الخميس 21 نوفمبر 2024

مقال رئيس التحرير

الرئيس السيسي والقضية الفلسطينية

  • 10-1-2024 | 13:05
طباعة

الرئيس السيسي يضع القضية الفلسطينية أولوية ضمن أجندة السياسة الخارجية للدولة المصرية من خلال تبني رؤية حل عادل وشامل بوقف إطلاق النار وحل الدولتين لم يكن الموقف القوى والحازم في الأزمة الأخيرة وليد اللحظة أو موقفا ناتجا عن انفعال وقتي، بل عقيدة راسخة لدى الرئيس السيسي أن القضية الفلسطينية قضية مصر والعرب الأولي دائما ما تطالب مصر بضرورة الضغط علي دولة الكيان الصهيوني لوقف جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل.

منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي مسئولية البلاد، والقضية الفلسطينية لم تغب عن عينيه لحظة واحدة، وخلفيته المخابراتية جعلته يدرك تماماً خطر تصفية القضية، ويعلم بما يملك من معلومات بحكم مناصبه السابقة ما يجعله على دراية كاملة بما يحاك خلف الستار من مؤامرات خارجية لتصفية القضية، وكان يحذرنا دائما في خطاباته، التي كان منها علي سبيل المثال ما قاله في خطابه الذي  ألقاه بمناسبة ذكرى "ثورة 23 يوليو" 2014 إن مصر "قدمت 100 ألف شهيد للقضية الفلسطينية، فضلاً عن معاونة القضية اقتصاديا" ودائماً ما كان يرفض المزايدات على موقفنا.

الرئيس السيسي والجيش المصري يعلمان أن سيناء خط الدفاع الأخير لمصر، وفلسطين خط الدفاع الأول عن مصر، وبالتالي تأتي أهمية ما يحدث على حدودنا الشرقية وتأثيره علي الأمن القومي المصري.

"دائماً كان هناك عدو يشكك بطريقة ما في مصرية سيناء ويطمع فيها بصورة ما، بالضم، بالسلخ، بالعزل"، بهذه العبارات يلخص المفكر والجغرافي المصري الشهير، جمال حمدان في كتابه "سيناء في الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا" أهمية شبه جزيرة سيناء، ليس فقط باعتبارها مدخلاً شرقياً لمصر، بل بوصفها مدخلاً لثلاث قارات. استعرض حمدان في كتابه أهمية سيناء الاستراتيجية مؤكداً "إن تكن مصر ذات أطول تاريخ حضاري في العالم، فإن لسيناء أطول سجل عسكري معروف في التاريخ تقريبا، ولو أننا استطعنا أن نحسب معاملاً إحصائياً لكثافة للحركة الحربية لن نجد بين صحارى العرب، وربما صحارى العالم، رقعة كالشقة الساحلية من سيناء حرثتها الغزوات والحملات العسكرية حرثا، من هنا فإن سيناء أهم وأخطر مدخل لمصر على الإطلاق".

هذه المكانة والأهمية الاستراتيجية منحت سيناء في الوجدان المصري مكانة لا يدانيها مكان آخر في مصر، فتقريبا كانت أرض سيناء "معبرا" للجيوش في العصور القديمة، قبل أن تصير "مسرحا" لحروب مصر الحديثة، تغدو وتعود منها الجيوش في 1948، وتقاتل في مواجهة الغزاة في 1956 و1967، ثم تحقق في سبيل استعادة أرض سيناء الانتصار العربي الوحيد – إلى الآن- على إسرائيل في 1973.

ولا تقتصر مكانة سيناء على قيمتها التاريخية، فقد كان للأديان دور لافت في تعزيز المكانة الروحية لها، حيث كانت شاهدة على العديد من قصص الأنبياء (عليهم السلام)، فقد عبرها يوسف وأخوته وأبوهم، وفي خروجه بقومه من مصر بقي موسى بها حتى بلغ بقومه المقام أربعين عاماً، إذ ترجح بعض المراجع أنها كانت مسرحاً لتيه "بني إسرائيل"، كما عبرها عيسى في رحلة العائلة المقدسة إلى مصر ومنها إلى فلسطين.

وتبلغ المساحة الكلية لشبه جزيرة سيناء نحو 61 ألف كم مربع، أي ما يقارب من 6 في المئة من إجمالي مساحة مصر، لكنها في الوقت ذاته تبلغ نحو ثلاثة أضعاف مساحة فلسطين التاريخية.

اقتصاديا، تمثل سيناء إحدى ضفاف قناة السويس، أهم شريان ملاحي بالعالم، والذي تمر بها 12 في المائة من حركة التجارة العالمية، كما تمتلك سيناء 30 في المئة من سواحل مصر على البحرين المتوسط والأحمر، ما يمنحها إمكانات سياحية واعدة ومدنا ذات شهرة عالمية مثل شرم الشيخ، ومحمية رأس محمد.

