الإثنين 29 ابريل 2024

الحسد له رائحة

مقالات2-1-2024 | 22:16

مع بزوغ شمس عام جديد على سطح كوكب الأرض الممتلىء بالبشر والموارد والموائد، والحروب والكوارث والأوبئة، أرى هذا الكوكب متناقض التفاصيل معقد القضايا متشابك الأطراف كمشهد مسرحي هزلي يضج بالمؤدين والمؤلفين والمخرجين، وهو نفسه الذي ما زلت أعقد الأمل عليه وأرى فيه ضوء الشمس لا ظلام الحروب، ورائحة الأطفال لا رائحة الحسد، ومذاق الأرض لا مرارات الموت.

     كنت دوماً ومازلت أرى أن مشاعر الحسد الذميمة من أكثر المشاعر السلبية تدميراً لبني البشر وكوكبهم، فنشر الأوبئة عمداً هو من قبيل حسد الشعوب للشعوب، وتعدي أمم على أرض أمم هو من قبيل الحسد، وطمع الحكومات في موارد دول أخرى هو من قبيل الحسد، والكيل بمكاييل الظلم والاستبداد على شعب دون الآخر هو من قبيل الحسد، ومحاولات النيل من إنجازات الأمم هو من قبيل الحسد (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ).

     فالحسد هو طاقة شر تتعدى في سريانها قوة الرياح وسرعة الصوت والضوء، فتقلب حال الشعوب، وتربك معايير الحياة، وتجعل من مترفيها أسفلها في ومضة عين لا ليلة وضحاها، الأمر الذي يصعب معه المعالجة وفقاً لمعايير الحسابات السياسية أو الاقتصادية أو حتى الاجتماعية، فالحسد في حد ذاته هو تمني زوال النعمة عن صابها، في حين أن العين هي قوة نفسية تؤثر في الأبدان (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ).

    فطاقة الحسد البغيضة تنطلق كسهام من نفس الحاسد تصيب المحسود إن صادفته مكشوفاً بلا وقاية، وقد يحدث الأمر بسرعة فائقة وغير متوقعة -من طرف المحسود- وبطريقة ناعمة هادئة خبيثة -من طرف الحاسد- كزحف الثعبان على الأرض متخفياً في جلده الذي يحمل ألوان البيئة المحيطة، فتصيب المحسود في مقتل وتعطل أحد حواسه أو مجملها، حتى حاسة الاستيعاب منها ( وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا ).

    الحادث في الأمر هو تكراره وزيادة وتيرته وإن تغيرت تفاصيله وشخوصه، وحتى وإن تخفى وراء اقتصادات أعتى الدول، وفراء أكثر البشر ثراء، فالدول تحسد الدول بلا مبرر إلا وازع الحقد، وكذا هي نفوس الدول فضّاحة كما نفوس البشر، تخرج منها الآشعة تحت الحمراء (الذي خلق منها الجان) والتي تحمل إشعاعاً كهرومغناطيسياً الذي يعادل تقريباً نطاق الترددات ما بين 1 و 400 تيراهيرتز، تماماً كوقع لهيب الشمس في ظهيرة يوم صيفي من توقيع شهر أغسطس على جلود المصيفين (فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا ۚ بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا)

    وإن كنت أنا المخلوقة البسيطة أرى وأشعر بعين الحاسد وهي تخرج وتجرح ناظري فتصيب روحي أو جوارحي، أشعر بها ولا يمكنني ردها، حتى أنها تصيب لساني بالصمت العاجز عن حماية نفسي ببضع آيات حاميات رادات للأذى، فلا تمر بضع ثوانٍ أو دقائق معدودات حتى يبدأ أثر سم الأفعى في الانتشار في سائر أرجاء الجسم ... أو الحياة، لا لسبب غير أنه من قبيل تمني زوال النعم، واستنكارها على شخص بعينه، بحيث يرى أنه لا يستحقها أو ليس جديراً بها، وهو ما يفسر جلياً بعض الوعكات الصحية والنفسية غير المفسرة طبياً، فما بالك بانتكاسات أحوال الأمم الحاصلة بكثافة ( وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ).

    تلك الرائحة البغيضة المنبعثة من جلد الدول الحاسدة، ومن أنفاس بعض البشر، هي النار الآكلة لكل ما في طريقها تصدرها العين في هيئة شعاعاً مدمراً غير مرئياً مثل الليزر، والتي وجب الانتباه لها، ومواجهتها بالتنبؤ والاستعداد والجاهزية الهادئة لا العنيفة، فجاهزية الشعوب من جاهزية الدول.

تحصنوا من الحسد، واصنعوا دروعكم العاكسة لكل طاقات الشر التي تخرب الأوطان وتهزم الأبدان..

 

 

Dr.Randa
Dr.Radwa