الإثنين 29 ابريل 2024

مصـــــر والإمــــارات قدسية العلاقة وعزة العرب

الكاتب الصحفي أحمد أيوب

3-3-2024 | 19:56

بقلم: أحمد أيوب
قبل عشرين عامًا كانت وصية الشيخ زايد آل نهيان الأب المؤسس لدولة الإمارات العربية لأبنائه أن يكونوا دائمًا بجانب مصر، لأن هذا هو الطريق لعزة العرب، فمصر كما قال الشيخ زايد هى القلب النابض للأمة، وفى نهضتها نهضة للعرب.الوصية خلاصتها محبة وضعها الشيخ زايد فى قلب أبنائه الذين لم يحيدوا عن وصيته، بل حافظوا عليها وأكدوها مرارًا، فعلًا وليس قولًا. ما بين مصر والإمارات علاقة لها خصوصيتها، تزداد قوة يومًا بعد الآخر، علاقة بُنيت على قواعد صلبة، قوامها أخوة حقيقية ومحبة تسكن القلوب بالفعل، لا تحكمها مصالح ضيقة أو مكاسب خاصة تسعى إليها كل دولة، وإنما تقوم على روابط تاريخية وتواصل لا ينقطع وقناعة أكيدة بالمصير المشترك للشعبين والبلدين، ما يسعد الإمارات يسعدنا، وما يؤلمها يؤلمنا فى مصر، ما يجمع البلدين شعبًا وقيادة كثير، مساحات التوافق كبيرة، والتطابق شبه كامل فى المواقف من كل القضايا الإقليمية والعربية، من قضية فلسطين المحورية للعرب إلى ليبيا وسوريا، وكذلك رؤية البلدين لمواجهة التحديات المختلفة وأهمية استقرار المنطقة، أو مكافحة الإرهاب والتطرف، وصولًا إلى التوافق الكامل على ضرورة إرساء السلام والحوار بين الشعوب والبُعد عن الصراعات. فى المِحن تجد خصوصية العلاقة المتميزة بين مصر والإمارات تُترجم إلى واقع يلمسه الجميع، ويؤكد أنها أقوى من أى تحدٍّ، موقف مصر من دولة الإمارات على مدى خمسين عامًا منذ تأسيسها يعكس رؤية القاهرة الثابتة للأشقاء، وأن المبدأ الذى تسير عليه تجاه الإمارات هو لا تفريط ولا تهاون فى أمنها واستقرارها، ودعمها بلا حدود وبكل السبل، أمن الإمارات جزء لا يتجزأ من أمن مصر، واستقرارها استقرار لمصر. ومواقف الإمارات من مصر فى أشد الظروف تكشف أيضًا مدى الحرص على استقرارها وقوتها، كدولة تمثل ركيزة لا غنى عنها للعرب ومركز ثقل يحقق التوازن للمنطقة، وما حدث بعد ثورة الشعب المصرى ضد الجماعة الإرهابية 30 يونيو خير دليل على هذه العلاقة. ما بين الرئيس السيسى وأخيه الشيخ محمد بن زايد من توافق وتفاهم دائم خلال السنوات العشر الماضية هو أفضل ترجمة لخصوصية هذه العلاقة وقوتها ورسوخها، لعب الرئيسان دورًا فى أن تصبح العلاقة المشتركة أحد ثوابت الدولتين، حالة من الحوار الذى لا ينقطع والتشاور الدائم فى كل المناسبات والتوافق الكامل حول كافة القضايا، إدراك لأهمية وحدة المواقف العربية، إيمانًا بأن الخطر يهددنا جميعًا، والمؤامرات هدفها تفتيت الأمة العربية ونشر الفوضى فى ربوعها، وأن قوتنا فى تماسكنا ووحدتنا، ولهذا يقدم البلدان نموذجًا فى العلاقة القائمة على مبدأ التماسك العربى، ووحدة الرؤى. علاقة الرئيسين، السيسى وشقيقه محمد بن زايد، كانت السبب الأهم فى عبور البلدين من مطبات عديدة، وإفساد محاولات فتن كثيرة حاول المتربصون بنا صناعتها لإفساد العلاقة، بل على العكس تماما من كل هذه المؤامرات وصلت خصوصية العلاقات بين مصر والإمارات إلى