الأربعاء 15 مايو 2024

رأس الحكمة.. وأسئلة الناس

الكاتب الصحفي عبد القادر شهيب

3-3-2024 | 20:21

بقلم: عبد القادر شهيب
لأنها صفقة ضخمة فى كل جوانبها ابتداء من مساحة الأرض التى سيقام عليها المشروع وحتى قيمة الأموال التى سوف تحصل عليها مصر فيها، فإن صفقة مشروع رأس الحكمة تلاحق بأسئلة كثيرة من عموم الناس، بل ومن بعض المختصين فى الاقتصاد أيضا، خاصة أن رئيس الحكومة وهو يعلن قبل أيام توقيع الاتفاق الخاص بهذه الصفقة اختزل أسئلة الحضور فى عدد محدود من الأسئلة صاغها المذيع بنفسه، كما قال ولم يمنح الفرصة للحضور لاستجلاء المزيد من المعلومات حول هذه الصفقة الضخمة التى تعد هى الاستثمار الأجنبى الأضخم لنا فى صفقة واحدة سوف نحصل فيها على 24 مليار دولار فى غضون شهرين منها عشرة مليارات مع نهاية هذا الأسبوع، فضلا عن استبدال نحو ١١ مليار دولار من ودائع الإمارات لدى البنك المركزى المصرى بالجنيه المصرى واستخدامها فى تمويل هذا المشروع الضخم. والسؤال الأول من أسئلة الناس هو ما طبيعة هذا المشروع؟ لقد قال الدكتور مصطفى مدبولى أن هذا المشروع سوف يتضمن إنشاء مبانٍ سياحية وفندقية ومبانٍ سكنية ومنشات خدمية وإنشاء محطة لتحلية مياه البحر ومطار، مشيرا إلى أن الاستثمارات فى هذا المشروع قد تبلغ مع نهايته نحو 150 مليار دولار. وقال أيضا أن مصر سوف تشارك فى الأرباح بنسبة 35 فى المائة، وذلك يعنى أن مبلغ 35 مليار دولار التى ستحصل عليها مصر (24 مليار دولار نقدا، و11 مليارا سوف يتم شطبها من ديوننا الخارجية) ليس ثمنا للأرض التى سيقام عليها المشروع والتى تبلغ نحو 40 ألف فدان، وهذا ما قالته الشركة الإماراتية فى بيانها حينما أكدت أنها حصلت على حق تطوير المشروع ولم تقل إنها حصلت على الأرض بالبيع أو بحق الانتفاع.. لكن الناس تريد أن تعرف بوضوح أكثر أن مشاركة مصر فى الأرباح تعنى مشاركتها فى استثمارات المشروع وأصوله أيضا بقيمة الأرض، كما تريد أن تتأكد أن المبلغ الكبير الذى سنحصل عليه سوف نتيح مقابله بالجنيه المصرى لتمويل المشروع، وأننا حصلنا عليه مقدما فى الإطار السياسى الذى يحتوى هذه الصفقة أيضا، فإن الشركة الإماراتية التى سوف تتكفل بتنفيذ المشروع هى شركة مدعومة من قبل القيادة الإماراتية ويرأسها من ينتمى إليها، فضلا عن أن الاتفاق يشمل تحويل 11 مليار دولار من ودائع الإمارات فى البنك المركزى المصرى إلى تمويل بالجنيه المصرى للمشروع، وهذا قرار سياسى حكومى إماراتى بالقطع.. ولعل ذلك يرد على تحفظات البعض بخصوص هذا المشروع استنادا إلى تراجع شركة إماراتية قبل سنوات عن اتفاق سابق لبناء العاصمة الإدارية الجديدة.. فاتفاق مشروع رأس الحكمة ليس مع شركة إماراتية مهمة فقط إنما هو اتفاق مع حكومة الإمارات أيضا، فضلا عن أنه تعاقد وليس مجرد اتفاق نوايا يعقبه مفاوضات لإبرام اتفاق فيما بعد. والسؤال الثانى الذى يريد الناس معرفة إجابته هو من هم الشركاء المصريون مع الشركة الإماراتية فى هذا المشروع؟ وهذا لم يتحدث فيه الدكتور مصطفى مدبولى فى مؤتمره الصحفى المختصر، رغم أن المناسبة والحدث كان يقتضى منه الإفاضة فى الحديث والشرح وإتاحة كل المعلومات أمام المصريين، خاصة أنه قال إن مباحثات تجرى الآن مع شركاء عرب آخرين لتنفيذ مشروعات أخرى مماثلة، تردد أنهم شركاء سعوديون وشركاء قطريون. لقد تردد اسم واحد فقط من الشركاء المصريين فى مشروع رأس الحكمة وهو رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، وذلك استنادا إلى مشاركته لشريك إماراتى فى صفقة الفنادق التاريخية التى فاز بها قبل شهور.. وعلى الحكومة فى إطار الشفافية الذى يتعين أن تعمل فيه أن تفصح عن كل المعلومات الخاصة بهذا المشروع.. فإذا كانت مرحلة المباحثات التى سبقت التوصل إلى اتفاق المشروع كانت تحتاج لسياسة عدم الإفصاح، فإن الأمر تغير بعد إبرام الاتفاق وإعلان نتيجته، حتى لا يكون هناك مجال للتخمينات والاستنتاجات والشائعات والقيل والقال.. نعم إن استثمار الشركة الإماراتية فى هذا المشروع بالجنيه المصرى يجعلنا نستنتج أن هناك شركات مصرية سوف تشاركها العمل فيه، وبالتالى سيكون لها شركاء ومتعاملون مصريون معها، فضلا بالطبع عن الأيدى العاملة المصرية.. وهذا ما يتعين على الحكومة أن توضحه بجلاء للمصريين الذين يهمهم بالطبع معرفة كل شىء عن هذا المشروع. والسؤال الثالث يتعلق بمليارات الدولارات التى سوف تحصل عليها الحكومة بعد إبرام اتفاق هذه الصفقة والتى تبلغ نحو 24 مليار دولار نقدا، و11 مليار دولار مودعة فى البنك المركزى من قبل الحكومة الإماراتية على مدى عدة سنوات.. ماذا ستفعل بها الحكومة وكيف سوف تتصرف فيها؟ وبالطبع الإجابة البديهية أن الحكومة سوف تستخدم هذه الأموال فى سد الفجوة التمويلية الدولارية الكبيرة، حتى تنفرج الأزمة الدولارية الكبيرة فى ظل التزامات دولارية هى الأكبر هذا العام بالقياس للأعوام السابقة لتزايد أعباء الديون الخارجية من جهة وتراجع مواردنا من النقد الأجنبى من جهة، والذى بدأ بانخفاض تحويلات العاملين بالخارج العام الماضى بنسبة 35 فى المائة لاتساع الفجوة بين السعر الرسمى للدولار والسعر غير الرسمى فى السوق السوداء، ثم بدأت إيرادات قناة السويس تتراجع بنسبة تجاوزت 40 فى المائة لاضطراب الأمن فى البحر الأحمر وتحول عدد من شركات النقل إلى طريق رأس الرجاء الصالح. ويريد الناس أن يتأكدوا أن الحكومة سوف تستخدم هذه الأموال الكبيرة من النقد الأجنبى فيما هو ضرورى، ولن تعود إلى تمويل استيراد سلع لا تمثل أولوية لنا مثل الغذاء والدواء ومستلزمات الإنتاج، فضلا عن أعباء الديون الخارجية بالطبع التى لم تتوقف مصر عن الوفاء بها خلال العامين الماضيين، بعد أن هجرتنا الأموال الساخنة وتركتنا نعانى ضغوط شُح النقد الأجنبى، فرغم كبر المبلغ الذى سوف نحصل عليه على دفعتين وخلال شهرين إلا أننا يتعين أن نستمر فى سلك طريق الحل النهائى والدائم لأزمة النقد الأجنبى حتى لا نواجه ذات الأزمة التى واجهناها منذ عامين وبلغت ذروتها بداية هذا العام.. وهذا السبيل الذى أكده الرئيس السيسى يلزمنا بتخفيض إنفاقنا من النقد الأجنبى، بتخفيض وارداتنا من الخارج التى يمكننا الاستغناء عنها، وهى تمثل نسبة ثلث وارداتنا، مع زيادة مواردنا من النقد الأجنبى.. وإذا عالجنا مشكلة السعرين للعملة وتخلصنا من السوق السوداء لها يمكننا استعادة ارتفاع تحويلات العاملين