أكد خبراء ومحللون سياسيون أن الدور المصري يعد حائط الصد أمام محاولات تصفية القضية الفلسطينية، مشددين على أن استقرار الشرق الأوسط يمر عبر بوابة واحدة وهي إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
جاء ذلك خلال ندوة "مستقبل الدور المصري في القضية الفلسطينية" والتي أقيمت على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب، اليوم الاثنين، بالتعاون مع المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.
وفي هذا الإطار، أكد اللواء محمد إبراهيم الدويري نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن القضية الفلسطينية تمر بمرحلة من أخطر مراحلها حيث تتعرض لمحاولات تصفية من قبل إسرائيل.
وقال اللواء محمد إبراهيم إن الدور المصري مهم للغاية لانه حائط الصد الأول أمام محاولة تصفية القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن القضية الفلسطينية هي قضية أمن قومي مصري أو ما يمكن تسميته بالأمن القومي المباشر.
وشدد على أن مصر لا تبحث عن دور في تاريخ القضية الفلسطينية، إنما الدور هو الذي يبحث عن مصر، مذكرًا بأن الرئيس الشهيد محمد أنور السادات وقع قبل معاهدة السلام بستة أشهر "إطار السلام" في الشرق الأوسط الذي تضمن البذرة الأولى لإقامة الدولة الفلسطينية.
ولفت إلى أن القاهرة تتمتع بعلاقات وطيدة مع كافة الفصائل الفلسطينية بلا استثناء سواء الموجودة في الضفة الغربية أو غزة أو الخارج، وتربطها ايضاً علاقات وطيدة مع السلطة الفلسطينية .
وأكد أن مصر دائماً وابدا تبذل الجهود في سياق القضية الفلسطينية في كل مراحلها، لافتا إلى أن القضية الفلسطينية بشكل عام وأحداث غزة بشكل خاص على رأس أولويات القيادة المصرية .
وأوضح أن هناك تحركات مصرية مقسمة إلى ثلاث مراحل تبدأ أولها باحتواء الأحداث حيث تحركت مصر بشكل عاجل، إذ أجرت اتصالات مكثفة مع كافة الأطراف، ثم تأتي المرحلة الثانية التي تتمثل في تثبيت المواقف حيث أكدت مصر مجموعة من المواقف منها رفض التهجير وسياسة العقاب الجماعي إضافة إلى فتح معبر رفح بشكل دائم، أما الثالثة فهي مرحلة طرح الحلول، منوهًا في هذا الصدد إلى أن مصر هي الدولة الوحيدة التي طرحت رؤية متكاملة للخروج من هذا المستنقع وتلك الأزمة، وتركز في الفترة المقبلة على هدنة وصولًا لوقف تام لإطلاق النار.
وتابع اللواء محمد إبراهيم أن مصر تتحدث دائمًا عن مستقبل القضية الفلسطينية بأن غزة والضفة وحدة جغرافية وسياسية واحدة مع وجود سلطة فلسطينية في القطاع، مسلطًا الضوء على رفض مصر الكامل لاحتلال قطاع غزة أو محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، وأنه لا أمن ولا أمان لإسرائيل بدون دولة فلسطينية وأن استقرار الشرق الأوسط يمر عبر بوابة واحدة وهي الدولة الفلسطينية المستقلة.
بدوره.. أكد الدكتور محمد أبو مطر رئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق، جامعة الأزهر بفلسطين، أن القضية الفلسطينية هي مسألة أمن قومي لمصر وأن الدور المصري يشكل حائط صد قوي أمام المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية.
وأضاف أبو مطر أن فلسطين بحكم الأمر الواقع والقانون الدولي ما زالت دولة تحت الاحتلال بحسب ما أكدت عليه محكمة العدل الدولية عام 2004، وأن إسرائيل لا تزال تتحكم بالسلطة الفعلية برًا وبحرًا وجوًا.
وتابع أن الشعب الفلسطيني هو شعب خاضع للاحتلال، مضيفًا: "نحن لا نخوض حربًا مع إسرائيل وإنما نتعرض لعدوان وجرائم إبادة جماعية".
ونوه إلى أن القانون الدولي يتيح للفلسطينيين استخدام كافة الوسائل والأساليب للتحرر بما فيها المقاومة المسلحة؛ لأن المقاومة هي حق أساسي يتمتع به الشعب الخاضع للاحتلال.
