الأربعاء 1 مايو 2024

برلمان الوحدة المصرية - السورية 1960-1961م


الوحدة المصرية السورية

مقالات16-1-2024 | 22:55

أ. د. عبد الحميد عبد الجليل شلبي

 تضمن الدستور المصري لعام 1956م ونظيره السوري لعام 1950م نصوصًا واضحة بانتماء البلدين إلى الأمة العربية، وكما أعلنت سوريا أنها تتطلع إلى اليوم الذى تجتمع فيه الدول العربية في دولة واحدة، أعلنت مصر أنها تقدر مسئوليتها والتزاماتها حيال النضال العربي المشترك.

  وقد تهيأت الظروف لعقد الوحدة المصرية بعد انتهاء تداعيات العدوان الثلاثي على مصر 1956م، حيث كانت هناك رغبة عارمة بين الشعبين لإتمام هذه الوحدة التي بدأت بشائرها بزيارة الرئيس شكري القوتلي لمصر في 21 يناير (كانون الثاني) عام 1958م على رأس وفد سوري واجتمع بالرئيس عبدالناصر وبعض المسئولين المصريين، وخلال الاجتماع تم الاتفاق على إصدار بيان يتضمن قراراً من الرئيسين والحكومتين بشأن توحيد الدولتين، وقد ألقى كل من القوتلي وعبدالناصر خطاباً في مجلس النواب السوري والأمة المصري في الخامس من فبراير (شباط) عام 1958م أعلنا فيهما مولد الوحدة بين الدولتين، وقد أصدر المجلسان قراران في يوم واحد (5 فبراير "شباط") يؤيدان فيهما الوحدة وقد قام شكري القوتلي بترشيح عبدالناصر لرئاسة دولة الوحدة لما يتمتع به من صفات تؤهله لذلك، وقال: "إنه على ثقة بأنه سيعمل على إعلاء شأن الجمهورية بكل تجرد وصدق، فوافق المجلسان على هذا الترشيح".

وفى الحادي والعشرين من فبراير (شباط) 1958م أُجرى استفتاء شعبي في البلدين على الوحدة وعلى اختيار رئيس الجمهورية وجاءت النتيجة في مصر بنسبة 99.99 %، وفي سوريا جاءت النتيجة بنسبة 99.98 %:
  أما عن دستور الوحدة 1958م فيذكر البعض أن عبدالناصر كان متعجلاً في إصدار الدستور، حيث عرض عليه محمود رياض تشكيل لجنة لصياغة الدستور المؤقت إلا أنه -عبدالناصر- كان يرى أن عمل اللجنة سوف يستغرق وقتاً طويلاً، وكان يرى أن الظرف يستدعى بعث الطمأنينة في النفوس بأسرع ما يمكن عن طريق إصدار الدستور المؤقت الذى يمكن أن يعتمد إعداده على استخراج المبادئ الأساسية من الدستورين المصري والسوري على أن تقوم اللجان القانونية بإعداد الدستور الدائم فيما بعد، وبالفعل أعلن عبدالناصر الدستور المؤقت في الخامس من مارس (أذار) 1958م.

 وقد تكون دستور الوحدة المؤقت من ثلاث وسبعين مادة توزعت على سته أبواب، تناول الباب الأول التعريف بالجمهورية العربية المتحدة، وجنسية الدولة (المواد 1، 2)، وتناول الباب الثاني المجتمع ووظيفة الاقتصاد القومي، والملكية (المواد 3-6)، وتناول الباب الثالث الحقوق والواجبات العامة (المواد 7-11) أما الباب الرابع فهو الأشمل والأوسع من أبواب الدستور ويتضمن إحدى وخمسون مادة (المواد 12-63) موزعة على أربعة فصول تختص بمهام رئيس الجمهورية، والسلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، أما الباب الخامس فجاء بالأحكام العامة (المواد 64-67)، والباب السادس والأخير تضمن الأحكام الانتقالية والختامية وشمل المواد من (68-73).

ويعنينا من هذا الدستور الفصل الثاني من الباب الرابع وهو المختص بالسلطة التشريعية ويتضمن ثلاثون مادة (المواد من 13-43)، وفيها حدد الدستور اسم المجلس التشريعي وهو "مجلس الأمة" ويتم اختيار أعضاؤه من قبل رئيس الجمهورية، ويشترط أن يكون نصفهم من أعضاء مجلس النواب السوري ومجلس الأمة المصري (مادة 13)، وألا يقل سن العضو عن ثلاثين عاماً، ومقر المجلس هو مدينة القاهرة، ويجوز دعوته للانعقاد في جهة أخرى بناء على طلب رئيس الجمهورية (مادة 16)، الذى يدعوه للانعقاد ويفض دورته (مادة 17)، ومن سلطة المجلس مناقشة ميزانية الدولة والهيئات المختلفة والضرائب العامة وجبايتها أو تعديلها (المواد من 27 إلى 35)، وأعطى الدستور الحق لرئيس الجمهورية بحل المجلس فإذا حل المجلس وجب تشكيل المجلس الجديد ودعوته للانعقاد خلال ستين يوماً من تاريخ الحل (مادة 38).

