الثلاثاء 14 مايو 2024

صناعة الكتاب في مصر

د. بهي الدين محمد مرسي

ثقافة5-2-2024 | 11:05

  • تم تدشين مشروع "مكتبة الأسرة" بهدف إتاحة ذخائر الفن والأدب والموسوعات الأدبية والعلمية للشعب، واستعادتها من الركود والبقاء على أرفف المكتبات
  • تعددت ساحات التنافس في معرض الكتاب لتضم مسابقات حول الكتاب الأكثر تأثيرا، أو الأكثر مبيعا، ويتم رصد جوائز للفائزين بالمنازل الإبداعية
  • تعاظم دور معرض القاهرة للكتاب من كونه سوقا لعرض وبيع الكتاب، ليضم أنشطة ثقافية أخرى مثل فنون المسرح، والأنشطة الإبداعية والفنون

 

لدي الحديث عن دور مصر الإقليمي في تسويق الثقافة عبر الكتاب، يصبح لزاما علينا مراجعة تاريخ صناعة الكتاب في مصر، سيما وأن الذكرى الخامسة والخمسين تزخر بحصيلة  غير مسبوقة من الإنتاج الفكري في كافة المجالات.

بينما كانت القاهرة تحتفل بمرور الف عام على مولدها في العام 1969، ومع تلك الذكرى، ولدت فكرة تأسيس أكبر صرح ثقافي في القرن العشرين، وهو تأسيس معرض القاهرة للكتاب، والذي أخرج فكرته للنور وزير الثقافة آنذاك ثروت عكاشة، وشاركته الجهد الكاتبة الدكتورة سهير القلماوي. ومنذ نشأته الأولى عام 1969 لم يتوقف الاحتفال بإقامة معرض القاهرة الدولي للكتاب إلا مرة واحدة في يناير 2011 بسبب تعطل حركة الحياة نسبيا للدواعي الأمنية.

لم يقتصر معرض القاهرة للكتاب كونه مجرد سوق لتداول وعرض وبيع الكتاب، بل تعاظم دوره مع السنوات ليضم أنشطة ثقافية أخرى مثل فنون المسرح الحي، والأنشطة الإبداعية والفنون، والمشغولات والأعمال الفنية للهواة والمحترفين، وكذلك الأعمال الإبداعية للفنانين.

تطور نشاط المعرض بعد العام 1980 ليستقبل المشاركين من العالم الخارجي من كافة الروافد الفنية، وتبادل المعارف والثقافات بكل اللغات.

تم وضع استراتيجية فنية تحدد هوية المعرض في كل موسم انعقاد، ويتم ترشيح شخصية العام ممن تشهد لهم الساحة الفكرية بالتفوق الثقافي في شتى المجالات مثل الرواية، والمسرح، والدراسات الإنسانية، والعلوم الاجتماعية والتربوية، والشعر، والإبداع الفني والأدبي، وكل فروع العلوم الدينية.

تعددت ساحات التنافس في معرض الكتاب لتضم مسابقات حول الكتاب الأكثر تأثيرا، أو ألأكثر مبيعا، وبالطبع تم رصد جوائز للفائزين بالمنازل الإبداعية.

يعود تاريخ الكتابة في مصر إلى العصر الفرعوني، ولعل "كتاب الموتى"  هو أول إصدار ديني  في مصر الفرعونية، وتصدرت موضوعات الدين والإنسانية، وعلوم الطبيعة، والفنون صفحات ذاك الكتاب، وبذلك يكون هذا الكتاب أول من وضع مصر على قمة الحضارة قبل حضارة "جوتنبرج" التي أتت لاحقا بعد آلات الطباعة.

ينسب إلى الحملة الفرنسية عام 1798 استخدام أول آلة طباعة، وتطورت المطابع وأصبحت في ذروة التقدم في عام 1820 لدى تأسيسي المطابع الأميرية في عهد محمد على.

