تحل اليوم الذكرى 64 على وضع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حجر الأساس لبناء السد العالي، والذي يعد من أضخم المشروعات المائية في القارة السمراء، بجانب كونه أعظم مشروع هندسى في القرن العشرين، ليكتمل بناؤه في 10 سنوات ويفتتح ليحمي مصر من الجفاف والفيضانات على مدى عشرات السنوات.
السد العالي
كانت بداية فكرة إنشاء السد العالي منذ أقدم العصور، حيث أدرك المصريون أهمية مشروعات التخزين السنوي، وأقاموا العديد من تلك المشروعات منها خزان أسوان وخزان جبل الأولياء على النيل للتحكم فى إيراد النهر المتغير، كما أُقيمت القناطر على النيل لتنظيم الري على أحباس النهر المختلفة .
لكن فكرة التخزين السنوي لم تكن فعالة، بسبب اختلاف إيراد النهر كل عام، والذي قد يصل إلى نحو 151 مليار متر مكعب أو يهبط إلى 42 مليار متر مكعب سنويا، لذلك اتجهوا إلى إنشاء سد ضخم على النيل لتخزين المياه في السنوات ذات الإيراد العالي لاستخدامها في السنوات ذات الإيراد المنخفض.
ومن هنا جاءت فكرة إنشاء السد العالي أول مشروع للتخزين المستمر على مستوى دول الحوض يتم تنفيذه داخل الحدود المصرية، وتقدم المهندس المصري اليوناني الأصل أدريان دانينوس إلى قيادة ثورة 1952 بمشروع لبناء سد ضخم عند أسوان لحجز فيضان النيل وتخزين مياهه وتوليد طاقة كهربائية منه.
وبعدها بدأت الدراسات في 18 أكتوبر 1952 بناء علي قرار مجلس قيادة ثورة 1952 من قبل وزارة الأشغال العمومية (وزارة الري والموارد المائية حاليا) وسلاح المهندسين بالجيش ومجموعة منتقاة من أساتذة الجامعات حيث استقر الرأي علي أن المشروع قادر علي توفير احتياجات مصر المائية.
وفي أوائل عام 1954 تقدمت شركتان هندسيتان من ألمانيا بتصميم للمشروع ، وقد قامت لجنة دولية بمراجعة هذا التصميم وأقرته في ديسمبر 1954 كما تم وضع مواصفات وشروط التنفيذ، وطلبت مصر من البنك الدولي تمويل المشروع ، وبعد دراسات مستفيضة للمشروع أقر البنك الدولي جدوي المشروع فنيا واقتصاديا ، وبعد تقديم البنك الدولي في ديسمبر 1955 بعرض لتقديم معونة بما يساوي ربع تكاليف إنشاء السد، تراجع وسحب العرض في 19/7/1956 بسبب الضغوط الاستعمارية.
وبعدها بعامين تقريبا، وتحديدا في 27/12/1958 تم توقيع اتفاقية بين روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقا) ومصر لإقراض مصر 400 مليون روبل لتنفيذ المرحلة الأولي من السد، ثم في مايو من العام التالي، راجع الخبراء السوفييت تصميمات السد واقترحوا بعض التحويرات الطفيفة التي كان أهمها تغيير موقع محطة القوي واستخدام تقنية خاصة في غسيل وضم الرمال عند استخدامها في بناء جسم السد.
وفي ديسمبر 1959 تم توقيع اتفاقية توزيع مياه خزان السد بين مصر والسودان، ليبدأ العمل في تنفيذ المرحلة الأولي من السد في 9 يناير 1960 وشملت حفر قناة التحويل والأنفاق وتبطينها بالخرسانة المسلحة وصب أساسات محطة الكهرباء وبناء السد حتي منسوب 130 مترا .
وفي 27 أغسطس 1960 تم التوقيع علي الاتفاقية الثانية مع روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقا) لإقراض مصر 500 مليون روبل إضافية لتمويل المرحلة الثانية من السد، ثم في منتصف مايو 1964 تم تحويل مياه النهر إلي قناة التحويل والأنفاق وإقفال مجري النيل والبدء في تخزين المياه بالبحيرة، وفي المرحلة الثانية تم الاستمرار في بناء جسم السد حتي نهايته وإتمام بناء محطة الكهرباء وتركيب التربينات وتشغيلها مع إقامة محطات المحولات وخطوط نقل الكهرباء.
وانطلقت الشرارة الأولي من محطة كهرباء السد العالي في أكتوبر 1967، ليبدأ تخزين المياه بالكامل أمام السد العالي منذ عام 1968، ثم في منتصف يوليو 1970 اكتمل صرح المشروع، وفي15 يناير 1971 تم الاحتفال بافتتاح السد العالي.
وبلغ إجمالي التكاليف الكلية لمشروع السد العالي حوالي 450 مليون جنيها ، كما بلغت تكاليف إنشاء مفيض توشكي حوالي 42 مليون جنيها، والذي أنشئ لتصريف مياه البحيرة إذا ارتفع منسوبها عن أقصي منسوب مقرر للتخزين وهو 183 مترا.
ويقع هذا المفيض علي بعد 2 كيلومترا غرب السد في منطقة بها منخفض طبيعي منحدر نحو مجري النيل حيث يسمح بمرور 200 مليون متر مكعب في اليوم، وقد دخلت المياه إلى مفيض توشكى لأول مرة فى 15 نوفمبر 1996 حيث وصل منسوب المياه أمام السد العالى إلى 178.55 مترا.
ومنذ افتتحاه حمي السد العالي مصر من كوارث الجفاف والمجاعات نتيجة للفيضانات المتعاقبة شحيحة الإيراد في الفترة من 1979 إلى 1987 حيث، والتي خلالها تم سحب ما يقرب من 70 مليار متر مكعب من المخزون ببحيرة السد العالي، وفقا لبيانات وزارة الموارد المائية والري، لتعويض العجز السنوي في الإيراد الطبيعي لنهر النيل.
وحمى السد العالي مصر من أخطار الفيضانات العالية التي حدثت في الفترة من 1998 إلي 2002 ، فلولا وجوده لتدمرت الأراضي وكل ما فوقها من بناء وحياة وزراعة ومواطنين.