على الرغم من وجود الدستور المؤقت الذى نص على تشكيل مجلس الأمة إلا أن عبدالناصر استمر يحكم منفرداً طيلة ما يزيد عن عامين إلى أن أعلن في الثامن عشر من يوليه (تموز) تشكيل مجلس النواب وفق ما قررته المادة الثالثة عشر من الدستور المؤقت، وحدد عدد أعضائه بستمائة عضو، أربعمائة منهم يمثلون الإقليم الجنوبي (مصر)، ومائتان يمثلون الإقليم الشمالي (سوريا)، وكان الدستور قد حدد شروط أعضاء مجلس الأمة ومنها ضرورة بلوغ العضو سن الثلاثين على الاقل (مادة 15)، وحينما اشترط الدستور أن يكون نصف أعضاء المجلس على الأقل من أعضاء مجلس النواب السوري ومجلس الأمة المصري لم يحدد نسبته لكل من الإقليمين من هذا العدد، وأن عبارة على الأقل تعطى الحق لرئيس الجمهورية في تعيين أكثر من النصف من بين أعضاء المجلسين المذكورين، ويأخذ البعض على عبدالناصر محاباته للنواب المصريين حينما اختار أكثرية الأعضاء الثلاثمائة الذين خول له الدستور اختيارهم بشكل غير عادل، إذ اختار من سوريا ست وأربعين نائبا ومن مصر مائتان وأربعة وخمسون، وكان من المفترض أن يختار مائة نائب سوري ومائتان نائب من مصر.

على أية حال اختار الرئيس ثلاثمائة عضو وتم انتخاب بقية المجلس من أعضاء الاتحاد القومي في الإقليمين، وقد تولى النائب محمد أنور السادات رئاسة مجلس الأمة في الفترة من 21 يوليو (تموز) 1960م حتى 27 سبتمبر (أيلول) 1961م، وشهد هذا البرلمان أول تمثيل نيابي للمرأة السورية حيت تم اختيار سيدتان هما جيهان الموصلي، ووداد هارون، وبما أن الدستور ينص على أنه لا يجوز اجتماع مجلس الأمة دون دعوة رئيس الجمهورية، فقد دعا جمال عبدالناصر أعضاء المجلس يوم 21/7/1960م ليبدأ بذلك المجلس أعماله، فما هي أهم أعمال مجلس الأمة؟

أعمال مجلس الأمة

 يعد هذا المجلس من أقصر البرلمانات عمراً، فلم يستمر أكثر من عام وشهرين وقد شهدت فترة انعقاده ثلاث دورات انعقاد وهى كما يلى:-
 
دور الانعقاد الفترة الزمنية    

دور الانعقاد الأول من 21 يوليو 1960 حتى 15 نوفمبر 1960م    

دور الانعقاد الثاني من 9 يناير 1961 حتى 8 فبراير 1961م    

دور الانعقاد الثالث من 11 أبريل 1961 حتى 22 يونيه 1961م  

مع بداية كل دور انعقاد يدعو رئيس الجمهورية المجلس للانعقاد، كما يصدر قراراً بفضه مع نهاية كل دور انعقاد، ففي الجلسة الأولى من دور الانعقاد الأول تلى رئيس الجلسة قرار رئيس الجمهورية بدعوة مجلس الأمة إلى الانعقاد ابتداء من يوم 21 يوليو 1960م، وفى ذات الجلسة تم انتخاب الرئيس والوكيلين، وكانت الرئاسة للنائب محمد أنور السادات الذى لم يتقدم أحد لمنافسته، كما تم انتخاب محمد فؤاد جلال، وراتب الحسامي وكيلين للمجلس.

وقد خول الدستور لأعضاء مجلس الأمة حق إصدار القوانين والتشريعات وإنشاء الضرائب العامة، وإقرار الميزانية العامة للدولة، كما منحهم حق مراقبة السلطة التنفيذية، وحق الاستجوابات، ومناقشة الاتفاقيات التي تعقدها الدولة.