ذروتها خلال السنوات العشر الماضية، لم تتوقف اللقاءات بين الزعيمين، بل زادت وتكررت كثيرًا، لقاءات قمة واتصالات وزيارات متبادلة على المستوى الرئاسى أو الوزارى، ونقاش متواصل من أجل مصلحة الشعبين والأمة العربية. ليس هذا فحسب، بل أكد الرئيس السيسى وشقيقه محمد بن زايد من خلال مواقفهما أن هناك اتفاقًا على قدسية العلاقة الاستثنائية بين البلدين، وضرورة الحفاظ على متانتها وحمايتها من كافة محاولات المساس بها، لقاءاتهما دائمًا رسالتها دعم وتوطيد ما بين البلدين والشعبين من علاقات وروابط ممتدة وضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ، والانتقال بها إلى مرحلة العلاقات الاستراتيجية على كافة المستويات. حتى إن حدث اختلاف أحيانًا بين البلدين حول بعض القضايا أو الأولويات، فهو اختلاف الأخوة الذى هدفه المصلحة المشتركة، ولكنه لا يمسّ أبداً جوهر العلاقة، ولا يؤثر على قوتها، بل يؤكد خصوصيتها والصراحة والشفافية التى بين قيادتى البلدين، وقدرتهما على إدارة العلاقة بتفاهم وصياغة رؤية مشتركة، لصالح الشعبين وتطوير العلاقات الثنائية. العلاقات الوطيدة بين القاهرة وأبو ظبى لم تُترجم فقط على المستوى السياسى ولا ما يخص الأمن القومى الذى لا يتجزأ، بل أيضا كانت، ومازالت، ترجمتها واضحة على المستوى الاقتصادى، فالإمارات هى الدولة الأولى استثمارًا فى مصر، حجم الاستثمارات الإماراتية فى مصر يتطور عامًا بعد الآخر، لدرجة أنها فى العام الأخير قفزت بمعدل تجاوز الـ300 فى المائة، أكثر من 1250 شركة إماراتية تعمل فى مصر فى كل المجالات، والشركات المصرية تصل استثماراتها فى الإمارات بنحو 4 مليارات درهم، التبادل التجارى أيضًا ارتفع بشكل غير مسبوق، الإمارات هى أكبر شريك تجارى عربى لمصر، ومصر هى خامس أكبر شريك عربى للإمارات. ومثلما يعتبر كل مصرى الإمارات بلده الثانى، فكل إماراتى يرى فى مصر موطنه الذى لا يشعر فيه بغربة، بل يعيش بين أهله وناسه فى محبة وإخاء. هذا الحجم من التقارب تجسد تمامًا فى صفقة الاستثمارات المباشرة بين مصر والإمارات فى منطقة رأس الحكمة التى تم توقيعها رسميًا هذا الأسبوع بإجمالى استثمارات بلغت 35 مليار دولار، الصفقة الاستثمارية الأضخم فى تاريخ مصر، وكانت كلمة السر فى إتمامها بنجاح مستوى العلاقة الأخوية بين الرئيس السيسى وابن زايد وإصرارهما على استكمالها، الصفقة ترسخ بحق معنى التعاون ورسالة الثقة الكبيرة بين البلدين، وأن ما بين مصر والإمارات أكبر بكثير مما يعتقده البعض، والمؤكد أن هذه الصفقة لن تكون الأخيرة، بل هى محطة تعاون جديدة، وخطوة بناء مشتركة تؤكد مجددًا أن رصيد المحبة لن ينتهى، ورباط المودة لن ينقطع، وأن لدى البلدين رغبة فى التنمية المشتركة التى تعود على الشعبين بالخير، وكما يؤكد كل المسئولين المصريين والإماراتيين فالقادم أفضل وأكبر بكثير، وكما جاءت صفقة رأس الحكمة، ومن قبلها اتفاقية مبادلة العملة بين مصر والإمارات، وعشرات المشروعات المشتركة، سوف تتلوها مشروعات أخرى، ربما لن تقل عن رأس الحكمة. أدام الله أخوة الشعبين والدولتين ركيزة استقرار ونماء.