعبه قوى، لكن إحنا كمان عشنا أيام أصعب وتحملنا وكانت طلباتنا أقل، وكنا نرضى بأي حاجة، وأولادنا كانوا أهدى من شباب الآن، وعندما أرى أحفادى كل واحد ماسك موبايل بآلاف الجنيهات وأبوه بيشتكى من الغلاء أتعجب! لازم نفهم أولادنا أن الوقت صعب، أنا معاشي لا يكفى العلاج وبدأت أذهب للكشف والعلاج بالتأمين الصحي، لازم أتكيف مع الواقع الجديد لو فقدنا الأمل البلد هتقع، الصبر والتحمل هما الأساس، وكثرة الشكوى لن تغير شيئا.
على الله
"اعمل اللي عليك والبركة من ربنا".. كانت هذه نصيحة عبد اللطيف حجاج وتابع: الوقت صعب لكن أيام النكسة شفنا أيام أصعب، وفى الثمانينيات شاهدنا ارتفاعا للأسعار، لكن عشنا وربينا أولادنا، المهم كل واحد يشتغل بضمير مش يقول على قد فلوسهم وبعدين يشتكى من قلة المرتب، البركة موجودة لو في ضمير عند الناس، المهم نتعب شوية وكل واحد يعمل اللي عليه ويسبها على الله هو هيحلها.
وبعد الاستماع لتجارب الأجداد مع الأزمات، توجهنا للمتخصصين للتعليق على تجاربهم ونصائحهم..
خبرات إيجابية
يقول د. رفعت عبد الباسط، أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان:عندما يمر المجتمع بأزمات اقتصادية شديدة تظهر المشكلات الاجتماعية بوضوح، وسلبيات المجتمع خاصة إذا كان يعانى من انهيار الأخلاق والقيم، وربما كان استرجاع ذكريات الأجداد أمرا إيجابيا لأنه يجعل الأجيال الحالية تشعر أن هناك من مروا بأزمات أصعب من التى يعايشونها واجتازوها، فاسترجاع التجارب الإيجابية تقدم نموذجاً وقدوة وطرقا للحل، وأى أزمة يمر بها الإنسان خاصة في تلبية طلبات أولاده تشعره بالعجز والكراهية للمجتمع الذي يقهره ويجعله غير قادر على تلبية الاحتياجات الأساسية لأسرته، لكن لو ظهر من بين أفراد المجتمع نماذج إيجابية تقدم يد العون للجار والزميل وكل محتاج ستخرج الأزمة أفضل ما بداخله لا أسوأه، لذا عندما نسمع عن صاحب مخبز يقدم خبزاً بالمجان ومطعم يقدم وجبات مجانية هذه النماذج تعيد الثقة إلى نفوس الناس، الحل بالرحمة والتراحم والأمل في غد أفضل وكل ذكريات الأجيال الكبيرة تؤكد على هذه القيم فكل ما اجتزناه من أزمات كان بالتعاون بين الأهل وما أحوجنا لتدعيم صفات الرحمة والإحساس بالآخر، فكل شخص يقدم يد المساعدة لغيره يحمى المجتمع.
وطالب د. رفعت الإعلام بنشر هذه الإيجابيات وغرس قيم القناعة وتنظيم الاحتياجات والأولويات لدى المواطنين لاجتياز الأزمة، ونصح بأن يؤدى كل شخص ما عليه من عمل وكله ثقة أن الله لن يتركنا وأن أى أزمة مهما طالت ستنتهه، وذكريات الأجداد مع ما مروا به من أوقات صعبة خير دليل.
روشتة
وحددت د.ناهد نصر الدين، أستاذة علم الجمال وخبيرة التنمية البشرية خطوات للاستفادة من تجارب الأجداد في اجتياز الأزمات منها: تحديد الأساسيات والاستغناء عن الكماليات، وعمل الأطعمة والمربات بالمنزل، وشراء الخضراوات وتقسيمها لأكياس صغيرة، والاعتماد على الخضراوات في الطعام والأسماك أكثر من اللحوم والدواجن، والتقليل من الحلويات والاعتماد على فاكهة الموسم لأنها أكثر صحة وفائدة، وتغيير عادات الطهي بالسمن والزيوت، وعدم طهى كميات زائدة حتى لا يكون مصيرها سلة المهملات، والتعاون بين كل أفراد الأسرة في وضع الميزانية حتى يشعر الجميع بالمسئولية ويزداد الترابط.
ونصحت د. ناهد الأهل بالتحدث مع أبنائهم عن ذكريات طفولتهم وكيف كانوا يتشاركون الملابس مع أشقائهم، مشيرة إلى أنه كلما أحاطت الأم أولادها بالحب وأشعرتهم بمجهود والدهم كلما قدروا الصعوبات التى يتحملها فى تلبية رغباتهم ما يدفعهم للتعامل مع الأزمة بما هو متاح.