وتعد سيناء كذلك "كنز التعدين" بالنسبة لمصر، فأطرافها الغربية غنية بالنفط، والمناطق الشرقية منها تمتاز بإنتاج المنجنيز، والحديد و الفحم والفوسفات واليورانيوم، كما تتوافر بها احتياطيات هائلة من رواسب الجبس والسيلكا والرمال البيضاء، التي باتت ذات أهمية اقتصادية لإنتاج أشباه الموصلات.

وقد عانت سيناء من تهميش تنموي لعقود طويلة، وعجزت مشروعات التنمية عن استقطاب أعداد وفيرة من السكان، ما عده كثير من المتخصصين "ثغرة" تغري الطامعين فيها سواء من دول، أو تنظيمات إرهابية، وتلك الأخيرة استغرقت مصر سنوات لمكافحتها، وقدمت مئات من الشهداء والمصابين في المعارك ضد تلك التنظيمات الظلامية.

وشهدت السنوات الماضية خطة مصرية لتنمية سيناء، تكلفت مرحلتها الأولى، أكثر من  600 مليار جنيه لكنها في النهاية حققت ما حلم به جمال حمدان منذ ما يزيد على أربعة عقود، بأن يتم ربط سيناء بالوادي والدلتا، عبر سلسلة من الأنفاق تحت القناة تحمل شرايين المواصلات البرية والحديدية، إضافة إلى توصيل مياه النيل أسفل قناة السويس عبر صحارى ارض الفيروز خاصة من ترعة. الإسماعيلية.

كان الرئيس السيسي ومنذ لحظة توليه المسئولية يؤكد في كل مناسبة داخلية وخارجية تمسك مصر بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وفي كل أزمة بين قطاع غزة والكيان الصهيوني كانت مصر تتدخل مصر لاحتواء الموقف وكان موقفها دائما ثابتاً من حماية الشعب الفلسطيني في غزة من بطش الآلة العسكرية لدولة الكيان وتقديم الدعم الكامل إنسانياً لأشقائنا في فلسطين.

فالرئيس السيسي يحمل على عاتقه هموم الأمة العربية ويضع القضية الفلسطينية أولوية ضمن أجندة السياسة الخارجية للدولة المصرية من خلال تبني رؤية حل عادل وشامل بوقف إطلاق النار وحل الدولتين وذلك للحفاظ على أرواح الأبرياء علاوة على تحقيق الأمن والسلام والاستقرار بالمنطقة.

زيارات متكررة قام بها مسئولون مصريون رفيعو المستوى مثلما حدث في مايو 2021 عندما أوفد الرئيس السيسي وفدًا أمنيًا إلى فلسطين برئاسة الوزير عباس كامل، بهدف متابعة تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة ودعم إعمار القطاع ولقاء بقادة حماس وخلال تلك الزيارة تفقد الوزير اللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة المواقع المقترحة للبدء في إعادة إعمار قطاع غزة، وذلك عقب وصول الوفد الأمني المصري إلى القطاع، والتقى  وقتها اللواء عباس كامل مع قيادة حركة حماس في قطاع غزة برئاسة يحيى السنوار، للتشاور حول تثبيت وقف إطلاق النار بشكل كامل، وإعادة إعمار المناطق المتضررة في قطاع غزة واتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لضمان عدم تكرار التصعيد بين فلسطين والكيان الصهيونى ووضع حجر الأساس لمدينة سكنية في مدينة الزهراء وسط قطاع غزة، ستموّلها مصر وتشرف على بنائها كان الرئيس عبد الفتاح السيسي وعد بتقديم 500 مليون دولار للمساعدة في جهود إعمار القطاع الفقير والمحاصر.

لم تكن زيارة الوزير اللواء عباس كامل رئيس المخابرات المصرية لغزة فقط لتهدئة الأوضاع مع الكيان بل ناقش جهود إنهاء الانقسام وهو ما جعل كلاهما ضعيف أمام عدو غاشم يحتمى في آلته العسكرية.

حملت زيارة الوزير عباس كامل رئيس المخابرات المصرية رسالة إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس تؤكّد دعم مصر الكامل للشعب الفلسطيني وأكد الرئيس السيسي في رسالته التي بعث بها للرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، أن القضية الفلسطينية ستبقى على رأس اهتمامات الدولة المصرية  كما أكّد الرئيس عبدالفتاح السيسي، حرص مصر على مقدرات الشعب الفلسطيني.

نعم.. لم يكن الموقف القوى والحازم في الأزمة الأخيرة وليد اللحظة أو موقفا ناتجا عن انفعال وقتي بل عقيدة راسخة لدى الرئيس عبدالفتاح السيسي أن القضية الفلسطينية قضية مصر والعرب الأولي وأن أي تداعيات للمشكلة الفلسطينية لها تأثيراتها علي الأمن القومى المصري.

