الخميس 2 مايو 2024

مَعْرَضُ الْكِتَابِ وِصِنَاعَةِ الْهَوِيَّةِ الْمَعْرِفِيَّةِ


محمد أحمد مرسي

مقالات5-2-2024 | 14:18

محمد أحمد مرسي

نجَحَت الدولةُ المصريةُ من خلال الاستعانة بكوادر متميزة -تحديدًا في الهيئة المصرية العامة للكتابِ- في استعادة مكانتها الثقافية. وقدَّمت العديدَ من الإنجازات على الصعيدِ الثقافيّ، الذي شهد طفرةً حقيقةً، سواء على المستوى المحليِّ أو الدوليِّ.

حيث تبلور هذا في الحدثِ الثقافيّ العالميّ الأَهَمِّ، وهو معرضُ الكتابِ الذي أصبحَ ساحةً تفاعليةً معرفية، بوتقةً تمتزج فيها المعارف والأفكار؛ ليُصبح أشبه بمركزٍ عالميّ للفكرِ، يلتقي فيه صُنَّاع الكلمة من حوالي سبعين دولة، وتُعرض فيه الأفكار من خلال المحتوى المعرفي المكتوب أو من خلال لقاءات فكريَّةٍ تفاعلية، يشترك فيها الزائرُ والمهتمُ بالشأن الثقافي والعلمي مع صُنَّاع المعرفة من شتَّى بلاد العالم. في الدورة الخامسة والخمسين ركَّز المعرضُ -وبتناغمٍ مع سياسة الجمهورية الجديدة- على ترسيخ الهوية المصرية بقيمِهَا الثقافية وأدواتها الحضارية، من خلال إعادةِ نشر التراثِ الحضاريّ والثقافيّ المصريّ العربيّ عن الحضارةِ الإنسانيةِ في مصر. التي تستحقُ هذا-بلا شك- كونها هي من صَنَعت البنية التحتية القيمية والحضارية للإنسانية. فأوجدت الضميرَ الإنسانيَّ الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه الآن من تطور ثقافيٍّ ومعرفي وحضاري، أي ساهمتْ في رُقِي هذا الكائنِ الذي خَلَقَه الله ليُعمِّر الأرضَ من خلال صناعة المعرفة وصون قيمها. من هذا المنظور كان مِنَ المُهمِ إعادة بعث هذه الأفكار والقيم من خلال الدراسات المصرية للحضارة الإنسانية في مصر، من خلال إعادة نشر محتوي معرفيّ مصريّ خالصٍ، وتقديمه للشبابِ لكي يعي مدى أهميته، ومدى الدور الذي قامت به مصر في تثبيت القيم التي أُقِيمَت عليها حضارتنا البشرية التي تتطَلَّبُ منَّا الصونَ لكي لا تَحِيدَ عن هذه القيم الخالدة التي طالما حدَّثَنا عنها السيدُ الرئيسُ عبدالفتاح السيسي في صياغته لمفهوم الدولة الجديدة ودورها.

فكان الاحتفالُ بإعادةِ نشرِ أعمال سليم حسن وطه حسين وآخرين، ممَّن كانوا يعملون على تطويرِ الفكر من خلال أعمال تُساعد على استيعابِ الرسالةِ الحضارية والاجتماعية والثقافية للمجتمع المصري، ولدولته التي أنشأها وفقًا لقيم استنبتها من تجارب وبيئة خصبة، ساعدت الوفرةُ فيها على ترسيخ قيم التسامح والتعايش والتعاون بين الناس. وهو بلا شك ما نحتاجُ إلى إحيائِه مرةً أخرى؛ لمواجهة ثقافةِ الإقصاءِ والعنفِ والدمار التي تغذيها الكراهية والعنصرية الثقافية والتنميط الذي يُقصي المشاركةَ والتنوعَ.

محتوى عميقٌ ورسالةٌ واضحةٌ تتبلور في سياسة ثقافية لدولةٍ واعية بالتحديات، وراغبةٍ في تأدية واجبها ورسالتها تجاه المجتمعِ الإنسانيّ. فمصرُ لها رسالةٌ إنسانيةٌ كبيرة، فقد صَنَعَت القِيَمَ التي أسَّسَت للحضارةِ الإنسانيةِ، وحَافَظَت عليها وتجدُّدَها من خلال صونِ الكلمةِ الرشيدةِ المعتدلةِ البعيدةِ عن خطاباتِ الكراهيةِ والعنصريةِ، تحيةً للقيادةِ الوطنيةِ التي تسعى إلى ترسيخِ مكانةِ الدولةِ في محيطها الإقليمي والعالمي، وتحيةً خاصةً لمن بذلوا جهودًا حثيثةً لتحقيقِ أهدافِ التنميةِ الثقافيةِ والاجتماعيةِ المستدامةِ، من خلالِ القيامِ بأعمالٍ جادَّةٍ وفَعَّالةٍ يُطَبَّق من خلالها القيمُ والمبادئُ التي ارتضَتْهَا الدولةُ الجديدةُ من أجلِ مستقبلٍ أكثر إشراقًا وازدهارًا. 

