هدف ذهبى فى توقيت قياسى.. الدبلوماسية الرئاسية ذراع الدولة لجذب الاستثمار المباشر
صورة أرشيفية
الدبلوماسية الرئاسية بلا شك هى البطل الرئيسى فى تحويل الصفقة الاستثمارية الأكبر فى تاريخ مصر إلى واقع ملموس، وأقصد مشروع تنمية رأس الحكمة بالشراكة مع الشقيقة الإمارات، وهنا الأرقام لها دلالة واضحة، ناهيك عن أنها تجعل النجاح فى حسن الإدارة، وبراعة الأداء، ودقة التخطيط يتحدث عن نفسه بدون تجميل للكلمات أو تزيين للعبارات، بداية من مساحة المدينة البالغة 40 ألف و600 فدان لتكون هى الأضخم على الإطلاق فى دفتر أحوال مشروعات التطوير العقارى “كومباوند” ببلدنا الحبيبة، مرورا بضخ 35 مليار دولار خلال شهرين فى شرايين الاقتصاد الوطنى، وهو الرقم الأضخم محليا فى كل الفترات ومختلف العهود كاستثمار مباشر، وما أدراك ما هذا المبلغ العظيم إبان تلك المرحلة الصعبة فى عمر الاقتصاد العالمى والمحلى على السواء، مع حصولنا على 35 بالمئة من أرباح المشروع طبقا لشروط والتزامات محددة، ثم إتاحة فرصة تدفق 8 ملايين سائح على هذه المنطقة الخلابة كخطوة رئيسية لتحقيق حلم وصول عدد السائحين القادمين للمحروسة إلى 50 مليون سائح، وصولا إلى 150 مليار دولار متوقع استثمارها بطول المدى الزمنى لتنفيذ هذه المدنية العالمية على أرض مصرية.
صحيح المكاسب التى ستعود على المصريين من هذه الشراكة العملاقة لا يمكن اختصارها فى الإحصائيات التى تم الإعلان عنها تصريحا، لأن هناك مغانم متعددة تلميحا، ستتم ترجمتها إلى أرقام أخرى فائقة بمرور الوقت، وحسب سرعة دوران عجلة العمل فى مجالات مختلفة، وقطاعات متتابعة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، أن هذا المشروع سيكون رأس الحربة فى تسريع استراتيجية تنمية مصر 2052 تجسيدا للجمهورية الجديدة، وأيضا يفتح أبواب تنمية الساحل الشمالى على مصراعيها خصوصا أنه يمتد من رفح شرقا وحتى السلوم غربا بطول 1050 كيلو متر كواحد من أطول سواحل البحر المتوسط فى شمال القارة السمراء، مما يمهد لظهور مجتمعات عمرانية متكاملة الخدمات، ومدن جديدة جميلة الأوصاف، عظيمة العائدات، وبالطبع ستوفر هذه المنظومة التعميرية الجبارة ملايين فرص العمل، بحكم أنه من المعلوم بالضرورة أن غالبية الشركات ومعظم المصانع المحلية ستعمل بطاقتها القصوى لتوفير مستلزمات البناء والتشييد، وبالتالى سيجد شبابنا المليون فرصة عمل التى يحتاجها سنويا، تكلفة الواحدة منها حسبما يقول البنك الدولى من 25 إلى 30 ألف دولار، وسأترك لكم تحويلها إلى الجنيه لأن سعر العملة الخضراء ماركة إيزنهاور فى النازل منذ الإعلان عن توقيع الصفقة الاستثمارية الكبرى، وهذا مكسب آخر، وأمل طال انتظاره فى ظل مضاربات تجار العملة معدومى الضمير، قليلى الوطنية.
وقناعتى الشخصية أن الدبلوماسية الرئاسية قطعت خطوات واسعة بعيدا عن الكاميرات، وبدون التصريحات الرنانة أو الوعود البراقة لكى تخرج للنور هذه الشراكة الاستثمارية غير المسبوقة بين البلدين الشقيقين، بالتأكيد من المحاور الحيوية مشروعات البنية التحتية والأساسية التى اشتغلت عليها الحكومة خلال السنوات العشرة الأخيرة لخدمة خطط الدولة على مدى قرابة الـ 100 سنة القادمة من طرق متعددة الحارات، ووسائل نقل حديثة، وفائقة السرعة لربط المدن والموانئ والمناطق الصناعية والاقتصادية على البحرين الأحمر والمتوسط، بالتضافر مع مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة لإقامة مجتمعات مستدامة وخضراء، لكن ما كانت هذه الغاية لتتحقق فى غياب التدخل الحاسم، والدعم النافذ من الرئيس عبدالفتاح السيسى بالتكاتف يدا بيد مع أخيه الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات، وهذا ما عبر عنه صراحة د. مصطفى مدبولى أكثر من مرة خلال كلمته بحفل مراسم توقيع الصفقة، عندما شكر القيادتين بالاسم على الدعم الكامل، والتوجيه للفريقين من الدولتين بالإسراع بالتنفيذ حتى يرى المشروع الضخم النور فى وقت قياسى.