الرئيس في الأزمة الأخيرة كان واضحاً ومعبراً عن موقف وحالة شعبه، بل كان الرئيس سبّاقاً في بعض الأحيان لامتلاكه المعلومات، فالعالم أجمع يعلم أنه لا حل للقضية الفلسطينية بدون مصر ومصر ورئيسها.

فالرئيس السيسي أكد خلال كلمته في افتتاح قمة القاهرة للسلام 2023: "سأكرر وأؤكد للعالم بوضوح ولسان مبين وتعبير صادق عن إدارة جميع إرادة الشعب المصري، أن تصفية القضية الفلسطينية دون حل لن يحدث وفى كل الأحوال ولن يحدث على حساب مصر أبداً".

وترفض مصر بشكل قاطع أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية وكذلك تتصدى لمحاولات تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وتعمل بتنسيق مشترك مع أطراف فاعلة فى المشهد الإقليمي والدولي من أجل تنسيق الجهود الدولية وبحث كافة السُبل الممكنة لإنهاء التصعيد الحالي واستعادة آفاق العملية السياسية بين الجانبين الفلسطيني والكيان الصهيوني للوصول إلى حل دائم وشامل للقضية الفلسطينية وفقًا لمقررات الشرعية الدولية يحفظ حقوق الفلسطينيين فى دولتهم.

لذا كانت دعوة مصر لدول العالم لحضور هذه القمة لإعادة الزخم العالمى للقضية الفلسطينية بعد تهميش دام لعدة عقود نتيجة عدم قبول الجانب الإسرائيلي بالحل التفاوضي القائم على تفعيل عملية الشرق  الأوسط على أساس حل الدولتين، فضلا عن استمرار الجانب الإسرائيلي فى استفزازاته ضد الفلسطينيين باقتحام المسجد الأقصى المبارك وبناء المزيد من المستوطنات وشن عمليات عسكرية على غزة والضفة والتنكيل بأهالى القدس.

لم تتوقف اتصالات الرئيس عبدالفتاح السيسي العربية والدولية لوقف نزيف الدم الفلسطينى بهدف دعم القضية الفلسطينية، وإحياء مسار السلام للتوصل إلى تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين على النحو الذى يحقق الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط ومنذ اللحظة الأولى وهو يعمل على وضع المجتمع الدولي أمام مسئولياته تجاه المجازر الوحشية والممارسات المرفوضة التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، في ظل حالة صمت دولي باتت غير مقبولة تجاه تلك الممارسات التي تستدعي موقفا دوليا واضحا وحازما للوقف الفوري لإطلاق النار ووقف نزيف الدم على الأراضي الفلسطينية وكان حريصا علي تخفيف الآثار الناجمة عن الحصار وما يشهده قطاع غزة من جرائم وانتهاكات إسرائيلية غير مبررة تتعارض مع أبسط مبادئ الإنسانية وقواعد القانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان.

وحذر الرئيس السيسي كل قادة ورؤساء العالم من توسيع دائرة الصراع الذي يمكن أن يحول الحرب الإقليمية من فلسطين إلى حرب عالمية.

الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي حريصة على استمرار دخول وتدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، علاوة على استقبال الجرحى الفلسطينيين والأطفال لتلقي العلاج والرعاية اللازمة في المستشفيات المصرية، حفاظا على أرواحهم، كما يبذل الرئيس السيسي جهوداً كبيرة لتوحيد مواقف الدول العربية بهدف التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين على النحو الذي يحقق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط ودعم الأشقاء في فلسطين إنسانياً.

ودائما ما تطالب مصر بضرورة الضغط على المجتمع الدولي ومخاطبة ضميره الإنسانى للضغط علي دولة الكيان الصهيونى لوقف جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل، بل وطالبت مصر بمحاكمة الكيان الصهيوني أمام المحكمة الدولية بانتهاك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والتشريعات الدولية.

إنسانيا كانت توجيهات الرئيس واضحة ومشددة بتقديم كافة الدعم للأشقاء في فلسطين وهو ما وضح جليا من خلال تدفق الكم الهائل من المساعدات علي القطاع بما يجاوز 20 ألف طن من مواد غذائية وأدوية وخيام ووقود ومساعدات للتخفيف من حدة المعاناة على أخوتنا فى غزة حتى كتابة هذه السطور هذا الرقم يأتي رغم الأزمة الاقتصادية المصرية، ويمثل 4 أضعاف حجم المساعدات التى أرسلت من كل دول العالم للشعب الفلسطيني.

هذه مواقفنا وهذا واجبنا نحو أشقائنا في غزة وفلسطين ولن نتوانى أو نتأخر عنهم وعن تقديم كل الدعم لهم قدر استطاعتنا، أما سيناء فهذه أرضنا وفقدت مصر خيرة شبابها لتحرير ترابها ولن تتردد في بذل المزيد من أجل أرض الفيروز الحبيبة وفلسطين.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة