الثلاثاء 30 ابريل 2024

تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.. وجه شاب لحياة سياسية ونيابية عريقة

نهى أحمد زكي

برلمان11-1-2024 | 14:19

نهى أحمد زكي

تعد تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين أول منصة حوارية من نوعها وتجربة غير مسبوقة تضم شبابا سياسيا مستقلا وممثلا عن أحزاب مختلفة من كافة التيارات والأيديولوجيات
تبرهن الحياة السياسية والنيابية المصرية على مر العصور على أنها بالرغم من أصالتها وتاريخها العريق إلا أنها متفردة بديناميكيتها المتجددة والمواكبة لمتطلبات العصر

 

للدولة المصرية تاريخ طويل من الحضارة الإنسانية يمتد لأكثر من 7000 عام، تلك الحضارة الغنية التي تنوعت فيها مظاهر الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؛ والتي أنشأت النظم الإدارية والقضائية والتشريعية منذ فجر التاريخ لتنظيم أمور الدولة والأفراد وتركت دلائلها على آثارها الشامخة والشاهدة على مدى التحضر والتقدم الذي عرفته مصر، ذلك الموروث الحضاري العريق الذي ظل يمتد على مر الزمن وبالرغم من تعاقب العصور إلا أن المصريين استطاعوا المحافظة على مظاهر ذلك الإرث الحضاري العظيم.

 ونجد انعكاس تلك الحضارة على الحياة النيابية المصرية العريقة جلياً؛ حيث مرت بالعديد من المحطات النيابية على مر العصور تطورت فيها الممارسة النيابية بشكل كبير مما يجعل من الحياة النيابية المصرية مدرسة متفردة بحد ذاتها بمنطقة الشرق الأوسط؛ فمصر صاحبة أول مجلس نيابي منتخب في المنطقة بأسرها والذي أنشئ عام 1824 تحت اسم "المجلس العالي" في عهد محمد علي، والذي تكون من 24 عضوا بعضهم بالانتخاب وبعضهم بالتعيين، وكانت تغلب عليه الصفة الاستشارية.

ثم تطور "المجلس العالي" ليتحول إلى مجلس المشورة عام 1829 الذي أسس لنظام الشورى، حيث تألف هذا المجلس من كبار موظفي الحكومة والعلماء والأعيان برئاسة إبراهيم باشا، وجاء تشكيل المجلس ممثلاً لمختلف فئات الشعب ومؤلفاً من 156 عضواً.

ثم جاء إنشاء "مجلس شورى النواب" عام 1866 في عهد الخديو إسماعيل، كمجلس منتخب لمدة ثلاث سنوات، وبلغ عدد أعضائه 75 عضواً وبدأ يظهر الطابع النيابي على هذا المجلس. في عام 1883 تكون البرلمان المصري من مجلسين وهما "مجلس شورى القوانين" و"الجمعية العمومية" تكون مجلس شورى القوانين من 30 عضوا 14 منهم بالتعيين و16 بالانتخاب، أما الجمعية العمومية فتكونت من 83 عضوا منهم 46 عضوا منتخب والباقي هم أعضاء مجلس شورى القوانين والوزراء واستمر العمل بهذا الشكل حتى عام 1913.

وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى واستقلال مصر، صدور أول دستور مصري سنة 1923 والذي اعتمد نظام المجلسين فأصبح هناك مجلس النواب ومجلس الشيوخ وأخذ الدستور أيضاً بمبدأ الفصل بين السلطات فأصبحت الحكومة مسؤولة أمام البرلمان، ونص الدستور على أن يكون جميع أعضاء البرلمان منتخبين، أما أعضاء مجلس الشيوخ فيكون ثلاثة أخماس أعضائه منتخبين والخمسان معينين، وكان المجلسان متشابهين إلى حد بعيد في الاختصاصات.

وبمرور السنوات ومع الممارسة السياسية والحزبية تطور أداء الحياة النيابية المصرية، زاد أعضاء مجلس النوب من 214 عضوا في عام 1923 الى 319 عضوا في عام 1950.