بالخارج، فإن زيادة صادراتنا تحتاج إلى وقت لأنه يقتضى زيادة إنتاجنا الصناعى والزراعى الذى يمكننا تصديره، وهذا يحتاج بالطبع لزيادة استثماراتنا الوطنية والأجنبية فى ظل بيروقراطية لم نتخلص من متاعبها بعد. باختصار يريد الناس أن تؤكد الحكومة لهم أن المبلغ الكبير من مليارات الدولارات الذى سوف تحصل عليه لن تستخدمه فى استيراد ما هو غير ضرورى ولا يمثل أولوية لنا الآن، ولا فى تمويل مشاريع جديدة لها مكون أجنبى، وأنها مستمرة فى التوقف عن تنفيذ مثل هذا النوع من المشاريع، مثلما هى ملتزمة بترشيد الاقتراض من الخارج حتى لا نواجه مجددا ضغوطا وأعباء كبيرة للديون الخارجية كما حدث مؤخرا. أما السؤال الرابع الذى يراود الناس بالطبع، فهو ماذا سيعود عليهم من هذا المشروع الكبير الضخم الذى سيوفر مكانا سياحيا وترفيهيا فاخرا لأصحاب الدخول العالية ومن يملكون المال الغزير ويوفر وحدات سكنية ليس فى مقدور أصحاب الدخول المحدودة وربما المتوسطة اقتناءها؟ ولابد أن تقدم الحكومة للناس إجابة مقنعة وشافية تترجم على أرض الواقع عمليا وبشكل عاجل أيضا، خاصة أن المشروع سوف يبدأ العمل الجاد والواسع فيه العام المقبل، أى أن توفير فرص العمل الذى يعد أحد المكاسب التى سيوفرها للناس العاديين لن يكون متاحا قبل عام تقريبا.. لذلك على الحكومةْ أن تشرح للناس أنها خططت للاستفادة فى التدفق النقدى الذى يوفره المشروع لها فى السيطرة على السوق السوداء للعملة والتخلص منها وحماية الجنيه المصرى من الانجراف فى طريق الهبوط الذى دفعه المضاربون له فى هذه السوق السوداء، وبذلك سوف يصير فى مقدور الحكومةَ السيطرة على الغلاء والتضخم الذى انفلت عياره العام الماضى والذى أرهق أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة.. ويريد الناس تأكيدات من الحكومة أنها ستضع نصب عينيها علاج هذه المشكلة وتجعلها على رأس أولوياتها، وأنها ستعمل بشكل جاد بعد أن تحررت من ضغوط أزمة النقد الأجنبى فى مكافحة الاحتكارات التى تسيطر على السوق المصرى، ومضت خلال الشهور الماضية فى رفع الأسعار بشكل مغالى فيه وراكموا أرباحا ضخمة من جيوب الغلابة غير مكترثين بأنينهم وشكواهم من الغلاء الصعب. باختصار الناس تريد أن تتأكد أن الحكومة بهذا المشروع الكبير الضخم فى رأس الحكمة لم تحل مشكلتها هى فقط، وإنما سوف تحل بما سيعود إليها من هذا المشروع مشكلتهم هم أيضا.. وإذا كانت الحكومة قد عانت من أزمة النقد الأجنبى قيراطا فإن عموم الناس تحملوا 24 قيراطا، أى أن الناس تحملوا أضعاف أضعاف ما تحملته الحكومة.. فهم رغم الزيادات المتكررة فى أجور قطاعات منهم صدمتهم الزيادات الضخمة فى الأسعار، خاصة أسعار الغذاء، والتى التهمت كل زيادة حصلوا عليها فى الأجور والمرتبات، خاصة أن زيادات الأسعار شملت كل شىء، ما يستورد من الخارج وما ينتج فى الداخل.. وشملت أيضا السلع والخدمات التى رفع من يقدمونها تسعيرتها ابتداء من سعر خدمة السباكة وحتى كشف الأطباء وأسعار التحاليل والأشعة! إن الناس يريدون أن يتأكدوا أننا إزاء انفراجة لأزمة الغلاء القاسى وأن انتظارنا لهذه الانفراجة لن يطول، وعلى الحكومة أن تؤكد لهم ذلك عمليا وليس بالكلام فقط.