البناء الثقافي تحت المظلة الناصرية

كان البناء الثقافي والفكري ضمن مهام ثورة يوليو 1952، وكان أول علاماتها الاهتمام بالفن والثقافة والصحافة الورقية والمرئية، وأبدت اهتماما خاصا بصناعة الكتاب، وارتفع عدد العناوين المطبوعة من 500 كتاب قبل الثورة إلى 10 آلاف عنوان، وهي طفرة جمعت معها تفردا في الإبداع في مجالات الفكر والفن، وتأسست قصور الثقافة لتحظى كل المراكز والمدن واحدة منها، وتم تأسيس اتحاد الناشرين لتشجيع التسويق الثقافي ودعم مهام دور النشر داخل مصر وخارجها، حتى بات معروفا أن صناعة الكتاب تبدأ بالكاتب في مصر، ويطبع في لبنان، ويسوق في البلاد العربية.

أبدى الرئيس جمال عبد الناصر اهتماما خاصا بالصحافة كآلة خبرية وإعلامية وتثقيفية، وبينما كانت المؤسسات الصحفية هي الطريق الوحيد لإصدار الكتاب في القرن التاسع عشر، جاءت مؤسسة «الأهرام» لتتبنى طباعة الكتب إلى جانب إصداراتها الصحفية، وكذلك "دار الهلال" التي أثرت الحياة الثقافية بظهور عدة إصدارات للطفل والمرأة والسياسة، من خلال الكتاب المحليين وترجمة المؤلفات العالمية، هذا بخلاف إحياء الكثير من المؤسسات القديمة والتي تأسست في العصر الملكي ومنها مؤسسة "روز اليوسف"  ودار "نهضة مصر" وكذلك " دار التحرير"  للطبع والنشر"، وكانت هذه سابقة الوجود قبل الثورة ولكنها لم تكن حية بما يكفي لتأدية الرسالة، ولا يمكن إغفال دور الهيئة المصرية العامة للكتاب ودورها في الصحوة الترويجية للكتاب، وكذلك "دار الشروق". لم تقف الحركة الثقافية عند تجديد التراث الراكد قبل الثورة، بل ظهرت مجلات نوعية متخصصة للطفل والأسرة والزراعيين.

أما عن ديناميكية التحول ومواكبة النظام الاشتراكي، فقد تزامن الفكر السياسي والثقافي مع هذا التوجه السياسي، حتى تغيرت صبغة الأقلام في الكتابة بشكل ملحوظ.

في عام 1994، تم تدشين مشروع "مكتبة الأسرة" الذي يهدف إلى  إتاحة ذخائر الفن والأدب والموسوعات الأدبية والعلمية للشعب، واستعادتها من الركود والبقاء على أرفف المكتبات والتحرك إلى الطفل والأسرة والمدرسة بعد دعمها ودعم حقوق الملكية الفكرية وإعادة طرحها في طبعات مخفضة، وبالفعل لاقت هذه الحركة رواجا عظيما، فكانت الطبعات تنفد بمجرد إصدارها الأمر الذي أدى إلى تشجيع الأسرة المصرية على اقتنائها، هذا بخلاف التواصل مع الحضارات من خلال الترجمة.

 ليس هذا فحسب، بل أسهمت مكتبة الأسرة في رفع عدد ما نُشر من عناوين في سنة 2001 من ستة آلاف عنوان في الثمانينيات إلى 14575، و قفزت حصة القارئ من عنوان لكل 15 ألفا في نهاية الستينيات إلى عنوان لكل ستة آلاف مع بداية الألفية الثالثة.

ولعل أروع ما تفردت به إصدارات مكتبة الأسرة هو السلاسل، إذ خصّت لكل فرع أو تخصّص من المعرفة سلسلة خاصة، و منها على سبيل المثال لسلسلة روائع الأدب العالمي للناشئين، زاخرة بأعمال إلكساندر دوماس، شكسبير، وشارلز ديكنز وغيرهم، وكذلك سلسلة الأعمال العلمية وسلسلة تراث الإنسانية. 