وشدد على أن إسرائيل لا تلتزم بالقانون الدولي وتنتهك كافة الاتفاقيات، فضلًا عن أن هناك محاولات إسرائيلية مستمرة للتنصل والتحايل على الالتزامات الدولية من خلال استخدام أساليب مكشوفة وأبرزها (التحذير المسبق) وإصدار أوامر الإخلاء، مشددًا في هذا الصدد على أن هذا الأسلوب في حد ذاته هو مخالفة جسيمة للقانون الدولي لأنه يعد استهدافًا للمدنيّين ويثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن إسرائيل حولت المدنيين لأهداف مشروعة.
وأبرز أن إسرائيل أرادت بعدوانها الأخير على قطاع غزة أن يعتاد المجتمع الدولي على مشهد سقوط الفلسطينيين وإراقة بحور من الدماء، مشيرًا إلى أن إسرائيل أصبحت تخدم السياسة الدولية من خلال استهداف الفلسطينيين.
وثمن الدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بتهمة ارتكابها جرائم الإبادة الجماعية، موضحًا أن تلك الدعوى دفعت العالم إلى النظر لدولة الاحتلال على أنها متهمة بارتكاب الجرائم المخالفة للقانون الدولي.
واستطرد قائلًا: لسنا في حاجة إلى إثبات أن إسرائيل ترتكب الجرائم بحق الفلسطينيين لأن الوضع على الأرض لا يثبت غير ذلك من خلال الأرقام الخاصة بالشهداء واستهداف الأطفال والنساء والبنى التحتية وكل مقومات الحياة من ماء وكهرباء واتصالات.
وأكد أن قرار محكمة العدل الدولية تجاه دعوى جنوب إفريقيا تعد انتصارًا للحقوق الفلسطينية لأن إسرائيل أصبحت ليست خارج القانون الدولي.
وخلص إلى أن الشعب الفلسطيني لا يستطيع أن يتصدى بمفرده للجرائم الإسرائيلية بل يجب أن تصبح معاقبة إسرائيل ومحاكمتها بكل الطرق توجها دوليًا.
أما الدكتور صبحي عسيلة، عضو الهيئة الاستشارية العليا ورئيس وحدة الرأي العام بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، فأكد، من جانبه، أن الرأي العام المصري، هو الداعم الأول للحكومة والقيادة المصرية في كافة سياساتها على مر السنوات الماضية، إذ يعكس الشعور الوطني وعلى رسوخ القضية الفلسطينية في عقيدة شعب مصر.
وأضاف عسيلة أنه بعد "أحداث السابع من أكتوبر"، لوحظ بشكل واضح رد فعل الرأي العام المصري، والذي ظهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، متابعًا أن هناك اتفاقًا ضمنيًا بين القيادة السياسية المصرية وبين الرأي العام المصري على الموقف من القضية الفلسطينية.
وأشار إلى أنه ظهر بشكل واضح اصطفاف الشعب المصري وراء القيادة السياسية، منبهًا بأن هناك تلاعبا في الرأي العام الدولي يحاول إقناع المصريين بأن معبر رفح غير مفتوح، وبالتالي يطالب الرأي العام بضرورة فتح المعبر لمرور المساعدات، لكن الموقف الرسمي واضح والشعب المصري الواعي يؤيد القيادة السياسية ويعي تلك الحملات المضادة.
من جانبه، أكد الدكتور محمد فايز فرحات، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن الأزمة الأخيرة في قطاع غزة كانت "كاشفة"؛ حيث أثبتت أن القوى الدولية غير مهتمة بهذه القضية و تتعامل مع الوضع الراهن وفقاً لمبدأ تحقيق الأهداف الشخصية وليس بغرض حل الصراع.
وقال فرحات إن النظام العالمي الحالي قائم على أساس الأحادية القطبية حيث تتحكم الولايات المتحدة الأمريكية في حركة القوى الدولية، و أنه رغم وجود قوى صاعدة تتمثل في روسيا والصين إلا أن قضايا الشرق الأوسط لا يتم التعامل معها من قبل تلك القوى، إلا فيما يخدم المصلحة الخاصة للدول المتحكمة في الوضع الدولي.
وذكر أن الولايات المتحدة تستخدم الأزمة في غزة لتوصيل عدة رسائل بأنها هي القوة الرئيسية الفاعلة والمعنية بإدارة الأزمة في الشرق الأوسط وحماية الأمن الإقليمي، و تريد الحفاظ على الردع الأمريكي للقوى الإقليمية في المنطقة وترسيخ تواجدها بالشرق الأوسط.
وشدد على أنه لا يجب أن نعول على المجتمع الدولي لحل الأزمة الراهنة، معتبرًا أن الأضرار التي لحقت بالنظام الدولي من خلال هذه الأزمة كانت كبيرة، أبرزها المعنية بقواعد القانون الدولي وحرية التجارة والعولمة واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.