أيامٌ قليلةٌ على بداية هذا الحدث الكبير في دورته الخامسة والخمسين، الذي ينطلقُ في الفترةِ من 24 يناير إلى 6 فبراير 2024، تحت شعار "نصنع المعرفة.. نصون الكلمة"، وتحلُّ النرويجُ ضيفَ شرفِ تلك الدورةِ، بإطلالة تضمُّ أكثرَ من 400 عنوان جديد مع إصدارات جديدة تعكسُ رؤيةَ الجمهوريةِ الجديدةِ في معرضِ القاهرةِ الدوليّ للكتابِ، إذ أعلنت عن الانتهاءِ من طباعة أكثر من 300 عنوان جديد، وهو ما حدثَ بالفعلِ، ولكن خلال الأيامِ القليلةِ المُقبلةِ سوف يتمُّ الانتهاءُ من مجموعةٍ من الإصداراتِ الأخرى قد تتجاوز الـ 100 عنوان، وبهذا سوف يتمُّ طرحُ- خلال فعالياتِ معرضِ القاهرةِ الدولي للكتابِ- ما يتجاوزُ الـ 400 عنوان.

حيث يأتي سليم حسن شخصيةً للمعرضِ؛ لإحياء المدرسة المصرية في علم المصريات، وتصحيحِ العديدِ من المفاهيمِ المرتبطةِ بالحضارةِ الإنسانيةِ في مصر، وقد اختارت اللجنةُ الاستشاريةُ العليا للمعرضِ التي تضمُّ نخبةً من علماءِ ومثقفي مصر عالمَ المصرياتِ الشهير الدكتور سليم حسن، شخصيةَ المعرضِ في دورته الجديدةِ، والكاتبَ الكبير يعقوب الشاروني شخصيةً لمعرضِ الأطفالِ.

كما تمَّ زيادةُ عددِ دورِ النشر المشاركة بمعرض الكتاب؛ حيث تقدَّمَ عددٌ كبيرٌ من دور النَّشر المصريةِ والعربية والأجنبية في دورة المعرض 2024، ليفوق العام الماضي كنتيجة للأداء المتميز، والخدمات المُقَدَّمَة من خلال المعرض لدور النشر.

وتأكيدًا على التواصلِ والاستمراريةِ في العطاء الحضاري المصري، تأتي كتبُ عميدِ الأدبِ العربيِ في معرضِ القاهرة للكتاب نموذجًا للتنوير، والمساهمة في تطوير الفكر الإبداعي للحضارة المصرية.

كما تَسْتَعِدُّ الهيئةُ العامةُ لقصورِ الثقافةِ لطباعةِ الأعمالِ الكاملةِ لعميدِ الأدبِ العربيّ؛ حيث من المقرَّرِ طرحُها في معرضِ القاهرة الدولي للكتاب خلال شهر يناير 2024، في إطار مرور 50 عامًا على رحيل الدكتور طه حسين.

كذلك تمَّ إعادةُ طبعِ أعمالِ يعقوب الشاروني رائدِ أدبِ الطفل؛ لعرضها بمعرضِ الكتابِ، كما قرَّرت الهيئةُ المصريةُ العامةُ للكتاب اختيارَه شخصيةَ معرضِ الكتابِ لجناح الطفل، خلال الدورة الخامسة والخمسين من معرض القاهرة الدولي للكتاب.

وفتحت الهيئةُ المصريةُ العامة للكتاب، بابَ استقبالِ الأعمال المُقَدَّمةِ لجوائز معرض القاهرة الدولي للكتاب الـ 55 لعام 2024، وتأتي جوائز معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام في ستة عشر فرعًا، منها: ثمانية في مجالات الإبداع، وهي: «النقدُ الأدبيّ- الروايةُ- القصةُ القصيرة- شعرُ الفصحى- شعرُ العامية- الكتابُ العلمي (الذكاء الاصطناعي) - العلومُ الإنسانية (الإعلام الجديد) - كتابُ الطفل»، بالإضافة إلى مجالين للشباب تحت سن 35 عامًا، وهما: "النقدُ الأدبيّ- العلومُ الإنسانية".

هناك أيضًا ستة جوائز أخرى تُمنح بالتعاون بين الهيئة المصرية العامة للكتاب وعدد من الهيئات الأخرى، وهي: جائزةُ أفضل كتاب في تحقيق التراث، وتمنحها الهيئةُ المصرية العامة للكتاب، بالتعاون مع دار الكتب والوثائق القومية. جائزةُ أفضل كتاب مترجم، وتمنحها الهيئةُ المصرية العامة للكتاب، بالتعاون مع المركز القومي للترجمة. جائزةُ أفضل كتاب مترجم للطفل، وتمنحها الهيئة المصرية العامة للكتاب، بالتعاون مع المركز القومي للترجمة. جائزةُ أفضل كتاب في الفنون "مجال السينما فرع السيناريو"، وتمنحها الهيئة المصرية العامة للكتاب، بالتعاون مع أكاديمية الفنون. جائزةُ أفضل ناشر مصري، وتمنحها الهيئة المصرية العامة للكتاب، بالتعاون مع اتحاد الناشرين المصريين. جائزةُ أفضل ناشر عربي، وتمنحها الهيئة المصرية العامة للكتاب، بالتعاون مع اتحاد الناشرين العرب.

كلُّ التوفيقِ لهذه الدورةِ المتميزة، وكلُّ الشكرِ لمؤسساتِ الدولةِ المصريةِ التي تضافرت جهودُها لإخراج هذا الحدثِ بما يليقُ بالدولةِ المصريةِ العريقةِ.

 

Dr.Randa
Dr.Radwa