السبت 27 يوليو 2024

رحل عن عالم بلا أصدقاء

15-1-2017 | 00:46

«أنا إنسان متشائم جدا، وأعيش في عالم بلا أصدقاء، وأذكر أن برنارد شو أقام حفلا فى منزله وجمع كل أصدقائه ليقول لهم : أصدقائى الأعزاء ليس هناك في هذا العالم أصدقاء».

هكذا كان نور الشريف يتحدث معى ،وأستمع بلا تعليق.

من المحزن أن يموت صاحب الابتسامة الدائمة،ونفقد في مجال الفن قامة كبيرة كانت من فرط إنسانيتها تتمزق في كل لحظة .

كان يقول : أنا فعلا مصاب باكتئاب فى أغلب الأوقات والناس لا تعرف ذلك.

سألت نور الشريف في آخر مقابلة :هل صحيح أنك أدمنت المخدرات؟

وقال : لا .. لم يحدث إطلاقا.. هذه مبالغة صحفية .. وأنت تعرفنى من زمن ونتقابل هل لاحظت على ملامحي أو تصرفاتى إدمانا ؟

للأسف عندنا ناس هوايتها صنع الإشاعات وخراب البيوت أو أن يصبح الآخرين شبههم فيلطخونهم بأى وساخات.

وكمان عندنا الآن – وبحمد الله – جرائد فضائح، شيء مؤسف ،وأنا لا أفهم كيف يتركونهم بلا ضوابط ،تقرأ في الصفحة الأولى مانشيتا مثيرا وقليل الأدب،وتبحث في الداخل فلا تجد شيئا،وبعضهم يستخدم أساليب لا تخطر على بال.

تلك هي الحياة ،ومازلت حتى الآن أفتح صدري لخناجر الأصدقاء وطعناتهم،كل الحكاية أنني أصبحت أكثر صلابة وأنظر إلى خيانة الأصدقاء بوصفها سنة الحياة، زمان كانت هذه التصرفات توجعنى إلى درجة أن أمشى وحيدا في الشارع لأبكى.

لا يعرف الناس أنني مصاب بحساسية فى أطرافى ،وبعد أن سافرت لكل بلاد الدنيا ، تبين أن العلاج أن أغمرها بمياه البحرالمالح بضع دقائق كل يوم، ويوميا أنتظر أن تصلني رسالة من البحر.

انطباع نكسة ١٩٦٧ بداخلى عبرت عنه في لقطة واحدة بفيلم : « الكرنك « لحظة اكتشاف الاعتداء على حبيبتى فى الفيلم لحظة فقدان التوازن وانهيار الأشياء ، النكسة كانت ضربة لجيل كامل.والفيلم يهاجم الحكم البوليسي وهذه تحتسب طبعا ضد عبد الناصر لأن هذا كان في عصره ولا يتناقض ذلك مع إعجابي بعبد الناصر لأن رد الفعل الطبيعى أن نسعى لمعالجة الخطأ وتصحيح الهزيمة المخيفة.

عقدة طفولتى أن أمى تزوجت عمى إسماعيل، صاحب ورشة النجارة المعروف بحي السيدة زينب ، لم أعرف أن ذلك الرجل ليس أبي إلا بعد أن دخلت المدرسة الابتدائية ،وظللت أشعر بالكراهية لهما طوال طفولتي.. كانت أتعس لحظات حياتي عندما كنت في الخارج ومات عمى إسماعيل ،يومها أدركت كم كنت جاحدا مع الرجل الذى أحسن تربيتنا أنا وشقيقتي ، ولم يكن ذنبه أبدا أن تزوج من أمي ليحافظ عليها وعلى أولاد أخيه .

في فيلم « ناجي العلي « خرج إبراهيم سعدة رئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة أخبار اليوم، المخلص للأجهزة السرية التي يعمل لديها ، ليهاجم الفيلم بضراوة،فقد كانت بداخله تعرية فاضحة ، لكل من يتاجرون بقضية فلسطين من الحكام العرب والفلسطينيين.

في الفيلم مناضل فلسطيني يعيش فى لندن ويقيم حفلا نضاليا بالويسكي والسيمون فيميه والكافيار والنساء الفاتنات، ويقدم مفاجأته للضيوف، بإزاحة الستارعن بيارة برتقال،في قصره، كرمز للوطن الضائع، فيتقدم ناجي من بين كل المدعوين، ويفتح بنطاله ويتبول على البيارةّ وصاحبها المناضل!

قال نور : للأسف كان يقف وراء تلك الحملة أيضا لمحاربة ما يمثله ناجي العلي ياسر عرفات شخصيا وقد عرفت ذلك متأخرا.

وتكرر نفس الموقف وربما بشكل أقبح عندما قرروا ذبح فيلم : « البيبي دول» للأسف هؤلاء يحكموننا .

سافرت مع نور داخل مصر، وكنت أجلس معه وحيدا في بيته وهو يجلس بملابسه الداخلية ويصبغ شعره بالحناء ، وكان ولا يزال أبا حنونا وعطوفا على ابنتيه،وعلى عم على ، الرجل العجوزالذى يرافقه كظله، والذي كان يبتسم عندما يرانى مهللا ، لأنه يعرف علاقتى بالأستاذ.

اختفيت من عيون نور سنوات طويلة ، عملت خلالها بالكتابة في السياسة لأن آفة الصحف المصرية أن من يكتبون في السياسة أغلبهم أدعياء وينظرون لمن يكتبون في الفن والرياضة كدرجة أقل ، مع أنهم كالهواء الفاسد ومن أكبر الدجالين.

وكانت الدنيا تغيرت ،عندما تقابلت مع نور الشريف، في الإسكندرية وعلى الفور قال : « يااااه ..عادل»

وكنت عاجزا عن الكلام ، فقد مر نور بمحنة عابرة، واعتقدت أنها لن تصيبه ، لأنها كاذبة وتافهة، لكنني كنت واهما ،لأن السموم طالت أخيرا نور الشريف،وبدا أمامي واهنا من المرض.

وها أنذا أعتذر ، لأنني كتمت شهادتي – بدون قصد – عن نور الشريف الإنسان والمثقف والفنان.

ويا نور الشريف رحمك الله وغفر لك وجازاك على شجاعتك ومواقفك النبيلة.

كتب : عادل سعد