أشكال الأدب المصري على مر العصور

عرف المصريون القدماء أنواعاً مختلفة من الأدب الديني والتاريخي والحضاري منذ القدم، فقد كان هناك أدب الأساطير والقصص الكهنة والآلهة،  ووصف ما بعد الموت، والبعث، وكانت هناك أيضا الروايات التي رواها قدماء المصريين لإيصال مضمون وجوهر رسالة الآلهة توصيل الحكمة و قوانين الأخلاق، وكانت أقدم القصص و أحبها لدى المصريين " قصة سنوحي"، وكانت السير الذاتية أيضا من أقدم أشكال الأدب المصري القديم، وكان هناك الأدب الجنائزي الذي يصف البعث وما بعد الموت من حساب فيه النعيم والعذاب.

 شهدت الإسكندرية ازدهارا للأدب الإغريقي في العصر الهيلنستي، ويعتبر "كاليماخوس" أبرز شعراء الإسكندرية، وكان الشعر القصصي والمرثيات والشعر الغنائي من أحب ألوان الشعر إلى قلوب السكندريين الأوائل، وكان هذا الشعر ذا طابع إغريقي، واستمد بعضه من الفنون القديمة وخيالات المعاصرين.

 أما الأدب القبطي فقد تأثر كثيرا بالأدب اليوناني حتى اضطر كثير من الأدباء إلى الكتابة باللغة اليونانية المنتشرة آنذاك مثل كتابات الأنبا أنطونيوس والأنبا باخوميوس، وخطب ومواعظ الأنبا شنودة. وتعتبر ترجمة الكتاب المقدس أهم إنتاج أدبي لأقباط مصر.

ولدى انتشار الإسلام، ازدهر نوع جديد من الأدب، عرف بالأدب الإسلامي، وبلغ أوج ازدهاره في القرن الثامن الهجري مع طفرة الموسوعات المصرية. أما العصر الفاطمي، فقد شهد ازدهارا في الإنتاج الأدبي، وساعد على ذلك اهتمام الفاطميين بأمر المكتبات والكتب والشعر والخطابة وكان من أكثر شعرائهم شهرة " ابن هانئ الأندلسي".

أما في العصر المملوكي، فقد ازدهر أيضا الأدب الموسوعي المتعلق بالتراث الأدبي والسياسي، وازدهر معه النثر الفني والشعر، وشاعت كذلك المناظرات الأدبية والشعرية، و أشهر الأدباء في العصر المملوكي هو "ابن عبد الظاهر".

وفي العصر الحديث، فقد ازدهر الأدب الروائي والقصصي، وامتلأت ساحة الأدب بالعديد من الأدباء والمفكرين الذين شاع صيتهم للعالمية، ومن أشهرهم أديب نوبل نجيب محفوظ. أما توفيق الحكيم فهو أيضا أحد رواد الرواية وأدب المسرح في المعاصرة، وقد امتد تأثيره لعقود متعاقبة تتلمذ فيها الأدباء والمبدعين على أعماله، ومن مؤلفاته : "أهل الكهف" ، "عودة الروح" ،" إيزيس" ، " الأيدي الناعمة"، وانضم لقافلة الإبداع الروائي الكاتب إحسان عبد القدوس الذي أثرى السينما والتلفزيون والمسرح بإبداعاته مثل" لا تطفئ الشمس" ، و"في بيتنا رجل" ، " الخيط الرفيع " ، الوسادة الخالية" ، " أبي فوق الشجرة".

 ويأتي عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين ليتوج القائمة، فقد ساهم بالعديد من الإسهامات البارزة التي أثرت الساحة الأدبية في مصر، فقد عاش يحاضر ويكتب في النقد والوصف والتراجم والمقالة والقصة، وهو صاحب مدرسة ومنهج في النقد خاصة. وفي أدبه إطلالات على الآداب العالمية وخاصة اليوناني والفرنسي، ومن مؤلفاته " الأيام" ، " دعاء الكروان" ، "حديث الأربعاء" ، " المعذبون في الأرض" .

