- لعب معرض القاهرة الدولي للكتاب دورا محوريا في حياتي بشكل عام، فقد تعرفت فيه على أساطين الأدب والثقافة والفكر، كما تعرفت على شباب المبدعين من مصر والوطن العربي
- أنتظر قدوم المعرض سنويا على أحر من الجمر؛ بعد أن أكون قد ادخرت بعض الأموال لشراء دواوين الشعر لكبار الشعراء، وبعض المجلات الأدبية التي أحرص على اقتنائها
- عاد الاهتمام مرة أخرى بفاعليات الأطفال الفنية والأدبية من خلال سراي الطفل، الذي وضع في مكان مستقل عن معرض كتب الكبار
ذكرياتي مع معرض القاهرة الدولي للكتاب تمتد لأكثر من ستة وثلاثين عاما، وبالتحديد من عام 1988، حينما عزمنى الشاعر الراحل "طاهر البرنبالي" أنا وبعض أصدقائي من أبناء قريتي "برنبال"، على أمسيته بالمعرض، حضرنا الأمسية وبعض الندوات، ومررنا على سور الأزبكية اشترينا بعض الكتب، وعدنا أدرجنا إلى القرية، كنت وقتها لازلت في بداياتي الشعرية، ولم تكتمل تجربتي بعد، ولم يكن لى قصائد منشورة في الصحف والمجلات الأدبية.
من يومها ارتبطت نفسيا بالمعرض، وأصبح لى زيارة سنوية، أحرص عليها كل عام، وذلك لحضور بعض الأمسيات الشعرية، خاصة لكبار الشعراء، وأذكر أنني حضرت في معرض الكتاب –في دورات مختلفة- أمسيات للشعراء: نزار قباني، محمود درويش، عبد الرحمن الأبنودي، سيد حجاب، سعاد الصباح، سمير عبد الباقي، فاروق شوشة، وغيرهم من الشعراء الكبار.
ظللت على هذه الحال أنتظر قدوم المعرض سنويا على أحر من الجمر؛ بعد أن أكون قد ادخرت بعض الأموال لشراء دواوين الشعر لكبار الشعراء، وبعض المجلات الأدبية التي حرصت على اقتنائها، وأذكر أنني تعلمت النقد على مجلة فصول القديمة التي جلبت بعض أعدادها من المعرض، وقت أن كان يرأس تحريرها الناقد الكبير عز الدين إسماعيل، وكانت بالفعل من أهم المجلات في النقد على مستوى الوطن العربي، وكذلك اشتريت دواوين "المشروع والممنوع، والفصول، جوابات حراجي القط "لعبد الرحمن الأبنودي، و"كلمة سلام" لسمير عبد الباقي، و"الأحاديث" لأحمد الشهاوي، ومجموعة "طعم القرنفل" لجار النبي الحلو، ورواية "شطح المدينة" لجمال الغيطاني، وغيرها من الكتب من سور الأزبكية بأسعار زهيدة.
***
وفي عام 1991 فزت بأفضل قصيدة شعر عامية في المسابقة المركزية بهيئة قصور الثقافة، وكانت بعنوان "تسبيح" وقد نشرتها ضمن قصائد ديواني الأول "البندق طاش رشاش على شعري" الذي صدر بعد ذلك عام 1996 في سلسلة إبداعات أدبية عن قصور الثقافة، وقتها شعرت أنني أصبحت شاعرا متحققا، وبدأت أراسل المجلات والصحف التي تهتم بنشر الأدب واستطعت أن أنشر تقريبا في جميع المنابر التي تنشر شعر العامية، وزاد ارتباطي بمعرض الكتاب أكثر.
وفي عام 1992 كنت ضمن مجموعة شعراء "محافظة كفر الشيخ" المشاركة في أمسيات "مخيم الإبداع" الذي كانت تقيمه إدارة المهرجانات بهيية قصور الثقافة سنويا بالمعرض، وكان برنامجه حافلا بالفقرات الفنية والأمسيات الشعرية لأدباء الأقاليم، وكان يشرف عليه الشاعر الكبير الراحل "المنجي سرحان" الذى كان في استقبالنا، وفي هذا اليوم تعرفت على الشاعر الكبير د.يسرى العزب، الذي كان يحرص سنويا على حضور أمسيات المخيم والتعليق على قصائد الشعراء المجيدين، كما تعرفت على شعراء من جميع محافظات مصر، وصار عيدا سنويا ننتظره كل عام لنلتقي بزملائنا الشعراء من محافظات مصر المختلفة، خاصة وأنني قد إلتحقت في نفس العام بالعمل مسؤولا عن الثقافة العامة ببيت ثقافة أنور المعداوي بمطوبس، كفر الشيخ.