وبعد قيام ثورة عام 1952 ألغي مجلس الشيوخ وأصبح البرلمان يتألف من غرفة واحدة سميت بمجلس الأمة، وبمرور السنين وتطور الحياة السياسية والنيابية رجع البرلمان مرة أخرة لنظام الغرفتين بحيث يتألف من مجلس الشعب الذي يتولى الجانب النيابي التشريعي، ومجلس الشورى الذي كان بمثابة مجلس للحكماء عام 1980 ليستمر على هذه الحال إلى أن شهدت مصر ثورة يناير 2011 ومن بعدها ثورة 30 يونيو التي أعقبها في عام 2014 إلغاء مجلس الشورى.

 إلا أن الحياة السياسية والنيابية بعد ثورة 30 يونيو 2013 -التي مثلت حراكاً شعبياً كبيراً مدفوعاً بوعي وحس وطني عال-، أخذت منعطفاً جديداً حيث حظيت باهتمام أكبر سواء من الأفراد أو من القيادة السياسية، وأصبحت أكثر انفتاحاً من حيث ظهور أحزاب جديدة ومشاركة الشباب والمرأة بقوة، حيث وضع دستور عام 2014 بناءً على استفتاء شعبي ونتج عن هذا الدستور برلمان بغرفة واحدة وهي مجلس النواب، ونظراً لديناميكية الحياة السياسية بعد ثورة 30 يونيو 2013 فقد تم تعديل الدستور في 2019 وأنشئ مجلس الشيوخ كمجلس نيابي بجانب مجلس النواب يختص بالعديد من الاختصاصات مثل إبداء الرأي في تعديل الدستور، وإبداء الرأي في الاتفاقيات المتعلقة بسيادة الدولة، وخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبدراسة واقتراح -على رئيس الجمهورية- ما يراه كفيلاً بدعم الديمقراطية والأحزاب السياسية وما يتعلق بالحقوق والحريات والواجبات العامة والسلام الاجتماعي والقيم العليا للمجتمع، وكذلك الرقابة على الحكومة إلى جانب العديد من الاختصاصات الأخرى، جاءت أيضاً تعديلات 2019 للدستور المصري لتعطي مساحات أكبر للمشاركة ومنها تعديل المادة (244) والتي تكفل تمثيل الشباب والمسيحيين والأشخاص ذوي الإعاقة والمصريين المقيمين في الخارج تمثيلاً ملائماً بالبرلمان.

وتعد مشاركة وتمكين الشباب والمرأة من أكثر السمات المميزة للحياة السياسية والنيابية في الوقت الراهن، وتولي القيادة السياسية اهتماماً بالشباب ضمن رؤيتها لبناء الإنسان المصري، باعتبارهم قادة الغد وأمل المستقبل؛ وتتميز مصر ديموجرافياً بغلبة نسبة الشباب الذين يمثلون ما يقارب 60% من السكان وبالتالي فهم سواعد الوطن وأسباب نهضته الذين يتحتم الاستثمار في تنمية مهاراتهم وتأهيلهم ومن ثم تمكينهم، وهو ما بدأ بالفعل منذ إطلاق السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي لمؤتمرات الشباب التي مثلت منصة حوارية يطرح من خلالها الشباب رؤاهم وأفكارهم ومناقشتها مع صناع القرار، واللافت للنظر الإقبال الكبير الذي شهدته تلك المؤتمرات من الشباب وطرح أفكار بناءة الأمر الذي لم يتوقف عند هذا الحد بل وتبعه قرار القيادة السياسية بإعطاء مساحة أكبر للشباب للعمل العام من خلال دعم السيد الرئيس لانطلاق تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين في عام 2018.

