الأحد 28 ابريل 2024

ما الذي يميز مذكرات محمد عبد الوهاب هذا العام؟.. في معرض القاهرة للكتاب 2024

محمد دياب

فن30-1-2024 | 17:35

دار الهلال

أصدارت دار المرايا للثقافة والفنون مذكرات الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، جمع وتقديم وتحقيق محمد دياب، على أن تشارك بها في الدورة الخامسة والخمسين من معرض القاهرة الدولي للكتاب، التي تقام خلال الفترة من 25 يناير الجاري وحتى 6 فبراير المقبل، بمركز مصر للمعارض والمؤتمرات الدولية بالتجمع الخامس، تحت شعار "نصنع المعرفة.. نصون الكلمة"، الذي اختارته اللجنة الاستشارية العليا للمعرض لتأكيد ريادة مصر الحضارية والثقافية المتصلة منذ القدم حتى يومنا هذا.

 

يضم  كتاب "مذكرات الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب" بين دفتيه نصين لمذكرات محمد عبد الوهاب الموسيقار الذي طبع صوته وموسيقاه القرن العشرين في مصر والعالم العربي.

النص الأول كان قد نُشر في مجلة "الاثنين الفكاهة والكواكب" عام 1938، والنصف الثاني نُشر في مجلة "الكواكب" عام 1954، والنصان يكمل كل منهما الآخر.

فعندما رحل الموسيقار محمد عبد الوهاب في العام 1991 أصدر الناقد الموسيقي الكبير كمال النجمي كتابا مهما عنه حمل عنوان "عبد الوهاب مطرب المائة عام" والواقع أن عبد الوهاب كان حقا مطرب القرن العشرين ولا زال إلى اليوم وبعد مرور الربع الأول من القرن الواحد والعشرين ، فقد طبعت موسيقاه وألحانه وصوته القرن العشرين ، فبعد الثورة التي أحدثها الشيخ سيد درويش حمل عبد الوهاب المشغل من درويش بعد رحيله العام 1923.

وأكمل مسيرة التطوير في موسيقانا العربية، وظل نموذجا ملهما لكل من أتى بعده من المطربين والملحنين، من رياض السنباطي إلي فريد الأطرش ومحمد فوزي  مرورا بكمال الطويل ومحمد الموجي وعبد الحليم حافظ وبليغ حمدي وصولا إلي محمد سلطان.

عمل عبد الوهاب محترفا منذ مطلع عام 1917 وحتى رحيلة منتصف عام 1991 أي ان مسيرته الفنية إمتدت على نحو 74 عاما هذه المسيرة الحافلة جعلت عبد الوهاب يصدر مذكراته سبع مرات منذ 1938 وحتى  1986  عبر وسائط صحفية وإعلامية مختلفة . 

أصدر مذكراته للمرة الأولى في مجلة "الإثنين الفكاهه والكواكب" عام 1938، وفي العام 1954 عاد ونشر مذكرات جديدة في مجلة "الكواكب"، وبعد ستة أعوام قدم عبد الوهاب مذكراته في صيغة إذاعية  عبر إذاعة  "صوت العرب" في شهر رمضان من عام 1962 مع المخرج محمد علوان في برنامج حمل عنوان "حياتي" كان عبد الوهاب هو المعلق على المشاهد التمثيلية الدرامية خلال الحلقات.

وفي عام 1971 أصدر الكاتب محمود عوض كتابا حمل عنوان  "محمد عبد الوهاب الذي لايعرفه أحد" تضمن قليلا مما يمكننا أن نطلق عليه "مذكرات" خصوصا وأن معظم ما ورد فيها سبق وأن حكاه عبد الوهاب في مذكرات مجلة "الإثنين الفكاهه والكواكب" ومذكرات مجلة "الكواكب"  لكنها تضمنت فصلا عن زيجتيه الأولى والثانية ، وهو الأمر الذي أغفله عبد الوهاب عمدا في المذكرات الأولى والثانية ، لكن ماذكره عبد الوهاب في كتاب محمود عوض لم يكن وقتها بالجديد فقد سبقه الكاتب جليل البنداري وروى بالتفصيل  وقائع زواجي عبد الوهاب الأول والثاني، في كتابه "محمد عبد الوهاب طفل النساء المدلل"  الذي صدر عام 1958 

 نشرت الكاتبة الصحفية إيريس نظمي  في مجلة "آخر ساعة" عام 1976 حلقات من مذكرات محمد عبد الوهاب تحت عنوان  "صفحات سقطت من ذكرياتهم" كانت الأضعف بين كل مذكراته ، فقد جاءت بمثابة إجترار لما سبق ذكره في مذكراته الأولى والثانية  في "الإثنين" و"الكواكب".