***
في عام 1995 انتقلت إلى القاهرة للعمل بإدارة الثقافة العامة بهيية قصور الثقافة، ولحسن الحظ كانت إدارة المهرجانات تجاور إدارة الثقافة العامة في الدور السابع بمبني عمارات العرائس بشارع قصر العيني، وتعرفت على الأستاذ "سيد عواد" مدير عام الإدارة، والأستاذ "فتحي عفيفي" مسؤول مخيم الإبداع، وتوطدت علاقتي به واستعان بي أنا والصديق الشاعر طارق هاشم في تقديم الأمسيات الشعرية لشعراء المحافظات القادمين من أقاليمهم للمشاركة في فعاليات المخيم، وظللت على هذا الوضع سنوات طويلة مما أتاح لىّ فرصة كبيرة للتعرف على شعراء مصر الشباب من أقصاها إلى أقصاها، إلى أن توقف المخيم في أوائل الألفينية الجديدة، وتغير اسمه إلى "ملتقي الإبداع" كما تغير تبعيته لإدارة الثقافة العامة بهيئة قصور الثقافة، وأخذ شكلا جديدا يقدم الأمسيات الشعرية بمصاحبة أحد الملحنين الشباب، وتقديم ندوات أدبية لمناقشة الروايات، والمجموعات القصصية، والدواوين الشعرية، ويتناوب على تقديم الفعاليات مجموعة من شباب شعراء الهيئة، وكنت واحدا منهم، أشارك في تقديم بعض الندوات والأمسيات، وظل هذا الملتقى يقام كل عام كتظاهرة ثقافية يحتفي بالشعراء والأدباء الشباب على مستوي الجمهورية، لكنه توقف منذ عام 2016، ولم يعد لقصور الثقافة نشاط أدبي يذكر داخل المعرض.
***
وبداية من عام 2000 بعد أن تحقق لى الذيوع كشاعر عامية متميز، بعد أن حقق ديواني الأول والثاني نجاحا كبيرا في الساحة الثقافية المصرية واحتفي بهما النقاد والقراء، وضع اسمي ضمن أمسيات المعرض الرئيسية مجاورا للشعراء الكبار، ولم يغب اسمي من يومها عن أى دورة من دوراته، بل استعين بي لتقديم بعض الأمسيات الشعرية في بعض الدورات، والمشاركة في مناقشة بعض دواوين شعر العامية للأصدقاء الشعراء، في تلك الفترة كنت أعمل مديرا لتحرير مجلة قطر الندي، وأنشر قصائدى للأطفال فيها وفي مجلات الأطفال مثل، سمير، كتاب الهلال للأولاد والبنات، ومجلة بلبل التي تغير اسمها إلى "فارس"، وغيرها، وكان يقام معرض كتاب الطفل كل عام في شهر نوفمبر مع احتفالات الدولة بأعياد الطفولة، وكانت تمر السيدة "سوزان مبارك" على جناح مجلة قطر الندي في المعرض، وقدر لى أن قابلتها وجها لوجه، وكانت معجبه جدا بالمجلة، ومن ثم بدأت أقترب أكثر من عالم الطفل، وفعالياته الفنية والثقافية.
***
في عام 2003 فاز ديواني للأطفال "أراجوز فنان" بجائزة الدولة التشجيعية، مما جعلني أركز أكثر في الكتابة للأطفال، فكتبت القصة، والمسرحية، والشعر، والأغنية، والدراسات والبحوث وبدأت أشارك في ورش الكتابة والحكي التي تقام في ركن الطفل بالمعرض، حتي توقف معرض كتب الأطفال. وغاب نشاط أدب وثقافة وفنون الطفل من المعرض لسنوات، اللهم إلا من فاعلية واحدة أو أكثر تقام على هامش المعرض.
ومع انتقال معرض القاهرة الدولي للكتاب إلى مكانه الحالي، بدأ الاهتمام يعود مرة أخرى بفاعليات الأطفال الفنية والأدبية من خلال سراي الطفل، الذي وضع في مكان مستقل عن معرض كتب الكبار، وهو مكان يجمع معرض لكتب الأطفال لبعض الدور المصرية والعربية، إلى جانب تقديم الخدمة الفنية للأطفال من ورش كتابة ورسم، وحكى، من عدة مؤسسات ومجلات تقوم بأنشطة فنية عن مجلاتهم ممثلة في ورش للحكى، فتجد مجلة علاء الدين تقيم بعض الورش، وكذلك مجلة الفردوس وسلسلة رؤية للنشر التي تصدرا عن وزارة الأوقاف، ومجلة قطر الندي، ومجلة نور، وأشارك سنويا في العديد من هذه ورش الحكى والفعاليات الأخرى.
وفي عام 2018 أخترت عضوا في لجنة الطفل بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وشاركت في وضع فعالياته وفقراته الفنية، وقدمت بعض الورش التي تشارك بها هيئة الكتاب، وبعض مجلات الطفل.
وفي عام 2019 مع حلول العيد الذهبي (50) لمعرض القاهرة الدولي للكتاب اختيرت محكما في جائزة المعرض (أفضل كتاب للأطفال) مع نخبة من كبار كتاب الأطفال.