 وتعد تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين أول منصة حوارية من نوعها وتجربة غير مسبوقة تضم شبابا سياسيا مستقلا وممثلا عن أحزاب مختلفة من كافة التيارات والأيديولوجيات، والفريد في تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين أنها قدمت نموذجا سياسياً جديداً غير مألوف قائم على التنوع والتعدد والذي يؤمن به أعضاؤها. وتقدم التنسيقية ممارسة فريدة لاستثمار التنوع والتعددية في خدمة الوطن وإعلاء مصالحه، جاءت التنسيقية كتطور جديد وإضافة مميزة من الشباب في مسيرة الحياة السياسية والنيابية المصرية.

ومنذ نشأة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين كانت حريصة على استثمار كافة إمكانيات أعضائها المميزة فهي تضم التنفيذيين من نواب محافظين ومساعدي ومعاوني وزراء ومختصين، إلى جانب نواب البرلمان في غرفتيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وأكاديميين، إلى جانب شباب حزبي وسياسي متنوع مهتم بالشأن العام فكانت شعارات التنسيقية "سياسية بمفهوم جديد" و"برلمان بمفهوم جديد" لسان حال عمل التنسيقية على مدار خمس سنوات مثلت عمرها في الحياة السياسية، خمس سنوات من العمل الجاد الدؤوب المتجرد من شباب يؤمن بأنه على الرغم من تنوع خلفياتهم واختلاف اتجاهاتهم إلا أن هذا التنوع هو ما يمثل قوة التنسيقية في الوصول إلى ما فيه مصلحة الوطن.

خلال سنوات قدمت تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين العديد في الحياة السياسية، فالتنسيقية تمتلك العديد من المنتديات السياسية التي تتناول محاور متعددة تشمل كافة جوانب الشأن العام، فقدمت من خلالها العديد من المبادرات والمقترحات بالتعاون مع الأجهزة المعنية، وكذلك كانت لها بصمتها من خلال نوابها في مجلسي النواب والشيوخ البالغ عددهم 48، الذين قدموا ومازالوا يقدمون أداءً نيابياً مميزاً من خلال مشروعات القوانين، والمقترحات وغيرها من الأدوات البرلمانية، إلى جانب جلسات الاستماع مع الخبراء والمختصين التي تتناول شواغل المواطنين والرأي العام للخروج بمقترحات تنفيذية تقدم لصناع القرار مما جعل لتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين تأثيرها الواضح في العمل البرلماني المصري.

وتحرص تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين على التفاعل مع الشارع المصري بشكل مكثف، ولعل ما شهدناه مؤخراً خلال فترة الانتخابات الرئاسية من إطلاق التنسيقية لمجموعة من الفعاليات التي تهدف الى زيادة الوعي السياسي خاصة لدى شباب الجامعات، وحملات التشجيع على المشاركة الفعالة في الانتخابات، ومشاركة أعضائها في الحملات الانتخابية للمرشحين الرئاسيين الأربعة، وإنشاء غرفة عمليات وغرفة إعلامية إلى جانب متابعة آلاف من الشباب المتطوعين لمراقبة سير العملية الانتخابية في كافة محافظات الجمهورية؛ تلك الجهود التي أسهمت في إقبال المواطنين على المشاركة في الانتخابات الرئاسية وتحقيق نسب مشاركة تاريخية غير مسبوقة وصلت إلى 66,8%، كل ذلك إنما هو دلالة قوية على أن تنسيقة شباب الأحزاب والسياسيين تمثل مرحلة جديدة في تطور الحياة السياسية والنيابية المصرية، يٌفسح فيها المجال لتمكين الشباب الجاد المؤهل والعازم على خدمة وطنه بدعم إرادة قيادته السياسية المؤمنة به وبقدراته.

إن الحياة السياسية والنيابية المصرية على مر العصور تبرهن على أنها بالرغم من أصالتها وتاريخها العريق إلا أنها متفردة بديناميكيتها المتجددة والمواكبة لمتطلبات العصر وبما يخدم البلاد وشعبها العظيم.

Dr.Randa
Dr.Radwa