عاد عبد الوهاب وقدم مذكرات سادسة في نسق تلفزيوني جديد مع الكاتب سعد الدين وهبة ، في برنامج حمل عنوان "النهر الخالد" عام 1986 ، وبعد  رحيلة أصدر المحامي مجدي العمروسي مدير شركة "صوت الفن"  كتابا تضمن  تفريغا لحوار مطول مع عبد الوهاب عن مسيرته الشخصية والفنية ، كان قد أجراه معه العمروسي والمخرج حسين كمال والكاتب الصحفي مفيد فوزي، ليستغل فيما بعد  في تقديم فيلم لم يخرج الي النور عن حياة الموسيقار الكبير. 

من بين كل هذه المذكرات كانت الأولى والثانية هي الأهم بينها جميعا ، لذا خصصنا لها موضوع هذا الكتاب ، نشرت المذكرات الأولى في مجلة "الإثنين الفكاهة والكواكب"  على مدي تسعة عشر حلقة إعتبارا من العدد 195 الصادر بتاريخ 7 مارس 1938  وحتى العدد 213 بتاريخ 11 يوليو 1938  في وقت كان عبد الوهاب تسيد المشهد الغنائي في مصر والعالم العربي وأصبح نجمه الأول بلا منازع ، وأصبح متعهدي الحفلات يطلقون عليه لقب " مطرب الملوك " كما وصفته المذكرات أيضا بهذه الصفة ، وكان قد خاض مجال السينما وقدم ثلاثة أفلام "الوردة البيضاء" 1933 و"دموع الحب" 1935 و"يحيا الحب" 1937 جميعها للمخرج محمد كريم ، حققت نجاحات كبيرة حتى أن الفيلم الأخير تقرر أعادة عرضه بعد عام من عرضه الأول ، في سينما "كوزمو" في سابقة كانت الأولى من نوعها بناء على طلب الجماهير.

هذه المذكرات المنسية والمجهولة للموسيقار الكبير رواها في مرحلة مبكرة من حياته الفنية ، بعد مرور نحو 21 عاما من إشتغاله بالفن صبيا في الخامسة عشر من عمره ،  نشرتها المجلة بعد إنتهائها بأسابيع من نشر مذكرات الفنان  نجيب الريحاني وكانت بدأت في نشرها إعتبارا من نوفمبر عام  1936  تحت عنوان "مذكرات كشكش" في نحو  57 حلقة ، وعلى مايبدو أنه كان مقررا أن تصدر مذكرات عبد الوهاب في عدد مماثل من الحلقات غير أنها توقفت فجأة عند الحلقة التاسعة عشر دون أن تذكر المجلة أو تنوهه بإنتهائها في آخر حلقة تم نشرها كما جرت العادة .

 الملكة نازلي تتسبب في إيقاف نشر مذكرات عبد الوهاب 

بعد أربعة أسابيع من التوقف عن نشر المذكرات نشرت مجلة  "الإثنين " تنويها في عددها رقم 217 الصادر بتاريخ الثامن من أغسطس 1938 تقول فيه  :
"سبق أن ذكرنا أن مطرب الملوك الأستاذ محمد عبد الوهاب ، أبحر إلى أروربا على ظهر الباخرة "النيل" التي أقلت صاحبة الجلالة الملكة نازلي ، وصاحبات السمو الملكي الأميرات ،وقد أقيمت في الباخرة قبل الوصول إلى " جنوي " حفلة كبيرة تجلى فيها عبد الوهاب وإرتفع صوته العذب ، بما نال من آجلة تقدير الملكة وسمو الأميرات ، وحاشيتهن من كرائم العقائل ، وعقب الحفلة تقدمت شركة "مصر للملاحة" وكان يمثلها على ظهر الباخرة صاحبا السعادة والعزة مدحت يكن باشا ، وفؤاد سلطان بك ، إلي الأستاذ محمد عبد الوهاب بملغ مائة جنيه كهدية ، بعد إحياءه الحفلة لكنه رفض قبول المبلغ باتاتا ، وذكر أنه يعتبر ما أداه هو موضع فخر له وتشريف ، وانه لن يتقاضي على تأدية الواجب أجرا مهما كان ، وقد أكبرت الشركة في عبد الوهاب هذه العاطفة كما قدرها المسافرون جميعا" 