وجدير بالذكر أن المجلس لم يناقش سوى ميزانية السنة المالية 1961/1962م حيث تقدم وزير الاقتصاد والخزانة المركزية ببيان عن مشروع ميزانية الجمهورية عن السنة المذكورة، وبعد مناقشات مستفيضة من النواب تمت الموافقة على ما جاء بالبيان وإحالته إلى لجنة شئون الميزانية والحساب الختامية، فقدمت اللجنة تقريرها الذى تقترح فيه تشكيل لجان فرعية يختص كل منها ببحث قطاع معين من قطاعات الميزانية، وبعد تقديم التقرير وافق المجلس على ذلك.

ناقش المجلس العديد من القضايا وأهمها القضايا الاقتصادية (الزراعة، والصناعة، والتجارة)، ومن هذه القضايا: مشروع قانون بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952م بالإصلاح الزراعي في الإقليم المصري، وتم إحالة المشروع إلى لجنة الشئون الزراعية لنظره على وجه الاستعجال، كما اهتم أعضاء المجلس بمقاومة الآفات وخاصة آفة القطن إذ تقدم النائب محمد عبدالملك قريطه بسؤال عما أعدته الوزارة لمقاومة آفة القطن بعد ثبوت عدم صلاحية مادة "التوكسافين" للإبادة، كما تقدم العضو ممدوح حلمي صالح بسؤال عن مدى إشراف الوزارة على المبيدات الحشرية، وقد أحيل السؤالين إلى وزير الزراعة في الإقليم الجنوبي.

ودعماً للاقتصاد القومي، وجه العضو سليمان عيد سؤالا إلى وزير الاقتصاد في الإقليم الجنوبي بشأن عدد الزوار السائحين الذين حضروا إلى ج.ع.م. في السنتين الأخيرتين، فأجابه بقوله: "إن أعداد السائحين تزداد عاماً بعد عام، وتشير الإحصائيات في الإقليم الجنوبي إلى أنه من المنتظر أن يزيد رقم الوافدين إليه إلى نصف مليون سائح في سنة 1960م. أما عن الصناعات الأخرى، فقدمت عدة مشروعات من أجل النهوض بالصناعة والإنتاج في دولة الوحدة، ومن ذلك مشروع بقانون المقدم من رئاسة الجمهورية بشأن الإذن لوزير الخزانة المركزية في إصدار قرض إنتاج في حدود ثلاثين مليونا من الجنيهات لنظره على وجه الاستعجال، فقدمت اللجنة تقريرها في ذات الجلسة حيث وافقت على المشروع، فوافق عليه المجلس.

نال النشاط التجاري اهتمام نواب مجلس الأمة نظراً لأهميته في التنمية الاقتصادية، فتقدم أحد النواب (سليمان عيد) بسؤال إلى وزير الاقتصاد للإقليم الجنوبي عن نشاط الملحقين التجاريين للجمهورية العربية المتحدة في الخارج والصفقات التجارية التي تمت بواسطتهم.

   هذه بعض القضايا التي ناقشها برلمان الوحدة بالإضافة إلى قضايا التعليم والثقافة، والصحة والتنمية، والقضايا الاجتماعية التي من شأنها رفع مستوى معيشة السكان في القطرين، وقضايا الجيش، هذا فضلاً عن القضايا الخارجية ويأتي في مقدمتها الصراع العربي الإسرائيلي، وقضايا التحرر العربي والإقليمي، والعلاقات الخارجية… إلخ.

نهاية تجربة الوحدة

 أرسل رئيس الجمهورية قراره بفض دور الانعقاد الثالث للمجلس بتاريخ 20 يونيه (حزيران1961م)، فعرضه رئيس المجلس في يوم الخميس 9 محرم 1381هـ/ الموافق 22 يونيه 1961م، وبهذا يكون ذلك التاريخ آخر أيام مجلس الأمة للوحدة المصرية السورية إذ قامت حركة انقلابية سورية ليلة 28 سبتمبر (أيلول)1961م. بقيادة عبدالكريم النحلاوي، وحيدر الكزبري، وعدد من الضباط السوريين وقبل أن يحل مساء يوم 28 سبتمبر (أيلول)1961م، أعلن رسمياً عن خروج سوريا من ج.ع.م. وغادر عبدالحكيم عامر دمشق، وتم اعتقال عبدالحميد السراج نائب رئيس الجمهورية، وتشكيل قيادة من الانقلابين أطلقوا عليها اسم "القيادة العربية للثورة العليا للقوات المسلحة".
 

Dr.Randa
Dr.Radwa