بل إن هذه الدبلوماسية الرئاسية دفعت الكثير من المتابعين السياسيين، والوفير من المحللين الاقتصاديين للاعتراف بتقصيرهم فى قراءة المشهد خلال الفترة الفائتة، وأنه خانهم التوفيق فى معرفة ما بين السطور عبر البيانات الرسمية للملتقيات الأخوية بين الزعيمين، والاجتماعات الثنائية بين الرئيسين، فتتابع الجولات الرئاسية بين القاهرة وأبو ظبى، ثم اللقاءات الودية المتكررة فى العلمين، فركة كعب من رأس الحكمة، على ما يبدو كانت هى الجلسات التحضيرية الضيقة للاتفاق على الخطوط العريضة لهذه الشراكة الاستثمارية النافعة للبلدين، والمؤيدة من الشعبين، ثم بعده جاء الدور على الوفدين الحكوميين لوضع السيناريوهات، والتفاوض على البنود، والتوافق على الضوابط، وتحديد الالتزامات والواجبات، ثم الانتهاء من التفاصيل الفنية، وتخليص الإجراءات الإدارية، وصولا إلى موعد الإعلان والتوقيع على العقود، وهنا ما كانت السرية التامة حصلت، ولا التحركات التفاوضية خفيت عن أنظار المتلصصين، ولا عيون المتربصين بالبلدين من ناحية، والمتآمرين على المشروع من ناحية أخرى لولا سيطرة مؤسستى الرئاسة على مقاليد الأمور، ودفة قيادة سفينة الشراكة، وقطار الاستثمار المنطلق بين العاصمتين الشقيقتين.
الدبلوماسية الرئاسية من حقها أن نرفع لها القبعة على طريقة اللعبة الحلوة، والخطة المحكمة، والتنسيق السديد، فقد سارت مراحل الصفقة التاريخية بهدوء بين الزعيمين حتى استوت على نار هادئة، ونضجت كالثمرة الرطبة التى حان وقت قطفها، فتم الإعلان بدون مقدمات طويلة من الجانبين، ولا أحاديث كثيرة من الوفدين، وكان شعارهما “استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان” منعا لعين الحسود، ووقاية من ألسنة أهل الشر الحداد، الكارهين لكل إنجازات الوطن عمال على بطال، المترصدين له بالشائعات الهدامة، والأكاذيب المصنوعة، وكم فرح فيهم المصريون بعد أن طلعت افتراءاتهم فنكوش، وكل كلامهم فى حق البلاد «على فشوش»، فها هو رئيس الوزراء يؤكد على الهواء مباشرة، بحضور كبار مسئولى البلدين، وفى وجود وسائل الإعلام من كل حدب وصوب، أن تنمية مدينة رأس الحكمة تأتى فى إطار مخطط التنمية العمرانية لمصر لعام 2052، الذى وضعته الدولة المصرية، وتم البدء فى تنفيذه منذ تولى الرئيس السيسى المسئولية، وليس هذا فسحب، بل إن المشروع شراكة بين الدولتين الشقيقتين، هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة تمثل مصر، وشركة أبو ظبى التنموية القابضة من الجانب الإماراتى، وألقم كل المتنطعين عن جهل أو قصد حجرا أفحمهم بالإشارة إلى أن هذه الشراكة تمت بنفس الآلية التى تعتمد عليها الدولة مع جميع المطورين والقطاع الخاص، فلا تفريط ولا إفراط، وكانت الرسالة الجامعة المانعة أن الشعب المصرى العظيم أثبت وعيه الكامل، وثقته وإيمانه بالقيادة السياسية، وحرصه الشديد على استقرار دولته، وما أجمله من ختام، وما أحسنه من منتهى.. حمى الله مصر وشعبها وقيادتها ومؤسساتها الوطنية من كل سوء.