 ويبدو أن رسائل القراء إنهالت على المجلة تسأل عن سبب توقف نشر المذكرات ، فنشرت المجلة هذا الرد على تساؤلهم    في العدد التالي الذي حمل رقم 218  وصدر في  الخامس عشر من  أغسطس 1938 :
"حول مذكرات محمد عبد الوهاب وردت إلينا رسائل عدة يسأل أصحابها عن سبب توقفنا عن نشر مذكرات مطرب الملوك الأستاذ محمد عبد الوهاب ، وجوابا عن ذلك نقول بأن وجود الأستاذ في أوروبا حال دون هذا الاستمرار ولذلك أرجيء الأمر لحين عودته"

غير أن المجلة ظلت تصدر أسبوعا تلو الآخر دون أن تستكمل المذكرات ، وحل فصل الشتاء وإنتهى عام 1938 وفي يناير من العام التالي 1939 شرعت المجلة في نشر مذكرات جديدة للفنانة بديعة مصابني على حلقات مسلسلة ، وتبدد الأمل في معاودتها لنشر باقي مذكرات عبد الوهاب ! 

سامح الله الملكة نازلي فقد كانت هي السبب في توقف عبد الوهاب عن إستكمال عبد الوهاب لمذكراته بدعوتها إياه للسفر معها للإصطياف في أوروبا ،  فقد عثرت في كتاب مجدي العمروسي على هذه الواقعة الطريفة التي رواها عبد الوهاب عن نازلي ، وتحديدا عن واقعة سفره معها ألي أوروبا على ظهر الباخرة ، يقول فيها   :" الملكه نازلي كانت بعد ما مات زوجها الملك فؤاد 1936  كانت بتحرص على حضور أي حفلة لي ، فكانت  توحي  للأميرات إنهم يعملوا حفلات عندهم مش عندها وتروح تسهرعندهم وتقول لهم هاتوا لنا عبد الوهاب علشان يغني ، ولما جت تسافر أوروبا قالت لي أنا هسافر على الباخرة كذا إلى فرنسا، ما تيجي تسافر إنت كمان معانا وسافرت معاها ، طبعا ده ما كانشي حب فيا بقدر ما هو كان رغبة منها في إثارة غيرة أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي ، اللي كان بيخرج من قصة حب يدخل قصة تانية"

تناولت مذكرات عبد الوهاب في "الأثنين" فصولا من حياته وإبتعدت عن النمط الدارج  في كتابة المذكرات في أن يبدأ الفنان في الحديث عن مولده ونشأته وبدايات عمله الفني إلى آخره ، وقد صدرتها المجلة بهذه الكلمة في الحلقة الأولى منها :"الأستاذ محمد عبد الوهاب بدأ يضع مذكراته الخاصة ، وأنه لم يعمد في ذلك إلى التسلسل وربط الحوادث بعضها بالبعض الآخر ، ولكنه رأى أن يبادر في أوقات فراغه بكتابه ما مر به من الحوادث بحسب ما تواتيه بها ذاكرته ساعه التحرير بالذات"
تحدث عبد الوهاب في هذه المذكرات عن فترة عمله مع الشيخ سيد درويش في فرقته المسرحية ،وعن محاولاته الأولى في التلحين بالإستعانة بالأخبار المنشورة في الصحف كي يلحنها ، وعن قصة حب تركت أثرا في نفسه وعن ذكرياته مع صديقه شاعر الشباب أحمد رامي، وعلاقته بالشيخ علي محمود ، ومغامراته وهو طفل في المدرسة وتلصصه كي يتمكن من الإستماع الي الشيخ سيد الصفتي ، وعن معاناته في تصوير ديالوج " محلا الحبيب بين المية وبين الأغصان" من فيلم "دموع الحب" في ترعة في السنبلاوين تغص بالناموس والحشرات ، وهو الموقف نفسة الذي سيقصه علينا مجددا في مذكرات "الكواكب" وسيتكرر الأمر مع مواقف أخرى من حياته كعلاقته بأمير الشعراء ، ومغامراته في رحلاته إلى العراق وسورية ولبنان ، وإنفردت هذه المذكرات بتضمنها حديثا لعبد الوهاب عن تأثير كل من عبده الحامولي ومحمد عثمان في الغناء المصري.
 