***
ومن عام 2022 بدأ تقليد جديد يطرأ على فكر الهيئة في تنظيم المعرض، وهو أن يطلق على كل دورة من دوراته الجديدة اسم أحد أعلام الفكر والأدب، فيوضع اسم على معرض كتب الكبار، وكذلك اسم من كبار كتاب الأطفال على معرض الطفل، في هذا العام تصادف رحيل كاتب الأطفال الكبير عبد التواب يوسف، فأطلقوا اسمه على معرض الطفل وهو في الحقيقية يستحق لأنه أحد أهم كتاب الأطفال على مستوى وطننا العربي الكبير، وأعادوا طبع عدد من كتبه المهمه وخاصة روايته الشهيرة (خيال الحقل)، وكان لى شرف تقديم إحدى الندوات التي أقيمت في القاعة الرئيسية عن الراحل الكبير.
وفي العام الماضي 2023، أختير الرائد كامل كيلاني ليكون شخصية معرض الطفل، اتصل بى الكاتب الكبير محمد السيد عيد من اللجنة العليا المنظمة لفاعليات المعرض، وطلب منى إعداد أربع ندوات عن الكيلاني، وبالفعل أعددت الندوات وكنت حريصا على أن أنوع في موضوعاتها وفي ضيوفها من الأجيال المختلفة من كتاب الأطفال، كما حرصت على أن يشارك بعض الكتاب العرب في هذه الندوات، فشارك الكاتب اللبناني طارق البكرى، والكاتب العراقي علاء الجابر في ندوة "التراث والأسطورة في أدب كامل كيلاني".
كما قدمت ندوة (كتاب أدب الطفل بالأردن) والتي أقامتها مؤسسة شومان الأردنية في معرض الكتاب، والتي شارك فيها عدد من كتاب الطفل الأردنيين، منهم د. محمود الرجبي، والكاتب نغريد النجار، وأحد مستشاري مؤسسة شومان، كما اختيرت في هذه الدورة محكما ضمن لجنة تحكيم "جائزة أفضل كتاب للأطفال" مع نخبة من كبار كتاب الأطفال.
وفي هذا العام 2024 قررت إدارة الهيئة اختيار اسم الكاتب الكبير يعقوب الشاروني ليكون شخصية معرض الطفل لهذا العام، ولأن الرجل يستحق عن جدارة باعتباره أحد الرواد في الجيل الثاني بعد جيل الكيلاني وعبد التواب يوسف، وأحمد نجيب، وجمال أبو رية، وهذا الخبر أسعد كل كتاب الأطفال في مصر لما يتمتع به الشاروني من محبة جميع الكتاب، ولدوره الكبير والرائد في مجال الكتابة والبحث في ثقافة الطفل، وقد اتصل بي مدير النشر بالهيئة الشاعر عادل سميح كى أتواصل مع الشاروني لاختيار سبعة عناوين من كتبه لتطبع مواكبة للمعرض، ولأن أ. يعقوب كان مريضا منذ فترة طويلة ويقيم في أحد المستشفيات ولا يرد على التليفون، فاتصلت بالدكتورة هالة الشاروني ابنته الكبري، وأبلغتها برغبة الهيئة في طباعة كتب والدها، فقالت لى: اتصل بالفنان أحمد عبد النعيم لأنه هو الوحيد من خارج العائلة الذي يزور "بابا" مرة كل أسبوع لينسق معك، وبالفعل اتصلت به ووعدني أنه سيذهب في الغد للقاء أ. يعقوب ويتصل بي، وبالفعل اتصل بي ويومها كانت آخر مرة أستمع فيها لصوت الشاروني والذي كان سعيدا باختياره شخصية المعرض، وتم اختيار الكتب التي ستصدر مع فعاليات الدورة الجديدة، ولكن للأسف لم تمر أيام إلا ويرحل كاتبنا الكبير يعقوب الشاروني قبل أن يرى صورته تعلو معرض كتاب الطفل، ويرى محبة الناس له ولإبداعه ودوره الكبير، ومنذ أيام اتصلوا بي منظمي الندوات بالمعرض وأبلغوني بأنني سأشارك في ندوة (الشاروني كاتبا مسرحيا للأطفال) وذلك يوم 30 يناير 2024، مع دكتور حسام عطا، وكذلك مشاركتى في أحد أمسيات المعرض.
***
في النهاية أستطيع أن أقول أن معرض القاهرة الدولي للكتاب، لعب دورا محوريا ومهما في حياتي بشكل عام، فقد تعرفت فيه على أساطين الأدب والثقافة والفكر، كما تعرفت على شباب المبدعين من مصر والوطن العربي، ولم أغب عن دوراته ولا أمسياته منذ أن استقريت في القاهرة، بل ظل العرس الثقافي الأكبر والأهم في حياتنا الثقافية المصرية، فننتظره بشوق ولهفة كي نتقابل مع من لم نرهم منذ سنوات سواء مبدعين مصريين أو عربا ممن نلتقيهم في الفعاليات العربية والدولية التي نشارك فيها خارج الوطن، سيظل معرض القاهرة للكتاب الفاعلية الأهم والأبرز على المستوى العربي.