أما الأديب العصامي الذي أبدع في الإسلاميات وسرد العبقريات التي أرخت للصحابة وقادة العرب المسلمين، وتخصص بشكل متحيز لكتابة السير والتراجم. ولا تزال مصر تمنح العالم أجيالا من العباقرة والمبدعين والأدباء في كل مجالات الفنون والأدب.

شيوع العامية المصرية في الوطن العربي عبر السينما

تعتبر اللهجة العامية المصرية  من أوسع اللهجات العربية انتشارا بين لهجات الأقطار العربية وأسهلها رواجا وفهما بين العرب، وساعد على هذا الانتشار عدة عوامل جعلت منها اللهجة المشتركة لدى اختلاط اللهجات العربية في مناسبات مثل الحج والعمرة، ويسرت فهم السينما المصرية منذ أن كانت المورد الثقافي الوحيد بين بلدان العرب، وكذلك لدى التحام جنسيات البلاد العربية في أسواق العمل بالخليج.

كيف انتشرت اللهجة المصرية على المستوى الإقليمي العربي؟

من المعروف أن لفظ "لهجة" هو التسمية التعريفية للمشتق المحلي من أي لغة، أي أن اللهجة هي التحور اللفظي للغة العربية بين أقوام المجتمعات العربية، وحتى على مستوى الأقاليم داخل كل بلد، هناك لهجات محلية مثل اللهجة النوبية في مصر، وبعض اللهجات القبلية في السودان واليمن والجزائر وسوريا والعراق، يندر أن تتوحد اللهجة المنطوقة داخل أي قطر عربي. أما عن أسباب شيوع اللهجة المصرية في التواصل بين بني العرب، فله عدة أسباب نوجز بعضها في الأسباب التالية:

صناعة السينما التي تفردت بها مصر منذ العقد الثالث من القرن الماضي، وتصدير هذا الإنتاج الوفير من الأفلام والمسلسلات المصرية منذ بدايات القرن العشرين للتليفزيونات العربية، حتى أن بعض العادات المصرية انتقلت مع اللهجة لتصبح عادة محلية مع الجمهور المستقبل لهذه الثقافة.
تتميز اللهجة المصرية بحرية التركيب والبناء اللغوي، وسهولة التكيف بحرية من قواعد النحو والصرف وبناء الجمل، فلا يلزم المتحدث بهذه اللهجة التقيد بقواعد ترهق المتعامل بها، لذا لاقت اللهجة المصرية قبولا واسعا بين البلاد العربية، بل نافست بعض اللهجات المحلية.
كما أسلفنا، ساعدت السينما المصرية ومعها  رواج الأغاني والطرب المصري في البلاد العربية على انتهاج اللهجة المصرية في العلاقات الحياتية.
بعدما أصبحت مصر قلعة الفن ومركز صناعة المطربين وبناء الشهرة، حتى أشيع بين الفنانين الناشئين استحالة الشهرة في أوطانهم ما لم يحظ الفنان بصك الاعتماد داخل مصر أولا.
نزوح ملايين المصريين لسوق العمل في البلاد العربية، ومنهم معلمين تسببوا في ترويج اللهجة المصرية وسط أبناء تلك الدول.
أصبحت الجامعات المصرية منارة تستقطب أبناء الدول العربية لإتمام التعليم الجامعي، فانخرط ملايين الطلاب بكثافة غير مسبوقة عبر العقود الأربعة الماضية، فبات من اليسير تكيف الطلاب العرب مع التعليم داخل مصر وتعويض الضعف في اللغة الإنجليزية لدي السفر لجامعات الغرب.

Dr.Radwa
Egypt Air