المذكرات الثانية  نشرت في مجلة "الكواكب" إعتبارا من  العدد 140 الصادر بتاريخ 6 ابريل عام 1954  على مدى 23 أسبوعا  ونشرت الحلقة الأخيرة منها في العدد رقم 162 الصادر بتاريخ  السابع من  سبتمبر عام 1954 المذكرات الثانية  نشرت في مجلة "الكواكب" إعتبارا من  العدد 140 الصادر بتاريخ 6 ابريل عام 1954  على مدى 23 أسبوعا  ونشرت الحلقة الأخيرة منها في العدد رقم 162 الصادر بتاريخ  السابع من  سبتمبر عام 1954 

كانت علاقة عبد الوهاب بشوقي ورحلاته الي العراق ولبنان هي القاسم المشترك بين المذكرات الأولى والثانية ، غير أن مذكرات " الكواكب " أنفردت بحديثة عن علاقته بالملك فاروق  وبفصل خاص عن علاقاته بأقطاب حزب "الوفد"  بداية من سعد باشا زغلول مرورا بالنحاس باشا رئيس الوزراء الأسبق ومكرم عبيد وعبد المجيد عبد الحق ، الذي قدم اغنية خاصه له يحث فيها أهالي السيدة زينب على إنتخابه عضوا في البرلمان بعنوان" تنتخبم مين عبد الحق" عام 1951 وكان عبد الحق يشغل منصب وزير العدل في حكومة الوفد ، وهو الشقيق الأكبر للملحن عبد العظيم عبد الحق .

إرتبط عبد الوهاب بصداقة حميمية مع النحاس باشا حتى أن النحاس باشا شكل حكومته ذات مرة في منزل عبد الوهاب في الهرم بعد أن تلقي إتصالا من القصر الملكى بتكليفه بتشكيل الوزارة ، بعد حادث فبراير عام  1942 ، حسب ما ذكر عبد الوهاب نفسه لمجدي العمروسي في كتابه عن الموسيقار ، وكان عبد الوهاب هو حمامة السلام التي تصلح ذات البين ما بين أقطاب الحزب في حال نشوب خلاف بينهم . 

وغنى عبد الوهاب في عرس النحاس على زينب الوكيل عام  1934 وقدم أغنية خاصة لهذه المناسبة من تأليف حسين عبد الحميد،  تقول كلماتها "النيل يهني بفرحه شخصك الغالى/ والأمة تهتف وصوتها في الهتاف عالي / لمصطفاها العظيم والكوكب الهادي/ الله يبارك زواجك يازعيم النيل / وينصرك والوطن عالظالم العادي"  

المدهش أن علاقة عبد الوهاب بالنحاس باشا لم تنقطع بعد قيا  ثورة يوليو ، فقد زار النحاس وزينب الوكيل عبد الوهاب  في مستشفى" الكاتب"  بعد تعرضه لمحاولة إغتيال من شخص مختل عقليا عام 1960 حسب مانشرت جريدة الأهرام أنذاك. 
 

المؤسف  في أمر هذه المذكرات جميعا هو أننا إذا جمعنها معا وضممناها في كتاب واحد لبقي هذا الكتاب منقوصا ، فالموسيقار الكبير كان يغفل ذكر أمور ووقائع أو يذكر بعضها على غير حقيقتها سهوا أو عمدا ،  بسبب رغبته الملحة في جعل سنة أصغر بضعة أعوام ، أو من أجل الحفاظ على صورته الأيقونية موسيقارا للشرق ، وهو ماجعل كثيرا من الوقائع المروية  ملتبسة وغير متسقة مع سياق الأحداث تاريخيا و فنيا وسياسيا .

لذا وجدنا من الواجب علينا هنا وقبل مطالعة المذكرات هذه أن نقدم للقاريء أولا صورة موثقة مختصرة عن حياة الموسيقار الكبير إعتمدنا فيها على مراجع وشهادات مهمة لمن عاصروه في بدياته الأولى.

Dr.Randa
Dr.Radwa